الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنِ اسْتُؤْجِرَ لِلْجِهَادِ مِمَّنْ لَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْعَبِيدِ وَالْكُفَّارِ،
ــ
فصل: فأمّا تَفْضِيلُ بعضِ الغانِمِين على بعضٍ، فإن كان على سَبيلِ النَّفَلِ لبعضِهم زِيادَةً على سَهْمِه، فقد ذَكَرْناه في الأنْفالِ، فأمَّا غيرُ ذلك، فلا يَجُوزُ، لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قَسَم للفارِسِ ثلاثَةَ أسْهُمٍ، وللرّاجِلِ سَهْمًا، وسَوَّى بينَهم. ولأنَّهم اشْتَرَكُوا في الغَنِيمَةِ على سبيلِ التَّسْوِيَةِ، فتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بينَهم، كسائِرِ الشُّرَكاءِ، ولأنَّه يُفْضِى إلى إيقاعِ العَداوَةِ بينَهم، وإفْسادِ قُلُوبِهم.
1460 - مسألة: (ومَن اسْتُؤْجِرَ للجِهادِ ممَّن لا يَلْزَمُه مِن العَبِيدِ
فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الأُجْرَةُ.
ــ
والكُفّارِ، فليس له إلَّا الأُجْرَةُ) إذا اسْتَأْجَرَ الإِمامُ قَوْمًا يغْزُون مع المسلمين، لم يُسْهِمْ لهم، وأُعْطُوا ما اسْتُؤْجِرُوا به. نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوايَةِ جماعةٍ، فقال، في رِوايَةِ عبدِ اللَّهِ، وحَنْبَل، في الإِمامِ يَسْتَأْجِرُ قَوْمًا يَدْخُلُ بهم في بلادِ العَدُوِّ: لايُسْهِمُ لهم، ويُوفِى لهم بما اسْتُؤْجِرُوا عليه. وقال القاضِى: هذا مَحْمُولٌ على اسْتِئْجارِ مَن لا يَجِبُ عليه الجِهادُ، كالعَبِيدِ والكُفّارِ. أمّا الرِّجالُ المسلمون الأحْرارُ، فلا يَصِحُّ اسْتِئْجارُهم على الجِهادِ؛ لأنَّ الغَزْوَ يتَعَيَّنُ بحُضُورِه على مَن كان مِن أهْلِه، فإذا تَعَيَّنَ عليه الفَرْضُ، لم يَجُزْ أن يَفْعَلَه عنه غيرُه، كمَن عليه حِجَّةُ الإِسْلامِ، لا يَجُوزُ أن يَحُجَّ عنه غيرُه. وهذا مَذْهَبُ الشافعىِّ. قال شيْخُنا (1): ويَحْتَمِلُ أن يُحْمَلَ كلامُ أحمدَ على ظاهِرِه، في صِحَّةِ الاسْتِئْجارِ على الغَزْوِ لمَن لم يَتَعَيَّنْ عليه. وهو ظاهِرُ ما ذَكَرَه الخِرَقِىُّ؛ لِما روَى أبو داودَ (2)، بإسْنادِه، عن عبدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍو، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم
(1) في: المغنى 13/ 164.
(2)
في: باب الرخصة في أخذ الجعائل، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 16.
كما أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند 2/ 174.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: «لِلْغَازِى أجْرُهُ، ولِلْجَاعِلِ أجْرُهُ وَأجْرُ الغَازِى» . وروَى سعيدُ ابنُ منصورٍ (1)، عن جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الَّذِينَ يَغْزُونَ مِنْ أُمَّتِى ويَأْخُذُونَ الْجُعْلَ، وَيَتَقَوَّوْنَ بهِ عَلَى عَدُوِّهِمْ، مَثَلُ أُمِّ مُوسَى، تُرْضِعُ وَلَدَها، وتَأْخُذُ أجْرَهَا» . ولأنَّه أمْر لا يَخْتَصُّ فاعِلُه أن يكُونَ مِن أهْلِ القُرْبَةِ، فصَحَّ الاسْتِئْجارُ عليه، كبِناءِ المساجِدِ، أو لم يتَعَيَّنْ عليه الجهادُ، فصَحَّ أن يُؤْجِرَ نَفْسَه عليه، كالعَبْدِ. ويُفارِق الحَجَّ، حيثُ إنَّه ليس (2) بفرْضِ عَيْنٍ، وإنَّ الحاجَةَ داعِيَةٌ إليه، وفى المَنْعِ مِن أخْذِ الجُعْلِ عليه تَعْطيلٌ له، ومَنْعٌ له ممّا للمسلمين فيه نَفْعٌ، وبهم إليه حاجَة، فيَنْبَغِى أن يجوزَ، بخِلافِ الحَجِّ. إذا ثَبَت هذا، فإن قُلْنا بالأوَّلِ، فالإِجارَةُ فاسِدَةٌ، وعليه رَدُّ الأُجْرَةِ، وله سَهْمُه؛ لأنَّ غَزْوَه بغيرِ أُجْرَةٍ. وإن قُلْنا بصِحَّةِ الإِجارَةِ، فظاهِرُ كلامِ أحمدَ، والخِرَقِىِّ، أنَّه لا يُسْهَمُ له؛ لِما روَى أبو داودَ (3)، بإسْنادِه، عن يَعْلَى بنِ مُنْيَةَ (4)،
(1) في: باب ما جاء في الرجل يغزو بالجعل، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 141.
