الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيُخَيَّرُ الْأَميرُ في الْأَسْرَى؛ بَيْنَ الْقَتْلِ، وَالِاسْتِرْقَاقِ، وَالْمَنِّ، وَالْفِدَاءِ بِمُسْلِمٍ، أو بِمَالٍ. وَعَنْهُ، لَا يَجُوزُ بِمَالٍ، إلَّا غيْرَ الْكِتَابِىِّ، فَفِى اسْتِرْقَاقِهِ رِوَايَتَانِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ إِلَّا الأصْلَحَ لِلْمُسْلِمِينَ.
ــ
عبدُ اللَّهِ بنُ مسعودٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، قال يومَ بَدْرٍ:«لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أحَدٌ إلَّا أنْ يُفْدَى، أوْ يُضْرَبَ عُنُقُهُ» . فقال عبدُ اللَّهِ بنُ مسعودٍ: إلَّا سُهَيْلَ بنَ بَيْضاءَ، فإنِّى سَمِعْتُه يذْكُرُ الإِسْلامَ. فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«إلَّا سُهيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ» (1). فقَبِلَ شَهادةَ عبدِ اللَّهِ وحدَه.
1402 - مسألة: (وَيُخَيَّرُ الْأمِيرُ في الْأَسْرَى؛ بَيْنَ الْقَتْلِ، وَالِاسْتِرْقَاقِ، وَالْمَنِّ، وَالْفِدَاءِ بِمُسْلِمٍ، أو بِمَالٍ. وَعَنْهُ، لَا يَجُوزُ بِمَالٍ، إلَّا غيْرَ الْكِتَابِىِّ، فَفِى اسْتِرْقَاقِهِ رِوَايَتَانِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ إِلَّا الأصْلَحَ لِلْمُسْلِمِينَ)
وحملةُ ذلك، أنَّ مَن اسِرَ مِن دارِ الحَرْبِ على ثلاثةِ أضْرُبٍ؛
(1) أخرجه الترمذى، في: باب سورة الأنفال، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذى 11/ 217 - 219. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 383، 384.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحدُها، النِّساءُ والصِّبْيانُ، فلا يجوزُ قَتْلُهم، بغيرِ خِلافٍ، ويَصِيرُونَ رَقِيقًا للمسلمين بنَفْسِ السَّبْى، لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن قَتْل النِّساءِ والوِلْدانِ. مُتَّفَقٌ عليه (1). وكان عليه الصلاة والسلام يَسْتَرِقُّهم إذا سَباهم. الثانى، الرجالُ مِنْ أهْلِ الكِتابِ. والمَجُوسِ الذين يُقَرُّون بالجِزْيَةِ، فيتَخَيَّرُ الإِمامُ فيهم بينَ أربعةِ أشْياءَ، القتلُ، والمَنُّ بغيرِ عِوَضٍ، والمُفاداةُ بِهم، واسْتِرْقاقُهم. الثالثُ، الرِّجالُ ممَّن لا يُقَرُّ بالجِزْيَةِ، فيُخَيَّرُ الإِمامُ فيهم بينَ القَتْلِ والمَنِّ والفِداءِ، ولا يجوزُ اسْتِرْقاقُهم، في إحْدَى الرِّوايَتَيْن. اخْتارَها الخِرَقِىُّ. وهو قولُ الشافعىِّ. والثانيةُ، يجوزُ اسْتِرْقاقُهم، لأنَّه كافِرٌ أصْلِىٌّ، أشْبَهَ أهْلَ الكِتابِ. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ جَوازُ اسْتِرْقاقِهم مَبْنِيًّا على أخْذِ الجِزْيَةِ منهم،
(1) تقدم تخريجه في صفحة 67.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإن قُلْنا بجوازِها، جازَ اسْتِرْقاقُهم، وإلَّا فلا. وقال أبو حنيفةَ: يجوزُ في العَجَمِ دُونَ العَرَبِ. بِناءً على قولِه في أخْذِ الجِزْيَةِ منهم. ولَنا، أنَّه كافِرٌ لا يُقَرُّ بالجِزْيَةِ، فلم يَجُزِ اسْتِرْقاقُه، كالمُرْتَدِّ، والدَّليلُ على أنَّه لا يُقَرُّ بالجِزْيَةِ يُذْكَرُ في بابِ عَقْدِ الذِّمَّةِ، إن شاء اللَّه تعالى.
