الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتُقْسَمُ الْجِزْيَةُ بَيْنَهُمْ؛ فَيُجْعَلُ عَلَى الْغَنِىِّ ثَمَانِيَةٌ وَأرْبَعُونَ دِرْهَمًا،
ــ
الجِزْيَةُ، فإذا وُجِدَتِ الإِفاقَةُ في بعضِ الحَوْلِ، وَجَب فيه ما يَجبُ به لو انْفَرَدَ. فعلى هذا الوَجْهِ، في أخْذِ الجِزْيَةِ وَجْهان؛ أحَدُهما، أنَّ الأيّامَ تُلَفَّقُ، فإذا بَلَغَتْ حَوْلًا، أُخِذَتْ منه؛ لأنَّ أخْذَها قبلَ ذلك أخْذٌ لجِزْيَتِه قبلَ كمالِ الحَوْلِ، فلم يَجُزْ، كالصَّحِيحِ. والثانى، يُؤْخَذُ منه في آخِرِ كلِّ حَوْلٍ بقَدْرِ ما أفاقَ منه، كما لو أفاق في بعْضِ الحوْلِ إفاقَةً مُسْتَمِرَّةً. وإن كان يُجَنُّ ثُلُثَ الحَوْلِ، ويُفِيقُ ثُلُثَيْه، أو بالعَكْسِ، ففيه الوَجْهان كما ذَكَرْنا. فإنِ اسْتَوَتْ إفاقَتُه وجُنونُه، مثلَ مَن يُجَنُّ يومًا ويُفِيقُ يومًا، أو يُجَنُّ نِصْفَ الحَوْلِ ويُفِيقُ نِصْفَه عادةً، لُفِّقَتْ إفاقَتُه؛ لأنَّه تَعَذَّرَ اعتبارُ الأغْلَبِ؛ لعَدَمِه، فتَعَيَّنَ الوَجْهُ الآخَرُ. الحالُ الثالثُ، أن يُجَنَّ نِصْفَ حَوْلٍ، ثم يُفِيقَ إفاقَةً مُسْتَمِرَّةً، أو يُفِيقَ نصفَه، ثم يُجَنَّ جُنوِنًا مُسْتَمِرًّا، فلا جِزْيَةَ عليه في الثانى، وعليه في الأوَّلِ مِن الجِزْيَةِ بقَدْرِ ما أفاقَ، كما تَقَدَّمَ.
1511 - مسألة: (وتُقْسَمُ الجِزْيَةُ بينَهم؛ فَيُجْعَلُ على الغَنِىِّ ثَمانِيَةٌ
وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَعَلَى الْفَقِيرِ اثْنَا عَشَرَ.
ــ
وأرْبَعُون دِرْهمًا، وعلى المُتَوَسِّطِ أرْبَعَةٌ وعِشْرُون، وعلى الفَقِيرِ اثْنا عَشَرَ) الكلامُ في هذه المسألَةِ في فَصْلَيْن؛ أحَدُهما، في تَقْدِيرِ الجِزْيَةِ. والثانى، في كِمِّيَّةِ مِقْدارِها. فأمّا الأوَّلُ، ففيه ثلاثُ رواياتٍ؛ إحْداهُنَّ، أنَّها مُقَدَّرَةٌ بمقْدارٍ لا يُزادُ عليه، ولا يُنْقَصُ منه. وهذا قولُ أبى حنيفةَ، والشافعىِّ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم فرَضَها مُقَدَّرَةً، بقولِه لمُعاذٍ:«خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أوْ عَدْلَهُ مَعَافِرَ» (1). وفَرَضَها عُمَرُ بمَحْضَرٍ مِن الصَّحابَةِ، فلم يُنْكَرْ، فيكُونُ إجْماعًا. والثانيةُ، أنَّها غيرُ مُقَدَّرَةٍ، بل يُرْجَعُ فيها إلى اجْتهادِ الإِمامِ في الزِّيادَةِ والنُّقْصانِ. قال الأثْرَمُ: قيل لأبى عبدِ اللَّهِ: فيُزادُ اليومَ ويُنْقَصُ؟ يعْنى مِن الجِزْيَةِ. قال: نعم، يُزادُ فيها ويُنْقَصُ، على قَدْرِ طاقَتِهم، على قَدْرِ ما يَرَى الإِمامُ. وذَكَر أنَّه زِيدَ عليهم فيما مَضَى دِرْهمانِ، فجعَلَه خمسين. قال الخَلَّالُ: العَمَلُ في قَوْلِ أبى عبدِ اللَّهِ على ما رَواه الجماعَةُ، بأنَّه لا بَأْسَ للإِمامَ أن يَزِيدَ في ذلك ويَنْقصَ، على ما رَواه عنه أصحابُه في عَشَرَةِ مَواضِعَ، فاسْتَقَرَّ قَوْلُه على ذلك. وهو قولُ
