الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالسَّلَبُ مَا كَانَ عَلَيْهِ؛ مِنْ ثِيَابٍ، وَحَلْىٍ، وَسِلَاحٍ، وَالدَّابَّةُ بِآلتِهَا. وَعَنْهُ، أنَّ الدَّابَّةَ لَيْسَتْ مِنَ السَّلَبِ. وَنفَقَتُهُ، وَخَيْمَتُهُ، وَرَحْلُهُ غَنِيمَةٌ.
ــ
1433 - مسألة: (والسَّلَبُ ما كانَ عليه؛ مِن ثِيَابٍ، وحَلْىٍ، وسلاحٍ، والدُّابَّةُ بآلتِها. وعنه، أنَّ الدَّابَّةَ لَيْسَتْ مِنَ السَّلَبِ. ونَفَقَتُه، وخَيْمَتُه، ورَحْلُه غَنِيمَةٌ)
سَلَبُ القَتِيلِ ما كان لابِسَهُ؛ مِن ثِيابٍ، وعِمامَةٍ، وقَلَنْسُوَةٍ، ومِنْطقَةٍ، ودِرْعٍ، ومِغْفَرٍ، وبَيْضَةٍ، وتاجٍ، وأسْوِرَةٍ، ورَأنٍ (1)، وخُفٍّ، بما في ذلك مِن حِلْيَةٍ؛ لأنَّ المَفْهُومَ مِن السَّلَبِ اللِّبَاسُ، وكذلك السِّلاحُ؛ مِن السَّيْفِ، والرُّمْحِ، واللُّتِّ (2)، والقَوْسِ، ونحوِه؛ لأنَّه يسْتَعِينُ به في قِتالِه، فهو أوْلَى بالأخْذِ مِن اللِّباسِ. فأمَّا المالُ الذى معه في هِمْيانِه وخَرِيطَتِه، فليس بسَلَبٍ؛ لأنَّه ليس مِن المَلْبُوسِ، ولا ممّا يَسْتَعِينُ به في الحَرْبِ، وكذلك رَحْلُه وإناؤُه، وما ليستْ يدُه عليه مِن مالِه. وبه قال الأوْزَاعِىُّ، ومَكْحُولٌ،
(1) الرأن: كالخُف، إلا أنه لا قدم له، وهو أطول من الخف.
(2)
اللت: بضم اللام، نوع من آلة السلاح، وهو لفظ مولد، ليس من كلام العرب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والشافعىُّ، إلَّا أنَّ الشافعىَّ قال: ما لا يَحْتاجُ إليه في الحَرْبِ، كالتَّاجِ، والسِّوارِ، والطَّوْقِ والهِمْيانِ الذى للنَّفَقَةِ، ليس مِن السَّلَبَ في أحَدِ القَوْلَيْن؛ لأنَّه ممّا لا يُسْتَعَانُ به في الحَرْبِ، فأشْبَهَ المالَ الذى في خَرِيطَتِه. ولَنا، أنَّ البَراءَ بارَزَ مَرْزُبانَ الزَّأْرةِ (1)، فقَتَلَه، فبَلَغَ سِوارُه ومِنْطَقَتُه ثلاثين ألْفًا، فخَمَّسَه عُمَرُ، ودَفَعَه إليه. وفى حديثِ عَمْرِو بنِ مَعْدِ يكَرِبَ، أنَّه حَمَل على أُسْوارٍ (2)، فطَعَنَه، فدَقَّ صُلْبَه فَصَرَعَه، فنَزَلَ إليه فقَطَع يَدَه، وأخَذَ سِوارَيْن كانا عليه، ويَلْمَقًا (3) مِن دِيباجٍ، وسَيْفًا، ومِنْطَقَةً، فسُلِّمَ ذلك إليه (4). ولأنَّه مِن مَلْبُوسِه، أشْبَهَ ثِيابَه، ولأنَّه داخِلٌ في اسْمِ السَّلَبَ، أشْبَهَ الثِّيابَ والمِنْطَقَةَ، ويدْخُلُ في عُمُومِ قولِه صلى الله عليه وسلم:«فَلَهُ سَلَبُهُ» . واخْتَلَفَتِ الروايةُ عن أحمدَ، رحمه الله، في الدَّابَّةِ، فنُقِلَ عنه أنَّها ليستْ مِن السَّلَبِ. اخْتارَه أبو بكرٍ؛ لأنَّ السَّلَبَ ما كان على بَدَنِه، والدَّابَّةُ ليستْ كذلك، فلا تَدْخُلُ في الخبرِ. وذَكَر أبو عبدِ اللَّهِ حديثَ عمرِو بنِ مَعْدِيكَرِبَ، فأخَذَ سِوارَيْه، ومِنْطَقَتَه.
