الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يُفَرَّقُ في الْبَيْعِ بَيْنَ ذَوِى رَحِمٍ مَحْرَمٍ، إِلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ، عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
ــ
يُنْكِرْه مُنْكِرٌ، فكان إجْماعًا، ولأنَّ فيه تَفْوِيتًا للإِسْلامِ الَّذى يَظْهَرُ وُجُودُه، فإنَّه إذا بَقِىَ رَقِيقًا للمسلمين، الظَّاهِرُ أنَّه يُسْلِمُ، فيَفُوت ذلك ببَيْعِه لكافرِ، بخِلافِ ما إذا كان رَقِيقًا لكافرٍ في ابْتِدائِه، فإنَّه لم تَثْبُتْ له هذه الغَرَضِيَّةُ.
1407 - مسألة: (ولا يُفَرَّقُ في البَيْعِ بينَ ذوى رَحِمٍ مَحْرَمٍ، إلَّا بعدَ الْبُلُوغِ، على إحْدَى الرِّوايَتَيْن)
أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على أنَّ التَّفْرِيقَ بينَ الأُمِّ ووَلَدِها الطِّفْلِ غيرُ جائِزٌ، منهم مالكٌ، والأوْزَاعِىُّ، واللَّيْثُ، والشافعىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْى، وغيرُهم، لِما روَى أبو أَيُّوبَ، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يقولُ: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». قال التِّرْمِذِىُّ (1): هذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُوَلَّهُ (2) وَالِدَةٌ عَنْ وَلَدِهَا» (3). قال أحمدُ: لا يُفَرَّقُ بينَ الأُمِّ ووَلَدِها وإن رَضِيَتْ. وذلك، واللَّهُ أَعلمُ، لِما فيه مِن الإِضْرَارِ بالوَلَدِ، ولأنَّ المرأةَ قد تَرْضَى بما فيه ضَرَرُها، ثم يَتَغَيَّرُ قَلْبُها فتَنْدَمُ. ولا يجوزُ التَّفْرِيقُ بينَ الأبِ ووَلدِه. هذا قولُ أصحابِ الرَّأْى، والشافعىِّ. وقال مالكٌ، واللَّيْثُ: يجوزُ. وِبه قال بعضُ الشافعيَّةِ، لأَنَّه ليس مِن أهْلِ الحَضَانَةِ بنَفْسِه، ولأنَّه لا نصَّ فيه، ولا هو في مَعْنَى المنْصُوصِ عليه، لأنَّ الأُمَّ أشْفَقُ منه. ولَنا، أنَّه أحَدُ الأبَوَيْن، أشْبَهَ الأُمَّ، ولا نُسَلِّمُ أنَّه ليس مِن أهْلِ الحضَانَةِ. ولا فَرْقَ بينَ أن يَكُونَ الوَلَدُ بالِغًا أو طِفْلًا، في ظاهِرِ كلامِ الخِرَقِىِّ، وإحْدَى الرِّوايَتَيْن عن أحمدَ، لعُمُومِ الخَبَرِ، ولأنَّ الوالِدَةَ تتضَرَّرُ بمُفَارَقَةِ وَلَدِها الكبيرِ، ولهذا حَرُمَ عليه
(1) في: باب ما جاء في كراهية الفرق بين الأخوين. . .، من أبواب البيوع، وفى: باب في كراهية التفريق بين السبى، من أبواب السير. عارضة الأحوذى 5/ 283، 7/ 61.
كما أخرجه الدارمى، في: باب النهى عن التفريق بين الوالدة وولدها، من كتاب السير. سنن الدارمى 2/ 228. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 413، 414.
(2)
أي لا يُفَرَّق بينهما في البيع. وكل أنثى فارقت ولدها فهى والهٌ. النهاية في غريب الحديث 5/ 227.
