الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا يَجُوزُ عَقْدُهَا إِلَّا لِأَهْلِ الْكِتَابِ؛ وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَمَنْ يُوَافِقُهُمْ فِي التَّدَيُّنِ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ؛ كَالسَّامِرَةِ وَالْفِرِنْجِ، وَمَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ؛ وَهُمُ الْمَجُوسُ. وَعَنْهُ، يَجُوزُ عَقْدُهَا لجَمِيِع
ــ
رَبِّنا، أنْ نُقاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدوا اللَّهَ وحدَه، أو تُؤَدُّوا الجِزْيَةَ. رَواه البخارىُّ (1). وعن بُرَيْدَةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، قال: كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا بَعَثَ أمِيرًا على سَرِيَّةٍ أو جَيْشٍ، أوْصاهُ بِتَقْوَى اللَّهِ في خاصَّةِ نَفْسِه، وبمَن معه مِن المُسْلِمِين خيرًا، وقال له:«إِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ، فادْعُهُمْ إِلَى إحْدَى خِصالٍ ثَلَاثٍ؛ ادْعُهُمْ إِلى الإِسْلَامِ، فَإِنْ أجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ أَبَوْا، فَادْعُهُمْ إِلَى إعْطَاءِ الجِزْيَةِ، فَإِنْ أجَابُوكَ، فاقْبَلْ مِنْهُمْ وكُفَّ عَنْهُمْ، فإنْ أَبَوْا، فَاسْتَعِنْ باللَّهِ وقَاتِلْهُمْ» . رَواه مسلمٌ (2)، في أخبارٍ كثيرةٍ. وأجْمَعَ المُسْلِمُون على جوازِ أخْذِ الجِزْيَةِ في الجُمْلَةِ.
1501 - مسألة: و (لا يَجُوزُ عَقْدُها إلَّا لأهْلِ الكِتابِ؛ وهم اليَهُودُ والنَّصارَى، ومَن يُوافِقُهم فِي التَّدَيُّنِ بالتَّوْراةِ والإِنْجِيلِ؛ كالسّامِرَةِ
(3) والفِرِنْجِ، ومَن له شُبْهَةُ كِتابٍ؛ وهم المجُوسُ. وعنه،
(1) في: باب الجزية والموادعة مع أهل الحرب. . .، من كتاب الجزية. صحيح البخارى 4/ 118.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 86.
(3)
السامرة: قوم من اليهود يخالفونهم في بعض أحكامهم، يسكنون جبال بيت المقدس وقرى من أعمال مصر، ويتقشفون في الطهارة أكثر من تقشف سائر اليهود. الملل والنحل 1/ 514، 515.
الْكُفَّارِ، إِلَّا عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ مِنَ الْعَرَبِ.
ــ
يَجُوزُ عَقْدُها لجَمِيعِ الكُفّارِ، إلَّا عَبَدَةَ الأوْثَانِ مِن العَرَبِ) وجُمْلَةُ ذلك، أنَّ الذين تُقْبَلُ منهم الجِزْيَةُ صِنْفان؛ أهْلُ كتابٍ، ومَن له شُبْهَةُ كتابٍ، في ظاهِرِ المَذْهَبِ. فأهْلُ الكتابِ، اليهودُ والنَّصارَى ومَن دانَ بدِينِهم؛ كالسّامِرَةِ يَدِينُونَ بالتَّوْراةِ، ويعْمَلون بشريعَةِ مُوسَى، وإنَّما خالَفُوهم في فُرُوعِ دِينِهم، وفِرَقِ النَّصارَى؛ مِن اليَعْقُوبِيَّةِ (1)، والنَّسْطُورِيَّةِ (2)، والمَلْكِيَّةِ (3)، والفِرِنْجِ والرُّومِ والأرْمَنِ وغيرِهم، ممَّن دانَ بالإِنْجِيلِ، وانْتَسَبَ إلى دِينِ عيسَى والعَمَلِ بشَرِيعَتِه، فكلُّهم مِن أهْلِ الإِنْجِيلِ. ومَن عَدا هؤلاء مِن الكُفّارِ، فليسوا مِن أهْلِ الكِتابِ؛ بدليلِ قولِ اللَّهِ تعالى:{أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} (4). فأمَّا أهْلُ صُحُفِ إبْراهيمَ وشِيثَ، وزَبُورِ داودَ، فلا تُقْبَلُ
(1) اليعقوبية: أصحاب يعقوب بن عالى، قالوا بالأقانيم الثلاثة، إلا أنهم قالوا: انقلبت الكلمة لحماودما، فصار الإله هو المسيح، وهو الظاهر بجسده، بل هو هو. الملل والنحل 1/ 541.
