الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإذَا ظُفِرَ بِهِمْ، لَمْ يُقْتَل صَبِىٌّ، وَلَا امْرَأةٌ، وَلَا رَاهِبٌ، وَلَا شَيْخٌ فَانٍ، وَلَا زَمِنٍ، وَلَا أَعْمَى، لَا رَأْىَ لَهُمْ، إِلَّا أنْ يُقَاتِلُوا.
ــ
1398 - مسألة: (وَإذَا ظُفِرَ بِهِمْ، لَمْ يُقْتَل صَبِىٌّ، وَلَا امْرَأةٌ، وَلَا رَاهِبٌ، وَلَا شَيْخٌ فَانٍ، وَلَا زَمِنٍ، وَلَا أَعْمَى، لَا رَأْىَ لَهُمْ، إِلَّا أنْ يُقَاتِلُوا)
إذا ظَفِرَ بالكُفَّارِ، لم يَجُزْ قَتْلُ صَبِىٍّ لم يبْلُغْ، بغيرِ خِلافٍ؛ لِما روَى ابنُ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن قَتْلِ النِّساءِ والصِّبْيانِ. مُتَّفقٌ عليه (1) ولأنَّ الصَّبِىَّ يَصِيرُ رَقِيقًا بنَفْسِ السَّبْى، ففى قَتْلِه إتْلافُ المالِ، وإذا سُبِىَ مُنْفَرِدًا صارَ مُسْلِمًا، فإتْلافُه إتْلافُ مَن يُمْكِنُ جَعْلُه مسلمًا. والبُلُوغ يحصُلُ [بأحَدِ ثَلاثةِ](2) أشْياءَ؛ الاحْتِلامُ، وهو خُروجُ المَنِىِّ مِن ذَكَرِ الرجلِ أو قُبُلِ المرأةِ في يَقَظَةٍ أو مَنامٍ. ولا خِلافَ
(1) أخرجه البخارى، في: باب قتل الصبيان في الحرب، وباب قتل النساء في الحرب، من كتاب الجهاد. صحيح البخارى 4/ 74. ومسلم، في: باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب، من كتاب الجهاد. صحيح مسلم 3/ 1364.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في دعاء المشركين، وباب في قتل النساء، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 36، 49. والترمذى، في: باب ما جاء في النهى عن قتل النساء والصبيان، من أبواب السير. عارضة الأحوذى 7/ 64. وابن ماجه، في: باب الغارة والبيات وقتل النساء والصبيان، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 947. والدارمى، في: باب النهى عن قتل النساء والصبيان، من كتاب السير. سنن الدارمى 2/ 223. والإمام مالك، في: باب النهى عن قتل النساء والولدان. . .، من كتاب الجهاد. الموطأ 2/ 447. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 256، 2/ 22، 23، 76، 91، 100، 115، 3/ 488، 4/ 178.
(2)
في م: «بثلاثة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيه، وقد دَلَّ عليه قولُه تعالى:{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (1). وقال صلى الله عليه وسلم لمُعَاذٍ: «خُذْ مِن كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» . وقال: «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَام» . رَواهما أبو داودَ (2). والثانى، نَباتُ الشَّعَرِ الخَشِنِ حَوْلَ القُبُلِ، وهو علامَةٌ على البُلُوغِ؛ لِما روَى عَطِيَّةُ القُرَظِىُّ، قال: كنْتُ مِن سَبْى قرَيْظَةَ، فكانُوا يَنْظُرُون، فمَن أنْبَتَ الشَّعَرَ قُتِلَ، ومَن لم يُنْبِتْ لم يُقْتَلْ، فكُنْتُ في مَن لم يُنْبِتْ. رَواه التِّرْمِذىُّ (3)، وقال: حديثٌ حسَنٌ صَحِيحٌ. وعن كَثِيرِ بنِ السَّائِبِ، قال: حدَّثَنى أَبْناءُ قُريظةَ، أنَّهم عُرِضُوا على النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فمَن كانَ منهم مُحْتَلِمًا أو نَبَتَتْ عانَتُه قُتِلَ، ومَن لا، تُرِكَ. أخْرَجَه الأثْرَمُ. وحُكِىَ عن الشافعىِّ، أنَّ هذا بُلُوغٌ في حَقِّ الكُفّارِ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ إلى قولِهم في الاحْتِلامِ وعَدَدِ السِّنين، وليس بعلامَةٍ عليه في المسلمين؛ لإِمْكانِ ذلك فيهم. ولَنا، قولُ أبى بَصْرَةَ، وعُقْبَةَ بنِ عامرٍ، رَضِىَ اللَّهُ عَنهما، حينَ
(1) سورة النورة 59.
