الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ شَرَطَ شَرْطًا فَاسِدًا؛ كَنَقْضِهَا مَتَى شَاءَ، أَوْ رَدِّ النِّسَاءِ إِلَيْهِمْ، أَوْ صَدَاقِهِنَّ، أَوْ سِلَاحِهِمْ، أَوْ إدْخَالِهِمُ الْحَرَمَ، بَطَلَ الشَّرْطُ. وَفِي الْعَقْدِ وَجْهَانِ.
ــ
التَّأْبِيدَ، فيُفْضِى إلى تَرْكِ الجِهادِ بالكُلِّيَّةِ، وذلك لا يَجُوزُ.
1497 - مسألة: (وإن شَرَط)
فيها (شَرْطًا فاسِدًا؛ كنَقْضِها متى شاءَ، أو رَدِّ النِّساءِ إليهم، أو صَداقِهِنَّ، أو سِلاحِهِم، أو إدْخالِهم الحَرَمَ، لم يَصِحَّ الشَّرْطُ. وفى العَقْدِ وَجْهان) الشُّروطُ في عَقْدِ الهُدْنَةِ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْن؛ صَحِيحٌ، وفاسِدٌ؛ فالفاسِدُ مثلَ أن يَشْتَرِطَ نَقْضَها لمَن شاءَ منهما، فلا يَصحُّ ذلك؛ لأنَّه يُفْضِى إلى ضِدِّ المقْصُودِ منها. وإن قال: هادَنْتُكم ما شِئْتُم. لم يَصِحَّ؛ لأنَّه جَعَل الكُفَّارَ مُتَحَكِّمِين على المسلمين. وإن قال: ما شِئْنا. أو: شاءَ فُلانٌ. أو شَرَط ذلك لنفْسِه دُونَهم، لم يَجُرْ أيضًا. ذَكَرَه أبو بكرٍ؛ لأنَّه يُنافِى مُقْتَضَى العَقْدِ، فلم يَصِحَّ، كما لو شَرَط ذلك في البَيْعِ والنِّكاحِ. وقال القاضى: يَصِحُّ. وهذا قولُ الشافعىِّ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم صالحَ أهلَ خَيْبَرَ على أن يُقِرَّهم ما أقَرَّهم اللَّهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تعالى (1). ولَنا، أنَّه عَقْدٌ لازِمٌ، فلم يَجُزِ اشْتِراطُ نَقْضِه، كسائِرِ العُقُودِ اللَّازِمَةِ، ولم يَكُنْ بينَ النبىِّ صلى الله عليه وسلم وبينَ أهلِ خَيْبَرَ هُدْنَةٌ، فإنَّه فَتَحَها عَنْوَةً، وإنَّما ساقَاهم وقال لهم ذلك، وإنَّما يَدُلُّ ذلك على جوازِ المُساقاةِ، وليس هو بهُدْنَةٍ اتِّفاقًا. وقد وافَقُوا الجماعَةَ في أنَّه لو شَرَط في عَقْدِ الهُدْنَةِ: إنِّى أُقِرُّكم ما أقَرَّكم اللَّهُ. لم يَصِحَّ، فكيف يَصِحُّ منهم الاحْتِجاجُ به مع الإِجْماعِ على أنَّه لا يَجُوزُ اشْتِراطُه! وكذلك إن شَرَط رَدَّ النِّساءِ المُسْلِماتِ إليهم، أو مُهُورِهِنَّ، أو رَدَّ سِلاحِهم، أو إعْطاءَهم شَيْئًا مِن سِلاحِنا، أو مِن آلةِ الحَرْبِ. أو يَشْتَرِطَ لهم مالًا في مَوْضِعٍ لا يَجُوزُ بذْلُه، أو يَشْتَرطَ رَدَّ الصِّبْيانِ، أو رَدَّ الرِّجالِ مع عدَمِ الحاجَةِ إليه، فهذه كلُّها شُروطٌ فاسِدَةٌ. وكذلك إن شَرَطَ إدْخَالَهم الحَرَمَ؛ لقَوْلِ اللَّهِ تعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (2). ولا يَجُوزُ الوَفاءُ بشئٍ مِن هذه الشُّروطِ، وإنَّما لم يَصِحَّ
(1) تقدم تخريجه في 310.
(2)
سورة التوبة 28.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
شَرْطُ رَدِّ النِّساءِ المسلماتِ؛ لقَوْلِ اللَّهِ تعَالى: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} (1). وقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ مَنَعَ الصُّلْحَ فِي النِّسَاءِ» (2). وتُفارِقُ المرأةُ الرجلَ مِن ثلاثةِ أوْجُهٍ؛ أحدُها، أنَّها لا تَأْمَنُ أن تُزَوَّجَ كافِرًا يَسْتَحِلُّها، أو يُكْرِهُها مَن يَنالُها، وإليه أشارَ اللَّهُ سبحانه بقولِه:{لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (1). الثانى، أنَّها رُبَّما فُتِنَتْ عن دِينِها؛ لأنَّها أضْعَفُ قَلْبًا، وأقَلُّ مَعْرِفَةً مِن الرجلِ. الثالثُ، أنَّ المرأةَ لا يُمكِنُها الهرَبُ عادةً، بخِلافِ الرجلِ. ولا يَجُوزُ رَدُّ الصِّبْيانِ العُقَلاءِ إذا جاءُوا مُسْلِمِين؛ لأنَّهم بمَنْزِلَةِ المرأةِ في ضَعْفِ العَقْلِ والمعْرفَةِ، والعَجْزِ عن التَّخَلُّصِ والهَرَبِ. فأمَّا الطِّفْلُ الذى لا يَصِحُّ إسْلامُه، فيَجُوزُ شَرْطُ رَدِّه؛ لأنَّه ليس بمُسْلِمٍ. وهل يَفْسُدُ العَقْدُ بالشُّروطِ الفاسِدَةِ؟ على وَجْهَيْن، بِناءً على الشُّروطِ الفاسِدَةِ في البَيْعِ،
(1) سورة الممتحنة 10.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 131.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلَّا فيما إذا شُرِط أنَّ لكُلِّ واحِدٍ منهما نَقْضَها متى شاءَ، فيَنْبَغِى أن لا يَصِحَّ العقْدُ، وَجْهًا واحِدًا؛ لأنَّ طائِفَةَ الكُفّارِ يَبْنُون على هذا الشَّرْطِ، فلا يَحْصُلُ الأمْنُ منهم، ولا أمْنُهم مِنَّا، فيَفُوتُ مَعْنَى الهُدْنَةِ. ومتى وَقَع العَقْدُ باطِلًا، فدَخَل بعْضُ الكُفّارِ دارَ الإِسلامِ مُعْتَقِدًا للأمانِ، كان آمِنًا؛ لأنَّه دَخَل بِناءً على العَقْدِ، ويُرَدُّ إلى دارِ الحَرْبِ، ولا يُقَرُّ في دارِ الإِسْلامِ؛ لأنَّ الأمانَ لم يَصِحَّ.
فصل: وإذا عَقَد الهُدْنَةَ مِن غيرِ شَرْطٍ، فجاءَنا منهم إنسانٌ مُسْلِمًا أو بأمانٍ، لم يَجِبْ رَدُّه إليهم، ولم يَجُزْ ذلك، سَواءٌ كان حُرًّا أو عَبْدًا، أو رجلًا أو امْرَأةً. ولا يجبُ رَدُّ مَهْرِ المَرْأةِ. وقال أصحابُ الشافعىِّ: إن خَرَج العَبْدُ إلينا [قبلَ إسْلامِه، ثمَّ أسْلَمَ، لم يُرَدَّ إليهم. فإن أسْلَمَ قبلَ خُروجِه، ثمَّ خَرَج إلينا](1)، لم يَصِرْ حُرًّا؛ لأنَّهم في أمانٍ مِنَّا، والهُدْنَةُ تَمْنَعُ مِن جَوازِ القَهْرِ. وقال الشافعىُّ في قولٍ له: إذا جاءتِ امْرَأةٌ مُسْلِمَةٌ، وَجَب رَدُّ مَهْرِها؛ لقولِ اللَّهِ تعالى:{وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} (2). يَعْنِى رَدَّ المَهْرِ إلى زَوْجِها إذا جاء يَطْلُبُها، وإِن جاء غيرُه، لم يُرَدَّ إليه شئٌ. ولَنا، أنَّه مِن غيرِ أهْلِ دارِ الإِسْلامِ، خَرَج إلينا، فلم يَجِبْ رَدُّه، ولا
(1) سقط من: م.
