الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِذَا أَوْدَعَ الْمُسْتَأْمَنُ مَالَهُ مُسْلِمًا، أَوْ أَقْرَضَهُ إِيَّاهُ، ثَمَّ عَادَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، بَقِىَ الْأَمَانُ فِي مَالِهِ، وَيُبْعَثُ إِلَيْهِ إِنْ طَلَبَهُ،
ــ
دارِ الإِسْلامِ بأمانٍ، أو إيمانٍ، رَدَّه إليهم، وإلَّا بَعَث به إليهم؛ لأنَّه أخَذَه على وَجْهٍ يَحْرُمُ عليه أخْذُه، فلَزِمَه رَدُّه، كما لو أخَذَه مِن مالِ مُسْلِمٍ.
1490 - مسألة: (وإذا أوْدَعَ المُسْتَأْمَنُ مَالَهُ مُسْلِمًا، أو أقْرَضَهُ إيَّاه، ثمَّ عاد إلى دارِ الحَرْبِ، بَقِىَ الأمَانُ في مالِه، يُبْعَثُ إليه إن طَلَبَهُ)
وجملةُ ذلك، أنَّ مَن دَخَل مِن أهْلِ الحَرْبِ إلى دارِ الإِسلامِ بأمانٍ، فأوْدَعَ مالَه مسلمًا أو ذِمِّيًّا، أو أقْرَضَهما إيَّاه، ثمَّ عادَ إلى دارِ الحَرْبِ لحاجَةٍ يَقْضِيَها، أو رَسُولًا، ثمَّ يعودُ إلى دارِ الإِسْلامِ، فهو على أمانِه في نَفْسِه ومالِه؛ لأنَّه لم يَخْرُجْ بذلك عن نِيَّةِ الإِقامَةِ بدارِ الإِسْلامِ، فأشْبَهَ الذِّمِّىَّ إذا دَخَل لذلك، وإن دَخَل مُسْتَوْطِنًا، أو مُحارِبًا، بَطَل الأمانُ في نَفْسِه، وبَقِىَ في مالِه؛ لأنَّه بدُخُولِه دارَ الإِسلامِ بأمانٍ، ثَبَت الأمانُ لمالِه الذى معه تَبَعًا، فإذا بَطَلَ في نَفْسِه بدُخُولِه دارَ الحَرْبِ، بَقِىَ في مالِه؛
وَإِنْ مَاتَ، فَهُوَ لِوَارِثِهِ،
ــ
لاخْتِصاصِ المُبْطِلِ في نَفْسِه، فيَخْتَصُّ البُطْلانُ به. فإن قيل: إنَّما يَثْبُتُ الأمانُ لمالِه تَبَعًا، فإذا بَطَل في المَتْبُوعِ، بَطَل في التَّبَعِ. قُلْنا: بل يثْبُتُ له الأمانُ لمعنًى وُجِدَ فيه، وهو إدْخالُه معه، وهذا يَقْتَضِى ثُبُوتَ الأمانِ له، وإن لم يَثْبُتْ في نفْسِه، بدَلِيلِ ما لو بَعَثَه مع مُضارِبٍ له أو وكيلٍ، فإنَّه يَثْبُتُ له الأمانُ، وإن لم يَثْبُتْ في نفْسِه، ولم يُوجَدْ فيه ههُنا ما يَقْتَضِى نَقْضَ الأمانِ فيه، فبَقِىَ على ما كان عليه. فإن أخَذَه معه إلى دارِ الحَرْبِ، انْتَقَضَ الأمانُ فيه، كما انْتَقَضَ في نَفْسِه؛ لوُجُودِ المُبْطِلِ فيهما. إذا ثَبَت هذا، فإذا طَلَبَه صاحِبُه بُعِث إليه، وإنْ تَصَرَّفَ فيه ببَيْعٍ أو هِبَةٍ أو نحوِهما، صَحَّ تَصَرُّفُه؛ لأنَّه مَلَكَه. (وإن ماتَ) في دارِ الحربِ، انْتَقَلَ المالُ إلى وارِثِه، ولم يَبْطُلِ الأمانُ فيه. وقال أبو حنيفةَ: يَبْطُلُ. وهو قولُ الشافعىِّ؛ لأنَّه قد صارَ لوارِثِه، ولم يَعْقِدْ فيه أمانًا، فوَجَب أنْ يَبْطُلَ فيه، كسائِرِ أمْوالِه. ولَنا، أنَّ الأمانَ حَقٌّ واجِبٌ لازِمٌ مُتَعَلِّقٌ بالمالِ، فإذا انْتَقَلَ إلى الوارِثِ، انْتَقَلَ بحَقِّه، كسائِرِ الحُقُوقِ؛ مِن الرَّهْنِ،
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، فَهُوَ فَىْءٌ.