كما أخرجه البيهقى، في: باب ما جاء في كراهية أخذ الجعائل، من كتاب السير. السنن الكبرى 9/ 27.
(2)
في م: «ليست» .
(3)
في: باب الرجل يغزو بأجر الخدمة، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 16. والبيهقى، في: باب من استأجر إنسانا للخدمة في الغزو، من كتاب السير. السنن الكبرى 9/ 29.
(4)
في م: «منير» . والمثبت من مصادر التخريج.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: أذَّنَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالغَزْوِ وأنا شيْخٌ كبيرٌ ليس لى خادِمٌ، فالْتَمَسْتُ أجِيرًا يَكْفِينى، وأُجْرِىَ له سَهْمَه، فوَجَدْتُ رَجُلًا، فلما دَنا الرَّحِيلُ، قال: ما أدْرِى ما السُّهْمانُ؟ وما يَبْلُغُ سَهْمِى؟ فَسَمِّ لى شيئًا كان السَّهْمُ أو لم يَكُنْ. فسَمَّيْتُ له ثلاثةَ دنانيرَ، فلمّا حضَرَتْ غَنِيمَةٌ أرَدْتُ أن أُجْرِىَ له سَهْمَه، فذَكَرْتُ الدَّنانيرَ، فجِئْتُ إلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فذَكَرْتُ له أمْرَه، فقال:«مَا أجِدُ لَهُ فِى غَزْوَتِه هذِهِ فِى الدُّنْيَا والآخِرَةِ إلَّا دَنَانِيرَهُ الَّتِى سَمَّى» . ولأنَّ غَزْوَه بعِوَضٍ، فكأنَّه واقِعٌ مِن غيرِه، فلم يَسْتَحِقَّ شيئًا. ويَحْتَمِلُ أن يُسْهَمَ له. وهو اخْتيارُ الخَلَّالِ. قال: وروَى جماعةٌ عن أحمدَ، أنَّ للأجِيرِ السَّهْمَ إذا قاتَلَ. وروَى عنه جماعةٌ، أنَّ كُلَّ مَنْ شَهِدَ القتالَ، فله السَّهْمُ إذا قاتَلَ. قال: وهذا أعْتَمِدُ عليه مِن قَوْلِ أبى عبدِ اللَّهِ. ووَجْهُه ما تَقَدَّمَ مِن حديثِ عبدِ اللَّه بِنِ عمرٍو، وحَدِيثِ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، وقولِ عمرَ: الغَنِيمَةُ لمَن شَهِدَ الوَقْعَةَ. ولأنَّه حَضَر الوَقْعَةَ وهو مِن أهْلِ القِتالِ، فيُسْهَمُ له، كغيرِ الأجيرِ. فأمّا الذين يُعْطَوْن مِن (1) حَقِّهم مِن الفَىْءِ، فلهم سِهامُهم، لأنَّ ذلك حَقٌّ جَعَلَه اللَّهُ لهم ليَغْزُوا، [لا أنَّه](2) عِوَضٌ عن جِهادِهِم، بل نَفْعُ جهادِهم لهم لا لغيرِهم.
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «لأنه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكذلك مَن يُعْطَى مِن الصَّدَقاتِ للغَزْوِ، فإنَّهم يُعْطَوْن مَعُونَةً لهم، لا عِوَضًا، وكذلك إذا دَفَع دافِعٌ إلى الغُزاةِ ما يَتَقَوَّوْنَ به، ويَسْتَعِينُونَ به، كان له فيه الثَّوابُ، ولم يكُنْ عِوَضًا، فقد قال النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا، كَانَ لَهُ مِثْلُ أجْرِهِ» (1).