(2)
الأول تقدم تخريجه في 6/ 422.
والثانى أخرجه أبو داود، في: باب ما جاء متى ينقطع اليتيم، من كتاب الوصايا. سنن أبى داود 2/ 104. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 1/ 294.
(3)
في: باب ما جاء في النزول على الحكم، من أبواب السير. عارضة الأحوذى 7/ 82.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في الغلام يصيب الحد، من كتاب الحدود 2/ 453. وابن ماجه في: باب من لا يجب عليه الحد، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه 2/ 849. والدارمى، في: باب حد الصبى متى يقتل، من كتاب السير. سنن الدارمى 2/ 223. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 310، 383، 5/ 311، 312.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اخْتُلِفَ في بُلوغِ [تَميمِ بنِ فِرَعٍ](1) المَهْرِىِّ: انظرُوا، فإن كان قد أشْعَرَ، فاقْسِمُوا له. فنَظَرَ إليه بعضُ القوم، فإذا هو قد أنْبَتَ، فقَسَمُوا له. ولم يَظْهَرْ خِلافُه، فكان إجْماعًا. ولَأنَّ ما كان عَلَمًا على البُلُوغِ في حَقِّ الكافِرِ، كان عَلَمًا عليه في حَقِّ المُسْلِمِ، كالاحْتِلامِ، والسِّنِّ. وقولُهم: إنَّه يَتَعَذَّرُ في حَقِّ الكافرِ مَعْرِفَةُ الاحْتِلامِ والسِّنِّ. قُلْنا: لا تَتَعَذَّرُ مَعْرِفَةُ السِّنِّ في الذِّمِّىِّ النّاشِئ بينَ المسلمين، ثم تَعَذُّرُ المَعْرِفَةِ لا يُوِجِبُ جَعْلَ ما ليس بعلامَةٍ علامَةً، [كغيرِ الإِنْباتِ](2). الثالثُ، بُلُوغُ خَمْسَ عَشْرَةَ سنةً؛ لِما روَى ابنُ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما، قال: عُرِضْتُ على النبىِّ صلى الله عليه وسلم وأنا ابنُ أربعَ عَشْرَةَ، فلم يُجِزْنِى في القتالِ، وعُرِضْتُ عليه وأنا ابنُ خمسَ عَشْرَةَ، فأجَازَنى في المُقاتِلةِ. قال نافِعٌ: فحدَّثْتُ عُمَرَ ابنَ عبدِ العزِيزِ بهذا الحَدِيثِ، فقال: هذا فَصْلُ ما بينَ الرِّجال وبينَ الغِلْمانِ. مُتَّفقٌ عليه (3). وهذه العَلاماتُ الثَّلاثُ في حَقِّ الذَّكَرِ والأُنْثَى، تَزِيدُ الأُنْثَى بالحَمْلِ والحَيْضِ، فمَن لم يُوجَدْ فيه علامَةٌ منهُنَّ، فهو صَبِىٌّ يَحْرُمُ قَتْلُه.
(1) في م: «قرع» . وانظر: حاشية المشتبه 508. وذكر ابن عبد الحكم قصته، وقال: إنه شهد فتح الإسكندرية في المرة الثانية. فتوح مصر 178.
(2)
في م: «بغير الإثبات» .
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 9.