(1) في م: «المرازبة» .
(2)
في النسخ: «سوار» . وانظر المغنى 13/ 73.
(3)
في م: «يلقا» . واليلمق: القباء.
(4)
الخبر: في تاريخ الطبرى 3/ 576.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَعْنِى ولم يذْكُرِ الدَّابَّةَ. ونُقِلَ عنه أنَّها مِن السَّلَبِ. وهو ظاهرُ المَذْهَبِ. وبه قال الشافعىُّ؛ لِما روَى عوفُ بنُ مالكٍ، قال: خرجْتُ مع زيدِ بنِ حارِثَةَ، في غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، ورافَقَنِى مَدَدِىٌّ مِن أهلِ اليَمَنٍ، فلَقِينا جُموعَ الرُّومِ، وفيهم رجلٌ على فَرَسٍ أشْقَرَ، عليه سَرْجٌ مُذهَّبٌ، وسِلاحٌ مُذَهَّبٌ، فجَعَلَ يُفْرِى (1) بالمسلمين، وقَعَد له المَدَدِىُّ خَلْفَ صَخْرَةٍ، فمرَّ به الرُّومِى فعَرْقَبَ فرَسَه، فعَلاه فقَتَلَه، وحازَ فرَسَه وسِلاحَه، فلمّا فتحَ اللَّهُ للمسلمين، بَعَث إليه خالدُ بنُ الوليدِ، فأخَذَ مِن السَّلَب، قال عَوْفٌ: فأتَيْتُه، فقُلْتُ: يا خالدُ، أما عَلِمْتَ أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بالسَّلَبِ للقاتِلِ؟ قال: بَلَى. رَواه الأثْرَمُ (2). وفى حديثِ شَبْرِ بنِ عَلْقَمَةَ، أنَّه أخَذَ فَرسَه (3). كذلك قال أحمدُ: هو (4) فيه. ولأنَّ الفَرَسَ يُسْتعانُ بها في الحَرْبِ، فأشْبَهَتِ السِّلاحَ، وما ذَكَرُوه يبْطُلُ بالرُّمْحِ والقَوْسِ، واللُّتِّ، فإنَّها مِن السَّلَبِ وليستْ مَلْبُوسَةً. إذا ثَبَت هذا، فإنَّ الدَّابَّةَ وما عليها؛ مِن سَرْجِها، ولِجامِها، وتَجْفِيفِها (5)، وحِلْيَةٍ إن
(1) أى يبالغ في النكاية والقتل: وفى م: «يغرى» . أي يسلط الكفرة على المسلمين.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 159.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 160.
(4)
في م: «كقوله» .
