الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يُسْهَمُ لِغَيْرِ الْخَيْلِ. وَقَالَ الْخِرَقِىُّ: مَنْ غَزَا عَلَى بَعِيرٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِهِ، قُسِمَ لَهُ وَلِبَعِيرِهِ سَهْمَانِ.
ــ
مع الرجلِ خيلٌ، أُسْهِمَ لفَرَسَيْن أربعةُ أسْهُمٍ، ولصاحِبِهما سَهْمٌ، ولم يُزَدْ على ذلك. وقال أبو حنيفةَ، ومالكٌ، والشافعىُّ: لا يُسْهَمُ لأكْثَرَ مِن فَرَسٍ واحدٍ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ أن يُقاتِلَ على أكْثَرَ منها، فلم يُسْهَمْ لِما زادَ عليها، كالزّائِدِ على الفَرَسَيْن. ولَنا، ما روَى الأوْزَاعِىُّ، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يُسْهِمُ للخَيْلِ، وكان لا يُسْهِمُ للرَّجُلِ فوقَ فرَسَيْن، وإن كانتْ معه عَشَرَةُ أفْرَاسٍ. وعن أزْهَرَ بنِ عبدِ اللَّهِ، أنَّ عُمَرَ ابنَ الخَطَّابِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، كَتَب إلى أبى عُبَيْدَةَ بنِ الجَرّاحِ، أن يُسْهِمَ للفَرَسِ سهْمَيْن، وللفَرَسَيْن أرْبَعَةَ أسْهُمٍ، ولصاحِبِها سَهْمًا، فذلك خَمْسَةُ أسْهُمٍ، وما كان فوقَ الفَرَسَيْن فهى جنائِبُ. رَواهما سعيدٌ (1). ولأنَّ به إلى الثَّانِى حاجَةً، فإنَّ إدامَةَ رُكوبِ واحدٍ تُضْعِفُه، وتَمْنَعُ القِتالَ عليه، فيُسْهَمُ له، كالأوَّلِ، بخِلافِ الثالثِ، فإنَّه مُسْتَغْنًى عنه.
1456 - مسألة: (ولا يُسْهَمُ لغيرِ الخَيْلِ. وقال الخِرَقِىُّ: مَن غَزا على بَعِيرٍ لا يَقْدِرُ على غيرِه، قُسِمَ له ولِبَعِيرِه سَهْمانِ)
أمَّا ما عدا الخَيْلَ
(1) في: باب من قال: لا سهم لأكثر من فرسين، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 281.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والإِبِلَ، مِن البِغالِ والحَمِيرِ والفِيَلَةِ وغيرِها، فلا سَهْمَ لها، وإن عَظُمَ غَناؤُها وقامَتْ مَقامَ الخَيْلِ. ذَكَر القاضِى أنَّ الفِيَلَةَ حُكْمُها حُكْمُ الهَجِينِ، لها سَهْمٌ. ذَكَره في «الأحْكام السُّلْطانِيَّةِ» (1). والأوَّلُ أوْلَى، لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يُسْهِمْ لها، ولا أحَدٌ مِن خُلَفائِه، ولأنَّها ممّا لا تَجُوزُ المُسابَقَةُ عليه بعِوَضٍ، فلم يُسْهَمْ لها، كالبَقَرِ. وأمّا الإِبِلُ، فقد رُوِى عن أحمدَ، أنَّه يُسْهَمُ للبَعِيرِ سَهْمٌ. ولم يَشْتَرِطْ عَجْزَ صاحِبهِ عن غيرِه. وحُكِىَ نحوُ هذا عن الحسنِ، لأنَّ اللَّهَ تعالى قال:{فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} (2). ولأنَّه حَيوانٌ (3) تَجُوزُ المُسابَقَة عليه بعِوَضٍ، فيُسْهَمُ له، كالفَرَسِ. يُحَقِّقُه أنَّ تجْوِيزَ المُسابَقَةِ
(1) صفحة 151.
(2)
سورة الحشر 6.
(3)
في م: «خيل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بعِوَضٍ إنَّما أُبِيحَ في ثلَاثةِ أشْياءَ دُونَ غيرِها؛ لأنَّها آلاتُ الجِهادِ، فأُبِيحَ أخْذُ الرَّهْنِ في المُسابَقَةِ بها؛ تَحْرِيضًا على رِياضَتِها (1)، وتَعَلُّمِ الإِتْقانِ فيها. ورُوِىَ عن أحمدَ مثلُ ما ذَكَر الخِرَقِىُّ. وظاهِرُ ذلك، أن لا يُسْهَمَ للبعيرِ مع إمْكانِ الغَزْوِ على فَرَسٍ. إذا ثَبَت ذلك، فلا يُزادُ على سَهْمِ البِرْذَوْنِ؛ لأنَّه دُونَه، ولا يُسْهَمُ له إلَّا أن يَشْهَدَ الوَقْعَةَ عليه، ويكُونَ ممّا يُمْكِنُ القِتالُ عليه، فأمّا هذه الإِبِلُ الثَّقِيلَةُ التى لا تَصْلُحُ إلَّا للحَمْلِ، فلا تَسْتَحِقُّ شيئًا؛ لأنَّ راكِبَها لا يَكِرُّ ولا يَفِرُّ، فهو أدْنَى حالًا مِن الرّاجِلِ.
(1) في م: «رباطها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واخْتارَ أبو الخَطّابِ أنَّه لا سَهْمَ له. وهو قولُ الأكْثَرِين. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلُّ مَن نَحْفَظُ عنه مِن أهْلِ العِلْمِ، أنَّ مَن غَزا على بَعيرٍ، فله سَهْمُ راجِلٍ. كذلك قال الحسنُ، ومَكْحُولٌ، والثَّوْرِىُّ، والشافعىُّ، وأصحابُ الرَّأْى. وهو الصَّحِيحُ إن شاءَ اللَّه تعالى؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يُنْقَلْ عنه أنَّه أسْهَمَ لغيرِ الخَيْلِ مِن البَهائِمِ، وقد كان معه يومَ بَدْرٍ سَبْعونَ بَعِيرًا، ولم تَخْلُ غَزْوَةٌ مِن غَزَواتِه مِن الإِبِلِ، بل هى كانتْ غالِبَ دَوابِّهم، فلم يُنْقَلْ أنَّه أسْهَمَ لها، ولو أسْهَمَ لها لَنُقِلَ، وكذلك مَن بعدَ النبىِّ صلى الله عليه وسلم مِن خُلَفائِه وغيرِهم، مع كَثْرَةِ غَزَواتِهمِ، لم يُنْقَلْ عن أحَدٍ منهم فيما عَلِمْناه أنَّه أسْهَمَ لبعيرٍ، ولو أسْهَمَ لم يَخْف ذلك، ولأنَّه يُمَكِّنُ صاحِبَه الكَرَّ والفَرَّ، فلم يُسْهَمْ له، كالبَغْلِ.