الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ حُكْمِ الْأَرَضِينَ الْمَغْنُومَةِ
وَهِىَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ؛ أَحَدُهَا، مَا فُتِحَ عَنْوَةً؛ وَهِىَ مَا أُجْلِىَ عَنْهَا أَهْلُهَا بِالسَّيْفِ، فَيُخَيَّرُ الإِمَامُ بَيْنَ قَسْمِهَا وَوَقْفِهَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَيَضْرِبُ عَلَيْهَا خَرَاجًا مُسْتَمِرًّا، يُؤْخَذُ مِمَّنْ هِىَ في يَدِهِ، يَكُونُ أُجْرَةً لَهَا. وَعَنْهُ، تَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الِاسْتِيلَاءِ. وَعَنْهُ، تُقْسَمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ.
ــ
بَابُ حُكْمِ الْأَرَضِينَ الْمَغْنُومَةِ
(وَهِىَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ؛ أَحدُهَا، مَا فُتِحَ عَنْوَةً؛ وَهِىَ مَا أُجْلِىَ عَنْهَا أهْلُهَا بِالسَّيْفِ، فَيُخَيَّرُ الإِمَامُ بَيْنَ قَسْمِهَا وَوَقْفِهَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَيَضْرِبُ عَلَيْهَا خَرَاجًا مُسْتَمِرًّا، يُؤْخَذُ مِمَّنْ هِىَ في يَدِهِ، يَكُونُ أُجْرَةً لَهَا. وَعَنْهُ، تَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الِاسْتِيلَاءِ. وَعَنْهُ، تُقْسَمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ) الأرَضُون المَغْنُومةُ تنْقَسِمُ قِسْمَيْن؛ عَنْوةً وصُلْحٌ. فالعَنْوَةُ، ما أُجْلِىَ عنها أهْلُها بالسَّيْفِ، وهى نَوْعانِ؛ أحَدُهما، ما فُتِحَ ولم يُقْسَم بينَ الغانِمِين، فتَصِيرُ وَقْفًا للمُسْلِمِين، يُضْرَبُ عليها خَراج مَعْلُوم، يُؤْخذُ منها في كلِّ عامٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يكونُ أُجْرَةً لها، وتُقَرُّ بأيْدِى أرْبابِها ما دامُوا يُؤَدُّون خَراجَها، مُسْلِمِين كانوا أو مِن أهْلِ الذِّمَّةِ، لا يسْقُطُ خَراجُها بإسْلامِ أرْبابِها، ولا بانْتِقالِها إلى مُسْلِمٍ؛ لأنَّه بمَنْزِلَةِ أُجْرَتِها، ولم نَعْلَمْ أنَّ شيئًا ممّا فُتِحَ عَنْوَةً قُسِمَ بينَ الغانِمِين إلَّا خَيْبَرَ، فإنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قَسَم نِصْفَها، فصار لأهْلِه، لا خَراجَ عليه (1). وسائِرُ ما فُتِحَ عَنْوَةً ممَّا فَتَحه عُمَرُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، ومَن بعدَه، كأرْضِ الشامِ، والعِراقِ، ومِصْرَ، وغيرِها، لم يُقسَمْ منه شئٌ، فرَوَى أبو عُبَيْدٍ، في كتابِ «الأمْوالِ» (2) أنَّ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، قَدِم الجابِيَةَ (3)، فأرادَ قَسْمَ الأرضِ بينَ المُسْلِمِين، فقال له مُعَاذٌ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: واللَّهِ، إِذًا ليكُونَنَّ ما تَكْرَهُ، إنَّك إن قَسَمْتَها اليَوْمَ، صار الرَّيْعُ العَظِيمُ في أَيدِى القَوْمِ، ثم يَبِيدُون فيَصِيرُ ذلك إلى الرجلِ الواحِدِ، والمرأةِ،
(1) سيأتى تخريجه في صفحة 313.
(2)
الأموال 59.
