الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإذَا لَحِقَ مَدَدٌ، أو هَرَبَ أَسِيرٌ، فَأَدْرَكُوا الْحَرْبَ قَبْلَ تَقَضِّيهَا، أُسْهِمَ لَهُمْ، وَإنْ جَاءُوا بَعْدَ إِحْرَازِ الْغَنِيمَةِ، فَلَا شَىْءَ لَهُمْ.
ــ
يُسْهَمُ له كما يُسْهَمُ للمريضِ. ولَنا، أنَّه لا يُنْتَفَعُ به، فلم يُسْهَمْ له، كالمُخَذِّلِ والمُرْجِفِ، ولأنّه حَيَوانٌ يتَعَيَّنُ مَنْعُه مِن الدُّخُولِ، فلم يُسْهَمْ له، كالمُرْجِفِ. وأمَّا المَرِيضُ، فإنَّه يُعِينُ برَأْيِه، وتَكْثِيرِه، ودُعائِه، بخِلافِ الفَرَسِ.
1444 - مسألة: (وإذا لَحِقَ مَدَدٌ، أو هَرَب أسِيرٌ، فَأدْرَكُوا الحَرْبَ قبلَ تقَضِّيها، أُسْهِمَ لهم. وإن جاءُوا بعدَ إحْرازِ الغَنِيمَةِ، فلا شَئَ لهم)
وجملةُ ذلك أنَّ الغَنِيمَةَ إنَّما هى لمَن شَهِدَ الوَقْعَةَ؛ لِما ذَكَرْنا مِن قولِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه؛ لأنَّهم إذا قَدِمُوا قبلَ انْقِضاءِ الحَرْبِ، فقد شارَكُوا الغانِمِين في السَّبَبِ، فشارَكُوهم في الاسْتِحْقاقِ، كما لو قَدِمُوا قبلَ الحَرْب، فمَن تجَدَّدَ بعدَ ذلك مِن مَدَدٍ يَلْحَقُ بالمسلمين، أو أسِيرٍ يَنْفَلِتُ مِن الكُفَّارِ فيَلْحَقُ بجيشِ المسلمين، أو كافِرٍ يُسْلِمُ، فلا حَقَّ له فيها. وبهذا قال الشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ، في المَدَدِ يَلْحَقُهم قبلَ القِسْمَةِ أو إحْرازِها بدارِ الإسلامِ: شارَكَهم؛ لأنَّ مِلْكَها لا يَتِمُّ إلَّا بتَمامِ الاسْتِيلاءِ، وهو الإِحْرازُ إلى دارِ الإِسْلامِ، أو قَسْمُها، فمَن جاءَ قبلَ ذلك، فقد أدْرَكَها قبلَ مِلْكِها، فاسْتَحَقَّ منها، كما لو جاءَ في أثْناءِ الحَرْبِ. وإن ماتَ أحَدٌ مِن العَسْكَرِ قبلَ ذلك، فلا شئَ له؛ لِما ذَكَرْنا. وقد روَى الشَّعْبِىُّ، أنَّ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، كَتَب إلى سعدٍ: أسْهِمْ لمَن أتاكَ قبلَ أن تَتَفَقَّأَ (1) قَتْلَى فارِسٍ (2). ولَنا، ما روَى أبو هُرَيْرَةَ، أنَّ أبانَ بنَ سعيدِ بنِ
(1) أى: تتشقق وتتفسخ.
(2)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب لمن الغنيمة، من كتاب الجهاد. المصنف 5/ 303. وابن أبى شيبة، في: باب في القوم يجيئون بعد الوقعة. . .، من كتاب الجهاد. المصنف 12/ 410. وسعيد بن منصور، في: باب ما جاء في من يأتى بعد الفتح، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 286. والبيهقى، في: باب الغنيمة لمن شهد الوقعة، من كتاب السير. السنن الكبرى 9/ 50.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
العاصِ وأصحابَه، قَدِمُوا على رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بخَيْبَرَ بعدَ أن فَتَحَها، فقال أبانُ: اقْسِمْ لَنا يا رسولَ اللَّهِ. فقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اجْلِسْ يَا أبَانُ» . ولم يَقْسِمْ له رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَواه أبو داودَ (1). وعن طارِقِ بنِ شِهابٍ، أنَّ أهْلَ البَصْرَةِ غَزَوْا نَهاوَنْدَ، فأمَدَّهم أهْلُ الكُوفَةِ، فكُتِبَ في ذلك إلى عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، فكَتَبَ عُمَرُ: إنَّ الغَنِيمَةَ لمَن شَهِدَ الوَقْعَةَ. رَواه سعيدٌ، في «سُنَنِه» (2). ورُوِىَ نحوُه عن عثمانَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، في غَزْوَةِ أرْمِينِيةَ (3)، ولأنَّه مَدَدٌ لَحِقَ بعدُ تَقَضِّى الحَرْبِ، أشْبَهَ ما لو جاءَ بعدَ القِسْمَةِ، أو بعدَ إحْرازِها بدارِ الإِسْلامِ. وقولُهم: إنَّ مِلْكَها بإحْرازِها إلى دارِ الإِسْلامِ. مَمْنُوعٌ، بل هو بالاسْتِيلاءِ، وقد اسْتَوْلَى عليها الجَيْشُ قبلَ المَددِ، وحدِيثُ الشَّعْبِىِّ مُرْسَلٌ، يَرْوِيه مُجالِدٌ، وقد
(1) في: باب في من جاء بعد الغنيمة لا سهم له، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 66، 67.
