الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكُلُّ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا، فَلَهُ سَلَبُهُ غَيْرَ مَخْمُوسٍ، إِذَا قَتَلَهُ حَالَ الْحَرْبِ مُنْهَمِكًا عَلَى الْقِتَالِ، غَيْرَ مُثْخَنٍ، وغَرَّرَ بِنَفْسِهِ فِى قَتْلِهِ. وَعَنْهُ، لَا يَسْتَحِقُّهُ إِلَّا مِنْ شُرِط لَهُ.
ــ
رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يومَ حُنَيْن: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» . فقَتَلَ أبو طَلْحَةَ يومَئِذٍ عِشرين رجلًا، فأخَذَ أسْلابَهم. رَواه أبو داودَ (1).
1428 - مسألة: (وكلُّ مَن قَتَلَ قَتِيلًا، فله سَلَبُهُ غيرَ مَخْمُوسٍ، إذا قَتَلَه حالَ الحَرْبِ مُنْهَمِكًا على القِتالِ، غيرَ مُثْخَنٍ، وغَرَّرَ بنَفْسِه في قَتْلِه. وعنه، لا يَسْتَحِقُّه إلَّا مَن شُرِط له)
الكلامُ في هذه المَسْألةِ في فُصولٍ؛ أحَدُها، في أنَّ القاتِلَ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ، وقد ذَكَرْناه.
= 65. والترمذى، في: باب ما جاء من قتل قتيلا فله سلبه، من أبواب السير. عارضة الأحوذى 7/ 57. وابن ماجه، في: باب المبارزة والسلب، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 947. والدارمى، في: باب من قتل قتيلا فله سلبه، من كتاب السير. سنن الدارمى 2/ 229. والإمام مالك، في: باب ما جاء في السلب، من كتاب الجهاد. الموطأ 2/ 454، 455. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 114، 123، 190، 279، 2/ 15، 295، 306.
(1)
في: باب في السلب يعطى القاتل، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 65.
كما أخرجه الدارمى، في: باب من قتل قتيلا فله سلبه، من كتاب السير. سنن الدارمى 2/ 229. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 114، 123، 190، 279.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثانى، أنَّ السَّلَبَ لكلِّ قاتِلٍ يَسْتَحِقُّ السَّهْمَ أو الرَّضْخَ، كالعَبْدِ، والمرأةِ، والصبىِّ، والمُشْرِكِ. وقال ابنُ أبى موسى: مَن بارَزَ بغيرِ إذْنِ الإِمامِ، لم يَسْتَحِقَّ السَّلَبَ. ذَكَرَه في «الإِرْشَادِ» . ورُوِىَ عن ابنِ عُمَرَ أنَّ العبدَ إذا بارَزَ بإذْنِ مَوْلاه، لم يَسْتَحِقَّ السَّلَبَ، ويُرْضَخُ له منه. وللشافعىِّ في مَن لا سهمَ له قَوْلان؛ أحدُهما، لا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ؛ لأنَّ السَّهْمَ آكَدُ منه، للإِجْماعِ عليه، فإذا لم يسْتَحِقَّه، فالسَّلَبُ أوْلَى. ولَنا، عُمُومُ الخبرِ، ولأنَّه قاتِلٌ مِن أهْلِ الغَنِيمَةِ، فاسْتَحَقَّ السَّلَبَ، كذِى السَّهْمِ، ولأنَّ الأمِيرَ لو جَعَل جُعْلًا لمَن صَنَع (1) شيْئًا فيه نفْعٌ للمُسْلِمِين، لاسْتَحَقَّه فاعِلُه مِن هؤلاء، فالذى جَعَلَه النبىُّ صلى الله عليه وسلم أوْلَى. وفارَقَ السهمَ؛ لأنَّه عُلِّقَ على المَظِنَّةِ، ولهذا يُسْتَحَقُّ بالحُضُورِ، ويَسْتَوِى فيه الفاعِلُ وغيرُه، والسَّلَبُ يُسْتَحَقُّ بحَقِيقَةِ الفِعْلِ، وقد وُجِدَ منه ذلك، فاسْتَحَقَّه، كالمَجْعُولِ له جُعْلًا على فِعْلٍ إذا فَعَلَه. فإن كان القاتِلُ ممَّن لا يَسْتَحِقُّ سَهْمًا ولا رَضْخًا، كالمُرْجِفِ والمُخَذِّلِ والمُعِينِ على المُسْلِمِين، لم يَسْتَحِقَّ السَّلَبَ وإن قَتَل (2). وهو قولُ الشافعىِّ؛ لأنَّه
(1) في م: «منع» .
