الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَرْضَخُ لِمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ؛ وَهُمُ الْعَبِيدُ، وَالنِّسَاءُ، وَالصِّبْيَانُ.
ــ
أخْماسِ الغَنِيمَةِ، وفيه اخْتِلافٌ ذَكَرْناه فيما مَضَى.
1448 - مسألة: (ويَرْضَخُ لمَن لا يسهْمَ له؛ وهم العَبِيدُ، والنِّساءُ، والصِّبْيانُ)
ومعنى الرَّضْخِ، أن يُعْطَوْا شيئًا مِن الغَنِيمَةِ دُونَ السَّهْمِ، ولا تَقْدِيرَ لِما يُعْطَوْنَه، بل ذلك إلى اجْتِهادِ الإِمام، فإن رَأَى التَّسْوِيَةَ بينَهم سَوَّى، وإِن رَأَى التَّفْضِيلَ فَضَّلَ. وهذا قولُ أكثَرِ العُلماءِ؛ منهم سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، والثَّوْرِىُّ، واللَّيْثُ، وإسْحاقُ، والشافعىُّ. وبه قال مالكٌ، في المرأةِ والعَبْدِ، ورُوِىَ عن ابنِ عباسٍ. وقال أبو ثَوْرٍ: يُسْهَمُ للعَبْدِ. ورُوِىَ عن عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ، والحسنِ، والنَّخَعِىِّ؛ لِما رُوِى عن الأسْوَدِ بنِ يَزِيدَ، أنَّه شَهِدَ فَتْحَ القادِسِيَّةِ عَبِيدٌ، فضَرَبَ لهم سِهامَهم. ولأنَّ حُرْمَةَ العَبْدِ في الدِّينِ كحُرْمَةِ الحُرِّ، وفيه مِن الغَناءِ مثلُ ما فيه، فوَجَبَ أنْ يُسْهَمَ له، كالحُرِّ. وحُكِىَ عن الأوْزَاعِىِّ: ليسَ للعَبِيدِ سَهْمٌ ولا رَضْخٌ، إلَّا أن يَجِيئُوا بغَنِيمَةٍ، أو يكُونَ لهم غَناء، فيُرْضَخُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لهم. قال: ويُسْهَمُ للمرأةِ، لِما روَى حَشْرَجُ (1) بنُ زيادٍ، عن جَدَّتِه، أنَّها حضَرَتْ فَتْحَ خَيْبَرَ، قالت: فأسْهَمَ لنا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كما أسْهَمَ للرِّجالِ (2). وأسْهَمَ أبو موسى في غَزْوَةِ تُسْتَرَ (3) لنِسْوَةٍ معه (4). وقال أبو بكرِ بنُ أبى مَرْيَمَ: أُسْهِمَ للنِّساءِ يومَ اليَرْمُوكِ. وروَى سعيدٌ (5)، بإسْنادِه عن [ابنِ شِبْلٍ](6)، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم ضَرَب لسَهْلَةَ بنتِ عاصمٍ يومَ حُنَيْنٍ، فقال رجلٌ مِن القومِ: أُعْطِيَتْ سَهْلَةُ مثلَ سَهْمِى. ولَنا، ما روَى ابنُ عباسٍ، قال: كان رسولُ اللَّهَ صلى الله عليه وسلم يَغْزُو بالنِّساءِ، فيُداوِينَ الجَرْحَى، ويُحْذَيْنَ مِن الغَنِيمَةِ، وأمَّا سَهْمٌ، فلم يَضْرِبْ لَهُنَّ. رَواه مسلمٌ (7).
(1) في م: «جبير» . وفى الأصل: «جبر» . والتصويب من مصادر التخريج.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 120.
(3)
تستر: أعظم مدينة بخوزستان. معجم البلدان 1/ 847.
(4)
أخرجه ابن أبى شيبة، في: باب في الغزو بالنساء، من كتاب الجهاد. المصنف 12/ 527. ولم يذكر أنه أسهم لهن. وأخرجه قبل هذا، في: باب في النساء والصبيان هل لهم من الغنيمة شئ؟ من كتاب الجهاد. المصنف 12/ 409. ولم يذكر فيه تستر.