(2)
النسطورية: أصحاب نسطور الحكيم، الذى ظهر في زمان المأمون، وتصرف في الأناجيل بحكم رأيه، وقال: إن اللَّه تعالى واحد، ذو أقانيم ثلاثة؛ الوجود، والعلم، والحياة. الملل والنحل 1/ 535.
(3)
كذا في النسخ. وفى الملل والنحل 1/ 529: الملكانية: أصحاب ملكا، الذى ظهر بأرض الروم، واستولى عليها، قالوا: إن الكلمة اتحدت بجسد المسيح، وتدرعت بناسوته، ويعنون بالكلمة: أقنوم العلم، ويعنون بروح القدس: أقنوم الحياة.
(4)
سورة الأنعام 156.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
منهم الجِزْيَةُ؛ لأنَّهم مِن غيرِ الطَّائِفَتَيْن، ولأنَّ هذه الصُّحُفَ لم تكُنْ فيها شَرائِعُ، إنَّما هى مَواعِظُ وأمْثالٌ، كذلك وَصَف النبىُّ صلى الله عليه وسلم صُحُفَ إبراهيمَ وزَبُورَ داودَ، في حديثِ أبى ذَرٍّ (1). وأمَّا الذين لهم شُبْهَةُ كتابٍ، فهم المَجُوسُ، فإنَّه يُرْوَى أنَّه كان لهم كتابٌ فرُفِعَ، فصارَ لهم (2) بذلك شُبْهَةٌ أوْجَبَتْ حَقْنَ دمائِهم، وأخْذَ الجِزْيَةِ منهم، ولم يَنْتَهِضْ في إباحَةِ نِكاحِ نِسائِهم ولا ذَبائِحِهم. هذا قولُ أكثرِ أهلِ العِلْمِ. ونُقِلَ عن أبى ثَوْرٍ، أنَّهم مِن أهْلِ الكِتابِ، وتَحِلُّ ذبائِحُهم ونِساؤُهم؛ لِما رُوِى عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال: أنا أعْلَمُ النّاسِ بالمَجُوسِ، كان لهم عِلْمٌ يَعْلَمُونَه وكتابٌ يدْرُسُونَه، وأنَّ مَلِكَهم سَكِرَ، فوَقَعَ على ابْنَتِه أو أُخْتِه، فاطَّلَعَ عليه بعضُ أهلِ مَمْلَكَتِه، فلَمّا صَحا جاءُوا يُقِيمُون عليه الحَدَّ، فامْتَنَعَ منهم، ودعا أهْلَ مَمْلَكَتِه، وقال: أتَعْلَمُون دِينًا خيرًا مِن دينِ آدَمَ، وقد أنْكَحَ بَنِيه بَناتِه؟ فأنا على دِينِ آدَمَ. قال: فتابَعَهُ قَوْمٌ، وقاتَلُوا الذين يُخالِفُونَه، حتى قَتَلُوهم، فأصْبَحُوا وقد أُسْرِىَ بكتابِهم ورُفِعَ العِلْمُ الذى في صُدُورِهم، فهم أهْلُ كتابٍ، وقد أخَذَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ -وأُراه قال: وعُمَرُ- منهم الجِزْيَةَ. رَواه الشافعىُّ،
(1) أخرجه عن أبى ذرٍّ عبدُ بن حميد، وابن مردويه، وابن عساكر. وأورده عنهم السيوطى، في تفسير سورة الأعلى. الدر المنثور 6/ 341.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وسعيدٌ، وغيرُهما (1). ولأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أهْلِ الكِتَابِ» (2). ولَنا، قولُ اللَّهِ تعالى:{أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} . والمجُوسُ مِن غيرِ الطائِفَتَيْنِ، وقولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أهْلِ الْكِتَابِ» . فدَلَّ على أنَّهم غيرُهم. وروَى البخارىُّ (3)، بإسْنادِه، عن بَجالَةَ، أنَّه قال: ولم يكُنْ عُمَرُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أخَذَ الجِزْيَةَ مِن المَجُوسِ، حتى حَدَّثَه (4) عبدُ الرحمنِ بنُ عَوْفٍ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَها مِن مَجُوسِ هَجَرَ. ولو كانوا أهْلَ كتابٍ، لَما وَقَف عُمَرُ في أخْذِ الجِزْيَةِ منهم مع أمْرِ اللَّهِ تعالى بأَخْذِ الجِزْيَةِ مِن أهْلِ الكتابِ. وما ذَكَرُوه هو الذى صار لهم به شُبْهَةُ كتابٍ. وما رَوَوْه عن علىٍّ، فقد قال أبو عُبَيْدٍ (5): لا أحْسَبُه مَحْفُوظًا، ولو كان له أصْلٌ، لَمَا حَرَّمَ النبىُّ
(1) أخرجه الشافعى، انظر: باب ما جاء في الجزية، من كتاب الجهاد. ترتيب المسند 2/ 131. كما أخرجه البيهقى، في: باب المجوس أهل كتاب، والجزية تؤخذ منهم، من كتاب الجزية. السنن الكبرى 9/ 189. ولم نجده فيما بين أيدينا من سنن سعيد.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 127.
