الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ أَسْلَمُوا، أَوْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ، أَحْرَزَ دَمَهُ وَمَالَهُ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ.
ــ
وحَرُمَ قِتالُهم؛ لقولِه تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (1). فإن بَذَلُوا مالًا على غيرِ وَجْهِ الجِزْيَةِ، فرَأَى المَصْلَحَةَ في قَبُولِه له، قَبِلَه، ولا يَلْزَمُه إذا لم يَرَ المَصْلَحَةَ. الثَّالثةُ، أن يَفْتَحَهُ. الرابعةُ، أن يَرَى المَصْلَحَةَ في الانْصِرافِ، إمّا لضَرَرٍ في الإِقامَةِ، وإمّا لليَأْس منه، أو لغيرِ ذلك، فيَنْصَرِفَ عنهم؛ لما رُوِى أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم حَاصَرَ أهْلَ الطَّائِفِ، فلم يَنَلْ منهم شيئًا، فقال:«إنَّا قَافِلُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ غَدًا» . فقال المُسْلِمُون: أنَرْجِعُ ولم نَفْتَحْه؟ فقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اغْدُوا عَلَى القِتَالِ» . فَغَدَوْا عليه، فأصابَهم الجِراحُ، فقال لهم رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إنَّا قَافِلُونَ غَدًا» . فأعْجَبَهم، فقَفَلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. مُتَّفَقٌ عليه (2). الخامسةُ، أن يَنْزِلُوا على حُكْمِ حاكمٍ. وسَنذْكُرُه في مَوْضِعه إن شاءَ اللَّهُ.
1409 - مسألة: ([فإن أسْلَمُوا، أو]
(3) مَن أسْلَمَ منهم، أَحْرَزَ
(1) سورة التوبة 29.
(2)
أخرجه البخارى، في: باب غزوة الطائف، من كتاب المغازى، وفى: باب قوله تعالى: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ. . .} ، من كتاب التوحيد. صحيح البخارى 5/ 198، 9/ 172. ومسلم، في: باب غزوة الطائف، من كتاب الجهاد والسير. صحيح مسلم 3/ 1403.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 2/ 11.
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
دَمَهُ ومالَه وأوْلادَه الصِّغارَ) متى أسْلَمَ أهْلُ الحِصْنِ أو بعْضُهم، أحْرَزَ دَمَه ومالَه وأوْلادَه الصِّغارَ، كما ذَكَر؛ لقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم في الحديثِ المذْكُورِ:«فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّى دِمَاءَهُمْ وأمْوَالَهُمْ إلَّا بحَقِّهَا» . ويُحْرِزُ أولادَه الصِّغارَ مِن السَّبْى؛ لأنَّهم تَبَعٌ له، ولذلك يُحكَمُ بإسْلامِهم تَبَعًا لإِسْلامِه. وكذلك كلُّ مَن أسْلَمَ في دارِ الحرْبِ. وإن دَخَل دارَ الإِسْلامِ فأسْلَمَ، وله أوْلادٌ صِغارٌ في دارِ الحَرْبِ، صارُوا مُسْلِمِين، ولم يَجُزْ سَبْيُهم. وبه قال مالكٌ، والشافعىُّ، والأوْزَاعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: ما كان في يَدِه مِن مالِه ورَقِيقِه ومَتاعِه ووَلَدِه الصِّغارِ، تُرِكَ له، وما كان مِن أوْلادِه وأمْوالِه بدارِ الحَرْبِ، جازَ سَبْيُهم؛ لأنَّهم لم يَثْبُتْ إسْلامُهم بإسْلامِه، لاخْتِلافِ الدّارَيْن بينَهم، ولهذا إذا سُبِىَ الطِّفْلُ، وأبواه في دارِ الكُفْرِ، لم يَتْبَعْهُما وتَبعَ سابِيَه في الإِسْلامِ، وما كان مِن أرضٍ أو دارٍ، فهو فَىْءٌ، وكذلك زوْجَتُه إذا كانتْ كافِرَةَ، وما في (1) بَطْنِها فَىْءٌ. ولَنا، أنَّ أوْلادَه أوْلادُ مُسْلمٍ، فوَجَبَ أن يَتْبَعُوه في الإِسْلامِ، كما لو كانوا معه في الدَّارِ، ولأنَّ مالَه مالُ مُسْلمٍ، ولا يَجُوزُ اغْتِنامُه، كما لو كان في دارِ الإِسْلامِ، وبذلك يُفارِقُ مالَ الحَرْبِىِّ وأولادَه. وما ذَكَرَه أبو حنيفةَ لا يَلْزَمُ، فإنَّا نَجْعَلُه تَبَعًا للسَّابِى؛ لأنَّا لا نَعْلَمُ بقاءَ أَبَوَيْه. فأمّا أوْلادُه الكِبارُ، فلا يَعْصِمُهم؛ لأنَّهم لا يَتْبَعُونَه، ولا يَعْصِمُ زوْجتَه؛ لذلك، فإن سُبِيَتْ صارَتْ رَقِيقَةً، ولم ينْفَسِخْ نِكاحُه برِقِّها، ولكنْ يَكونُ حُكْمُها في النِّكاحِ وفَسْخِه
(1) في م: «على» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حُكْمَ ما لو لم تُسْبَ، على ما نَذْكُرُ في نكاحِ أهلِ الشِّرْكِ. فإن كانتْ حامِلًا مِن زَوْجِها، لم يَجُزِ اسْتِرْقاقُ الحَمْلِ، وكان حُرًّا مُسْلِمًا. وبه قال الشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: يُحْكَمُ بِرِقِّه مع أُمِّه؛ لأنَّ ما سَرَى إليه العِتْقُ سَرَى إليه الرِّقُّ، كسائِرِ أعْضائِها. ولَنا، أنَّه مَحْكُومٌ بحُرِّيَّتِه وإسْلامِه، فلم يَجُزِ اسْتِرْقاقُه، كالمُنْفَصلِ، بخِلافِ الأعْضاءِ؛ فإنَّها لا تَنْفَرِدُ عن حُكْمِ الأصْلِ.