(2)
في م: «قل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ليس مِن أهْلِ الجِهادِ. وكذلك إن بارَزَ العَبْدُ بغيرِ إذْنِ مَوْلاه، لا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ؛ لأنَّه عاصٍ. وكذلك كلُّ عاصٍ، مثلَ مَن دَخَل بغيرِ إذْنِ الأمِيرِ. وعن أحمدَ في مَن دَخَل بغيرِ إذْنٍ، أنَّه يُؤْخَذُ منه الخُمْسُ، وباقِيه له، كالغَنِيمَةِ. ويُخَرَّجُ مثلُ ذلك في العَبْدِ المُبارِزِ بغيرِ إذْنِ سَيِّدِه. ويَحْتَمِلُ أن يَكُونَ سَلَبُ قَتِيلِ العبدِ له على كلِّ حالٍ؛ لأنَّ ما كان له فهو لسَيِّدِه، ففى حِرْمانِه حِرْمانُ سَيِّدِه، ولم يَعْصِ.
الفصلُ الثالثُ، السَّلَبُ للقاتِلِ في كُلِّ حالٍ، إلَّا أن يَنْهَزِمَ العَدُوُّ. وبه قال الشافعىُّ، وأبو ثورٍ، وداودُ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال مَسْرُوقٌ: إذا الْتَقَى الزَّحْفان، فلا سَلَب له، إنَّما النَّفَلُ قبلُ وبعدُ. ونحوُه قَوْلُ نافعٍ. وكذلك قال الأوْزَاعِىُّ، وسعيدُ بنُ عبدِ العَزِيزِ، وأبو بَكْرِ ابنُ أبى مريمَ: السَّلَبُ للقاتِلِ، ما لم تَمْتَدَّ الصُّفُوفُ بعضُها إلى بعضٍ، فإذا كان كذلك، فلا سَلَبَ لأحَدٍ. ولَنا، عُمُومُ قوْلِه عليه السلام:«مَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» . ولأنَّ أبا قَتادَةَ إنَّما قَتَل الذى أخَذَ سَلَبَه في حالِ الْتِقاءِ الزَّحْفَيْن، ألا تَراه يَقُولُ: فلمّا الْتَقَيْنا رأيتُ رجلًا مِن المُشْرِكِين قد عَلا رَجُلًا مِن المسلمين؟ وكذلك قولُ أنَسٍ: قَتَل أبو طَلْحَةَ يومَئِذٍ عشرين رجُلًا، وأخَذَ أسْلابَهم. وكان ذلك بعدَ الْتِقاءِ الزَّحْفيْن؛ لأنَّ هَوازِنَ لَقُوا المسلمين فَجْأةً، فألْحَمُوا الحَرْبَ قبلَ تَقَدُّمِ مُبارَزَةٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الفصلُ الرابعُ، أنَّه إنَّما يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ بشُرُوطٍ أربعةٍ؛ أحدُها، أن يَكُونَ المَقْتُولُ مِن المُقاتِلَةِ الذين يجُوزُ قَتْلُهم، فأمَّا إن قَتَل امرأةً، أو صَبِيًّا، أو شَيْخًا فانِيًا، أو ضَعِيفًا مَهِينًا، ونحوَهم ممَّن لا يُقاتِلُ، لم يسْتَحِقَّ سَلَبَه. لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا. وإن كان أحَدُ هؤلاء يُقاتِلُ، اسْتَحَقَّ قاتِلُه سَلَبَه؛ لجَوازِ قَتْلِه، ومَن قَتَل أسِيرًا له أو لغيرِه، لم يَسْتَحِقَّ سَلَبَه؛ لذلك. الثانى، أن يَكُونَ المَقْتُولُ فيه مَنَعَةٌ، غيرَ مُثْخنٍ بالجراحِ، فإن كان مُثْخَنًا، فليس لقاتِلِه شئٌ مِن سَلَبِه. وبهذا قال مَكْحُولْ، وَحرِيزُ (1) بنُ عُثْمَانَ، والشافعىُّ؛ لأن مُعاذَ بنَ عمرِو بنِ الجَمُوحِ أثْبَتَ أبا جَهْلٍ، وذَفَّفَ عليه ابنُ مسعودٍ، فقَضَى النبىُّ صلى الله عليه وسلم بسَلَبِه لمُعاذِ بنِ عَمْرِو بنِ الجَمُوحِ، ولم يُعْطِ ابنَ مسعودٍ شيئًا (2). الثالثُ، أن يَقْتُلَه أو يُثْخِنَه بالجِراحِ، فيَجْعَلَه في حُكْمِ المَقْتُولِ، فيَسْتَحِقَّ سَلَبَه؛ لحديثِ مُعاذِ بنِ عَمْرِو بنِ الجَمُوحِ. الرابعُ، أن يُغرِّرَ بنَفْسِه في قَتْلِه، فإن رَماه بسَهْمٍ مِن صَفِّ المسلمين فَقَتَلَه، فلا سَلَبَ له. قال أحمدُ: السَّلَبُ للقاتِلِ إنَّما هو في المُبارَزَةِ، لا يَكُونُ في الهَزِيمَةِ. وإن حَمَل جَماعةٌ مِن المسلمين
(1) في النسخ: «وجرير» تصحيف.
وهو حريز بن عثمان بن جبر الرحبى المِشْرَقى، تابعى ثبت، ولد سنة ثمانين، وتوفى سنة ثلاث وستين ومائة. تهذيب التهذيب 2/ 237 - 241.
(2)
أخرجه البخارى، في: باب من لم يخمس الأسلاب، من كتاب فرض الخمس، وفى: باب قتل أبى جهل، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 4/ 112، 94/ 5، 95. ومسلم، في: باب استحقاق القاتل سلب القتيل، وباب قتل أبى جهل، من كتاب الجهاد والسير. صحيح مسلم 3/ 1372، 1424.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على واحِدٍ فقَتَلُوه، فسَلَبُه غَنِيمَةٌ؛ لأنَّهم لم يُغَرِّرُوا بأنْفُسِهم في قَتْلِه.
فصل: وإنَّما يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ إذا قَتَلَه حالَ الحَرْب، فإنِ انْهَزَمَ الكُفّارُ كلُّهم، فأدْرَكَ إنْسانًا مُنْهَزِمًا فقَتَلَه، فلا سَلَبَ له؛ لأنَّه لم يُغَرِّرْ في قَتْلِه، وإن كانتِ الحَرْبُ قائِمَةً، فانْهَزَمَ أحَدُهم، فقَتَلَه إنْسانٌ، فله سَلَبُه؛ لأنَّ الحَرْبَ كَرٌّ وفَرٌّ، وقد قَتَل سَلَمَةُ بنُ الأكْوَعِ طَلِيعةً للكفّارِ وهو مُنْهَزِمٌ، وقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ قَتَله؟» قالوا: ابن الأكْوَعِ. قال: «لَهُ سَلَبُهُ أجْمَعُ» (1). وبهذا قال الشافعىُّ. وقال أبو ثَوْرٍ، وداودُ، وابنُ المُنْذِرِ: السَّلَبُ لكلِّ قاتلٍ؛ لعُمُومِ الخَبَرِ، واحْتِجاجًا بحديث سَلَمَةَ هذا. ولَنا، أنَّ ابنَ مسعودٍ ذَفَّفَ على أبى جَهْلٍ، فلم يُعْطِه النبىُّ صلى الله عليه وسلم سَلَبَه، وأمَرَ بقَتْلِ عُقْبَةَ بنِ أبى مُعَيْطٍ، والنَّضْرِ بنِ الحارِثِ صَبْرًا، ولم يُعْطِ سَلَبَهما مَن قَتَلَهما، وقَتَل بنى قُرَيْظَةَ صَبْرًا (2)، فلم يُعْطِ مَن قَتَلَهم أسْلابَهم، وإنَّما أعْطَى السَّلَبَ مَن قَتَل مُبارِزًا، أو كفَى المسلمين شَرَّه، وغَرَّرَ في قَتْلِه، والمُنْهَزِمُ بعدَ انْقِضاءِ الحَرْبِ، قد كفَى المسلمين شَرَّ نَفْسِه، ولم يُغَرِّرْ قاتِلُه بنَفْسِه في قَتْلِه، فهو كالأسيرِ. وأمَّا الذى قَتَلَه سَلَمَةُ
(1) أخرجه مسلم، في: باب استحقاق القاتل سلب القتيل، من كتاب إلجهاد والسير. صحيح مسلم 3/ 1374، 1375. وأبو داود، في: باب في الجاسوس المستأمن، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 45، 46. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 46.