(3)
الجابية: قرية من أعمال دمشق، من ناحية الجولان. معجم البلدان 2/ 3.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثم يَأْتِى مِن بَعْدِهم قَوْمٌ يَسُدُّون (1) مِن الإِسْلامِ مَسَدًّا وهم لا يجِدُون شَيْئًا، فانْظُرْ أمْرًا يَسَعُ أوَّلَهم وآخِرَهم. فصار عُمَرُ إلى قَوْلِ مُعاذٍ. وروَى أيضًا (2)، قال: قال الماجِشُون: قال بِلالٌ لعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، في القُرَى التى افْتَتَحُوها عَنْوَةً: اقْسِمْها بَيْنَنا، وخُذْ خُمْسَها. فقال عُمَرُ: لا، هذا عَيْنُ (3) المالِ، ولكنِّى أحْبِسُه فَيْئًا يَجْرِى عليهم وعلى المُسْلِمِين. فقال بِلالٌ وأصْحابُه: اقْسِمْها بَيْنَنا. فقال عُمَرُ: اللَّهُمَّ اكْفِنِى بِلالًا وذَوِيه. قال: فما جاءَ الحَوْلُ وفيهم عَيْنٌ تَطْرِفُ. وروَى (4)، بإسْنادِه عن سُفْيانَ بنِ وَهْبٍ الخَوْلانِىِّ، قال: لَمَّا افْتَتَحَ عَمْرُو بنُ العاصِ مِصْرَ، قال الزُّبَيْرُ: يا عَمْرُو بنَ العاصِ، اقْسِمْها. فقال عَمْرٌو: لا أقْسِمُها. فقال الزُّبَيْرُ. لَتَقْسِمَنَّها كما قَسَّم رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ. فقال عَمْرٌو: لا أقْسِمُها حتَّى أكتُبَ إلى أميرِ المُؤْمِنِينَ. فكَتَب إلى عُمَرَ، فكَتَب إليه [عُمَرُ، أنْ](5) دَعْهَا حتَّى يَغْزُوَ منها حَبَلُ الحَبَلَةِ (6).
(1) في م: «يمدون» .
(2)
الأموال 58.
(3)
في م: «عن» .
(4)
في: الأموال 58.
(5)
سقط من: م.
(6)
قال أبو عبيد، أراه أراد: أن تكون فيئا موقوفا على المسلمين ما تناسلوا، يرثه قرن عن قرن، فتكون قوة لهم على عدوهم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال القاضِى: ولم يُنْقَلْ عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحَدٍ مِن الصَّحابَةِ أنَّه قَسَم أرْضًا عَنْوَةً إلَّا خَيْبَرَ.
فصل: قال أحمدُ: ومَن يَقُومُ على أرْضِ الصُّلْحِ وأرْضِ العَنْوَةِ؟ ومِن أيْنَ هى؟ وإلى أين هى؟ وقال: أرْضُ الشامِ عَنْوَةٌ إلَّا حِمْصَ ومَوْضِعًا آخَرَ. وقال: ما دُونَ النَّهْرِ صُلْحٌ، وما وراءَه عَنْوَةٌ. وقال: فَتَح المُسْلِمُون السَّوادَ عَنْوَةً، إلَّا ما كان منه صُلْحٌ، وهى أرْضُ الحِيرَةِ، وَأرْضُ بانِقْيَا (1). وقال: أرْضُ الرَّىِّ خَلَطُوا في أمْرِها، فأمَّا ما فُتِحَ عَنْوَةً فمِن نَهاوَنْدَ (2) وطَبَرِسْتانَ (3) خَراجٌ. وقال أبو عُبَيْدٍ: أرْضُ الشامِ عَنْوَةٌ، ما خَلا مُدُنَها، فإنَّها فُتِحَتْ صُلْحًا، إلَّا قَيْسارِيَّةَ (4)، افْتُتِحَتْ عَنْوَةً، وأرْضُ السَّوادِ والجَبَلِ، ونَهاوَنْدَ والأهْوازِ ومِصْرَ والمَغْرِب. وقال موسى بنُ علىِّ بنِ رَباحٍ (5)، عن أبِيه: المَغْرِبُ كلُّه عَنْوَةٌ. فأَمَّا أرْضُ
(1) بانقيا: ناحية من نواحى الكوفة.