(5)
في م: «تحقيبها» . وجفف الفرس: ألبسه التِّجْفاف، وهى آلة للحرب يُلبسها الفرس.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كانت عليها (1)، وجميعِ آلتِها، مِن السَّلَبِ؛ لأنَّه تابعٌ لها، ويُسْتَعانُ به في الحَرْبِ، وإنَّما تَكُونُ مِن السَّلَبِ إذا كان راكِبًا عليها، فإن كانتْ في مَنْزِلِه، أو مع غيرِه، أو مُنْقَلِبَةً، لم تكُنْ مِن السَّلَبِ، كالسِّلاحِ الذى ليس معه. وإن كان عليها، فصَرَعَه عنها، أو أشْعَرَه (2) عليها، ثم قَتَلَه بعد نُزُولِه عنها، فهى مِن السَّلَبِ. وهذا قولُ الأوْزَاعِىِّ. وإن كان مُمْسِكًا بعِنانِها، غيرَ راكبٍ عليها، فعن أحمدَ فيها روايتان؛ إحْداهما، هى سَلَبٌ. وهو قولُ الشافعىِّ؛ لأنَّه مُتَمَكِّن مِن القِتالِ عليها، فأشبَهَتْ سَيْفه ورُمْحَه في يَدِه. والثانيةُ، ليستْ مِن السَّلَبِ. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ؛ لأنَّه ليس براكبٍ عليها، فأشْبَهَ ما لو كانتْ مع غُلامِه. وإن كان على فرَسٍ، وفى يَدِه جَنِيبَةٌ، لم تكُنِ الجَنِيبَةُ مِن السَّلَبِ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُه رُكُوبُهُما معًا.
فصل: ويجُوزُ سَلْبُ القَتْلَى وتَرْكُهم عُراةً. وهذا قولُ الأوْزَاعِىِّ. وكَرِهَه الثَّوْرِىُّ، وابنُ المُنْذِرِ، لِما فيه مِن كَشْفِ عَوْرَاتِهم. ولَنا، قولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم في قتيلِ سَلَمَةَ بنِ الأكْوَعِ:«لَهُ سَلَبُهُ أجْمَعُ» (3). وقال: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا، فَلَهُ سَلَبُهُ» . وهذا يتَناولُ جَميعَه.
(1) في م: «عليه» .
(2)
أي ضربه.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 157.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ويُكْرَهُ نَقْلُ رُءُوسِ المُشْرِكِين مِن بَلَدٍ إلى بَلَدٍ، والمُثْلَةُ بقَتْلاهُم وتَعْذِيبُهم؛ لِما روَى سَمُرَةُ (1) بنُ جُنْدُبٍ قال: كان النبىُّ صلى الله عليه وسلم يَحُثُّنا على الصَّدَقَةِ، ويَنْهانا عن المُثْلَةِ. وعن عبدِ اللَّه قِال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أعَفَّ النَّاسِ قِتْلَةً أهْلُ الإيمَانِ» . رَواهما أبو داودَ (2). وعن شَدَّادِ بنِ أوْس، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ» . رَواه النِّسائِىُّ (3). وعن عُقْبَةَ بنِ عامرٍ، أنَّه قَدِمَ على أبى بكرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، برأسِ يَناقَ البِطْرِيقِ، فأنْكَرَ ذلك، فقال: يا خليفةَ رسولِ اللَّهِ، فإنَّهم يَفْعَلُون ذلك بِنَا. قال: فَاسْتِنَانٌ بفارِسَ
(1) في م: «سلمة» .
(2)
في: باب في النهى عن المثلة، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 49.
كما أخرج الأول البخارى، في: باب قصة عكل وعرينة، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 5/ 165. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 428، 5/ 12، 20. وأخرج الثانى ابن ماجه، في: باب أعف الناس قتلة أهل الإيمان، من كتاب الديات. سنن ابن ماجه 2/ 894. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 393.
(3)
في: باب الأمر بإحداد الشفرة، وباب ذكر المنفلتة التى لا يقدر على أخذها، وباب حسن الذبح، من كتاب الضحايا. المجتبى 7/ 200 - 202.
كما أخرجه مسلم، في: باب الأمر بإحسان الذبح والقتل وتحديد الشفرة، من كتاب الصيد. صحيح مسلم 3/ 1548. وأبو داود، في: باب في النهى أن تصبر البهائم والرفق بالذبيحة، من كتاب الأضاحى. سنن أبى داود 2/ 90. والترمذى، في: باب ما جاء في النهى عن المثلة، من أبواب الديات. عارضة الأحوذى 6/ 179. وابن ماجه، في: باب إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، من كتاب الذبائح. سنن ابن ماجه 2/ 1058. والدارمى، في: باب في حسن الذبيحة، من كتاب الأضاحى. سنن الدارمى 2/ 82. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 123 - 125.
