الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنِ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ جِزْيَةُ سِنِينَ، اسْتُوفِيَتْ كُلُّهَا. وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ فِى آخِرِ الْحَوْلِ، وَيُمْتَهَنُونَ عِنْدَ أَخْذِهَا، وَيُطَالُ قِيامُهُمْ، وَتُجَرُّ
ــ
وهو قولُ أبى حنيفةَ. ورَواه أبو عُبَيْدٍ (1) عن عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ؛ لأنَّها عُقُوبَةٌ، فتَسْقُطُ بالموْتِ، كالحدودِ، ولأنَّها تسْقُطُ بالإِسلامِ، فسَقَطَتْ بالموتِ، كما قبلَ الحَوْلِ. ولَنا، أنَّه دَيْنٌ وَجَب عليه في حياتِه، فلم يسْقُطْ بمَوْتِه، كدُيونِ الآدَمِيِّين، والحدُّ إنَّما سَقَط لفَواتِ مَحِلِّه، وتَعَذُّرِ اسْتِيفائِه، بخلافِ الجِزْيَةِ. وفارَقَ الإِسلامَ؛ فإنَّه الأصْلُ، والجِزْيَةُ بَدَلٌ عنه، فإذا أتَى بالأصْلِ اسْتَغْنَى عن البَدَلِ، كمَن وَجَد الماءَ لا يحْتاجُ معه إلى التَّيَمُّمِ، بخلافِ الموتِ، ولأنَّ الإِسلامَ قُرْبَة وطاعَةٌ، يَصْلُحُ أن يكُونَ مَعاذًا مِن الجِزْيَةِ، كما ذَكَر عُمَرُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، والموتُ بخلافِه.
1515 - مسألة: (وإنِ اجْتَمَعَتْ عليه جِزْيَةُ سِنِين، اسْتُوفِيَتْ كلُّها)
ولم تَتَداخَلْ. وبهذا قال الشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: تتداخَلُ؛ لأنَّها عُقُوبَةٌ. فتتداخَلُ، كالحدودِ. ولَنا، أنَّها حَقُّ مالٍ، يَجِبُ في آخِرِ كلِّ حَوْلٍ، فلم يتداخَلْ، كالدِّيَةِ.
1516 - مسألة: (وتُؤْخَذُ الجِزْيَةُ)
مِنْهُم (في آخِرِ الحَوْلِ،
(1) في: الباب السابق، الأموال 49.
أَيْدِيهِمْ.
ــ
ويُمْتَهَنُونَ عندَ أخْذِها، ويُطالُ قِيامُهم، وتُجَرُّ أيْدِيهم) وإنَّما تُؤْخَذُ منهم في آخِرِ الحَوْلِ؛ لأنَّه مالٌ يَتَكَرَّرُ بتَكَرُّرِ الحَوْلِ، فلم يُؤْخَذْ قبلَ حَوَلانِ الحَوْلِ، كالزَّكاةِ. ويُمْتَهَنُونَ عندَ أخْذِها منهم. وهكذا ذَكَرَ أبو الخَطّابِ، ويُطالُ قِيامُهم، وتُجَرُّ أيْدِيهمِ عندَ أخْذِها؛ لقولِ اللَّهِ تعالى:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} . وقد قيل: الصَّغارُ؛ الْتِزامُ الجزْيَةِ، وجَرَيَانُ أحْكامِنا عليهم. ولا يُقْبَلُ منهم إرْسالُها، بل يَحْضُرُ الذِّمِّىُّ بنَفْسِه، ويُؤَدِّيها وهو قائِمٌ والآخِذُ جالِسٌ.
فصل: ولا يُعَذَّبُونَ في أخْذِها (1)، ولا يُشْتَطُّ (2) عليهم؛ فإنَّ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أُتِى بمالٍ كثيرٍ، قال أبو عُبَيْدٍ: أحْسَبُه مِن الجِزْيَةِ، فقال: إنِّى لأظُنُّكُمْ قد أهْلَكْتُم النّاسَ. قالُوا: لا واللَّهِ، ما أخَذْنا إلَّا عَفْوًا صَفْوًا. قال: بلا (3) سَوْطٍ ولا نَوْطٍ (4)؛ قالوا: نعم. قال: الحمدُ للَّهِ الذى لم يَجْعَلْ ذلك على يَدَىَّ، ولا في سُلْطانِى. وقدِمَ عليه سعيدُ بنُ عامرِ بنِ
(1) في حاشية الأصل: «إذا أعسروا» .
(2)
في م: «يشط» .
(3)
في م: «فلا» .
(4)
في النسخ: «بوط» . والنوط: التعليق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حِذْيَم (1)، فعَلاه عُمَرُ بالدِّرَّةِ، فقال سعيدٌ: سَبَق سَيْلُكَ مَطَرَك، إن تُعاقِبْ نَصْبِرْ، وإن تَعْفُ نَشْكُرْ، وإن تَسْتَعْتِبْ نعْتِبْ. فقال: ما على المُسْلِمِين إلَّا هذا، ما لَكَ تُبْطِئُ بالخراجِ؟ فقال: أمَرْتَنا أن لا نَزِيدَ الفلَّاحين على أربعةِ دنانيرَ، فلسْنا نَزِيدُهم على ذلك، ولكنَّا نُؤَخِّرُهم إلى غَلَّاتِهِم. فقال عُمَرُ: لا عَزَلْتُك (2) ما حَيِيتُ. رَواهما أبو عُبَيْدٍ (3). وقال: إنَّما وَجْهُ التَّأْخِيرِ إلى الغَلَّةِ الرِّفْقُ بهم. وقال: ولم نَسْمَعْ في اسْتِيداء الجِزْيَةِ والخراجِ وَقْتًا غيرَ هذا. واسْتَعْمَلَ علىُّ بنُ أبى طالبٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، رَجُلًا على عُكْبَرَى (4)، فقال له على رُءُوسِ النّاسِ: لا تَدَعَنَّ لهم
(1) في م: «خريم» .
(2)
في م: «أعزلنَّك» .
(3)
في: باب اجتباء الجزية والخراج،. . .، من كتاب سنن الفئ والخمس والصدقة،. . . الأموال 43، 44.
(4)
عكبرى: بليدة من نواحى دجيل، قرب صريفين وأوانا، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ. معجم البلدان 3/ 705.