الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَمَامُ الرِّبَاطِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، وَهُوَ لُزُومُ الثَّغْرِ لِلْجِهَادِ.
ــ
عن عَوْفِ بنِ مالكٍ الخَثْعَمِىِّ، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» (1). قال أحمدُ: ليس للخَثْعَمِىِّ صُحْبَةٌ، وهو قديمٌ.
1389 - مسألة: (وتَمامُ الرِّباطِ أرْبَعُونَ يَوْمًا، وهو لُزُومُ الثَّغْرِ للجِهادِ)
معنى الرِّباطِ: الإِقامةُ بالثَّغْرِ، مُقَوِّيًا للمُسْلِمين على الكُفّارِ. والثَّغْرُ، كلُّ مكانٍ يُخِيفُ أهلُه العَدُوَّ ويُخِيفُهم. وأصلُه مِن رِباطِ الخيلِ؛ لأنَّ هؤلاء يَرْبُطُونَ خُيولَهم، وهؤلاء يَرْبُطُونَ خُيولَهم، كُلٌّ يُعِدُّ لصَاحِبِه، فسُمِّىَ المُقامُ بالثَّغْرِ رِباطًا وإن لم يكُنْ خَيْلٌ. وفيه فَضْلٌ عظيمٌ، وأجْرٌ كبيرٌ. قال أحمدُ: ليس يَعْدِلُ الجهادَ والرِّباطَ شئٌ، والرِّباطُ دَفعٌ عن المسلمين، وعن حَرِيمِهم، وقُوَّةٌ لأَهْلِ الثَّغْرِ ولأهلِ الغَزْوِ، فالرِّباطُ عندِى أصلُ الجِهادِ وَفَرْعُه، والجِهادُ أفْضلُ منه؛ للعَناءِ والتَّعَبِ والمشَقَّةِ. وقد رُوِى في فَضْلِ الرِّباطِ أخبارٌ؛ منها ما روَى سَلْمَانُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «رِبَاطُ لَيْلَةٍ فِى سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وقِيَامِهِ، فَإنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِى كَانَ يَعْمَلُ، وأُجْرِىَ
= في: باب من ينهى عن قتله في دار الحرب، من كتاب الجهاد 12/ 383، 384. والبيهقى، في: باب من ترك قتل من لا قتال فيه. . . من كتاب السير. السنن الكبرى 9/ 89 - 91.
(1)
أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 5/ 226. عن مالك بن عبد اللَّه الخثعمى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وأمِنَ الفُتَّانَ». رَواه مسلمٌ (1). وعن فَضالَةَ بنِ عُبَيْدٍ رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قال:«كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ، إلَّا المُرَابِطَ فِى سبِيلِ اللَّهِ، فَإنَّهُ يَنْمُو لَهُ عَمَلُهُ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، ويُؤْمَنُ مِنْ فُتَّانِ القَبْرِ» . رَواه أبو داودَ، والتِّرْمِذِىُّ (2)، وقال: حديث حسَنٌ صَحِيحٌ. وعن عثمانَ بنِ عَفَّانَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال على المِنْبرِ: إنِّى كنتُ كتَمْتُكم حديثًا سَمِعْتُه مِن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كراهِيَةَ تَفَرُّقِكُم عنِّى (3)، ثم بَدا لى أنْ أُحَدِّثَكُمُوهُ؛ ليخْتارَ امرؤٌ منكم لنفْسِه، سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ:«رِبَاطُ يَوْمٍ فِى سبِيلِ اللَّهِ، خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ منَ المَنَازِلِ» . رَواه أبو داودَ، والأثْرَمُ، وغيرُهما (4). إذا ثَبَت هذا، فإنَّ الرِّباطَ يَقِلُّ ويَكْثُرُ، فكلُّ مُدَّةٍ أقامَها بنِيَّةِ الرِّباطِ، فهى
(1) في: باب فضل الرباط في سبيل اللَّه عز وجل، من كتاب الإِمارة. صحيح مسلم 3/ 1520.
كما أخرجه النسائى، في: باب فضل الرباط. من كتاب الجهاد. المجتبى 6/ 33. وابن ماجه، في: باب فضل الرباط في سبيل اللَّه، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 924. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 440، 441.
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب فضل الرباط، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 9. والترمذى، في: باب ما جاء في فضل من مات مرابطا، من أبواب فضائل الجهاد. عارضة الأحوذى 7/ 123.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 6/ 20.