(2)
سورة الممتحنة 10.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رَدُّ شَئٍ عنه، كالحُرِّ مِن الرِّجالِ، وكالعَبْدِ إذا خَرَج ثمَّ أسْلَمَ. قَوْلُهم: إنَّهم في أمانٍ مِنَّا. قُلْنا: إنَّما أمَّنَّاهم مِمَّن هو في دارِ الإِسْلامِ، الذين هم في قَبْضَةِ الإِمامِ، فأمَّا مَن هو في دارِهم، ومَن ليس في قَبْضَتِه، فلا يُمْنَعُ منه؛ بدليلِ ما لو خَرَج العَبْدُ قبلَ إسْلامِه، ولهذا لمّا قَتَل أبو بَصِيرٍ الرجلَ الذى جاءَ ليَرُدَّه، لم يُنْكِرْه النبىُّ صلى الله عليه وسلم، ولم يَضْمَنْه. ولَمّا انْفَرَدَ هو وأبو جَنْدَلٍ وأصْحابُهما عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم في صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ، فقَطَعُوا الطَّرِيقَ عليهم، وقَتَلُوا مَن قَتَلُوا منهم، وأخذُوا المالَ، لم يُنْكِرْ ذلك النبىُّ صلى الله عليه وسلم، ولم يَأْمُرْهم برَدِّ ما أخَذُوه، ولا غَرامَةِ ما أتْلَفُوه. وهذا الذى أسْلَمَ كان في دارِهم وقَبْضَتِهم، وقَهَرَهم على نَفْسِه، فصارَ حُرًّا، كما لو أسْلَمَ بعدَ خُروجِه. وأمَّا المَرْأةُ، فلا يَجِبُ رَدُّ مَهْرِها؛ لأنَّها لم تَأْخُذْ منهم شيئًا، ولو أخَذَتْه كانت قد قَهَرَتْهم عليه في دارِ القَهْرِ، ولو وَجَب عليها عِوَضُه، لوَجَب مَهْرُ المِثْلِ دُونَ المُسَمَّى. وأمَّا الآيةُ، فقد قال قتادَةُ: نُسِخَ رَدُّ المَهْرِ. وقال عَطَاءٌ، والزُّهْرِىُّ، والثَّوْرِىُّ: لا يُعْمَلُ بها اليومَ. وعلى أنَّ الآيةَ إنَّما نَزَلَتْ في قَضِيَّةِ الحُدَيْبِيَةِ، حينَ كان النبىُّ صلى الله عليه وسلم شَرَط رَدَّ مَن جاءَه مُسْلِمًا، فلمَّا مَنَع اللَّهُ رَدَّ النِّساءِ، وَجَب رَدُّ مُهُورِهِنَّ. وكلامُنا فيما إذا وَقَع الصُّلْحُ مِن غيرِ شَرْطٍ، فليس هو في مَعْنَى ما تَناوَلَه الأمْرُ. وإن وَقَع الكَلامُ فيما إذا شَرَط رَدَّ النِّساءِ، لم يَصِحَّ أيضًا؛ لأنَّ الشَّرْطَ الذى كان النبىُّ صلى الله عليه وسلم شَرَطَه كان صَحِيحًا، وقد نُسِخَ، فإذا شُرِط