(5)
في: باب ما جاء في سهمان النساء، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 283.
(6)
في سنن سعيد: «شبل» .
(7)
في: باب النساء الغازيات يرضخ لهن. . .، من كتاب الجهاد والسير. صحيح مسلم 3/ 1444.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في المرأة والعبد يحذيان من الغنيمة، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 68. والترمذى، في: باب من يعطى الفئ، من أبواب السير. عارضة الأحوذى 7/ 46. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 308.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وروَى سعيدٌ (1)، عن يَزِيدَ بنِ هُرْمُزَ (2)، أنَّ نَجْدَةَ كَتَب إلى ابنِ عباسٍ، يسْألُه عن المرأةِ والمَمْلوكِ يحْضُران الفَتْحَ، ألَهُما مِن الغَنِيمَةِ شئٌ؟ [قال: يُحْذَيان، وليس لهما شئٌ] (3). وفى رِوايَةٍ: ليس لهما سَهْمٌ، وقد يُرْضَخُ لهما. وعن عُمَيْرٍ مَوْلَى آبى (4) اللَّحْمِ، قال: شَهِدْتُ خيْبَرَ مع سادَتِى، فكَلَّمُوا فىَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فأُخْبِرَ أنِّى مَمْلُوكٌ، فأمَرَ لى بشئٍ مِن خُرْثِىِّ المتاعِ. رَواه أبو داودَ (5). واحْتَجَّ به أحمدُ. ولأنَّهما ليسا مِن أهْلِ وُجُوبِ القِتالِ، أشْبَها الصَّبِىَّ. فأمَّا ما رُوِى في سِهامِ النِّساءِ، فيَحْتَمِلُ أنَّ الرَّاوِىَ سَمَّى الرَّضْخَ سَهْمًا، بدَلِيلِ أنَّ في حديثِ حَشْرَجٍ، أنَّه جَعَل لَهُنِّ نَصِيبًا تَمْرًا. ولو كان سَهْمًا، ما اخْتَصَّ التَّمْرَ، ولأنَّ خيْبَرَ قُسِمَتْ على أهْلِ الحُدَيْبِيَةِ، نَفَرٍ مخصُوصِينَ في غيرِ حَدِيثِها، ولم يُذْكَرْنَ منهم. ويَحْتَمِلُ أنَّه أسْهَمَ لَهُنَّ مثلَ سَهْمِ الرِّجالِ
(1) في: باب العبد والمرأة يحضران الفتح، من كتاب الجهاد. سنن سعيد 2/ 283.
(2)
في النسخ: «هارون» . والمثبت من مصادر التخريج.
(3)
سقط من النسخ. والمثبت من سنن سعيد.
(4)
في م: «أبى» . وانظر: أسد الغابة 1/ 45.
(5)
في: باب في المرأة والعبد يحذيان من الغنيمة، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 68.
كما أخرجه الترمذى، في: باب هل يسهم للعبد؟، من أبواب السير. عارضة الأحوذى 7/ 47. وابن ماجه، في: باب العبيد والنساء يشهدون مع المسلمين، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 952.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن التَّمْرِ خاصَّةً، أو مِن المتاعِ دُونَ الأرْضِ. وأمَّا حَدِيثُ سَهْلَةَ، فإنَّ في الحديثِ أنَّها وَلَدَتْ، فأعْطاها النبىُّ صلى الله عليه وسلم لها ولوَلَدِها، فبَلَغَ رَضْخُهما سَهْمَ رَجُلٍ، ولذلك عَجِبَ الرجلُ [الذى قال] (1): أُعْطِيَتْ سَهْلَةُ مثلَ سَهْمِى. ولو كان هذا مَشْهُورًا مِن فِعْلِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، ما عَجِبَ منه.