كما أخرجه البخارى، في: باب غزوة خيبر، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 5/ 176، 177.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 216.
(3)
أرمينية: اسم لصقع عظيم في ناحية الشمال، وهى من برذعة إلى باب الأبواب، ومن الجهة الأخرى إلى بلاد الروم. معجم البلدان 1/ 219، 220.
وما روى عن عثمان، أخرجه البيهقى، في: باب المدد يلحق بالمسلمين، من كتاب قسم الفئ والغنيمة. السنن الكبرى 6/ 335.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تُكُلِّمَ فيه، ثم هم لا يَعْمَلُون به، ولا نحن، فقد حَصَل الإِجماعُ على خِلافِه، فكيفَ يُحْتَجُّ به؟.
فصل: وحُكْمُ الأسِيرِ يهْرُبُ إلى المسلمين حُكْمُ المَدَدِ، سواءٌ قاتَلَ أو لم يُقاتِلْ، في أنَّه يَسْتَحِقُّ مِن الغَنيمَةِ إذا هَرَب قبلَ تَقَضِّى الحَرْبِ. وقال أبو حنيفةَ: لا يُسْهَمُ له إلَّا أن يُقاتِلَ؛ لأنَّه لم يَأْتِ للقِتالِ، بخِلافِ المَدَدِ. ولَنا، أنَّ مَن اسْتَحَقَّ إذا قاتَلَ، اسْتَحَقَّ وإن لم يُقاتِلْ، كالمَدَدِ، وسائِرِ مَن حَضَر الوَقْعَةَ.
فصل: فإن لَحِقَهُم المَدَدُ بعدَ تَقَضِّى الحربِ، وقبلَ إحْرازِ الغَنِيمَةِ، أو جاءَهم الأسِيرُ، فظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ، أنَّه يُشارِكُهم؛ لأنَّه جاءَ قبلَ إحْرازِها. وقال القاضى: تُمْلَكُ الغَنِيمَةُ بانْقِضاءِ الحَرْبِ قبلَ حِيازَتِها. فعلى هذا، لا يُسْهَمُ لهم. وإن حازُوا الغَنِيمَةَ، ثم جاءَهم قَوْمٌ مِن الكُفّارِ يقاتِلُونَهم، فأدْرَكَهم المَدَدُ، فقاتَلُوا معهم، فقد قال أحمدُ: إذا غَنِمَ المسلمون غَنِيمَةً، فلَحِقَهُم العَدُوُّ، وجاءَ المُسْلِمِين مَدَدٌ، فقاتَلُوا العَدُوَّ معهم حتى سَلَّمُوا الغَنِيمَةَ، فلا شئَ لهم في الغَنِيمَةِ؛ لأنَّهم إنَّما قاتَلُوا عن أصحابِهم دُونَ الغَنِيمَةِ؛ لأنَّ الغَنِيمَةَ قد صارَتْ في أيْدِيهم وحَوَوْها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قيلَ له: فإنَّ أهلَ المَصِّيصَةِ (1) غَنِمُوا ثم اسْتَنْقَذَه منهم العَدُوُّ، فجاءَ أهْلُ طَرَسُوسَ (2)، فقاتَلُوا معهم حتى اسْتَنْقَذُوه؟ فقال: أحَبُّ إلىَّ أن يَصْطَلِحُوا. أمَّا في الصُّورَةِ الأُولَى، فإن الأوَّلِينَ قد أحْرَزُوا الغَنِيمَةَ ومَلَكُوها بحِيازَتها، فكانتْ لهم دُونَ مَن قاتَلَ معهم، وأمَّا في الصُّورَةِ الثَّانيةِ، فإنَّما حَصَلَتِ الغَنِيمَةُ بقِتالِ الذين اسْتَنْقَذُوها في المرَّةِ الثَّانيةِ، فيَنْبَغِى أن يشْتَرِكُوا فيها؛ لأنَّ الإِحْرازَ الأوَّلَ قد زالَ بأخْذِ الكُفّارِ لها. ويحْتَمِلُ أنَّ الأوَّلِينَ قد مَلَكُوها بالحيازَةِ الأُولَى، ولم يَزُلْ مِلْكُهم بأخْذِ الكُفّارِ لها منهم، فلهذا أحَبَّ أحمدُ أن يصْطَلِحُوا على هذا.
