الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ خَافَ نَقْضَ الْعَهْدِ مِنْهُمْ، نَبَذَ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ.
ــ
اسْتَوْلَى المُسْلِمون على الذين أسَرُوهم (1)، وأخَذُوا أمْوالَهم، [فاسْتَنْقَذُوا ذلك منهم](2)، لم يَلزَمْ رَدُّه إليهم على هذا القَوْلِ. ومُقْتَضَى القَوْلِ الأوَّلِ وُجُوبُ رَدِّه، كما يَجِبُ رَدُّ أمْوالِ أهلِ الذِّمَّةِ.
1500 - مسألة: (وإن خافَ نَقْضَ العَهْدِ مِنْهم، نَبَذ إليهم
(1) في النسخ: «اشتروهم» . وانظر المغنى 13/ 159.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَهْدَهم) لقَوْلِ اللَّهِ تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} (1). أي أعْلِمْهم بنَقْضِ عَهْدِهم، حتى تَصِيرَ أنتَ وهم سَواءً في العِلْمِ، ولا يَكْفِى وُقُوعُ ذلك في قَلْبِه، حتى يكونَ عن أمَارَةٍ تدُلُّ عليه. ولا يَفْعَلُ ذلك إلَّا الإِمامُ؛ لأنَّ نَقْضَها لخَوْفِ الخِيانةِ يَحْتاجُ إلى نَظَرٍ واجْتِهادٍ، فافْتَقَرَ إلى الحاكِمِ، ومتى نَقَضَها وفى دارِنا منهم أحَدٌ، وَجَب رَدُّهم إلى مَأْمَنِهم؛ لأنَّهم دَخَلُوا بأمانٍ، فوَجَبَ رَدُّهم إلى مَأْمَنِهم، كما لو أفْرَدَهُم بالأمانِ. وإن كان عليهم حَقٌّ اسْتَوْفَى منهم. ولا يجوزُ أنْ يَبْدأَهم بقِتالٍ ولا غارةٍ قبلَ إعْلامِهم بنَقْضِ العَهْدِ؛ للآيةِ، ولأنَّهم آمِنُون منه بحُكْمِ العَهْدِ، فلا يجوزُ قَتْلُهم، ولا أخْذُ مالِهم. فإن قيل: فقد قُلْتُم: إنَّ الذِّمِّىَّ إذا خِيفَ منه الخِيانَةُ، لم يَنْتَقضْ عَهْدُه. قُلْنا: عَقْدُ الذِّمَّةِ آكَدُ؛ لأنَّه يجبُ على الإِمامِ إجابَتُهم إليه، وهو نَوْعُ مُعاوَضَةٍ، وعَقْدُه مُؤَبَّدٌ، بخِلافِ الهُدْنَةِ والأمانِ، ولهذا لو نَقَض بَعْضُ أهلِ الذِّمَّةِ، لم يَنْتَقِضْ عَهْدُ الباقِين، بخِلافِ أهْلِ الهُدْنَةِ، ولأنَّ أهلَ الذِّمَّةِ في قَبْضَةِ الإِمامِ، وتحتَ وِلايَتِه، ولا يُخْشَى الضَّررُ كثيرًا مِن نَقْضِهم، بخِلافِ أهْلِ الهُدْنَةِ، فإنَّه يُخْشَى منهم الغارَةُ والضَّرَرُ الكثيرُ.
(1) سورة الأنفال 58.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ومَن أتْلَفَ منهم شيْئًا على مُسْلِمٍ، فعليه ضَمانُه، وإن قَتَلَه فعليه القِصَاصُ، وإن قَذَفَه فعليه الحَدُّ؛ لأنَّ الهُدْنَةَ تَقْتَضِى أمانَ المُسْلِمِين منهم وأمانَهم مِن المسلمين، في النَّفْسِ والمالِ والعِرْضِ، فلَزِمَهم ما يجبُ في ذلك. ومَن شَرِبَ منهم خَمْرًا، أو زَنَى، لم يُحَدَّ؛ لأنَّه حَقٌّ للَّهِ تعالى، ولم يَلْتَزِمُوه بالهُدْنَةِ. وإن سَرَق مالَ مسلمٍ، ففيه وَجْهان؛ أحدُهما، لا يُقْطَعُ؛ لأنَّه حَدٌّ خالصٌ للَّهِ تعالى، أشْبَهَ حَدَّ الزِّنَى. والثانى، يُقْطَعُ؛ لأنَّه يجبُ صِيانَةً لحَقِّ الآدَمِىِّ، فهو كحَدِّ القَذْفِ.
فصل: وإذا نَقَضُوا العَهْدَ، حَلَّتْ دِماؤُهم وأمْوالُهم وسَبْىُ ذَرارِيِّهم؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قَتَلَ رِجالَ بنى قُرَيْظَةَ حين نَقَضُوا عَهْدَهم، وسَبَى ذَرارِيَّهم، وأخَذَ أمْوالَهم. ولمّا هادَنَ قُرَيْشًا فنَقَضُوا عَهْدَه، حَلَّ له منهم ما كان حَرُمَ عليه منهم. ولأنَّ الهُدْنَةَ عَقْدٌ مُؤَقَّتٌ ينْتَهِى بانْقِضاءِ مُدَّتِه، فيَزُولُ بنَقْضِه وفَسْخِه، كعَقْدِ الإِجارَةِ، بخلافِ عَقْدِ الذِّمَّةِ.