الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا عَقْرُ دَابَّةٍ وَلَا شَاةٍ، إِلَّا لِأَكْلٍ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ.
ــ
عن ثَوْبانَ (1). ولأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن قَتْلِ النَّحْلَةِ (2). ولأنَّه إفْسادٌ، فيَدْخُلُ في عُمومِ قولِه تعالى:{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} (3). ولأنَّه حيوانٌ ذو رُوحٍ، فلم يَجُزْ قَتْلُه لِيَغِيظَهم، كنِسائِهم وصِبْيانِهم. فأمَّا أخْذُ العَسَلِ وأكلُه فمُباحٌ، لأنَّه مِن الطَّعامِ المُباحِ. وهل يجوزُ أخْذُ الشَّهْدِ كلِّه؟ فيه رِوايتان، إحْدَاهما، لا يجوزُ، لأن فيه هَلاكَ النَّحْلِ. والثانيةُ، يجوزُ، لأنَّ هَلاكَه إنَّما يَحْصُلُ ضِمنًا غيرَ مَقْصودٍ، فأشْبَهَ قَتْلَ النِّساءِ في البَياتِ.
1396 - مسألة: (ولا)
يَجُوزُ (عَقْرُ دابَّةٍ ولا) ذَبْحُ (شاةٍ، إلَّا لأكْلٍ يُحْتاجُ إليه) أمَّا عَقْرُ دَوابِّهم في غيرِ حالِ الحربِ؛ لمُغايَظَتِهم،
(1) أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 5/ 276.
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب في قتل الذَّرِّ، من كتاب الأدب. سنن أبى داود 2/ 656. وابن ماجه، في: باب ما ينهى عن قتله، من كتاب الصيد. سنن ابن ماجه 2/ 1074. والدارمى، في: باب النهى عن قتل الضفادع والنحلة، من كتاب الأضاحى. سنن الدارمى 2/ 89. والإمام مالك، في: باب النهى عن قتل النساء والولدان في الغزو، من كتاب الجهاد. الموطأ 2/ 448. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 332، 347.
(3)
سورة البقرة 205.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والإِفْسادِ عليهم، فلا يجوزُ، سَواءٌ خِفْنا أخْذَهم لها أو لم نَخَف. وبهذا قال اللَّيْثُ، والأوْزاعِىُّ، والشافعىُّ، وأبو ثَوْرٍ. وقال أبو حنيفةَ، ومالكٌ: يجوزُ؛ لأنَّ فيه غَيْظًا لهم، وإضْعافًا لقُوَّتِهم، فأشْبَهَ قَتْلَها حالَ قِتالِهم. ولَنا، أنَّ أبا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، قال في وَصِيَّته ليزيِدَ، حينَ بعَثَه أميرًا: يا يزيدُ، لا تَقْتُلْ صَبِيًّا ولا امرأةً، ولا هَرِمًا، ولا تُخَرِّبَنَّ عامِرًا، ولا تَعْقِرَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا، ولا دَابَّةً عَجْماءَ، ولا شاةً، إلَّا لمأكَلَةٍ، ولا تُحرِّقَنَّ نَحْلًا، ولا تُغَرِّقَنَه، ولا تَغْلُل، ولا تَجْبُنْ. ولأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن قَتْلِ شئٍ مِن الدَّوابِّ صَبْرًا (1). ولأنَّه حيوانٌ ذو حُرْمَةٍ، فأشْبَهَ قَتْلَ النِّساءِ والصِّبْيانِ. فأمَّا حالُ الحَرْبِ، فيجوزُ فيها قَتْلُ المُشرِكِين كيف أمْكَنَ، بخِلافِ حالِهم إذا قُدِرَ عليهم، ولهذا جازَ قَتْلُ النِّساءِ والصِّبْيانِ في البَياتِ، وفى المَطْمُورَةِ (2)، إذا لم يتَعَمَّدْ قَتْلهم مُنْفرِدِين، بخِلافِ حالَةِ القُدْرَةِ عليهم، وقتلُ بهائِمِهم حالَ القِتالِ يتوَصَّلُ به إلى قَتْلِهم
(1) أخرجه البخارى، في: باب ما يكره من المثلة. . .، من كتاب الذبائح. صحيح البخارى 7/ 121، 122. ومسلم، في: باب النهى عن صبر البهائم، من كتاب الصيد والذبائح. صحيح مسلم 3/ 1549، 1550. وأبو داود، في: باب في النهى أن تصبر البهائم، من كتاب الأضاحى. سنن أبى داود 2/ 91. والنسائى، في: باب النهى عن المجثمة، من كتاب الضحايا، المجتبى 7/ 210. وابن ماجه، في: باب النهى عن صبر البهائم وعن المثلة، من كتاب الذبائح. سنن ابن ماجه 2/ 1063، 1064. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 94، 3/ 318، 321، 322، 329.