وأثر نافع أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء في حد بلوغ الرجل ومتى يفرض له، من أبواب الجهاد. عارضة الأحوذى 7/ 204. والإمام الشافعى، في: أول كتاب الحج. ترتيب مسند الشافعى 2/ 127.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا تُقْتَلُ امْرَأةٌ، ولا شَيْخٌ فانٍ. وبذلك قال مالكٌ، وأصحابُ الرَّأْى. ورُوِىَ ذلك عن أبى بكرٍ الصِّدِّيقِ، ومُجاهدٍ. ورُوِىَ عن ابنِ عباسٍ، في قولِه تعالى:{وَلَا تَعْتَدُوا} (1). يقولُ: تَقْتُلوا النِّساءَ والصِّبْيان والشَّيْخَ الكَبِيرَ (2). وقال الشافعىُّ، في أحدِ قَوْلَيْه، وابنُ المُنْذِرِ: يَجُوزُ قَتْلُ الشُّيُوخِ؛ لقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم: «اقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِين، واسْتَحْيُوا شَرْخَهُمْ (3)» . رَواه أبو داودَ، والتِّرْمِذِىُّ (4)، وقال: حديثٌ حسنٌ صَحيحٌ. ولأنَّه يَدْخُلُ في عُمُومِ قولِه تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (5). [قال ابنُ المُنْذِرِ: لا أعْرِفُ حُجَّةً في قولِ قَتْلِ الشُّيُوخِ، يُسْتَثْنَى بها مِن عُمُومِ قَوْلِه: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}](6). ولأنَّه كافِرٌ لا نَفْعَ في حياتِه، فيُقْتَلُ، كالشَّابِّ. ولَنا، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«لَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلَا طِفْلًا، وَلَا امْرَأةً» . رَواه أبو داودَ (7). ورُوِىَ عن أبى بكرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه أوْصَى يزيدَ حينَ وَجَّهَه
(1) سورة البقرة 190.
(2)
أخرجه ابن جرير في تفسيره 2/ 190.
(3)
شرخ: جمع شارخ، وهو الشاب.
(4)
أخرجه أبو داود، في: باب في قتل النساء، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 50. والترمذى، في: باب ما جاء في النزول على الحكم، من أبواب السير. عارضة الأحوذى 7/ 81.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 5/ 12، 20.
(5)
سورة التوبة 5.
(6)
سقط من: م.
(7)
في: باب في دعاء المشركين، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 36.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلى الشامِ، فقال: لا تَقْتُلِ امْرأةً، ولا صَبِيًّا، ولا هَرِمًا. وعن عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه أوْصَى سَلَمَةَ بنَ قَيْسٍ، فقال: لا تَقْتُلُوا (1) امْرَأَةً، ولا صَبِيًّا، ولا شَيْخًا هَرِمًا. رَواهما سعيدٌ (2). ولأنَّه ليس مِن أهلِ القِتالِ، فلا يُقْتَلُ، كالمرْأةِ. وقد أوْمَأَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم إلى هذه العِلَّةِ في المرأةِ، فقال:«مَا بَالُهَا قُتِلَتْ وَهِىَ لَا تُقَاتِلُ؟» (3). والآيةُ مَخصُوصَةٌ بما رَوَيْنا، ولأنَّه قد خَرَج عن عُمُومِها المرأةُ، والشَّيْخُ الهَرِمُ في معْناها. وحدِيثُهم أرادَ به الشُّيوخَ الذين فيهم قُوَّةٌ على القِتالِ، ومَعُونَةٌ عليه، برَأْيٍ أو تَدْبِيرٍ، جَمْعًا بينَ الأحاديثِ، ولأنَّ حدِيثَنا خاصٌّ في [الشَّيْخِ الهَرِمِ](4)، وحدِيثَهم عامٌّ في الشُّيُوخِ، والخاصُّ يُقَدَّمُ على العامِّ، وقِياسُهم يَنْتَقِضُ بالعَجُوزِ التى لا نَفْعَ فيها. ولا يُقْتَلُ خُنْثَى مُشْكِلٌ؛ لأنَّه لا يُعْلَمُ كوْنُه رَجُلًا.
فصل: ولا يُقْتَلُ زَمِنٌ، ولا أعْمَى، ولا راهِبٌ، والخِلافُ فيهم كالخِلافِ في الشَّيْخِ و [حُجَّتُهم ههُنا](5) حُجَّتُهم فيه. ولَنا، أنَّ الزَّمِنَ
(1) في م: «تقتل» .
(2)
الأول تقدم تخريجه في صفحة 25. والثانى لم نجده فيما بين أيدينا من سنن سعيد.
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب في قتل النساء، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 49، 50. وابن ماجه، في: باب الغارة والبيات وقتل النساء. . .، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 948. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 112، 3/ 488، 4/ 178.
(4)
في الأصل: «الشيوخ الهم» .
(5)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والأعْمَى، لَيْسَا مِن أهْلِ القِتالِ، أشْبَهَا المرأةَ، ولأنَّ في حديثِ أبى بكرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: وسَتَمُرُّونَ على أقْوام في صَوَامِعَ لهم، احْتَسَبُوا أنْفُسَهم فيها، فدَعْهُم حتَّى يُمِيتَهم اللَّهُ عَلى ضَلَالَتِهم. ولأنَّهم لا يُقاتِلُون تَدَيُّنًا، فأَشبَهُوا مَن لا يَقدِرُ على القِتالِ.
فصل: ولا يُقْتَلُ العَبيدُ. وبه قال الشافعىُّ؛ لقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم: «أدْرِكُوا خَالِدًا، فَمُرُوهُ أَنْ لَا يَقْتُلَ ذُرْيَّةً -وَلَا عَسِيفًا» (1). وهم العَبِيدُ، ولأنَّهم يصيرونَ رَقِيقًا للمسلمين بنَفْسِ السَّبْىِ، أشْبَهُوا النِّساءَ والصِّبْيانَ.
فصل: ومَن قاتَلَ ممَّن (2) ذَكَرْنا جَميعِهم، جازَ قَتْلُه. لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قَتَلَ يومَ قُرَيْظَةَ امرأةً ألْقَتْ رَحًا على محمودِ بنِ مَسْلَمَةَ (3). ورُوِىَ عن ابنِ عباسٍ، رَضِىَ اللَّهُ عَنهما، قال: مَرَّ النبىُّ
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في قتل النساء، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 50. وابن ماجه، في: باب الغارة والبيات. . .، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 948. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 488، 4/ 178.
(2)
في م: «مما» .
(3)
في م: «سلمة» . وانظر ما أخرجه الواقدى، في المغازى 2/ 645، 658. وابن حجر، في الإصابة 6/ 43، فقد ذكرا أن هذا كان يوم خيبر، لا يوم بنى قريظة، وأن الذى ألقى عليه الحجر مرحب. والذي قتلته المرأة يوم بنى قريظة هو خلاد بن سويد. انظر السيرة، لابن هشام 2/ 242، والسيرة الحلبية 2/ 668.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صلى الله عليه وسلم بامرأةٍ مَقْتُولَةٍ يومَ الخَنْدَقِ، فقال:«مَنْ قَتَلَ هذِهِ؟» . قال رَجُلٌ: أنا يا رَسُولَ اللَّهِ. قال: «وَلِمَ؟» . قال: نازَعَتْنِى قائِمَ سَيْفِى. قال: فسَكَتَ (1). ولأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم وقَفَ على امرأةٍ مَقْتُولَةٍ، فقال:«مَا بَالُهَا قُتِلَتْ، وَهِى لَا تُقَاتِلُ؟» (2). وفيه دَلِيلٌ على أنَّه إنَّما نَهَى عن قَتْلِ المرأةِ إذا لم تُقاتِلْ، وكذلك مَن كان مِن هؤلاء الرِّجالِ المذْكُورِين ذا رَأْىٍ يُعينُ به في الحرْبِ، جازَ قَتْلُه؛ لأنَّ دُرَيْدَ بنَ الصِّمَّةِ قُتِلَ يومَ حُنَيْنٍ، وهو شَيْخٌ لا قِتالَ فيه، وكانوا خَرَجُوا به معهم يتَيَمَّنُون به، ويَسْتَعِينُون برأْيِه، فلم يُنْكِرِ النبىُّ صلى الله عليه وسلم قَتْلَه (3). ولأنَّ الرَّأْى مِن أعْظَمِ المَعُونَةِ في الحَرْبِ، ورُبَّما كان أَبلَغَ مِن القِتالِ كما قال المتنبى (4):