(3)
أخرجه البيهقى، في: باب الأم تتزوج فيسقط حقها من حضانة الولد. . .، من كتاب النفقات. السنن الكبرى 8/ 5.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الجهادُ إلَّا بإذْنِها. والثانيةُ، يَخْتَصُّ تَحْرِيمُ التَّفْرِيقِ بالصَّغِيرِ. وهو قولُ الأكثَرِينَ؛ منهم مالكٌ، والأوْزَاعِىُّ، واللَّيْثُ، وأبو ثَوْرٍ. وهو قولُ الشافعىِّ، لأنَّ سَلَمَةَ بنَ الأكْوَعِ أتَى بامْرأةٍ وابْنَتِها، فنَفَّلَه أبو بكْرِ ابْنَتَها، فاسْتَوْهَبها منه النبىُّ صلى الله عليه وسلم، فوَهَبَها له، ولم يُنْكِرِ التَّفْرِيقَ بينَهما (1). ولأنَّ الأحْرارَ يتفرَّقُونَ بعدَ الكِبَرِ، فإنَّ المرأةَ تُزَوِّجُ ابْنَتَها وتُفارِقُها، فالعَبِيدُ أوْلَى. واخْتَلَفُوا في حَدِّ الكِبَرِ الَّذى يُجَوِّزُ التَّفْرِيقَ، فعن أحمدَ، رحمه الله: حَدُّه بُلُوغُ الوَلَدِ. وهو قولُ سعيدِ بنِ عبدِ العزِيزِ، وأصحابِ الرَّأْى، وقَوْلٌ للشافعىِّ. وقال مالكٌ: إذا أثْغَرَ. وقال الأوْزَاعِىُّ، واللَّيْثُ: إذا اسْتَغْنَى عن أُمِّه، ونَفَع نفْسَه. وللشافعىِّ قولٌ: إذا صارَ ابنَ سبعٍ أو ثمانٍ. وقال أبو ثَوْرٍ: إذا كان يَلْبَسُ وَحْدَه، ويَتَوَضَّأُ وحدَه؛ لأنَّه إذا كان كذلك، اسْتَغْنَى عن أُمِّه، ولذلك خُيِّرَ الغُلامُ بينَ أُمِّه وأبِيه إذا صار (2) كذلك، ولأنَّه جازَ التَّفْرِيقُ بينَهما بتَخْييرِه، فجازَ ببَيْعِه وقِسْمَتِه. ولَنا، ما رُوِى عن عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم
(1) تقدم تخريجه في صفحة 87.
(2)
في م: «كان» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: «لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا» . فقيل: إلى مَتَى؟ قال: «حَتَّى يَبْلُغَ الغُلامُ، وتَحِيضَ الجَارِيَةُ» (1). ولأنَّ مَن دُونَ البُلُوغِ يُوَلَّى عليه، أشْبَهَ الطِّفْلَ.
فصل: فإن فُرِّقَ بينَهما بالبَيْعِ، فالبَيْعُ فاسِدٌ. وبه قال الشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: يَصِحُّ البَيْعُ؛ لأنَّ النَّهْىَ لِمَعْنًى في غيرِ المَعْقُودِ عليه، فأشْبَهَ البَيْعَ في وقتِ النِّداءِ. ولَنا، ما روَى أبو داودَ، في «سُنَنِه» (2)، عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه فَرَّقَ بينَ الأُمِّ ووَلَدِها، فنَهاهُ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ورَدَّ البَيْعَ. والأصْلُ ممنوعٌ، وما ذكَرُوه لا يَصِحُّ، فإنَّه نَهَى عنه لِما يَلْحَقُ المَبِيعَ مِن الضَّرَرِ، فهو لمعنًى فيه.
فصل: والجَدُّ والجَدَّةُ، في تَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ بينَهما وبينَ وَلَدِ ولدِهما، كالأبوَيْن؛ لأنَّ الجَدَّ أَبٌ، والجَدَّةَ أُمٌّ، ولذلك يقُومان مَقامَ الأَبَوَيْنِ في اسْتِحْقاقِ الحضانَةِ والمِيراثِ والنَّفَقَةِ، فقاما مَقامَهما في تحْرِيمِ التَّفْرِيقِ.
(1) أخرجه البيهقى، في: باب الوقت الذى يجوز فيه التفريق، من كتاب السير. السنن الكبرى 9/ 128.