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
لم نجد الحديث في سنن أبى داود، وأخرجه الترمذى، في: باب فضل المرابط، من أبواب فضائل الجهاد. عارضة الأحوذى 7/ 163. والنسائى، في: باب فضل الرباط، من كتاب الجهاد. المجتبى 6/ 33، 34. وابن ماجه، في: باب فضل الرباط في سبيل اللَّه، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 924. والدارمى، في: باب فضل من رابط يوما وليلة، من كتاب الجهاد. سنن الدارمى 2/ 211. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 61، 64، 65، 75.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رِباطٌ، قَلَّتْ أو كَثُرَتْ؛ ولهذا قال النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«رِبَاطُ يَوْمٍ» ، و:«رِبَاطُ لَيْلَةٍ» . قال أحمدُ: يومٌ رِباطٌ، وليلةٌ رِباطٌ، وساعةٌ رِباطٌ. وقال: عن أبى هُرَيْرَةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: مَن رَابَطَ يَوْمًا في سَبِيلِ اللَّهِ، كُتِبَ له أجْرُ الصَّائِمِ القَائِمِ، ومَنْ زَادَ زَادَه اللَّهُ (1). وروَى سعيدٌ (2)، بإسْنادِه، عن أبى هُرَيْرَةَ، قال: رِباطُ يَوْمٍ في سبِيلِ اللَّهِ، أحَبُّ إلَىَّ من أن أُوَافِقَ لَيْلَةَ القَدْرِ في أحَدِ المَسْجِدَيْنِ؛ مَسْجدِ الحَرَام، ومَسْجِدِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ومَنْ رَابَطَ أرْبَعِين يومًا، فقد استَكْمَلَ الرِّباطَ، وتَمامُ الرِّباطِ أربعون يومًا. رُوِى ذلك عن أبى هُرَيْرَةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. وقد ذَكَرْنا خَبَر أبى هُرَيْرَةَ. وروَى أبو الشَّيْخِ (3)، في «كتابِ الثَّوابِ» ، بإسْنادِه عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«تَمَامُ الرِّباطِ أرْبَعُونَ يومًا» (4). وروَى نافِعٌ، عن ابنِ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما، أنَّه قَدِمَ على عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ مِن الرِّباطِ، فقال له: كم رابَطْتَ؟ قال: ثلاثين يومًا. قال: عَزَمْتُ عليك إلَّا رَجَعْتَ حتى تُتِمَّها أربعين يومًا. فإن رَابَطَ أكْثَرَ، فله أجْرُه. كما قال أبو هُرَيْرَةَ: ومَن زادَ زادَه اللَّهُ.
(1) أخرج السيوطى نحوه عن غير أبى هريرة. انظر: الجامع الكبير 1/ 779.
(2)
في: باب ما جاء في فضل الرباط، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 159.
كما أخرج بعضه عبد الرزاق، في: باب الرباط، من كتاب الجهاد. المصنف 5/ 281.
(3)
عبد اللَّه بن محمد بن جعفر بن حيان الأصفهانى أبو الشيخ، محدث مفسر ثقة، صاحب التصانيف، توفى سنة تسع وستين وثلاثمائة. سير أعلام النبلاء 16/ 276 - 280. النجوم الزاهرة 4/ 136.