وَلَا يَجُوزُ الْغَزْوُ إِلَّا بِإِذْنِ الْأَمِيرِ، إِلَّا أنْ يَفْجَأَهُمْ عَدُوٌّ يَخَافوُنَ كَلَبَهُ.
ــ
والرُّومِ! لا يُحْمَلُ إلىَّ رَأْسٌ، فإنَّما يَكْفِى الكتابُ والخَبَرُ (1). وقال الزُّهْرِىُّ: لم يُحْمَلْ إلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم رأْسٌ قَطُّ، وحُمِلَ إلى أبى بكرٍ فأنْكَرَه، وأوَّلُ مَن حُمِلَتْ إليه الرُّءُوسُ عبدُ اللَّهِ بنُ الزُّبَيْرِ. ويُكْرَهُ رَمْيُها في المَنْجَنِيقِ. نصَّ عليه أحمدُ. وإنْ فَعَلُوا ذلك لمَصْلَحَةٍ جازَ؛ لِما رُوِّينا، أنَّ عَمْرَو بنَ العاص حينَ حاصَرَ الإِسْكَنْدَرِيَّةَ، ظَفِرَ أهْلُها برَجُلٍ مِن المسلمين، فأخَذُوا رَأْسَه، فجاءَ قوْمُه عَمْرًا مُتَغَضِّبِينَ، فقال لهم عَمْرو: خُذُوا رَجُلًا منهم فاقْطَعُوا رَأسَه، فارْمُوا به إليهم في المَنْجَنِيقِ، فَفَعَلُوا ذلك، فرَمَى أهْلُ الإسْكَنْدَرِيَّةِ رأسَ المُسْلِمِ إلى قَوْمِه (2).
فصل: (ولا يجُوزُ الغَزْوُ إلَّا بإذْنِ الأميرِ، إلَّا أن يَفْجَأَهُم عَدُوٌّ يخافُونَ كَلَبَهُ) إذا جاءَ العَدُوُّ، لَزِمَ جميعَ الناس، ممَّن هو مِن أهْلِ القِتالِ،
(1) أخرجه البيهقى، في: باب ما جاء في نقل الرؤوس، من كتاب الجهاد. السنن الكبرى 9/ 132. وسعيد بن منصور، في: باب ما جاء في حمل الرؤوس، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 245، 246.
(2)
ذكره ابن عبد الحكم في فتوح مصر وأخبارها 76.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الخُرُوجُ إليهم، إذا احْتِيجَ إليهم، ولا يجوزُ لأحَدٍ التَّخَلفُ إلَّا مَن يُحْتاجُ إلى تَخَلُّفِه لحِفْظِ المَكانِ والأهْلِ والمالِ، ومَن يَمْنَعُه الأمِيرُ الخروجَ، ومَن لا قُدْرَةَ له على الخروجِ؛ لقولِ اللَّهِ تعالى:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} (1). وقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم: «إذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» (2). وقد ذَمَّ اللَّهُ تعالى الذين أرادُوا الرُّجُوعَ إلى منازِلِهم يومَ الأحْزابِ، فقال:{وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} (3). ولأنَّهم يصِيرُ الجِهادُ عليهم فَرْضَ عَيْنٍ إذا جاءَ العَدُوُّ، فلا يجُوزُ لأحَدٍ التُّخَلُّفُ عنه. إذا ثَبَت هذا، فإنَّهم لا يخْرُجُونَ إلَّا بإذْنِ الأميرِ؛ لأنَّ أمْرَ الحَرْبِ مَوْكُولٌ إليه، وهو أعلمُ بكَثْرةِ العَدُوِّ وقِلَّتِهم، ومَكامِنِهم وكَيْدِهم، فيَنْبَغِى أن يُرْجَعَ إلى رَأْيِه؛ لأنَّه أحْوَطُ للمسلمين، إلَّا أن يَتَعَذَّرَ اسْتِئْذانُه، لمُفاجَأةِ عَدُوهم، فلا يجبُ اسْتِئْذانُه حينَئِذٍ؛ لأنَّ المَصْلَحَةَ تَتَعَيَّنُ في قِتالِهم والخُرُوجِ إليهم، لِتَعَيُّنِ الفَسادِ في تَرْكِهم، ولذلك لَمّا أغارَ الكُفّارُ على لِقاحِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فصادَفَهم سَلَمَةُ بنُ الأكْوَعِ خارجًا مِن المدينةِ، تَبِعَهم، فقاتَلَهم مِن غيرِ إذْنٍ، فمَدَحَه النبىُّ صلى الله عليه وسلم، وقال:«خَيْرُ رَجَّالَتِنا (4) سَلَمَةُ بنُ الأكْوَعِ» . وأعْطاهُ سهمَ فارِسٍ
(1) سورة التوبة 41.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 8.