فصل: وبما ذَكَرْنا في أهْلِ الكتابِ قال الأوْزَاعِىُّ، والشافعىُّ، وأبو ثَوْرٍ. وعن مالِكٍ كمَذْهَبِنا. وعنه، لا يجوزُ المَنُّ بغيرِ عِوَضٍ؛
لأنَّه لا مَصْلَحَةَ فيه، وإنَّما يجوزُ للإِمامِ فِعْلُ ما فيه المَصْلَحَةُ. وحُكِىَ عن الحَسنِ، وعَطَاءٍ، وسعيدِ بن جُبَيْرِ، كرَاهِيَةُ قَتْلِ الأسْرَى، وقالوا: لو مَنَّ عليه أو فاداه كما صُنِعَ بأُسارَى بَدْرٍ. ولأنَّ اللَّهَ تعالى قال: {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} (1). فخَيَّرَه بعدَ الأسْرٍ بَينَ هَذَيْن لا غيرُ. وقال أصحابُ الرَّأْى: إن شاءَ قَتَلَهم، وإن شاءَ اسْتَرَقَّهم،
(1) سورة محمد 4
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا غير، ولا فِدَاءَ، لأنَّ اللَّهَ تعالى قال:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (1). بعدَ قوْلِه: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} . وكان عمرُ ابنُ عبدِ العزيزِ، وعِياضُ بنُ عُقْبَةَ يَقْتُلان الأُسارَى. ولَنا على جَوازِ المَنِّ والفِداءِ، الآيةُ المذْكُورةُ، وأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم مَنَّ على ثُمامَةَ بنَ أُثالٍ (2)، وأبى عَزَّةَ الشاعِرِ (3)، وأبى العاصِ بنِ الرَّبِيعِ (4)، وقال في أُسارَى بدرٍ: «لَوْ كَانَ مُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ سَأْلَنِى في (5) هَؤُلَاءِ النَّتْنَى،
(1) سورة التوبة 5.
(2)
أخرج حديث ثمامة، البخارى، في: باب الأسر أو الغريم يربط في المسجد؛ وباب دخول المشرك المسجد، من كتاب الصلاة، وفى: باب وفد بنى حنيفة وحديث ثمامة بن أثال، من كتاب المغازى، صحيح البخارى 1/ 125، 127، 5/ 214، 215. ومسلم، في: باب ربط الأسير وحبسه وجواز المن عليه، من كتاب الجهاد والسير. صحيح مسلم 3/ 186. وأبو داود، في: باب في الأسير يوثق، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 52. والنسائى مختصرا، في: باب تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم، من كتاب الطهارة. وفى: باب ربط الأسر بسارية المسجد، من كتاب الصلاة. المجتبى 1/ 91، 92، 2/ 36. والبيهقى، في: باب ما يفعله بالرجال البالغين منهم، من كتاب السير. السنن الكبرى 9/ 65، 66.
(3)
سيأتى أنه صلى الله عليه وسلم قتله يوم أحد وأخرجه البيهقى، في الباب السابق. السنن الكبرى 9/ 65، وذكر الواقدى قصته، في: المغازى 1/ 110، 111، 142، 201، 308، 309.
(4)
أخرجه أبو داود، في: باب في فداء الأسير بالمال، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود، 2/ 56، 57.
(5)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأَطْلَقْتُهُمْ لَهُ» (1). وفادَى أُسارَى بَدْرٍ (2)، وفادَى يومَ بَدْرٍ (3) رَجُلًا برَجُلَيْن (4)، وصاحِبَ العَضْباءِ برَجُلَيْن (5). وأمَّا القَتْلُ، فإنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قَتَل رجالَ بنى قُرَيْظَةَ (6)، وقَتَل يومَ بَدْرٍ النَّضْرَ بنَ الحارِثِ، وعُقْبَةَ بنَ
(1) أخرجه البخارى، في: باب ما مَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم على الأسارى من غير أن يخمس، من كتاب فرض الخمس. صحيح البخارى 4/ 111. وأبو داود، في: باب في المن على الأسير بغير فداء، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 56. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 80. وعبد الرزاق، في: باب قتل أهل الشرك صبرا وفداء الأسرى، من كتاب الجهاد. المصنف 2/ 209. والبيهقى، في: باب ما يفعله بالرجال البالغين منهم، من كتاب السير. السنن الكبرى 9/ 67.
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب في المنّ على الأسير بغير فداء، من كتاب. الجهاد. سنن أبى داود 2/ 56.
(3)
سقط من: الأصل، وفى م:«أحد» . وانظر: المغنى 13/ 46.
(4)
أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء في قتل الأسارى والفداء، من أبواب السير. عارضة الأحوذى 7/ 63. والدارمى، في: باب في فداء الأسارى، من كتاب الجهاد. سنن الدارمى 2/ 223. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 426، 432.