(2)
انظر لكل ذلك ما تقدم في صفحة 84.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فكان مُتَحَيِّزًا إلى فِئَةٍ. وكذلك مَن قُتِلَ حالَ قِيامِ الحَرْبِ، فإنَّه وإن كان مُنْهَزِمًا فهو مُتَحَيِّزٌ إلى فِئَةٍ، وراجِعٌ إلى القِتالِ، فأشْبَهَ الكارَّ، فإنَّ القِتالَ كَرٌّ وفَرٌّ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّه لا يُشْتَرَطُ في اسْتِحْقاقِ السَّلَبِ أن تَكُونَ المُبارَزَةُ بإذْنِ الأمِيرِ؛ لأن كلَّ مَن قُضِىَ له بالسَّلَب في عَصْرِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم ليس فيهم مَن نُقِلَ إلينا أنَّه أُذِنَ له في المُبارَزَةِ، مع أنَّ عُمُومَ الخَبَرِ يقْتَضِى اسْتِحْقاقَ السَّلَبِ لكلِّ قاتلٍ، إلَّا مَن خَصَّه الدَّليلُ.
الفصلُ الخامسُ، أنَّ السَّلَبَ لا يُخَمَّسُ. رُوِى ذلك عن سَعْدِ بنِ أبى وَقَّاصٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. وبه قال الشافعىُّ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال ابنُ عباسٍ: يُخمَّسُ. وبه فال الأوْزَاعِىُّ، ومَكْحُولٌ؛ لعُمُوم قولِه تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} (1). وقال إسحاقُ: إنِ اسْتَكْثَرَ الإِمامُ السَّلَبَ خَمَّسَهُ، وذلك إليه؛ لِما روَى ابنُ سِيرِينَ، أنَّ البَراءَ بنَ مالكٍ بارَزَ مَرْزُبانَ الزَّأْرةِ (2) بالبَحْرَيْن، فطَعَنَه فدَقَّ صُلْبَه، وأخَذَ سِوارَيْه وسَلَبَه، فلمّا صَلَّى عُمَرُ الظُّهْرَ، أتَى أبا طَلْحَةَ في دارِه، فقال: إنَّا كُنَّا لا نُخَمِّسُ السَّلَبَ، وإنُّ سَلَبَ الْبَراءِ قد بَلَغ مالًا، وأنا خَامِسُه. فكان أوَّلُ سَلَب خُمِّسَ في الإِسْلامِ سَلَبَ البَراءِ. رَواه سعيدٌ في «السُّنَنِ» (3). وفيها أنَّ سَلَبَ البَراءِ بَلَغ ثلاثين ألفًا. ولَنا، ما روَى
(1) سورة الأنفال 41.
(2)
في م: «المرازبة» .