(3)
سورة الأحزاب 13.
(4)
في م: «رجالنا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وراجلٍ (1). وكذلك إن عَرَضَتْ لهم فُرْصَةٌ يخافُون فَوْتَها إن تَرَكُوها حتى يَسْتَأْذِنوا الأمِيرَ، فلهم الخُرُوجُ بغيرِ إذْنِه؛ لئلَّا تَفُوتَهم.
فصل: وسُئِل أحمدُ عن الإِمامِ إذا غَضِبَ على الرَّجُلِ، فقال: اخْرُجْ، عليك أن لا تَصْحَبَنِى. فنادَى بالنَّفِيرِ، يَكُونُ إذْنًا له؟ قال: لا، إنَّما قَصَد له وحدَه، فلا يَصْحَبُه حتى يأْذَنَ له. قال: وإذا نُودِىَ بالصلاةِ والنَّفِيرِ، فإن كان العَدُوُّ بالبُعْدِ، إنَّما جاءَهم طَلِيعَةُ العَدُوِّ، صَلَّوْا ونَفَرُوا إليهم، وإذا اسْتَغاثُوهم وقد جاءَ العَدُوُّ، أغاثُوا ونَصَرُوا وصَلَّوْا على ظُهورِ دَوابِّهم ويُومِئُون، والغِياثُ عندِى أفْضَلُ مِن صلاةِ الجماعَةِ، والطالِبُ والمطلوبُ في هذا الموضعِ يُصلِّى على ظَهْرِ دابَّتِه، وهو يسيرٌ إن شاءَ اللَّهُ. وإذا سَمِعَ النَّفِيرَ وقد أُقِيمَتِ الصلاةُ يُصَلِّى، ويُخَفِّفُ، ويُتِمُّ الرُّكُوعَ والسُّجُودَ، ويَقْرأُ بسُوَرٍ قِصارٍ، وقد نَفَر مِن أصْحابِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم وهو جُنُبٌ، يَعْنِى حَنْظَلَةَ بنَ الرَّاهِبِ غَسِيلَ الملائِكَةِ (2)، قال: ولا يقْطَعُ الصلاةَ إذا كان فيها. وإذا جاءَ النَّفِيرُ والإِمامُ يخْطُبُ يومَ الجُمُعَةِ، لا نَرَى أن ينْفِرُوا. قال: ولا تَنْفِرُ الخيلُ إلَّا على حقيقةٍ، ولا تَنْفِرُ على الغُلامِ إذا أبَقَ إذا نَفّرُوهم، ولا يكونُ هلاكُ الناسِ بسَبَبِ غُلام، وإذا نادَى الإِمامُ: الصلاةَ جامعة. لأمْرٍ يحْدُثُ، فيُشاوِرُ فيه، لم يتَخَلَّفْ عنه أحَدٌ إلَّا لعُذْرٍ.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 138.