(5)
أخرجه مسلم، في: باب لا وفاء لنذر في معصية اللَّه ولا فيما لا يملك العبد، من كتاب النذر. صحيح مسلم 3/ 1262، 1263. وأبو داود، في باب النذر فيما لا يملك، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبى داود 2/ 214. والدارمى، في: باب إذا أحرز العدو من مال المسلمين، من كتاب السير. سنن الدارمى 2/ 236، 237. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 430، 433، 434.
(6)
أخرجه البخارى، في: باب إذا نزل العدو على حكم رجل، من كتاب الجهاد. وفى: باب مناقب سعد ابن معاذ، من كتاب مناقب الأنصار. وفى: باب مرجع النبى صلى الله عليه وسلم من الأحزاب، من كتاب المغازى. وفى: باب قول النبى صلى الله عليه وسلم: «قوموا الى سيدكم» ، من كتاب الاستئذان. صحيح البخارى 4/ 81، 82، 5/ 44، 143، 8/ 72. ومسلم، في: باب جواز قتال من نقض العهد، من كتاب الجهاد. صحيح مسلم 3/ 1388، 1389. والترمذى، في: باب ما جاء في النزول على الحكم، من أبواب السير. عارضة الأحوذى 7/ 78، 79. والدارمى، في: باب نزول أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، من كتاب السير. سنن الدارمى 2/ 238. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 22، 71، 350، 6/ 142.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبى مُعَيْطٍ صَبْرًا (1)، وقَتَلَ أبا عَزَّةَ يومَ أُحُدٍ. وهذه قصصٌ اشْتُهِرَتْ وعُلِمَتْ، وفَعَلَها النبىُّ صلى الله عليه وسلم مَرَّاتٍ، وهو دليل على جَوازِها. ولأنَّ كلَّ خَصْلَةٍ يِن هذه الخِصالِ قد تَكُونُ أصْلَحَ في بَعْضِ الأسْرَى؛ فإنَّ فيهم مَن له قُوَّة ونِكايَةٌ في المسلمين، فقَتْلُه أصْلَحُ، ومنهم الضَّعِيفُ الَّذى له مالٌ كثيرٌ، ففِداؤُه أصْلَحُ، ومنهم حَسَنُ الرَّأْى في المسلمين، يُرْجَى إسْلامُه بالمَنِّ عليه، أو مَعُونَتُه للمسلمين بتَخْلِيصِ أَسْراهم، أو الدَّفْعِ عنهم، فالمَنُّ عليه أصْلَحُ، ومنهم مَن يُنْتَفَعُ بخِدْمَتِه، ويُؤْمَنُ شَرُّه، فاسْتِرْقاقُه أصْلَحُ، كالنِّساءِ والصِّبْيانِ، والإِمامُ أعْلَمُ بالمَصْلَحَةِ، ففُوِّضَ ذلك إليه. إذا ثَبَت ذلك، فإنَّ هذا تَخْييرُ مَصْلَحَةٍ واجْتِهادٍ، لا تَخْييرُ شَهْوَةٍ، فمتى رَأى المَصْلَحَةَ في خَصْلَةٍ، لم يَجُزِ اخْتِيارُ غيرِها؛ لأنَّه يتَصَرَّف لهم على سَبِيلِ النَّظَرِ لهم، فلم يَجُزْ له تَرْكُ ما في الحَظُّ، كوَلِىِّ اليَتِيمِ. ومتى حَصَل عندَه تَرَدُّدٌ في هذه الخِصالِ، فالقَتْلُ أوْلَى. قال مُجاهِدٌ في أمِيرَيْن، أحَدُهما، يَقْتُلُ الأسْرَى: وهو أفْضَلُ. وكذلك قال مالِكٌ.