(2)
نهاوند: مدينة عظيمة، في قبلة همذان، بينهما ثلاثة أيام. معجم البلدان 4/ 827.
(3)
طبرستان: بلدان واسعة كثيرة، مجاورة لجيلان وديلمان، بين الرى وقومص والبحر وبلاد الديلم والجبل. معجم البلدان 3/ 502.
(4)
قيسارية: بلد على ساحل بحر الشام، تعد في أعمال فلسطين. معجم البلدان 4/ 214.
(5)
في م: «رباع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصُّلْحِ، فأرْضُ هَجَرَ، والبَحْرَيْنِ، وأيْلَةَ (1)، ودُومَةَ الجَنْدَلِ (2)، وأذْرُحَ (3)، فهذه القُرَى التى أدَّتْ إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الجِزْيَةَ، ومُدُنُ الشّام ما خَلا أرَضِيها إلَّا قَيْسارِيَّةَ وبلادَ الجَزِيرَةِ كلَّها. وبلادُ خُراسانَ كلُّها أَو أكْثَرُها صُلْحٌ، وكُلُّ مَوْضِع فُتِحَ عَنْوَةً فإنَّه وَقْفٌ على المُسْلِمِين.
النَّوْعُ الثَّانِى، ما اسْتَأْنَفَ المُسْلِمُون فَتْحَه عَنْوَةً، ففيه ثلاثُ رِواياتٍ؛ أحَدُها، أنَّ الإِمامَ مُخَيَّر بينَ قَسْمِها على الغَانِمِين وبينَ وَقْفِها على جَمِيعِ المُسْلِمِين، ويَضْرِبُ عليها خَراجًا مُسْتَمِرًّا، على ما ذَكَرْنا. هذا ظاهِرُ المَذْهَب؛ لأنَّ كِلا الأَمْرَيْن قد ثَبَت فيه حُجَّةٌ عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فإنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَسَم نِصْفَ خيْبَرَ، ووَقَف نِصْفَها لنوائبِه (4). ووَقَف عُمَرُ الشامَ والعِراقَ ومِصْرَ وسَائِرَ ما فَتَحَه، وأقَرَّه على ذلك عُلَماءُ الصَّحابَةِ، وأشَارُوا عليه به، وكذلك مَن بعدَه مِن الخُلَفاءِ، ولم نَعْلَمْ أنَّ أحَدًا مِنهم قَسَمَ شيئًا مِن الأرْضِ التى افْتَتَحُوها. والثانيةُ، أنَّها تَصِيرُ وَقْفًا بنَفْسِ الاسْتِيلاء عليها؛ لاتِّفاقِ الصَّحابَةِ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم، عليه، وقِسْمَةُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ كانت في بَدْءِ الإِسْلامِ، وشِدَّةِ
(1) أيلة: مدينة على ساحل بحر القلزم، مما يلى الشام. معجم البلدان 1/ 422.
(2)
دومة الجندل: على سبع مراحل من دمشق بينها وبين مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم. معجم البلدان 2/ 625.
(3)
أذرح: اسم بلد في أطراف الشام، من أعمال الشراة، ثم من نواحى البلقاء وعمان، مجاورة لأرض الحجاز. معجم البلدان 1/ 174.