فصل: والمُدَبَّرُ والمُكاتَبُ، كالقِنِّ؛ لأنَّهم عَبِيدٌ. فمَن عَتَق منهم قبلَ تَقَضِّى الحَرْبِ أُسْهِمَ له. وكذلك إن قُتِل سَيِّدُ المُدَبَّرِ قبلَ تَقَضِّى الحَرْبِ، فخَرَجَ مِن الثُّلُثِ. فأمَّا مَن بعضُه حُرٌّ، فقال أبو بكرٍ: يُرْضَخُ له بقَدْرِ ما فيه مِن الرِّقِّ، ويُسْهَمُ له بقَدْرِ ما فيه مِن الحُرِّيَّةِ، فإذا كان نِصْفُه حُرًّا، أُعْطِىَ نِصْفَ سَهْمٍ، ونِصْفَ رَضْخٍ؛ لأنَّ هذا ممّا يُمْكِنُ تَبْعِيضُه، فقُسِمَ على قَدْرِ ما فيه مِن الحُرِّيَّةِ والرِّقِّ، كالمِيراثِ. وظاهِرُ كلامِ أحمدَ، أنَّه يُرْضَخُ له؛ لأنَّه ليس مِن أهْلِ وُجُوبِ القِتالِ، فأشْبَهَ الرَّقِيقَ.
فصل: والخُنْثَى المُشْكِلُ يُرْضَخُ له؛ لأنَّه لم يَثْبُتْ أنَّه رجلٌ فيُسْهَمَ له، ولأنَّه ليس مِن أهلِ وُجُوبِ الجِهادِ، فأشْبَهَ المرْأةَ. ويَحْتَمِلُ أن يُقْسَمَ له نِصْفُ سَهْمٍ ونِصْفُ الرَّضْخِ، كالمِيراثِ. فإنِ انْكَشَفَ حالُه، فتَبَيَّنَ أنَّه رجلٌ، أُتِمَّ له سَهْمُ رَجُلٍ، سواءٌ انْكَشَفَ قبلَ تَقَضِّى الحَرْبِ أو بعدَه، أو قبلَ القِسْمَةِ أو بعدَها؛ لأنّا تَبَيَّنَا أنَّه كان مُسْتَحِقًّا للسَّهْمِ، وأنَّه أُعْطِىَ
(1) في م: «فقال» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
دُونَ حَقِّه، فأشْبَهَ ما لو أُعْطِىَ بعضُ الرجالِ دُونَ حَقِّه غَلَطًا.
فصل: والصَّبِى يُرْضَخُ له. وبه قال الثَّوْرِىُّ، واللَّيْثُ، وأبو حنيفةَ، والشافعىُّ، وأبو ثَوْرٍ. وعن القاسِمِ، في الصَّبِىِّ [يُغْزَى به](1)، ليس له شئٌ. وقال مالكٌ: يُسْهَمُ له إذا قاتَلَ وأطاق ذلك ومثلُه قد بَلَغ القِتالَ؛ لأنَّه حُرٌّ ذَكَرٌ مُقاتِلٌ، فيُسْهَمُ له، كالرجلِ. وقال الأوْزَاعِىُّ: يُسْهَمُ له. وقال: أسْهَمَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم للصِّبْيانِ بخيْبَرَ (2)، وأسْهَمَ أئِمَّةُ المُسْلِمِين لكلِّ مَوْلُودٍ وُلِدَ في أرْضِ الحَرْبِ. وروَى الجُوزْجانِىُّ، بإسْنادِه عن الوَضِينِ بنِ عَطاءٍ، قال: حدَّثَتْنِى جَدَّتِى، قالتْ: كُنْتُ مع حَبِيبِ بنِ مَسْلَمَةَ (3)، وكان يُسْهِمُ لأمَّهاتِ الأوْلادِ، لِما في بُطُونِهِنَّ. ولَنا، ما رُوى عن سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، قال: كان الصِّبْيانُ والعبيدُ يُحْذَونَ مِن الغَنِيمَةِ إذا حَضَرُوا الغَزْوَ، في صَدْرِ هذه الأمَّةِ. وروَى الجُوزْجانِىُّ، بإسْنادِه، أنَّ تَمِيمَ بنَ فِرَعٍ (4) المَهْرِىَّ، كان في الجَيْشِ الذى فَتَح الإِسْكَنْدَرِيَّةَ في المَرَّةِ الأخِيرَةِ، قال: فلم يَقْسِمْ لى عمرٌو مِن الفَىْءٍ شيئًا، وقال: غُلامٌ لم يَحْتَلِمْ. حتى كادَ يكونُ بينَ قَوْمِى وبينَ أُناسٍ مِن قريشٍ لذلك ثائِرَةٌ، فقال بعضُ القومِ: فيكم أُناسٌ مِن أصحابِ رسولِ
(1) في م: «يغزو أنه» .