(1) أخرج حديث قتل النضر وعقبة، ابن أبى شيبة، في: باب غزوة بدر الكبرى، من كتاب المغازى. المصنف 14/ 372. والبيهقى، في: باب ما يفعله بالرجال البالغين منهم، من كتاب السير. السنن الكبرى 9/ 64، 65. وأخرج حديث قتل عقبة أبو داود، في: باب في قتل الأسير صبرا، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 55. وعبد الرزاق، في: باب في قتل أهل الشرك صبرا وفداء الأسرى، وباب من أسر النبى صلى الله عليه وسلم من أهل بدر، من كتاب الجهاد. المصنف 5/ 205، 206، 352.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال إسْحاقُ: الإِثْخانُ أُحَبُّ إلىَّ إلَّا أن يكونَ معروفًا يَطْمَعُ به في الكَثيرِ. فمتى رَأْى القَتْلَ، ضَرَب عُنُقَه بالسَّيْفِ؛ لقولِ اللَّهِ تعالى:{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} (1). ولأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ بِضَرْب أعْناقِ الذين قَتَلَهم. ولا يجوزُ التَّمْثِيلُ بهِ؛ لِما روَى بُرَيْدَةُ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أمَّرَ رَجُلًا على جَيْشٍ أو سَرِيَّةٍ، قال:«اغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، ولا تُعَذِّبُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا» (2). وإنِ اخْتارَ الفِداءَ، جازَ أن يَفْدِىَ بهم أُسارَى المسلمين، وجازَ بالمالِ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ الأمْرَيْنِ. وفيه رِواية أُخْرَى، أنَّه لا يجوزُ بمالٍ، كما لا يَجُوزُ بَيْعُ رَقِيقِ المسلمين للكُفّارِ، في إحْدَى الرِّوايَتَيْن، ولأنَّه إذا لم يَجُزْ أن نَبِيعَهم السِّلاحَ؛ لِما
(1) سورة محمد 4.
(2)
أخرجه مسلم، في: باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث. . . إلخ، من كتاب الجهاد والسير. صحيح مسلم 3/ 1357، 1358. وأبو داود، في: باب في دعاء المشركين، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 35، 36. والترمذى، في: باب ما جاء في وصيته صلى الله عليه وسلم في القتال، من أبواب السير. عارضة الأحوذى 7/ 118، 119. وابن ماجه، في: باب وصية الإمام، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 953، 954. والدارمى، في: باب وصية الإمام في السرايا من كتاب السير. سنن الدارمى 2/ 215 - 217. والإمام مالك، في: باب النهى عن قتل النساء والولدان في الغزو، من كتاب الجهاد. الموطأ 2/ 448. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 300، 4/ 240، 5/ 352، 358.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيه مِن تَقْوِيَتهم على المسلمين، فبَيْعُ أنْفُسِهم أوْلَى. ومَنَع أحمدُ، رحمه الله، مِن فداءِ النِّساءِ بالمالِ؛ لأنَّ في بَقائِهنَّ تَعْرِيضًا لهُنَّ للإِسْلامِ، لبَقائِهِنَّ عندَ المسلمين، وجَوَّزَ أن يُفادَى بِهنَّ أُسارَى المُسْلِمِين؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم فادَى بالمرأةِ التى أخَذَها مِن سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ (1). ولأنَّ في ذلك اسْتِنْقاذَ مُسْلمٍ مُتَحَقِّقٍ إسْلامُه، فاحْتَمَلَ تَفْوِيتَ غَرَضِيَّةِ الإِسْلامِ مِن أجْلِه، ولا يَلْزَمُ مِن ذلك احْتِمالُ فِدائِها لتَحْصيلِ المالِ. فأمَّا الصِّبْيانُ، فقال أحمدُ: لا يُفادَى بهم؛ لأنَّ الصَّبِىَّ يَصِيرُ مُسْلِمًا بإسْلامِ سابِيه، فلا يَجُوزُ رَدُّه إلى المُشْرِكِين، وكذلك المرأةُ إذا أسْلَمَتْ، لا يَجُوزُ رَدُّها إلى الكُفَّارِ؛ لقولِ اللَّهِ تعالى:{فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (2). وإن كان الصَّبِىُّ غيرَ مَحْكُومٍ بإسْلامِه، كمَن سُبِىَ مع أبوَيْهِ، لم يَجُزْ فِدَاؤُه بمالٍ، كالمرأةِ، ويجوزُ فِداؤُه بمسلمٍ، في أحَدِ الوَجْهَيْن.
فصل: ومَن اسْتُرِقَّ منهم أو (3) فُودِىَ بمالٍ، كان الرَّقِيقُ والمالُ
(1) أخرجه مسلم، في: باب التنفيل وفداء المسلمين بالأسارى، من كتاب الجهاد. صحيح مسلم 3/ 1375، 1376. وأبو داود، في: باب الرخصة في المدركين يفرق بينهم، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 58، 59. وابن ماجه، في: باب فداء الأسارى، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 949. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 46، 47، 51.
(2)
سورة الممتحنة 10.