ــ
والضَّمِينِ، والشُّفْعَةِ. وهذا اخْتيارُ المُزَنِىِّ. ولأنَّه مالٌ له أمانٌ، فيَنْتَقِلُ إلى وارِثِه مع بقاءِ الأمانِ فيه، كالمالِ الذى مع مُضارِبِه. (وإن لم يكُنْ له وارِثٌ) صارَ فَيْئًا لبيتِ المالِ، كمالِ الذِّمِّىِّ إذا مات وليس له وارِثٌ. فإن كان له وارِثٌ في دارِ الإِسلامِ، لم يَرِثْه. ذَكَرَه القاضى؛ لاخْتِلافِ الدَّارَيْن. والأَوْلَى أنَّه يَرِثُه؛ لأنَّ مِلَّتَهما واحِدَةٌ، فوَرِثَه، كالمسلمين. فإن ماتَ المُسْتَأْمَنُ في دارِ الإِسْلامِ، فهو كموتِه في دارِ الحَرْبِ، سواءٌ؛ لأنَّ المُسْتَأْمَنَ حَرْبِىٌّ تَجْرِى عليه أحكامُهم. وإن رَجَع إلى دارِ الحَرْبِ، فسُبِىَ واستُرِقَّ، فقال القاضى: يكونُ مالُه (1) مَوْقُوفًا حتى يُعْلَمَ آخِرُ أمْرِه، فإنْ ماتَ، كان فَيْئًا؛ لأنَّ الرَّقيقَ لا يُورَثُ، وإن عَتَق كان له. وإن لم يُسْتَرَقَّ، ولكنْ مَنَّ عليه الإِمامُ أو فادَاه، فمالُه له، وإن قتَلَه، فمالُه لوَرَثَتِه، كما لو مات إن لم يُسْبَ، لكنْ دَخَل دارَ الإِسلامِ بغيرِ أمانٍ ليَأْخُذَ مالَه، جازَ قتْلُه وسَبْيُه؛ لأنَّ ثُبوتَ الأمانِ لمالِه لا يُثْبِتُ الأمانَ لنَفْسِه، كما لو كان مالُه وَدِيعةً بدارِ الإِسلامِ وهو مقيمٌ بدارِ الحَرْبِ.
فصل: وإن أخَذ المسلمُ مِن الحَرْبِىِّ في دارِ الحَرْبِ مالًا مُضارَبَةً أو وَدِيعَةً، ودَخَل به دارَ الإِسلامِ، فهو في أمانٍ، حُكْمُه حكمُ ما ذَكَرْنا. وإن أخَذَه ببَيْعٍ في الذِّمَّةِ أو قَرْضٍ، فالثَّمَنُ في ذِمَّتِه، عليه أداؤُه إليه.
(1) في م: «أمره» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإنِ اقْتَرَض حَرْبِىٌّ مِن حَرْبِىٍّ مالًا، ثمَّ دَخَل إلينا فأسْلَمَ، فعليه رَدُّ البَدَلِ؛ لأنَّه أخَذَه على سَبِيلِ المُعاوَضَةِ، فأشْبَهَ ما لو تَزَوَّجَ حَرْبِيَّةً، ثمَّ أسْلَمَ، لَزِمَه مَهْرُها.
فصل: وإذا سَرَق المُسْتَأْمَنُ في دارِ الإِسلامِ، أو قَتَل، أو غَصَب، ثمَّ عادَ إلى دارِ الحَرْبِ، ثمَّ خَرَج مُسْتَأْمِنًا مرَّةً ثانِيَةً، اسْتُوفِىَ منه ما لَزِمَه في أمانِه الأوَّلِ، كما لو لم يدْخُلْ دارَ الحَرْبِ. وإنِ اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا، فخَرَج به إلى دارِ الحَرْبِ، ثمَّ قُدِرَ عليه، لم يُغْنَمْ؛ لأنَّه لم يثْبُتْ مِلْكُه عليه؛ لكَوْنِ الشِّراءِ باطِلًا، [ويُرَدُّ إلى بائِعِه](1)، ويَرُدُّ بائِعُهُ الثَّمَنَ إلى الحَرْبِىِّ؛ لأنَّه حَصَل في أمانٍ. فإن كان العَبْدُ تالِفًا، فعلى الحَرْبِىِّ قِيمَتُه، ويتَرَادَّان الفَضْلَ.
فصل: وإذا دَخَلَتِ الحَرْبِيَّةُ إلينا بأمَانٍ، فتَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا في دارِنا، ثمَّ أرادَتِ الرُّجُوعَ، لم تُمْنَعْ، إذا رَضِىَ زَوْجُها أو فارَقَها. وقال أبو حنيفةَ: تُمْنَعُ. ولَنا، أنَّه عَقْدٌ لا يَلْزَمُ الرجلَ به المُقامُ، فلا يَلْزَمُ المرأةَ، كعَقْدِ الإِجارَةِ.
(1) سقط من: م.