فصل: إذا أسْلَمَ الحَرْبِىُّ في دارِ الحَرْبِ وله مالٌ وعَقارٌ، أو دَخَل إليها مُسْلِمٌ فابْتاعَ عَقارًا ومالًا، فظهرَ المسْلِمُون على مالِه وعَقارِه، لم يَمْلِكُوه، وكان له. وبه قال مالكٌ، والشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: يُغْنَمُ العَقارُ، وأمّا غيرُه، فما كان في يَدِه أو يَدِ مُسْلِمٍ، لم يُغْنَمْ. واحْتَجَّ بأنَّهَا بُقْعَةٌ مِن دارِ الحَرْبِ، فجازَ اغْتِنامُها، كما لو كانتْ لحَرْبِىٍّ. ولَنا، أنَّه مالُ مُسْلِمٍ، فأشْبَهَ ما لو كانتْ في دارِ الإِسْلامِ.
فصل: إذا اسْتَأْجَرَ المُسْلِمُ أرْضًا مِن حَرْبِىٍّ، ثم اسْتَوْلَى عليها المُسْلِمُون، فهى غَنِيمَةٌ، ومَنافِعُها للمُسْتَأْجِرِ؛ لأنَّ المنافِعَ مِلْكُ المُسْلِمِ. فإن قيلَ؛ فلِمَ أجَزْتُمُ اسْتِرْقاقَ الكافِرَةِ الحَرْبِيَّةِ إذا كان قد أسْلَمَ زَوْجُها. وفى اسْتِرْقاقِها إبْطالُ حَقِّ زَوْجِها؟ قُلْنا: يَجُوزُ اسْتِرْقاقُها؛ لأنَّها كافِرَةٌ، ولا أمانَ لها، فجازَ اسْتِرْقاقُها، كما لو لم تَكُنْ زَوْجَةَ مُسْلِمٍ، ولا يَبْطُلُ نِكاحُه، بل هو باقٍ، ولأنَّ منْفَعَةَ النِّكاحِ لا تَجْرِى مَجْرَى الأمْوالِ، بدَلِيلِ أنَّها لا تُضْمَنُ باليَدِ، فلا يَجُوزُ أخْذُ العِوَضِ عنها، بخِلافِ حَقِّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الإِجارَةِ.
فصل: إذا أسْلَمَ عبدُ الحَرْبِىِّ أو أمَتُه، وخَرَج إلينا، فهو حُرٌّ، وإن أسَرَ سَيِّدَه وأولادَه، وخَرَج إلينا، فهو حُرٌّ، والمالُ له، والسَّبْىُ رَقِيقُه. وإن أسْلَمَ وأقامَ بدارِ الحَرْبِ، فهو على رِقِّه. وإن أسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ الحَرْبِىِّ، وخَرَجَتْ إلينا، عَتَقَتْ، واسْتَبْرَأْت نَفْسَها. وهذا قولُ أكثرِ العُلماء. قال ابنُ المُنْذِرِ: وقال به كلُّ مَن نَحْفَظُ عنه مِن أهْلِ العِلْمِ؛ إلَّا أنَّ أبا حنيفةَ قال في أُمِّ الوَلَدِ: تُزَوَّجُ إن شاءتْ مِن غيرِ اسْتِبرْاءٍ. وأهْلُ العِلْمِ على خِلافِه، لأنَّها أُمُّ وَلَدٍ عَتَقَتْ فلم يَجُزْ أن تُزَوَّجَ قبلَ الاسْتِبْراءِ، كما لو كانتْ لِذِمِّىٍّ، وروَى سعيدُ بنُ مَنْصورٍ (1)، بإسْنادِه، عن ابنِ عباسٍ، قال: كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْتِقُ العَبِيدَ إذا جاءُوا قبلَ مَوالِيهم. وعن أبى سعيدٍ الأعْسَمِ، قال: قَضَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في العَبْدِ وسَيِّدِه قَضِيَتّيْن؛ قَضَى أنَّ العَبْدَ إذا خَرَج مِن دارِ الحَرْبِ قبلَ سَيِّدِه أنَّه حُرٌّ، فإن خَرَج سَيِّدُه بعدُ لم يُرَدَّ عليه، وقَضَى أنَّ السَّيِّدَ إذا خَرَج قبلَ العَبْدِ، ثم خَرَج العبدُ، رُدَّ على سَيِّدِه. رَواه سعيدٌ (2). وعن الشَّعْبِىِّ، عن رَجُلٍ مِن ثَقِيفٍ، قال: سأَلْنا رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أن يَرُدَّ علينا أبا بَكْرَةَ، وكان عبدًا لنا أتَى إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو مُحاصِرٌ ثَقِيفًا، فأسْلَمَ، فأبَى أنْ
(1) في: باب العبد ومولاه من العدو يخرجان من أرض العدو، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 290.
كما أخرجه البيهقى، في: باب من جاء من عبيد أهل الحرب مسلما، من كتاب الجزية. السنن الكبرى 9/ 229، 230.
(2)
في الموضع السابق.