(2)
تقدم تخريجه في 6/ 92.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وسُئِلَ أحمدُ عن الرَّجُلَيْن يشْتَرِيان الفَرَسَ بينَهما، يَغْزُوانِ عليه، يركبُ هذا عُقْبَةً، وهذا عُقْبَةً، فقال: ما سَمِعْتُ فيه بشئٍ، وأرْجُو أن لا يكونَ به بَأْسٌ. قيل له: أيُّما أحَبُّ إليك، يعْتَزِلُ الرجلُ في الطَّعام أو يُرافِقُ؟ قال: يُرافِقُ، هذا أرْفَقُ، يتَعاوَنُون، وإذا كُنْتَ وَحْدَك لم يُمْكِنْكَ الطَّبْخُ ولا غيرُه، ولا بَأْسَ بالنِّهْدِ، قد تناهَدَ الصَّالحُون، كان الحسَنُ إذا سافَرَ ألْقَى معهم، ويَزِيدُ أيضًا بعدَ ما يُلْقِى. ومعنى النِّهْدِ، أن يُخْرِجَ كلُّ واحدٍ مِن الرُّفْقَةِ شيئًا مِن النَّفَقَةِ، يدْفَعُونَه إلى رجل يُنْفِقُ عليهم منه، ويأْكُلُونَ جميعًا، وكان الحسَنُ يدْفَعُ إلى وَكِيلِهم مثلَ واحِدٍ منهم، ثم يعودُ فيَأتِى سِرًّا بمثلِ ذلك، يدْفَعُه إليه. قال أحمدُ: ما أرَى أن يغْزُوَ ومعه مُصْحَفٌ. يعنى لا يدْخُلُ به أرْضَ العَدُوِّ؛ لقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلَى أرْضِ العَدُوِّ» . رَواه أبو داودَ، والأثْرَمُ (1).
فصل: ومَن أُعْطِىَ شيئًا يسْتَعِينُ به في غَزاتِه، فما فَضَل فهو له، إذا كان قد أُعْطِىَ لغَزْوَةٍ بعَيْنِها. هذا قولُ عطاءٍ، ومُجاهِدٍ، وسعيدِ بنِ المُسَيَّبِ. وكان ابنُ عُمَرَ إذا أعْطى شيئًا في الغَزْوِ، يقولُ لصاحِبِه: إذا بَلَغْتَ وادِىَ القُرَى (2) فشَأْنُكَ به. ولأنَّه أعْطاه على سَبِيلِ المُعاوَنَةِ والنَّفَقَةِ، لا على سبيلِ الإجارَةِ، فكان الفاضِلُ له، كما لو وَصَّى له أن يحُجَّ عنه فلانٌ حجَّةً بألْفٍ. وإن أعْطاه شيئًا ليُنْفِقَه في سبيلِ اللَّهِ، أو في الغَزْوِ مطلقًا، ففَضَلَ منه فَضْلٌ، أنْفَقَه في غَزاةٍ أُخْرَى؛ لأنَّه أعْطاهُ
(1) تقدم تخريجه في 2/ 78.
(2)
وادى القرى: بين المدينة والشام، من أعمال المدينة، كثير القرى. معجم البلدان 4/ 878.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الجمِيعَ ليُنْفِقَه في جِهَةِ قُرْبَةٍ، فلَزِمَه إنْفاقُ الجميعِ فيها، كما لو وَصَّى أن يحُجَّ عنه بألْفٍ.
فصل: ومَن أُعْطِىَ شيئًا يسْتَعِينُ به في الغَزْوِ، فقال أحمدُ: لا يتْرُكُ لأهْلِه منه شيئًا؛ لأنَّه ليس يَمْلِكُه، إلَّا أن يَصِيرَ إلى رَأْسِ مَغْزاهُ، فيَكُونَ كهَيْئَةِ مالِه، فيَبْعَثُ إلى عِيالِه منه، ولا يتَصَرَّفُ فيه قبلَ الخُروجِ؛ لئلَّا يتَخَلَّفَ عن الغَزْوِ، فلا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لِما أنْفَقَه، إلَّا أن يَشتَرِىَ منه سِلاحًا، أو آلةَ الغزْوِ. فإن قَصَد إعْطاءَه لمَن يغْزُو به، فقال أحمدُ: لا يتَّخِذُ منها سُفْرَةً فيها طَعام، فيُطْعِمَ منها أحدًا؛ لأنَّه إنَّما أُعْطِيَها ليُنْفِقَها في جِهَةٍ مخْصُوصَةٍ، وهى الجِهادُ.
