الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَجِبُ الْهِجْرَةُ عَلَى مَنْ يَعْجِزُ عَنْ إِظْهَارِ دِينِهِ فِى دَارِ الْحَرْبِ، وَتُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ.
ــ
أنْ لا تَعْمَلَ بَعْدَها». رَواه أبو داود (1). وعن عُثمانَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، قال: سَمِعْتُ رِسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «حَرَسُ لَيْلَةٍ في سَبِيلِ اللَّهِ، أفْضَلُ مِنْ ألفِ لَيْلَةٍ، قِيَامِ لَيْلِهَا، وصِيَامِ نَهَارِهَا» . روَاه ابنُ سَنْجَرَ (2).
1391 - مسألة: (وتَجِبُ. الهِجْرَةُ على مَن يَعْجِزُ عن إظْهارِ دِينِه في دارِ الحَرْبِ، وتُسْتَحَبُّ لِمَن قَدَر عليه)
الهجرةُ: هى الخروجُ مِن دارِ الكُفْرِ إلى دارِ الإِسْلامِ. قال اللَّهُ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} (3) الآيات. ورُوِىَ عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم
(1) في: باب في فضل الحرس في سبيل اللَّه عز وجل، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 9، 10.
(2)
هو محمد بن سنجر، أو محمد بن عبد اللَّه بن سنجر الجرجانى، صاحب المسند، المتوفى سنة ثمان وخمسين ومائتين. قال الذهبى: ويعزُّ وقوع حديثه لنا. تذكرة الحفاظ 2/ 578، 579. والحديث أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 1/ 61، 64، 65.
(3)
سورة النساء 97.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنَّه قال: «أنا بَرِئٌ مِنْ مُسْلِمٍ بَيْنَ مُشْرِكِين» . رَواه أبو داودَ، والنَّسائِىُّ، والتِّرْمذِىُّ (1). ومَعْناه: لا يكونُ بموْضِعٍ يَرى نارَهم ويَرَوْنَ نارَه إذا أُوقِدَتْ. في آىٍ وأخْبارٍ سِوَى هذَيْن كثيرٍ.
فصل: وحُكْمُ الهِجْرَةِ باقٍ، لا يَنْقَطِعُ إلى يوم القِيامَةِ. في قولِ عامَّةِ أهلِ العِلْمِ. وقال قومٌ: قد انْقَطَعَتِ الهِجْرَةُ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا هِجْرةَ بَعْدَ الفَتْحِ» (2). وقال: «قَدِ انْقَطَعَتِ الهِجْرَةُ، ولكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ» (2). ورُوِىَ أنَّ صَفْوانَ بنَ امَيَّةَ لمّا أسْلَمَ، قيل له: لا دِينَ لِمَن لم يُهاجِرْ. فأتَى المدينةَ، فقال له النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«مَا جَاءَ بِكَ أبا وَهْبٍ؟» قال: قيل: إنَّه لا دِينَ لِمَن لم يُهاجِرْ. قال: «ارْجِعْ أُبا وَهْبٍ إلَى أباطِحِ مَكَّةَ، أَقِرُّوا عَلَى مَسَاكِنِكُمْ، فَقدِ انْقَطَعَتِ الهِجْرَةُ، وَلكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ» . روَى ذلك كلَّه سعيدٌ (3). ولَنا، ما روَى مُعاوِيَةُ، رَضِىَ اللَّه
(1) أخرجه أبو داود، في: باب النهى عن قتل من اعتصم بالسجود، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 43. والترمذى، في: باب ما جاء في كراهية المقام بين أظهر المشركين، من أبواب السير. عارضة الأحوذى 7/ 104، 105.والنسائى، في: باب القود بغير حديدة، من كتاب القسامة. المجتبى 8/ 32.
(2)
انظر تخريج حديث: «وإذا استنفرتم فانفروا» المتقدم في صفحة 8.
(3)
في: باب من قال: انقطعت الهجرة، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 137.
كما أخرجه النسائى، في: باب ذكر الاختلاف في انقطاع الهجرة، من كتاب البيعة. المجتبى 7/ 131.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلَاْ تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» . رَواه أبو داودَ (1). ورُوِىَ عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، قال:«لَا تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ مَا كَانَ الجِهَادُ» . رَواه سعيدٌ (2)، وغيرُه. مع إطْلاقِ الآياتِ والأخْبارِ الدَّالَّةِ عليها، وتحقُّقِ المعْنَى المُقْتَضِى لها في كلِّ زمانٍ. وأمَّا الأحادِيثُ الأُوَلُ، فأرادَ بها: لا هِجْرَةَ بعدَ الفَتْحِ مِن بَلَدٍ قد فُتِح. وقَوْلُه لِصَفْوانَ: «إنَّ الهِجْرَةَ قَدِ انْقَطَعَتْ» . يَعْنِى مِن مَكَّةِ؛ لأنَّ الهِجْرَةَ الخُروجُ مِن بَلَدِ الكُفّارِ، فإذا فُتِحَ لم يَيْقَ بَلَدَ الكُفّارِ، فلا تَبْقَى منه هِجْرَة. وهكذا كلُّ بَلَدٍ فُتِحَ لا تَبْقَى منه هِجْرَةٌ، إنَّما الهِجْرَةُ النِّيَّةُ.
فصل: والنّاسُ في الهِجْرَةِ على ثَلَاثةِ أضْرُبٍ؛ أحدُها، مَن تَجِبُ عليه، وهو مَن يَقْدِرُ عليها، ولا يُمْكِنُه إظْهارُ دِينه، أوْ لا يُمْكِنُه إقامَةُ
(1) في: باب في الهجرة، هل انقطعت؟، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 3.
كما أخرجه الدارمى، في: باب أن الهجرة لاتنقطع، من كتاب السير. سنن الدارمى 2/ 240. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 99.
(2)
في: باب من قال: انقطعت الهجرة، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 138.
كما أخرجه النسائى، في: باب ذكر الاختلاف في انقطاع الهجرة، من كتاب البيعة. المجتبى 7/ 131. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 192، 4/ 62، 5/ 270، 363، 375.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَاجباتِ دِينه مع المُقامِ بينَ الكُفّارِ، فهذا تَجِبُ عليه الهِجْرَةُ؛ لقولِ اللَّهِ تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (1). وهذا وَعِيدٌ شديدٌ يَدُلُّ على الوُجُوبِ. ولأنَّ القِيامَ بواجِبِ دِينِه واجِبٌ على مَن قَدَر عليه، والهِجْرَةُ مِن ضَرُورَةِ الواجِبِ وتَتِمَّتِه، وما لا يَتمُّ الواجِبُ إلَّا به فهو واجِبٌ. والثانى، مَن لا هِجْرَةَ عليه، وهو مَن يَعْجِزُ عنها، إمّا لمَرضٍ، أو إكراهٍ على الإِقامَةِ، أو ضَعْفٍ؛ مِن النِّساءِ والوِلْدَانِ وشِبْهِهم، فهذا لا هِجْرَةَ عليه؛ لقولِ اللَّه تعالى:{إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)} (2). فهذه لا تُوصَفُ باسْتِحْبابٍ؛ لعَدَمِ القُدْرَةِ عليها. الثالثُ، مَن تُسْتَحَبُّ له، ولا تَجِبُ
(1) سورة النساء 97.
(2)
سورة النساء 98.