الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْهُدْنَةِ
ــ
بَابُ الْهُدْنَةِ
ومعْناها، أن يَعْقِدَ الإِمامُ أو نائِبُه عَقْدًا على تَرْكِ القتالِ مُدَّةً، بعِوَضٍ وبغيرِ عِوَضٍ. ويُسَمَّى مُهادَنَةً ومُوادَعَةً ومُعاهَدَةً، وهى جائِزَةٌ؛ لقوْلِه تعالى:{بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (1). وقوْلِه تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} (2). ورَوَى مَرْوانُ، والمِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم صالَحَ سُهَيْلَ بنَ عمروٍ، على وَضْعِ القِتالِ عَشْرَ سِنِين (3). ولأنَّه قد يكونُ بالمسلمين ضَعْفٌ، فيُهادِنُهم حتى يَقْوَى المسلمون. وإنَّما تجوزُ للنَّظَرِ للمسلمين؛ إمَّا لضَعْفِهم عن القِتالِ، أو للطَّمَعِ في إسْلامِهم بهُدْنَتِهم، أو في أدائِهم الجزْيَةَ، أو غيرِ ذلك مِن المَصَالِحِ. وتجوزُ على غيرِ مالٍ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم صالَحَ يومَ الحُدَيْبِيَةِ على غيرِ مالٍ، وتجوزُ على مالٍ يأْخُذُه منهم، فإنَّها إذا جازَتْ
(1) سورة التوبة 1.
(2)
سورة الأنفال 61.
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب في صلح العدو، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 78. والبيهقى، في: باب الهدنة على أن يرد الإمام من جاء من بلده مسلما من المشركين، من كتاب السير. السنن الكبرى 9/ 227، 228. وانظر: تلخيص الحبير 4/ 130.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على غيرِ مالٍ، فعلى مالٍ أوْلَى. فأمَّا إن صالَحَهم على مالٍ (1) يبْذُلُه لهم، فقد أطْلَقَ أحمدُ القولَ بالمَنْعِ منه. وهو مذْهَبُ الشافعىِّ؛ لأنَّ فيه صَغارًا للمسلمين. قال شيْخُنا (2): وهذا مَحْمُولٌ على غيرِ حالِ الضَّرُورَةِ، [فأمَّا إن دَعَتْ إليه الضَّرُورَةُ](3)، مثلَ أن يخافَ على المسلمين الهَلاكَ والأسْرَ، فيجوزُ؛ لأنَّه يجوزُ للأسيرِ فِداءُ نفْسِه بالمالِ، كذا هذا، ولأنَّ بَذْلَ المالِ وإن كان صَغارًا، فإنَّه يجوزُ تحَمُّلُه لدَفْعِ صَغارٍ أعْظمَ منه، وهو القَتْلُ والأسْرُ، وسَبْىُ الذُّرِّيَّةِ الذين يُفْضِى سَبْيُهم إلى كُفْرِهم. وقد رَوَى عبدُ الرزَّاقِ (4)، في المغازِى، عن الزُّهْرِىِّ، قال: أرْسَلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى عُيَيْنَةَ بنِ حِصْنٍ، وهو مع أبى سفيانَ، يعنى يومَ الأحْزابِ:«أَرَأَيْتَ إِنْ جَعَلْتُ لَكَ ثُلُثَ تَمْرِ الأنْصَارِ، أَتَرْجِعُ بِمَنْ مَعَكَ مِنْ غَطَفَانَ، وتُخَذِّلُ بَيْنَ الأحْزَابِ؟» فأرْسَلَ إليه عُيَيْنَةُ: إنْ جَعَلْتَ لى الشَّطْرَ فَعَلْتُ. قال (5): فحدَّثَنِي ابنُ أبى نَجِيحٍ، أنَّ سعدَ بنَ مُعاذٍ، وسَعْدَ بنَ عُبادَةَ قالا: يا رسولَ اللَّهِ، واللَّهِ لقد كان يَجُرُّ سُرْمَه في الجاهليَّةِ في عامِ السَّنَةِ حَوْلَ المدِينَةِ، ما يُطِيقُ أن يَدْخُلَها، فالآنَ حينَ جاءَ اللَّهُ بالإِسلامِ، نُعْطِيهم ذلك؟ فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«فَنَعَمْ إِذًا» . ولولا أنَّ ذلك جائِزٌ، لمَا بذَلَه
(1) في م: «ما» .
(2)
في: المغنى 13/ 156.
(3)
سقط من: م.
(4)
في: باب الأحزاب وبنى قريظة، من كتاب المغازى. المصنف 5/ 367، 368.
(5)
أي: معمر بن راشد.