(4)
رواه أبو عبيد، في: الأموال 56.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحاجَةِ، وكانتِ المَصْلَحَةُ فيه، وقد تَعَيَّنَتَ المَصْلَحَةُ فيما بعدَ ذلك في وَقفِ الأرْضَ، فكان هو الواجِبَ. والثالثةُ، أنَّ الواجِبَ قَسْمُها. وهو قولُ مالكٍ، وأبى ثَوْرٍ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم فَعَل ذلك، وفِعْلُه أوْلَى مِن فِعْلِ غيرِه مع عُمُوم قَوْلِه تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} (1). يُفْهَمُ مِن ذلك أنَّ أرْبَعَةَ أخْماسِها للغانِمِين. والرِّوايَةُ الأُولَى أوْلَى؛ لِما ذَكَرْنا مِن فِعلِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، ولأنَّ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، قال: لولا آخِرُ النَّاسِ لقَسَمْتُ الأرْضَ كما قَسَم النبىُّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ (2). فقد وَقَف الأرْضَ مع عِلْمِه بفِعْلِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فدَلَّ على أنَّ فِعْلَه ذلك لم يكُنْ مُتَعَيِّنًا، كيف والنبىُّ صلى الله عليه وسلم قد وَقَف نِصْفَ خَيْبَبرَ! ولو كانت لِلْغانِمِين لم يَكُنْ له وَقْفُها. قال أبو عُبَيْدٍ (3): تَواتَرَتِ الأخْبارُ في افتِتَاحِ الأرْضِ عَنْوَةً بهَذَيْنِ الحُكْمَيْن؛ حُكْمِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في خَيْبَرَ حينَ قَسَمَها، وبه أشَار بِلالٌ وأصْحابُه على عُمَرَ في أرْضِ الشامِ، والزُّبَيْرُ في
(1) سورة الأنفال 41.
(2)
أخرجه البخارى، في: باب أوقاف أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، من كتاب الحرث والمزارعة، وفى: باب غزوة خيبر، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 3/ 139، 5/ 176. وأبو داود، في: باب ما جاء في حكم أرض خيبر، من كتاب الخراج والفئ والإمارة. سنن أبى داود 2/ 144.
(3)
في: الأموال 60.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أرْضِ مِصْرَ، وحُكْمِ عُمَرَ في أرْضِ السَّوادِ وغيرِه حينَ وَقَفَه، وبه أشَارَ علىٌّ ومُعاذٌ على عُمَرَ، وليس فِعْلُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم رَادًّا لفِعْلِ عُمَرَ؛ لأنَّ كُلَّ واحدٍ منهما اتَّبَعَ آيَةً مُحْكَمَةً، قال اللَّه تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} . وقال: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} (1) الآية. فكان كُلُّ واحِدٍ مِن الأَمْرَيْن جائِزًا، والنَّظَرُ في ذلك إلى الإِمامِ، فما رأَى [مِن ذلك فَعَله](2). وهذا قَوْلُ الثَّوْرِىِّ، وأبى عُبَيْدٍ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّ التَّخْيِيرَ المُفَوَّضَ إلى الإِمامِ تخيِيرُ مَصْلَحَةٍ، لا تَخْيِيرُ تَشَهٍّ، فيَلْزَمُه فِعْلُ ما يَرَى فيه المَصْلَحَةَ، لا يجوزُ له العُدُولُ عنه، كالخِيَرَةِ في الأسْرَى بينَ القَتْلِ، والاسْتِرْقاقِ، والمَنِّ، والفِداءِ، ولا يَحْتاجُ إلى النُّطْقِ بالوَقْفِ، بل تَرْكُه لها مِن غيرِ قِسْمَةٍ وقْفٌ لها كما أنَّ قِسْمَتَها بينَ الغانِمِين لا يَحْتاجُ معه إلى لَفْظٍ، ولأنَّ عُمَرَ وغيرَه لم يُنْقَلْ عنهم في وَقْفِ الأرْضِ لَفْظٌ بالوَقْفِ، ولأنَّ معْنَى وَقْفِها ههنا، أنَّها باقِيَةٌ لجميعِ المسلمين، يُؤْخَذُ خَراجُها يُصْرَفُ في مصالِحِهم، ولا يُخَصُّ أحَدٌ بِمِلْكِ شئٍ منها، وهذا حاصِلٌ بتَرْكِها.
فصل: وكُلُّ ما فَعَلَه النبىُّ صلى الله عليه وسلم مِن وَقْفٍ وقِسْمَةٍ، أو فَعَلَه الأئِمَّةُ بعدَه، فليس لأحَدٍ نَقْضُه، ولا تَغْيِيرُه، وإنَّما الرِّواياتُ فيما اسْتُؤْنِفَ فَتْحُه