(3)
في: باب الجزية والموادعة مع أهل الحرب، من كتاب الجزية. صحيح البخارى 4/ 117.
كما أخرجه أبو داود، في: باب أخذ الجزية من المجوس، من كتاب الخراج والفئ والإمارة. سنن أبى داود 2/ 150. والترمذى، في: باب ما جاء في أخذ الجزية من المجوس، من أبواب السير. عارضة الأحوذى 7/ 84، 85. والإمام مالك، في: باب جزية أهل الكتاب والمجوس، من كتاب الزكاة. الموطأ 1/ 278. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 190، 191.
(4)
في م: «قال له» .
(5)
في: الأموال 34.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صلى الله عليه وسلم نِساءَهم، وهو كان أوْلَى بعِلْمِ ذلك. ويَجُوزُ أن يَصِحَّ هذا الذى ذُكِرَ عن علىٍّ مع تَحْرِيمِ نِسائِهِم؛ لأنَّ الكتابَ المُبِيحَ لذلك هو الكِتابُ المُنَزَّلُ على إحْدَى الطّائِفَتَيْن، وليس هؤلاء منهم، ولأنَّ كتابَهم رُفِعَ، فلم يَنْتَهِضْ للإِباحَةِ، وثَبَت به حَقْنُ دِمائِهم. فأمَّا قَوْلُ أبى ثوْرٍ في حِلِّ ذَبائِحِهم ونِسائِهم، فيُخالِفُ الإِجْماعَ، فلا يُلْتَفَتُ إليه. وقولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أهْلِ الكِتَابِ» . أي في أخْذِ الجِزْيَةِ منهم. إذا ثَبَت ذلك، فإنَّ أخْذَ الجِزْيَةِ مِن أهْلِ الكتابَيْنِ والمَجُوسِ إذا لم يكونُوا مِن العَرَبِ، ثابِتٌ بالإِجْماعِ، لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا، فإنَّ الصَّحابَةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم، أجْمَعُوا على ذلك، وعَمِلَ به الخُلَفاءُ الرّاشِدون ومَن بعدَهم، مع دَلالَةِ الكِتابِ العَزيزِ على أخْذِ الجِزْيَةِ مِن أهْلِ الكِتابَيْن، ودَلالَةِ السُّنَّةِ المذْكُورَةِ على أخْذِها مِن المَجُوسِ. فإن كانوا مِن العَرَبِ، فحُكْمُهم حُكْمُ العَجَمِ في ما ذَكَرْنا. وبه قال مالكٌ، والشافعىُّ، والأوْزاعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال أبو يُوسُفَ: لا تُؤْخَذُ الجِزْيَةُ مِن العربِ؛ لأنَّهم شَرُفُوا بكَوْنِهم مِن رَهْطِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم. ولَنا، عُمُومُ الآيةِ، وأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم بَعَث خالِدَ بنَ الوليدِ إلى دُومَةِ الجَنْدَلِ، فأخَذَ أُكَيْدِرَ دُومَةَ، فصَالَحَه على الجِزْيَةِ، وهو مِن العَرَبِ. رَواه أبو داودَ (1). وأخَذَ الجِزْيَةَ مِن نَصارَى نَجْرانَ، وهم عَرَبٌ. وبَعَثَ مُعاذًا إلى اليَمَنِ، فقال: «إِنَّكَ
(1) في: باب في أخذ الجزية، من كتاب الإمارة. سنن أبى داود 2/ 149.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَأْتِى قَوْمًا مِن أهْلِ كِتَابٍ» (1). وأمَرَه أن يَأْخُذَ مِن كلِّ حالِمٍ دِينارًا (2). وكانوا (3) عَرَبًا. ولأنَّ ذلك إجْماعٌ، فإنَّ عُمَرَ أرادَ أخْذَ الجِزْيَةِ مِن نَصارَى بَنِى تَغْلِبَ، فأبَوْا ذلك، وسأَلُوه أن يَأْخُذَ منهم مِثْلَما يَأْخُذُ مِن المُسْلِمين، فأبَى ذلك عليهم، حتى لَحِقُوا بالرُّومِ، ثمَّ صالَحَهم على ما يَأْخُذُ منهم عِوَضًا عن الجِزْيَةِ (4). فالمَأْخُوذُ منهم جِزيَةٌ، غيرَ أنَّه على غيرِ صِفَةِ جِزْيَةِ غيرِهم، ولم يُنْكِرْ ذلك أحَدٌ، فكان إجْماعًا. وقد ثَبَت بطريقِ القَطْعِ، أنَّ كَثيرًا مِن نَصارَى العَرَبِ ويَهُودِهم، كانوا في عَصْرِ الصَّحابَةِ في بلادِ الإِسلامِ، ولا يَجُوزُ إقْرارُهم فيها بغيرِ جِزْيَةٍ، فثَبَتَ يَقِينًا أنَّهم أخَذُوا الجِزْيَةَ منهم.