(2)
انظر ما تقدم من حديث سهلة.
(3)
في م: «سلمة» .
(4)
في م: «قرع» . وانظر ما تقدم في صفحة 69.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فاسْأَلُوهم. فسأَلُوا أبا بَصْرَةَ (1) الغِفارِىَّ، وعُقْبَةَ بنَ عامرٍ، فقالوا: انْظُرُوا؛ فإن كان قد أشْعَرَ، فاقْسِمُوا له. فنَظَرَ إلىَّ بعضُ القَوْمِ، فإذا أنا قد أنْبَتُّ، فقَسَمَ لى. قال الجُوزْجانِىُّ: هذا مِن مَشاهِيرِ حديثِ مصرَ وجَيِّدِه. ولأنَّه ليس مِن أهْلِ القِتالِ، فلم يُسْهَمْ له، كالعَبْدِ، ولم يَثْبُتْ أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قَسَم لِصَبىٍّ، بل كان لا يُجِيزُهم في القِتالِ، قال ابنُ عُمَرَ: عُرِضْتُ على النبىِّ صلى الله عليه وسلم وأنا ابنُ أربعَ عَشَرَةَ، فلم يُجِزْنِى في القِتالِ، وعُرِضْتُ عليه وأنا ابنُ خمْسَ عَشْرَةَ، فأَجازَنِى (2). وما ذَكَرُوه يَحْتَمِلُ أنَّ الرَّاوِىَ سَمَّى الرَّضْخَ سَهْمًا، بدليلِ ما ذَكَرْناه.
فصل: فإنِ انْفَرَدَ بالغَنِيمَةِ مَن لا يُسْهَمُ له، مثل عَبِيدٍ دَخَلُوا دارَ الحَرْبِ فغَنِمُوا، أو صِبْيانٍ، أو عَبِيدٍ وصِبْيانٍ، أُخِذَ خُمْسُه، وما بَقِىَ لهم. فيَحْتَمِلُ أن يُقْسَمَ بينَهم؛ للفارِسِ ثلاثةُ أسْهُمٍ، وللرّاجِلَ سَهْمٌ؛ لأنَّهم تساوَوْا، فأشْبَهُوا الرِّجالَ الأحْرارَ. ويَحْتَمِلُ أن يُقْسَمَ بينَهم على ما يَراهُ الإِمامُ مِن المُفاضَلَةِ؛ لأنَّه لا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بينَهم مع غيرِهم، فلا تَجِبُ مع الانْفِرادِ، قياسًا لإِحْدَى الحالَتَيْن على الأُخْرَى. وإن كان فيهم رَجُلٌ حُرٌّ، أُعْطِىَ سَهْمًا، وفُضِّلَ عليهم، بقَدْرِ ما يُفَضَّلُ الأحْرارُ على العَبِيدِ والصِّبْيانِ في غيرِ هذا الموضِعِ، ويُقْسَمُ الباقِى بينَ مَن بَقِىَ على ما يَراه الإِمامُ مِن التَّفْضِيلِ؛ لأنَّ فيهم مَن له سَهْمٌ، بخِلافِ التى قبلَها.
(1) في م: «نضرة» .
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 9.