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 146.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَوْفُ بنُ مالكٍ، وخالِدُ بنُ الوليدِ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى في السَّلَبِ للقاتِل، ولم يُخَمِّسِ السَّلَبَ. رَواه أبو داودَ (1). وخبرُ عُمَرَ حُجَّةٌ لنا، فإنَّه قال: إنَّا كُنَّا لا نُخَمِّسُ السَّلَبَ. وقولُ الرَّاوِى: كان أوَّلُ سَلَبٍ خُمِّسَ في الإِسْلامِ. يَعْنِى أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم، وأبا بكرٍ، وعُمَرَ صَدْرًا مِن خِلافَتِه، لم يُخَمِّسُوا سَلَبًا، واتِّباعُهم أوْلَى. قال الجُوزْجانِىُّ: لا أظُنُّه يجُوزُ لأحَدٍ في شئٍ سَبَق فيه مِن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شئٌ إلَّا اتِّباعُه، ولا حُجَّةَ في قولِ أحَدٍ مع قولِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وما ذَكَرْناه يَصْلُحُ أن يُخصَّصَ به عُمومُ الآيةِ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّ السَّلَبَ مِن أصْلِ الغَنِيمَةِ. وقال مالكٌ: يُحْسَبُ مِن خُمْسِ الخُمْسِ. ولَنا، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى به للقاتِل مُطْلَقًا، ولم يُنْقَلْ عنه أنَّه احْتَسَب به مِن خُمْسِ الخُمْسِ، ولأنَّه لو احْتَسَبَ به مِن خُمْسِ الخُمْسِ، احْتِيجَ إلى مَعْرِفَةِ قِيمَتِه وقَدْرِه، ولم يُنْقَلْ ذلك، ولأنَّ سَبَبَه لا يفْتَقِرُ إلى اجْتهادِ الإِمامِ، فلم يَكُنْ مِن خُمْسِ الخُمْسِ، كسَهْمِ الفارسِ والرّاجِلِ.
الفصلُ السادسُ، أنَّ القاتِلَ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ، قال الإِمامُ ذلك أو لم يَقُلْه. وبه قال الأوْزَاعِىُّ، واللَّيْثُ، والشافعىُّ، وإسْحاقُ، وأبو عُبَيْدٍ، وأبو ثَوْرٍ. وقال أبو حنيفةَ، والثَّوْرِىُّ: لا يسْتَحِقُّه إلَّا أن يَشْرُطَه الإِمامُ. وكذلك قال مالكٌ. ولم يَرَ أن يَقُولَ الإِمامُ ذلك إلَّا بعدَ انْقِضاءِ الحَرْبِ،
(1) في: باب في السلب يخمَّس، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 66. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 4/ 90، 6/ 26.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على ما تَقَدَّمَ مِن مَذْهَبِه في النَّفَلِ، وجَعَلُوا السَّلَبَ ههُنا مِن جُمْلَةِ الأنْفالِ. وقد رُوِى عن أحمدَ مثلُ قوْلِهم. وهو اخْتِيارُ أبى بكرٍ؛ لِما روَى عَوْفُ ابنُ مالكٍ، أنَّ مَدَدِيًّا اتَّبَعَهُم، فقَتَلَ عِلْجًا، فأخَذَ خالدٌ بعضَ سَلَبِه، وأعْطاهُ بعضَه، فذَكَرَ ذلك لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقال:«لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ» . رَواه سعيدٌ، وأبو داودَ (1) بمعْناه بأطْوَلَ مِن هذا. ورُوِّينا بإسْنادِهما، عن شَبْرِ بنِ عَلْقَمَةَ، قال: بارَزْتُ رجلًا يومَ القادِسِيَّةِ، فقَتَلْتُه، وأخَذْتُ سَلَبَه، فأتَيْتُ به سعدًا، فخَطَبَ سعدٌ أصحابَه، وقال: إنَّ هذا سَلَبُ شَبْرٍ، خَيْرٌ مِن اثْنَىْ عَشَرَ ألفًا، وإنَّا قد نَفَّلْناه إيَّاه (2). ولو كان حقًّا، لم يَحْتَجْ أن يُنَفِّلَه. ولأنَّ عُمَرَ أخَذَ الخُمْسَ مِن سَلَبِ البَراءِ، ولو كان حَقًّا له، لم يَجُزْ أن يأْخُذَ منه شيئًا، ولأن النبىَّ صلى الله عليه وسلم دَفَع سَلَبَ أبى قَتادَةَ إليه مِن غيرِ بَيِّنةٍ ولا يَمِينٍ. ولَنا، قولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا، فَلَهُ سَلبُهُ» . وهذا من قَضايا رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المَشْهُورَةِ، التى
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في الإمام يمنع القاتل السلب إن رأى. . .، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 65، 66. وسعيد بن منصور، في: باب النفل والسلب في الغزو والجهاد، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 260، 261.