فصل: ولا يَجُوزُ عَقْدُ الذِّمَّةِ المُؤَبَّدَةِ إلَّا بشَرْطَيْنِ؛ أحدُهُما، الْتِزامُ إعْطاءِ الجِزْيَةِ في كلِّ حَوْلٍ. والثانى، الْتِزامُ أحْكامِ الإِسلامِ، وهو قَبُولُ ما يَحْكُمُ به عليهم، مِن أداءِ حَقٍّ، أو تَرْكِ مُحَرَّمٍ؛ لقَوْلِ اللَّهِ تعالى:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} . ولقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم في حديثِ بُرَيْدَةَ: «فَادْعُهُمْ إِلَى أدَاءِ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ أجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ» (5). ولا تُعْتَبَرُ حقيقةُ الإِعْطاءِ، ولا جَرَيانُ الأحْكامِ؛
(1) تقدم في 2/ 99، 6/ 291.
(2)
تقدم تخريجه في 6/ 422.
(3)
في م: «ولو كانوا» .
(4)
أخرجه البيهقى، في: باب نصارى العرب تضعَّف عليهم الجزية، من كتاب الجزية. السنن الكبرى 9/ 216.
(5)
تقدم تخريجه في صفحة 86.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّ الإِعْطاءَ إنَّما يكُونُ في آخِرِ الحَوْلِ، والكَفَّ عنهم في ابْتِدائِه عندَ البَذْلِ، والمُرادُ بقَوْلِه تعالى:{حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ} . أى يَلْتَزِمُوا. وهذا كقَوْلِه: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (1). فإنَّ المرادَ به الْتِزامُ ذلك، فإنَّ الزَّكاةَ إنَّما يجبُ أداؤُها عندَ الحَوْلِ.
فصل: فأمَّا غيرُ اليهودِ والنَّصارَى والمَجُوسِ مِن الكُفّارِ، فلا تُقْبَلُ منهم الجِزيَةُ، ولا يُقَرُّونَ بها، ولا يُقْبَلُ منهم إلَّا الإِسِلامُ، أو القَتْلُ. هذا ظاهِرُ المَذْهَبِ. وروَى عَنه (2) الحسَنُ بنُ ثَوابٍ، أنَّها تُقْبَلُ مِن جميعِ الكُفّارِ، إلَّا عَبَدَةَ الأوْثانِ مِن العَرَبِ؛ لأنَّ حديثَ بُرَيْدَةَ يدُلُّ بعُمُومِه على قَبُولِ الجِزيَةِ مِن كلِّ كافِرٍ، إلَّا أنَّه خَرَج منه عَبَدَةُ الأوْثانِ مِن العَرَبِ، لتَغْلِيظِ كُفْرِهم مِن وَجْهَيْن؛ أحدُهما، دِينُهم. والثانى، كوْنُهم مِن رَهْطِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم. وقال الشافعىُّ: لا تُقْبَلُ الجِزْيَةُ إلَّا مِن أهْلِ الكتابِ والمَجُوسِ، لكنْ في أهْلِ الكُتُبِ غيرِ اليهودِ والنَّصارَى، مثلَ أهْلِ صُحُفِ إبراهيمَ وشِيثَ، وزَبُورِ داوُدَ، ومَن تَمَسَّكَ بدينِ آدَمَ، وَجْهان؛ أحَدُهما، يُقَرُّون بالجِزْيَةِ؛ لأنَّهم أهلُ كتابٍ، فأشْبَهُوا اليهودَ والنَّصارى. وقال أبو حنيفةَ: تُقْبَلُ مِن جميعِ الكُفارِ إلَّا العربَ؛ لأنَّهم رَهْطُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فلا يُقَرُّونَ على غيرِ دِينِه، وغيرُهم يُقَرُّ بالجِزْيَةِ؛ لأنَّه يُقَرُّ بالاسْتِرْقاقِ، فأًقِرَّ بالجِزْيَةِ، كالمَجُوسِ. وعن مالكٍ، أنَّها تُقْبَلُ
(1) سورة التوبة 5.
(2)
أى الإمام أحمد.