(1) تقدم تخريجه في 6/ 422.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثَّوْرِىِّ، وأبى عُبَيْدٍ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أمَر مُعاذًا أن يَأْخُذَ مِن كلِّ حالمٍ دينارًا، وصالَحَ أهْلَ نَجْرانَ على ألْفَىْ حُلَّةٍ؛ النِّصْفُ في صَفَر، والنِّصْفُ في رَجَبٍ. رَواهما أبو داودَ (1). وعُمَرُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، جَعَل الجِزْيَةَ على ثلاثِ طَبقَاتٍ؛ على الغَنِىِّ ثمانيةً وأربعين درهمًا، وعلى المُتَوَسِّطِ أربعةً وعشرين درهمًا، وعلى الفقيرِ اثْنَىْ عَشَرَ دِرْهَمًا (2). وصالَحَ بنى تَغْلِبَ على مِثْلَىْ ما على المُسْلِمِين مِن الزَّكاةِ (3). وهذا يَدُلُّ على أنَّها إلى رَأْىِ الإِمامِ، لولا ذلك لكَانَتْ على قَدْرٍ واحِدٍ في جميعِ هذه المواضِعِ ولم يَجُزْ أن يُخْتَلَفَ فيها. قال البخارىُّ (4): قال ابنُ عُيَيْنَةَ، عن ابنِ أبى نَجِيحٍ، قلتُ لمُجاهِدٍ: ما شَأْنُ أهلِ الشامِ عليهم أربعةُ دنانيرَ، وأهلُ اليَمَنِ عليهم دينارٌ؟ قال: جُعِلَ ذلك مِن أجلِ (5) اليَسارِ. ولأنَّها عِوَضٌ، فلم تَتَقَدَّرْ، كالأُجْرَةِ. والرِّوايةُ الثَّالثةُ، أنَّ أقلَّها مُقَدَّرٌ بدِينارٍ، وأكْثَرَها غيرُ مُقَدَّرٍ. وهو اخْتِيارُ أبى بكرٍ. فتَجُوزُ الزِّيادَةُ، ولا يَجُوزُ النَّقْصُ؛ لأنَّ عُمَرَ زاد على ما فَرَض رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ولم يَنْقُصْ منه.
(1) في: باب في أخذ الجزية، من كتاب الخراج والفئ والإمارة. سنن أبى داود 2/ 149.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 420.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 399.
(4)
في: باب الجزية والموادعة مع أهل الحرب، من كتاب الجزية. صحيح البخارى 4/ 117.
كما أخرجه عبد الرزاق، في: باب الجزية، من كتاب أهل الكتاب. المصنف 6/ 87.
(5)
في م: «قبل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ورُوِىَ أنَّه زاد على ثمانيةٍ وأرْبَعِين، فجَعَلَها خَمْسِين.
الفصل الثانى: أنَّنا إذا قُلْنا بالرِّوايَةِ الأُولَى، وأنَّها مُقَدَّرَةٌ، فقَدْرُها في حَقِّ المُوسِرِ ثَمانِيةٌ وأربعون دِرْهمًا، وفى حَقِّ المُتَوَسِّطِ أربعةٌ وعشرون، وفى حَقِّ الفقيرِ اثْنا عَشَرَ. وهذا قولُ أبى حنيفةَ. وقال مالكٌ: هى في حَقِّ الغَنِىِّ أربعون دِرْهمًا أو أربعةُ دنانيرَ، وفى حَقِّ الفقيرِ عَشَرَةُ دراهمَ أو دِينارٌ. ورُوِىَ ذلك عن عُمَرَ. وقال الشافعىُّ: الواجِبُ دينارٌ في حَقِّ كلِّ أحَدٍ؛ لحديثِ مُعاذٍ، إلَّا أنَّ المُسْتَحَبَّ جَعْلُها على ثلاثِ طَبَقاتٍ، كما ذَكَرْناه؛ لنَخْرُجَ مِن الخِلافِ. قالوا: وقَضاءُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم أوْلَي بالاتِّباعِ مِن غيرِه. ولَنا، حديثُ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، وهو حديثٌ لا شَكَّ في صِحَّتِه وشُهْرَتِه بينَ الصَّحابَةِ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم، وغيرِهم، ولم يُنْكِرْه مُنْكِرٌ، ولا خالَفَ فيه، وعَمِلَ به مَن بعدَه مِن الخُلَفاءِ، رَحْمَةُ اللَّهِ عليهم، فكان إجْماعًا لا يَجُوزُ الخَطَأُ عليه، وقد وافَقَ الشافعىُّ على اسْتِحْبابِ العَمَلِ به. وأمّا حديثُ معاذٍ، فلا يَخْلُو مِن وَجْهَيْن؛ أحَدُهما، أنَّه فَعَل ذلك لغَلَبَةِ الفَقْرِ عليهم، بدليلِ قولِ مُجاهِدٍ: إنَّ ذلك مِن أجْلِ اليَسارِ. والوَجْهُ الثانى، أن يكُونَ التَّقْدِيرُ غيرَ واجِبٍ، بلٍ هو مَوْكُولٌ إلى اجْتِهادِ الإِمامِ. ولأنَّ الجِزْيَةَ وجَبَتْ صَغارًا وعُقوبَةً، فتَخْتَلِفُ باخْتِلافِ أحْوالِهم، كالعُقوبَةِ في البَدَنِ؛ منهم مَن يُقْتَلُ، ومنهم مَن يُسْتَرَقُّ، ولا يَصِحُّ كوْنُها عِوَضًا عن سُكْنَى الدَّارِ؛ لأنَّها لو كانت كذلك، لوَجَبَتْ