كما أخرجه مسلم، في: باب استحقاق القاتل سلب القتيل، من كتاب الجهاد والسير. صحيح مسلم 3/ 373، 1374. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 26.
(2)
أخرجه، البيهقى، في: باب ما جاء في تخميس السلب، من كتاب قسم الفئ والغنيمة. السنن الكبرى 6/ 311. وسعيد بن منصور، في: باب النفل في الغزو والجهاد، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 258. وعبد الرزاق، في: باب السلب والمبارزة، من كتاب الجهاد. المصنف 5/ 235، 236. وابن أبى شيبة، في: باب من جعل السلب للقاتل، من كتاب الجهاد. المصنف 12/ 370، 371، 373.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَمِلَ بها الخُلفاءُ بعدَه، وأخْبارُهم التى احْتَجُّوا بها تَدُلُّ على ذلك؛ فإنَّ عَوْفَ بنَ مالكٍ احْتَجَّ على خالِدٍ حينَ أخَذَ بعضَ سَلَبِ المَدَدِىِّ، فقال له عَوْفٌ: أما تَعْلَمُ أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بالسَّلَبِ للقاتِلِ؟ قال: بلى. وقولُ عُمَرَ: إنَّا كُنَّا لا نُخَمِّسُ السَّلَبَ. يَدُلُّ على أنَّ هذه قَضِيَّةٌ عامَّةٌ في كل غَزْوَةٍ، وحُكمٌ مُسْتَمِرٌّ لكلِّ قاتلٍ، وإنَّما أمَرَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم خالِدًا أن لا يَرُدَّ على المَدَدِىِّ عُقوبةً، حينَ أغْضَبَهُ عَوْفٌ بتَقْرِيعِه خالِدًا بينَ يَدَيْه، وقولُه: قد أنْجَزْتُ لك ما ذَكَرْتُ لك مِن أمْرِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وأمَّا خَبَرُ شَبْرٍ، فإنَّما أنْفَذَ له سعدٌ ما قَضَى له به رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وسَمَّاهْ نَفَلًا؛ لأنَّه في الحَقِيقَةِ نَفَلٌ، لأنَّه زيادةٌ على سَهْمِه. وأمَّا أبو قَتادَةَ، فإنَّ خَصْمَه اعْتَرَفَ له به، وصدَّقَه، فجَرَى مَجْرَى البَيِّنَةِ، ولأنَّ السَّلَبَ مأْخُوذٌ مِن الغَنِيمَةِ بغيرِ تَقْدِيرِ الإِمامِ واجْتهادِه، فلم يَفْتَقِرْ إلى شَرْطِه، كالسَّهْمِ (1). إذا ثَبَت هذا، فإنَّ أحمدَ قال: لا يُعْجِبُنِى أن يأْخُذَ السَّلَبَ إلَّا بإذْنِ الإِمامِ. وهو قولُ الأوْزَاعِىِّ. وقال ابنُ المُنْذِرِ، والشافعىُّ: له أخْذُه بغيرِ إذْنٍ؛ لأنَّه اسْتَحَقَّه بجَعْلِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم له ذلك، ولا يَأْمَنُ إن أظْهَرَه عليه أن لا يُعْطاهُ. ووَجْهُ قولِ أحمدَ، أنَّه فِعْلٌ مُجْتَهَدٌ فيه، فلم ينْفُذْ أمرُه فيه إلَّا بإذْنِ الإِمامِ، كأخْذِ سَهْمِه. ويَحْتَمِلُ أن يَكُونَ هذا مِن أحمدَ على سبيلِ الاسْتِحْبابِ؛ ليَخْرُجَ مِن الخِلافِ، لا على سَبِيلِ الإِيجابِ. فعلى هذا، إن أخَذَه بغيرِ إذْنٍ، ترَك الفَضِيلَةَ، وله ما أخَذَه.
(1) انظر ما تقدم في صفحة 152، 159، 160.