(4)
أخرجه الطبرانى، في الكبير 8/ 157.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وأفْضَلُ الرِّباطِ المُقامُ بأشَدِّ الثُّغُورِ خَوْفًا؛ لأنَّهم أحْوَجُ، ومُقامُه به أنْفَعُ. قال أحمدُ، رحمه الله: أفْضَلُ الرِّباطِ أشَدُّهم كَلَبًا. وقيل لأبى عبدِ اللَّهِ: فأينَ أحَبُّ إليك أن ينزِلَ الرَّجُلُ بأهْلِه؟ قال: كلُّ مَدِينَةٍ مَعْقِلٌ للمُسْلِمين، مثلَ دِمَشْقَ. وقال: أرضُ الشامِ أرضُ المَحْشَرِ، ودِمَشْقُ موضِعٌ يجْتَمِعُ الناسُ إليه إذا غَلَبَتِ الرُّومُ. قِيلَ لأبى عبدِ اللَّهِ: فهذه الأحاديثُ التى جاءَت: «إنَّ اللَّهَ تَكَفَّلَ لِى بالشَّامِ» (1). ونحو هذا؟ قال: ما أكْثَرَ ما جاءَ فيه. وقيل له: إنَّ هذا في الثُّغُورِ. فأنْكَرَه، وقال: أرضُ القُدْسِ أينَ هى؟ «ولَا يَزَالُ أهْلُ الغَرْبِ ظَاهِرِينَ» هم أهلُ الشام. ففَسَّرَ أحمدُ الغَرْبَ في هذا الحديثِ بالشَّامِ، وهو صَحِيحٌ، روَاه مسلم (2). وإنَّما فسَّره بذلك؛ لأنَّ الشَّامَ يُسَمَّى مغرِبًا، لأنَّه مغرِبٌ للعِراقِ، كما يُسَمَّى العِراقُ مَشْرِقًا، ولهذا قِيلَ: ولأهْلِ المَشْرِقِ ذاتُ عِرْقٍ. وقد جاء في حديثٍ مُصَرَّحًا به: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أمَّتِى ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأتِىَ أمْرُ اللَّهِ وَهُمْ بِالشَّامِ» . وفى حديثِ مالكِ بنِ يُخامِرَ، عن مُعاذٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، قال:«وَهُمْ بِالشَّامِ» . رَواه البخارىُّ (3). وروَى في «تاريخه» عن
(1) في م: «بأهل الشام» . والحديث أخرجه أبو داود، في: باب في سكنى الشام، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 4. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 33، 34. وفيه: «بالشام وأهله» .
(2)
في: باب قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتى. . .» ، من كتاب الإمارة. صحيح مسلم 3/ 1525.
(3)
في: باب حدثنى محمد بن المثنى. . .، من كتاب المناقب، وفى: باب قول النبى صلى الله عليه وسلم: «لا يزال. . .» . من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة. صحيح البخارى 4/ 252، 9/ 125.
كما أخرجه مسلم، في: باب قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة. . .» ، من كتاب الإمارة. صحيح مسلم =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبى هُرَيْرَةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، قال:«لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ بِدِمَشْقَ ظَاهِرِينَ» (1). وقد رُوِى في الشّامِ أخْبَارٌ كثيرةٌ؛ منها حديثُ عبدِ اللَّهِ بنِ حَوالَةَ الأزْدِىِّ، رَضِى اللَّهُ عنه، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، قال:«سَتُجَنَّدُونَ أجْنَادًا؛ جُنْدًا بالشَّامِ، وجُنْدًا بِالْعِرَاقِ، وجُنْدًا بِالْيَمَنِ» . فقلتُ: خِرْ لى يا رسولَ اللَّهِ. قال: «عَلَيْكَ بِالشَّامِ، فإنَّهَا خِيرَةُ اللَّهِ مِنْ أرْضِهِ، يَجْتَبِى إلَيْهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فمَنْ أبى، فَلْيَلْحَقْ بِاليَمَنِ، ويُسْقَ (2) مِنْ غُدُرِهِ، فَإنَّ اللَّهَ تَكَفَّلَ لِى بِالشَّامِ وأهْلِهِ» . رَواه أبو داودَ بمَعْناه (3)، وكان أبو إدْرِيسَ إذا روَى هذا الحديثَ قال: ومَن تَكَفَّلَ اللَّه به، فلا ضَيْعَةَ عليه. ورُوِىَ عن الأوْزَاعِىِّ، قال: أتَيْتُ المدينةَ، فسألْتُ: مَن بِها مِن العُلَماءِ؟ فقيل: محمدُ بنُ المُنْكَدِرِ، ومحمدُ بنُ كَعْبٍ القُرَظِى، ومحمدُ ابنُ علىِّ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ العباسِ، ومحمدُ بنُ علىِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ علىِّ ابنِ أبى طالبٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم. فقلتُ: واللَّهِ لأبدَأنَّ بهذا قبلَهم، فَدَخَلْتُ إليه، فأخَذَ بِيَدِى، وقال: مِن أىِّ إخْوانِنا أنتَ؟ قلتُ: مِن أهْلِ الشَّامِ. قال: مِن أيِّهم؟ قلتُ: مِن أهْلِ دِمَشْقَ. قال: حَدَّثَنِى أبى، عن جَدِّى، عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال: «يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ ثَلَاثُ
= 3/ 1523. والترمذى، في: باب ما جاء في الشام، من أبواب الفتن. عارضة الأحوذى 9/ 45. والإمام أحمد ، في: المسند 4/ 101، 5/ 279.
(1)
التاريخ الكبير 3/ 35.
(2)
في م: «ويشق» . وهو أمر بالسقيا من الأحواض.
(3)
تقدم في الصفحة السابقة.