فصل: فأمّا الأجِيرُ للخِدْمَةِ في الغَزْوِ، والذى يَكْرِى دابَّةً له ويَخْرُجُ معها ويَشْهَدُ الوَقْعَةَ، فعن أحمدَ فيه رِوايتان؛ إحداهما، لا سَهْمَ له. وهو قولُ الأوْزَاعِىِّ، وإسْحاقَ، قالا: المُسْتَأجَرُ على خِدْمَةِ القوْمِ لا سَهْمَ له؛ لحديثِ يَعْلَى بنِ مُنْيَةَ. والثانيةُ، يُسْهَمُ له إذا شَهِدَ القِتالَ مع المسلمين. وهو قولُ مالكٍ، وابنِ المُنْذِرِ. وبه قال اللَّيْثُ إذا قاتَلَ، وإنِ اشْتَغَلَ بالخِدْمَةِ فلا سَهْمَ له. واحْتَجَّ ابنُ المُنْذِرِ بحَدِيثِ سَلَمَةَ بنِ الأكْوَعِ،
(1) أخرجه البخارى، في: باب فضل من جهز غازيا. . .، من كتاب الجهاد. صحيح البخارى 4/ 32، 33. ومسلم، في: باب فضل إعانة الغازى في سبيل اللَّه، من كتاب الجهاد والسير. صحيح مسلم 3/ 1507. وأبو داود، في: باب ما يجزئ من الغزو، ص كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 11. والترمذى، في: باب ما جاء في فضل من جهز غازيا، من أبواب فضائل الجهاد. عارضة الأحوذى 7/ 127. والنسائى، في: باب فضل من جهز غازيا، من كتاب الجهاد. المجتبى 6/ 38. وابن ماجه، في: باب من جهز غازيا، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 921، 922. والدارمى، في: باب في فضل من جهز غازيا، من كتاب السير. سنن الدارمى 2/ 209. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 20، 53، 4/ 115، 116، 117، 5/ 192، 193.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنَّه كان أجِيرًا لطَلْحَةَ حينَ أدْرَكَ عبدَ الرحمنِ بنَ عُيَيْنَةَ، حينَ أغارَ على سَرْحِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فأعْطاه النبىُّ صلى الله عليه وسلم سَهْمَ الفارِسِ والرّاجِلِ (1). وقال القاضِى: يُسْهَمُ له إذا كان مع المُجاهِدِين وقَصَد الجِهادَ، فأمّا لغيرِ ذلك فلا. وقال الثَّوْرِىُّ: يُسْهَمُ له إذا قاتَلَ، ويُرْفَعُ عمَّن اسْتأْجَرَه نَفَقَةُ ما اشْتَغَلَ عنه.
فصل: ومَن أجَرَ نَفْسَه بعدَ أن غنِمُوا على حِفْظِ الغَنِيمَةِ وحَمْلِها، وسَوقِ الدَّوابِّ ورَعْيِها، أُبِيحَ له أخْذُ الأُجْرَةِ على ذلك، ولم يَسْقُطْ مِن سَهْمِه شئٌ؛ لأنَّ ذلك مِن مُؤْنَةِ الغَنِيمَةِ، فهو كعَلَفِ الدَّوابِّ وطعامِ السَّبْى؛ يَجُوزُ للإِمامِ بَذْلُه، ويُباحُ للأجِيرِ أخْذُ الأُجْرَةِ عليه؛ لأنَّه أجَرَ نَفْسَه لفِعْلٍ بالمسلمين إليه حاجَةٌ، فحلَّتْ له الأُجْرَةُ، كالدِّلالَةِ على الطريقِ. ولا يَجُوزُ له أنْ يَرْكَبَ مِن دَوابِّ المَغْنَمِ؛ لقَوْلِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَن كَانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، فَلَا يَرْكَبْ دابَّةً مِن فَىْءِ المُسْلِمِين حَتَّى إذَا أعْجَفَهَا رَدَّهَا» (2). قال أحمدُ: لا بَأْسَ أن يُؤْجِرَ الرجلُ نَفْسَه على دابَّتِه. وكَرِهَ أن يَسْتَأْجِرَ القَوْمَ على سِياقِ الرَّمَكِ (3) على فَرَسٍ حَبيسٍ؛ لأنَّه يَسْتَعْمِلُ الفَرَسَ الموْقُوفَةَ للجهادِ فيما يخْتَصُّ نَفْعُه بنَفْسِه. فإن أجر نَفْسَه، فرَكِبَ الدَّابَّةَ الحَبِيسَ، أو دابَّةً مِن
(1) تقدم تخريجه في صفحة 138.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 185.
(3)
الرمكة؛ محركة: الفرس والبرذونة تتخذ للنسل.