فصل: وإذا أُعْطِىَ الرجلُ دابَّةً ليَغْزُوَ عليها، فإذا غَزا عليها مَلَكَها، كما يمْلِكُ النَّفَقَةَ المدْفُوعَةَ إليه، إلَّا أن تَكُونَ عارِيَّةً، فتَكُونَ لصاحِبِها، أو حَبْسًا فيكونَ حَبْسًا بحالِه. قال عُمَرُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: حَمَلْتُ على فَرَسٍ عَتِيقٍ في سبيلِ اللَّهِ، فأضاعَه صاحِبُه الذى كان عندَه، فأرَدْتُ أن أشْتَرِيَه، وظَنَنْتُ أنَّه بائِعُه بِرُخْصٍ، فسألتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقال:«لَا تَشْتَرِه، وَلَا تَعُدْ في صَدَقَتِكَ وَإنْ أعْطاكَهُ بِدِرْهَمٍ، فإنَّ العَائِدَ في صَدَقَتِه كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِى قَيْئهِ» . مُتَّفَقٌ عليه (1). وهذا يدُلُّ على أنَّه مَلَكَه، لولا ذلك ما باعَه، ويدُلُّ على أنَّه مَلَكَه بعدَ الغزْوِ؛ لأنَّه أقامَه للبَيْعِ بالمدينةِ، ولم يكُنْ ليَأْخُذَه مِن عُمَرَ، ثم يُقِيمَه للبَيْعِ في الحالِ، فدَلَّ على أنَّه أقامَه للبَيْعِ بعدَ
(1) تقدم تخريجه في 6/ 544.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
غَزْوِه عليه. ذَكَرَ أحمدُ نحوَ هذا الكلامِ. وسُئِلَ: متى يَطِيبُ له الفَرَسُ؟ قال: إذا غَزا عليه. قيل له: فإنَّ العَدُوَّ جاءَنا فخَرَجَ على هذا الفَرَسِ في الطَّلَبِ إلى خمسةِ فَرَاسِخَ، ثم رَجَع؟ قال: لا، حتى يَكُونَ غَزا (1). قيل له: فحديثُ ابنِ عُمَرَ: إذا بَلَغْتَ وادِىَ القُرَى، فشَأْنُكَ به. قال: ابنُ عُمَرَ كان يصْنَعُ ذلك في مالِه، ورَأى (2) أنَّه إنَّما يسْتَحِقُّه إذا غَزَا عليه. وهذا قولُ أكثرِ أهْلِ العِلْمِ؛ منهم سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، ومالكٌ، وسالمٌ، والقاسِمُ، والأنْصارِىُّ، واللَّيْثُ، والثَّوْرِىُّ. ونخوُه عن الأوْزَاعِىِّ. قال ابنُ المُنْذِرِ: ولم أعْلَمْ أنَّ أحَدًا قال: إنَّ (3) له أن يَبِيعَه في مكانِه. وكان مالكٌ لا يَرَى أن يُنْتَفَعَ بثَمَنِه في غيرِ سبيل اللَّهِ، إلَّا أن يقولَ له: شَأْنُكَ به ما أرَدْتَ. ولَنا، أنَّ حديثَ عُمَرَ ليس فيه ما اشْتَرَطَ مالكٌ. فأمَّا إن قال: هى حَبِيسٌ. فلا يجُوزُ بَيْعُها، وسَنَذْكُرُ ذلك في الوَقْفِ، إن شاءَ اللَّهُ تعالى.
فصل: قال أحمدُ: لا يَرْكَبُ دَوابَّ السَّبِيلِ في حاجةٍ، ويَرْكَبُها ويَسْتَعْمِلُها في سَبيلِ اللَّهِ، ولا يَرْكَبُ في الأمْصارِ والقُرَى، ولا بأْسَ (4) أن (5) يَرْكَبَها ويعْلِفَها، وأكْرَهُ سِياقَ الرَّمَكِ (6) على
(1) في الأصل: «غزوا» .
(2)
في م: «روى» .
(3)
سقط من: م.
(4)
في النسخ: «بأن» . وانظر المغنى 43/ 13.
(5)
سقط من: م.
(6)
الرمك: جمع الرمكة، بالتحريك، وهى الفرس أو البرذونة تتخذ للنسل.