(2)
في: باب في التفريق بين السبى، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 58.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويسْتَوِى في ذلك الجَدُّ والجَدَّةُ مِن قِبَلِ الأبِ والأمِّ، لأنَّ لهم وِلادَةً ومَحْرَمِيَّةً، فاسْتَوَوْا في ذلك، كاسْتِوائِهم في مَنْعِ شَهادَةِ بَعْضِهم لبَعْضٍ.
فصل: ويَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بينَ الإِخْوَةِ في القِسْمَةِ والبَيْعِ أيضًا، كما يَحْرُمُ بينَ الوَلَدِ ووالِدِه. وبهذا قال أصحابُ الرَّأْى. وقال مالكٌ، واللَّيْثُ، والشافعىُّ، وابنُ المُنْذِرِ: لا يَحْرُمُ، لأنَّها قَرابَةٌ لا تَمْنَعُ قَبولَ شَهادَتِه، فلم يَحْرُمِ التَّفْرِيقُ، كابنِ العَمِّ. ولَنا، ما رُوىَ عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، قال: وَهَب لِى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غُلامَيْن أخَوَين، فبِعْتُ أحَدَهما، فقال لى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا فَعَلَ غُلَامُكَ؟» فأخْبَرْتُه، فقال:«رُدَّهُ، رُدَّهُ» . رَواه التِّرْمِذِىُّ (1)، وقال: حديثٌ حسَنٌ غَرِيبٌ. وروَى عبدُ الرحمنِ بنُ فَرُّوِخٍ، عن أبيه، قال: كتَب إلينا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: لا تُفرِّقُوا بينَ الأَخَوَيْن، ولا بينَ الأُمِّ ووَلدِها في البَيْعِ (2). ولأنَّه ذو رَحِمٍ مَحْرَمٍ، فحَرُمَ التَّفْرِيقُ بينَهما، كالوالدِ والوَلَدِ. وإنَّما يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بينَهما في حال الصِّغَرِ، وما بعدَه فيه الرِّوايَتان كالأصْلِ. والأَوْلَى الجوازُ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أُهْدِيَتْ له مارِيَةُ وأُخْتُها سِيرِينُ، فأمْسَكَ
(1) في: باب ما جاء في كراهية الفرق بين الأخوين. . .، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى 5/ 283، 284
(2)
أخرجه سعيد بن منصور، في: باب تفريق السبى بين الوالد وولده والقرابات، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 247.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مارِيَةَ، ووَهَب سِيرِينَ لحسّان بنِ ثابتٍ (1).
فصل: فأمّا سائِرُ الأقارِبِ، فظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ، جَوازُ التَّفْرِيقِ بينَهم. وقال غيرُه مِن أصحابِنا: لا يجوزُ التَّفْرِيقُ بينَ ذَوِى رَحِمٍ مَحْرَمٍ، كالعَمَّةِ مع ابنِ أخِيها، والخالَةِ مع ابنِ أُخْتِها، لِما ذَكَرْنا مِن القِياسِ. والأَوْلَى جوازُ التَّفْرِيقِ؛ لأنَّ الأصْلَ حِلُّ البَيْعِ والتَّفْرِيقِ، ولَاِ يَصِحُّ القياسُ على الإِخْوَةِ، لأنَّهم أقْرَبُ، ولذلك يَحْجُبُونَ غيرَهم عن المِيرَاثِ، وهم أقْرَبُ، فيَبْقَى مَن عداهم على الأصْلِ. فأمَّا مَن ليس بينَهما رَحِمٌ مَحْرَمٌ، فلا يُمْنَعُ مِن التَّفْرِيقِ بينَهم (2) عندَ أحَدٍ عَلِمْناه؛ لعَدَمِ النَّصِّ فيهم، وامْتِناعِ قِياسِهم على المنْصُوصِ. وكذلك يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بينَ الأُمِّ مِن الرَّضاعِ ووَلَدِها، والأُخْتِ وِأخِيها، لمَا ذَكَرْنا، ولأنَّ قَرابَةَ الرَّضاعِ لا تُوجِبُ عِتْقَ أحَدِهما على الآخرِ، ولا نَفَقَةً، ولا مِيراثًا، فأشْبَهَتِ الصَّداقَةَ.
(1) انظر: سيرة ابن هشام 3/ 306، والإصابة 7/ 722، 723.
(2)
في م: «بينهما» .