(3)
بعده في م: «بلغ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
للغانِمينَ، حُكْمُه حُكْمُ الغنيمةِ، لا نعلمُ في هذا خِلافًا، فإنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قَسَم فِداءَ أُسارَى بَدْرٍ بينَ الغانِمين (1). ولأنَّه مالٌ غَنِمَه المسلمون، أشْبَهَ الخيلَ والسِّلاحَ. فإن قِيلَ: فالأسِيرُ لم يكُنْ للغانِمين فيه حَقٌّ، فكيفَ تَعَلَّقَ حَقُّهم ببَدَلِه؟ قُلْنا: إنَّما يَفْعْلُ الإِمامُ في الأسيرِ ما يَرَى فيه المصْلَحَةَ؛ لأنَّه لم يَصِرْ مالًا، فإذا صارَ مالًا، تَعَلَّقَ حَقُّ الغانِمين به؛ لأنَّهم أسَرُوه وقَهَرُوه، وهذا غيرُ مُمْتَنِعٍ، ألا تَرَى أنَّ مَن عليه دَيْنٌ، إذ، قُتِلَ قَتْلًا يُوجِبُ القِصاصَ، كان لوَرَثَتِه الخيارُ بينَ القَتْلِ والعَفْوِ إلى الدِّيَةِ، فإذا اخْتارُوا الدِّيَةَ تَعَلَّقَ حَقُّ الغُرماءِ بها.
فصل: فإن سأَلَ الأُسارَى مِن أهْلِ الكتابِ تخْلِيَتَهم على إعْطاءِ الجِزْيَةِ، لم يَجُزْ ذلك في صِبْيانِهم ونِسائِهم؛ لأنَّهم صارُوا غَنِيمَةً بالسَّبْى، ويَجُوزُ في الرِّجالِ، ولا يزولُ التَّخْيِيرُ الثابِتُ فيهم وقال أصحابُ الشافعىِّ: يَحْرُمُ قَتْلُهم، كما لو أسْلَمُوا. ولَنا، أنَّه بَدلٌ [لا تَلْزَمُ](2) الإِجابَةُ إليه، فلم يَحْرُمْ قَتْلُهم، كبَدَلِ عَبَدَةِ الأوْثَانِ.
(1) انظر ما تقدم في فداء أسارى بدر في صفحة 84.
(2)
في م: «تجوز» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا أُسِرَ العَبْدُ، صارَ رَقِيقًا للمسلمين؛ لأنَّه مالٌ لهم اسْتُولِىَ عليه، فكان للغانِمين، كالبَهِيمَةِ، فإن رَأَى الإِمامُ قَتْلَه لضَرَرٍ في إبْقائِه، جازَ، لأنَّ مثلَ هذا لا قِيمَةَ له، فهو كالمُرْتَدِّ، وأمَّا مَن يَحْرُمُ قَتْلُهم غيرَ النِّساءِ والصِّبْيانِ، كالشَّيْخِ والزَّمِنِ والأعْمَى والرَّاهِبِ، فلا يَحِلُّ سَبْيُهم؛ لأنَّ قَتْلَهم حرامٌ، ولا نَفْعَ في اقْتِنائِهم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ذكر أبو بكرٍ أنَّ الكافِرَ إذا كان مَوْلَى مُسْلمٍ، لم يَجُزِ اسْتِرْقاقُه؛ لأنَّ في اسْتِرْقاقِه تفوِيتَ ولاءِ المُسْلمِ المَعْصُومِ. وعلى قَوْلِه، لا يُسْتَرَقُّ ولَدُه أيضًا إذا كان عليه وَلاءٌ؛ لذلك. وإن كان مُعْتِقُه ذِمِّيًّا، جازَ اسْتِرْقاقُه؛ لأنَّ سَيِّدَه يَجُوزُ اسْتِرْقاقُه، فاسْتِرْقاقُ مَوْلاه أوْلَى. وهذا مَذْهَبُ الشافعىِّ. وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ جوازُ اسْتِرْقاقِه؛ لأنَّه لا يجوزُ قَتْلُه، وهو مِن أهْلِ الكتابِ، فجازَ اسْتِرْقاقُه، كغيرِه، ولأنَّ سَبَبَ جوازِ الاسْتِرْقاقِ قد تحقَّقَ فيه، وهو الاسْتِيلاءُ عليه، مع كونِ مَصْلَحَةِ المسلمين في اسْتِرْقاقِه، ولأنَّه إنْ كان المَسْبِىُّ امرأةً أو صَبِيًّا، لم يَجُزْ فيه سِوَى الاسْتِرْقاقِ، فيَتَعَيَّنُ ذلك فيه. وما ذكرُوه يَبْطُلُ بالقَتْلِ؛ فإنَّه يُفَوِّتُ الوَلاءَ، وهو جائِزٌ فيه، وكذلك يجوزُ اسْتِرْقاقُ مَن عليه وَلاء لذِمِّىٍّ.