(2)
المطمورة: الحفيرة تحت الأرض. وهى ما يعرف اليوم بالخندق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهَزِيمَتِهم. وقد رُوِى أنَّ حَنْظَلَةَ بنَ الرّاهِبِ، عَقَر فَرَسَ أبى سفيانَ به يومَ أُحُدٍ، فرمَتْ به، فخَلَّصَه ابنُ شَعُوب (1). وليس في هذا خِلافٌ.
فصل: فأمَّا عَقْرُها للأَكْلِ، فإن كانتِ الحاجَةُ داعِيَةً إليه، ولا بُدَّ منه، فمباحٌ؛ لأنَّ الحاجَةَ تُبِيحُ مالَ المَعْصُومِ، فمالُ الكُفَّارِ أوْلَى. وإن لم تكُنِ الحاجَةُ داعِيَةً، وكان الحيوانُ لا يُرادُ إلَّا للأكلِ، كالدَّجاجِ والحَمامِ وسائِرِ الطَّيْرِ والصُّيُودِ، فحكمُه حُكْمُ الطَّعامِ، في قولِ الجميعِ؛ لأنَّه لا يُرادُ لغيرِ الأَكْلِ، وتَقِلُّ قِيمَتُه، فأشْبَهَ الطَّعامَ. وإن كان ممّا يُحْتاجُ إليه في القِتالِ، كالخيلِ، لم يَجُزْ ذَبْحُه للأَكْلِ، في قولِهم جميعًا. وإن كان غيرَ ذلك، كالبَقَرِ والغَنَمِ، لم يُبَحْ. وهذا ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ. وقال القاضى: ظاهِرُ كلامِ أحمدَ إباحَتُه؛ لأنَّ هذا الحيوانَ في بابِ الأكْلِ مثلُ الطَّعامِ، فكانَ مِثْلَه في إباحَتِه، كالطَّيْرِ. وإذا ذَبَح الحيوانَ، أكَل لَحْمَه، وليس له الانْتِفاعُ بجِلْدِه؛ لأنَّه إنَّما أبِيحَ له ما يأكُلُه دُونَ غيرِه. قال عبدُ الرحمن بنُ مُعاذٍ: كُلوا لحمَ الشاةِ، ورُدُّوا إهابَها
(1) هو الأسود بن شعوب. وذكر القصة الواقدى، في: المغازى 1/ 273. وذكر ابن حجر في: تلخيص الحبير 4/ 112، أن البيهقى ذكرها من طريق الشافعى بغير إسناد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلى المَغْنَمِ. ووَجْهُ الأوَّلِ، ما روَى سعيدٌ (1)، عن أبى الأحْوَصِ، عن سِماكِ بنِ حَرْب، عن ثَعْلَبَةَ بنِ الحَكَم، قال: أصَبْنَا غَنَمًا للعَدُوِّ، فانْتَهَبْناها، فنَصَبْنا قُدُورَنا، فمرَّ النبىُّ صلى الله عليه وسلم بالقُدُورِ وهى تَغْلِى، فَأمَرَ بها فأُكْفِئَتْ، ثم قال لهم:«إِنَّ النُّهْبَةَ لَا تَحِلُّ» . ولأنَّ هذه الحيواناتِ تَكْثُرُ قِيمَتُها، وتَشِحُّ بها أنْفُسُ الغانِمين، ويُمْكِنُ حَمْلُها إلى دارِ الإِسْلامِ، بخِلافِ الطَّيْرِ والطَّعامِ، لكنْ إن أذِنَ الأمِيرُ فيها، جازَ؛ لِما روَى عَطِيَّةُ ابنُ قَيْسٍ، قال: كُنَّا إذا خَرَجْنا في سَرِيَّةٍ فأصَبْنا غَنَمًا، نادَى مُنادِى الإِمامِ: ألَا مَن أرادَ أن يَتناوَلَ شَيْئًا مِن هذه الغَنَمِ فلْيَتَناولْ، إنَّا لا نَسْتَطِيعُ سِياقَتَها. رَواه سعيدٌ (2). وكذلك قَسْمُها؛ لِما روَى مُعاذٌ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، قال: غَزَوْنا مع النبىِّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، فأصَبْنا غَنَمًا، فقسَم بيْنَنا النبىُّ صلى الله عليه وسلم طائِفَةً، وجَعَل بَقِيَتّهَا في المَغْنَمِ. رَواه أبو داودَ (3). وروَى سعيدٌ (4)، بإسْنادِه، أنَّ رَجُلًا نَحَر جَزُورًا بأرْضِ الرُّومِ، فلمّا بَرَدَت،
(1) في: باب ما جاء في النهى عن النهبة، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 241.
كما أخرجه ابن ماجه، في: باب النهى عن النهبة: من كتاب الفتن. سنن ابن ماجه 2/ 1299. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 194، 367.
(2)
في الباب السابق. السنن 2/ 242.
(3)
في: باب في بيع الطعام إذا فضل عن الناس في أرض العدو، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 61.
(4)
في الباب السابق 2/ 241، 242.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: أَيُّها الناسُ، خُذُوا مِن لَحْمِ هذا الجَزُورِ، فقد أذِنَّا لكُم. فقال مكحولٌ: يا غَسَّانِىُّ، ألا تَأْتِينا مِن لَحْمِ هذا الجَزُورِ؟ فقال: يا أبا عبدِ اللَّهِ ألا تَرَى ما عليها مِن النُّهْبَى؟ قال مَكْحُولٌ: لا نُهْبَى في المَأْذُونِ فيه. قال شيخُنا (1): ولم يُفَرِّقْ أصْحابُنا بينَ جميعِ البهائِمِ في هذه المسألَةِ، ويَقْوَى عندِى أنَّ ما عَجَزَ المسلمون عن سياقَتِه وأخذِه، إن كان ممَّا يسْتَعِينُ به الكُفَّارُ، كالخَيْلِ، جازَ عَقْرُه وإتْلافُه؛ لأنَّه ممّا يَحْرُمُ إيصالُه إلى الكُفَّارِ بالبَيْعِ، فتَرْكُه لهم بغيرِ عِوَضٍ أوْلَى بالتَّحْرِيمِ، وإن كان ممَّا يَصْلُحُ للأَكْلِ، فللمسلمين ذَبْحُه، والأَكْلُ منه، مع الحاجَةِ وعَدَمِها، وما عدا هذَيْن القِسْمَيْن، لا يَجُوزُ إتْلافُه؛ لأنَّه مُجَرَّدُ إفْسادٍ وإتْلافٍ، وقد نَهَى النبىُّ صلى الله عليه وسلم عن ذَبْحِ الحيوانِ لغيرِ مَأْكَلَةٍ (2).
(1) في: المغنى 13/ 146.
(2)
أخرجه مالك، في: باب النهى عن قتل النساء والولدان في الغزو، من كتاب الجهاد. الموطأ 2/ 447، 448. والبيهقى، في: باب ترك قتال من لا قتال فيه من الرهبان. . .، من كتاب السير. السنن الكبرى 9/ 89، 90. وابن أبى شيبة، في: باب من ينهى عن قتله في دار الحرب، من كتاب الجهاد. المصنف 12/ 383، 384.