الرَّأْىُ قبلَ شجاعَةِ الشُّجْعَانِ
…
هو أوَّلٌ وهْى المحلُّ الثّانِى
فإذا هما اجْتَمَعا لنَفْس مُرَّةٍ
…
بلَغَت مِن العَلْيَاءِ كلَّ مكانِ
ولَرُبَّما طَعَنَ الفَتَى أقْرانَه
…
بالرَّأْىِ قبلَ تَطاعُنِ الفُرْسانِ
(1) أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 1/ 256. وعبد الرزاق، في: باب عقر الشجر بأرض العدو، من كتاب الجهاد. المصنف 5/ 201، 202. وابن أبى شيبة، في: باب ما يمتنع به من القتل. . .، من كتاب الجهاد. المصنف 12/ 384، 385.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 71.
(3)
انظر ما أخرجه البخارى، في: باب غزاة أوطاس، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 5/ 197. والبيهقى، في: باب قتل من لا قتال فيه من الكفار جائز. . .، من كتاب السير. السنن الكبرى 9/ 91، 92.
(4)
في: ديوانه 412.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد جاء عن مُعاوِيَةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال لمَرْوانَ والأسْوَدِ: أمْدَدْتُما عَلِيًّا بقَيْسِ بنِ سعدٍ (1)، وبرأْيِه ومُكايَدَتِه، فوَاللَّهِ لو أنَّكما أمْدَدْتُما بثمانِيَةِ آلافِ مُقاتلٍ، ما كان بأغْيَظَ لِى مِن ذلك (2). فأمَّا المَرِيضُ فيُقْتَلُ إذا كان ممَّن لو كان صَحِيحًا قاتَلَ؛ لأنَّه كالإِجْهازِ على الجَرِيحِ، فإن كان مَأْيُوسًا مِن بُرْئهِ، فهو بمَنْزِلَةِ الزَّمِنِ، فلا يُقْتَلُ؛ لأنَّه لا يُخافُ منه أن يصيرَ إلى حالٍ يُقاتِلُ فيها.
فصل: فأمّا الفَلَّاحُ الَّذى لا يُقاتِلُ، فيَنْبَغِى أن لا يُقْتَلَ؛ لِما رُوِى عن عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال: اتَّقُوا اللَّهَ في الفَلَّاحِين، الذين لا يَنْصِبُون لكم الحَرْبَ (3). وقال الأوْزَاعِىُّ: لا يُقْتَلُ الحَرّاثُ، إذا عُلِمَ أنَّه ليس مِنَ المُقاتِلَةِ. وقال الشافعىُّ: يُقْتَلُ؛ إلَّا أن يُؤَدِّىَ الجِزْيَةَ؛ لدُخُولِه في عُمُومِ المُشْرِكين. ولَنا، قولُ عُمَرَ، ولأنَّ الصحابَةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم، لم
(1) هو قيس بن سعد بن عبادة الأنصارى، وكان من النبى صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير، وكان من دهاة العرب، وكان على مقدمة على يوم صفين، ثم هرب من معاوية سنة ثمان وخمسين، وسكن تفليس، ومات بها في ولاية عبد الملك بن مروان. تهذيب التهذيب 8/ 395، 396.
(2)
الخبر في: سير أعلام النبلاء 3/ 110.
(3)
أخرجه البيهقى، في: باب ترك قتل من لا خال فيه. . .، من كتاب السير. السنن الكبرى 9/ 91. وسعيد بن منصور، في: باب ما جاء في قتل النساء والولدان، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 239.