فصل: ومَن بَعَثَه الأمِيرُ لمَصْلَحَةِ الجَيْشِ، مثلَ الرسولِ والدَّلِيل والجَاسُوسِ وأشْباهِهم، فإنَّه يُسْهَمُ له وإن لم يَحْضُرْه؛ لأنَّه في مَصْلَحَةِ الجَيْشِ، أشْبَهَ السَّرِيَّةَ، ولأنَّه إذا أُسْهِمَ للمُتَخَلِّفِ عن الجيشِ، فهؤلاء أوْلَى. وبهذا قال أبو بكرِ بنُ أبى مَرْيَمَ، وراشِدُ بنُ سَعْدٍ (3)، وعَطِيَّةُ بنُ قَيْسٍ (4)، قالوا: وقد تخَلَّفَ عثمانُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، يومَ بَدْرٍ، فَأجْرَى
(1) المصيصة: مدينة على شاطئ جيحان، من ثغور الشام، بين أنطاكية وبلاد الروم، تقارب طرسوس. معجم البلدان 4/ 558.
(2)
طرسوس: مدينة بثغور الشام، بين أنطاكية وحلب وبلاد الروم. معجم البلدان 3/ 526.
(3)
راشد بن سعد المقرائى، التابعى الفقيه، محدث حمص. توفى سنة ثلاث عشرة ومائة. سير أعلام النبلاء 4/ 490 - 491.
(4)
هو عطية بن قيس التابعى المقرئ كان قارئ الجند، وكان فيمن غزا القسططنية زمن معاوية. توفى سنة إحدى وعشرين ومائة. سير أعلام النبلاء 5/ 324، 325.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
له رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَهْمًا مِن الغَنِيمَةِ. ويُرْوَى عن [ابنِ عُمَرَ](1)، رَضِىَ اللَّهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قام، يَعْنِى يومَ بدرٍ، فقال:«إنَّ عُثْمَانَ انْطَلَقَ في حَاجَةِ اللَّهِ وحَاجَةِ رَسُولِه، وإنِّى أُبَايعُ لَهُ» . فضَرَبَ له رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بسَهْمِه، ولم يَضْرِبْ لأحَدٍ غابَ غيرِه. رَواه أبو داودَ (2). وعن ابنِ عُمَرَ، قال: إنَّما تَغَيَّبَ عُثْمانُ عن بَدْرٍ؛ لأنَّه كانت تحتَهْ ابنةُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وكانتْ مَرِيضَةً، فقال له النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ لَكَ أجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وسَهْمَهُ» . رَواه البخارىُّ (3).
فصل: وسُئِلَ أحمدُ عن قَوْمٍ خَلَّفَهم الأمِيرُ في بلادِ العَدُوِّ، وغَزَا وغَنِمَ ولم يَمُرَّ بهم، فرَجَعُوا، هل يُسْهَمُ لهم؟ قال: نعم، يُسْهَمُ لهم؛ لأنَّ الأمِيرَ خَلَّفَهم. قيل له: وإن نادَى الأميرُ: مَن كان صَبِيًّا فلْيَتَخَلَّفْ. فتَخَلَّفَ قومٌ فصارُوا إلى لُؤْلُؤَةٍ، وفَيها المسلمون، فأقامُوا حتى فَصَلُوا. فقال: إذا كانُوا قد الْتجَئُوا إلى مَأْمَنٍ لهم، لم يُسْهَمُ لهم، ولو تَخَلَّفُوا
(1) في النسخ: «عمر» . والمثبت من سنن أبى داود.
(2)
في: باب بن جاء بعد الغنيمة لأسهم له، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 67.
(3)
في: باب إذا بعث الإمام رسولا في حاجة. . .، من كتاب الخمس، وفى: باب مناقب عثمان بن عفان، من كتاب فضائل الصحابة، وفى: باب قول اللَّه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى} ، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 4/ 108، 5/ 18، 126. كما أخرجه الترمذى، في: باب مناقب عثمان ابن عفان، من أبواب المناقب. عارضة الأحوذى 13/ 160، 161. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 101، 120.