الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنِ اتَّجَرَ حَرْبِىٌّ إِلَيْنَا، أُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ
ــ
عُمَرُ، ثم رَخَّصَ لهم أن يَأْخُذُوا مِن أثْمانِها، إذا كان أهْلُ الذِّمَّةِ المُتَوَلِّينَ لبَيْعِها. وروَى بإسْنادِه، عن سُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ، أنَّ بِلالًا قال لعُمَرَ: إنَّ عُمّالَك يأْخُذُون الخمرَ والخنازِيرَ في الخراجِ. فقال: لا تأْخُذُوه، ولكنْ وَلُّوهم بيْعَها، وخُذُوا أنتم (1) مِن الثَّمَنِ.
فصل: وإذا مَرَّ الذِّمِّىُّ بالعاشِرِ (2)، وعليه دَيْنٌ [بقَدْرِ ما معه، أو](3) يَنْقُصُ ما معه عن النِّصابِ، فظاهِرُ كلامِ أحمدَ، أنَّ ذلك يَمْنَعُ أخْذَ نِصْفِ العُشْرِ منه؛ لأنَّه حَق يُعْتَبَرُ له النِّصابُ والحَوْلُ، فمَنَعَه الدَّيْنُ، كالزَّكاةِ. فإنِ ادَّعَى الدَّيْنَ، احْتاجَ إلى بَيِّنةِ مُسْلِمَيْن. وإن مَرَّ بجارِيَةٍ، فادَّعَى أنَّها ابْنَتُه أو أخْتُه، قُبِلَ قوْلُه في إحْدَى الرِّوايَتَيْن؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ مِلْكِه. والثانيةُ، لا يُقْبَلُ؛ لأنَّها في يَدِه، أشْبَهَتِ البَهِيمَةَ، ولأنَّه تُمْكِنُه إقامَةُ البَيِّنَةِ.
1535 - مسألة: (وإنِ اتَّجَرَ حَرْبِىٌّ إلَيْنا، أُخِذَ منه العُشْرُ، ولا
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في م: «بالعشر» .
(3)
سقط من: الأصل.
دَنَانِيرَ،
ــ
يُؤْخَذُ مِن أقَلَّ مِن عَشرَةِ دَنانِيرَ) هذا قولُ أحمدَ، رحمه الله. وقال أبو حنيفةَ: لا يُؤْخَذُ منهم شئٌ، إلَّا أن يكونوا يأْخُذون مِنّا شيئًا، فنأخُذُ منهم مِثْلَه؛ لِما رُوِى عن أبى مِجْلَزٍ، قال: قالُوا لعُمَرَ: كيف نأخذُ مِن أهْلِ الحَرْبِ إذا قَدِمُوا علينا؟ قال: كيف يأخُذُون منكم إذا دَخَلْتُم إليهم؟ قالوا: العُشْرَ. قال: فكذلك خُذُوا منهم (1). وعن زِيادِ بنِ حُدَيْرٍ، قال: كُنّا لا نعْشِرُ مُسْلِمًا ولا مُعاهِدًا. قال: مَن كنْتُم تَعْشِرُون؟ قال: كُفّارَ أهلِ الحَرْبِ، نَأْخُذُ منهم كما يأخُذُون مِنّا (2). وقال الشافعىُّ: إن دَخَل إلينا لِتجارَةٍ لا يحْتاجُ إليها المُسْلِمون، لم يأْذَنْ له الإِمامُ إلَّا بعِوَضٍ يَشْرُطُه، وما شَرَطه جازَ. ويُسْتَحَبُّ أن يَشْرُطَ العُشْرَ؛ لِيُوافِقَ فِعْلَ عُمَرَ،
(1) أخرجه البيهقى، في: باب ما يأخذ من الذمى إذا اتَّجر في غير بلده، من كتاب الجزية. السنن الكبرى 9/ 210.
(2)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب صدقة أهل الكتاب، من كتاب أهل الكتاب. المصنف 6/ 99. وأبو عبيد، في: باب ذكر العاشر وصاحب المكس. . .، من كتاب الصدقة وأحكامها. الأموال 528. والبيهقى، في: الباب السابق. السنن الكبرى 9/ 211.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رَضِىَ اللَّهُ عنه. وإن أذِنَ مُطْلَقًا مِن غيرِ شَرْطٍ، فالمَذْهَبُ أنَّه لا يُؤْخَذُ منهم شئٌ؛ لأنَّه أمان مِن غيرِ شَرْطٍ، فلم يُسْتَحَقَّ به شئٌ، كالهُدْنَةِ. ويَحْتَمِلُ أن يَجبَ العُشْرُ؛ لأنَّ عُمَرَ أخَذَه. ولَنا، ما رَوَيْناه في المسألةِ التى قبلَها، ولأَنَّ عُمَرَ أخَذَ منهم العُشْرَ، واشْتَهَر ذلك فيما بينَ الصحابَةِ، وعَمِلَ به الخلفاءُ بعدَه، والأئِمَّةُ في كلِّ عصرٍ، مِن غيرِ نَكِيرٍ، فأىُّ إجْماعٍ يكونُ أقْوَى مِن هذا؟ ولم يُنْقَلْ عنه أنَّه شَرَط عليهم ذلك عندَ دُخُولِهم، ولا يثْبُتُ ذلك بالظَّنِّ مِن غيرِ نَقْلٍ، ولأنَّ مُطْلَقَ الأمْرِ يُحْمَلُ على المَعْهُودِ في الشَّرْعِ، وقد اشْتَهَرَ أخْذُ العُشْرِ منهم في زَمَنِ الخلفاء الرَّاشدين، فيجِبُ أخْذُه. فأمّا سؤالُ عُمَرَ عَما يأْخُذُون مِنّا، فإنَّما كان لأَنَّهم سألُوا عن كيْفِيَّةِ الأخْذِ ومِقْدارِه، ثم اسْتَمَرَّ الأخْذُ مِن غيرِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سؤالٍ، ولو تقَيَّدَ أخْذُنا منهم بأخْذِهم مِنّا، لوَجَبَ أن يُسْأَلَ عنه في كلِّ وقْتٍ.
فصل: ويُؤْخَذُ منهم العُشْرُ في كلِّ مالٍ للتِّجارَةِ، في ظاهِر كلامِه ههُنا. وهو ظاهِرُ قَوْلِ الخِرَقِىِّ. وقال القاضى: إن دَخَلُوا في نَقْلِ مِيرَةٍ بالنّاسِ إليها حاجَةٌ، أُذِنَ لهم في الدُّخولِ بغيرِ عُشْرٍ. وهو قولُ الشافعىِّ؛ لأنَّ في دُخُولِهم نَفْعَ المسلمين. ولَنا، عُمومُ ما رَوَيْناه. وقد روَى صالِحٌ، عن أبيه، عن عبدِ الرحمنِ بنِ مَهْدِىٍّ، عن الزُّهْرِىِّ، عن سالمٍ، عن أبيه، عن عُمَرَ، أنَّه كان يَأخذُ مِن النَّبَطَ مِن القُطْنِيَّةِ (1) العُشْرَ، ومِن الحِنْطَةِ والزَّبِيبِ نِصْفَ العُشْرِ؛ ليَكْثُرَ الحِمْلُ إلى المدينةِ (2). فعلى هذا، يَجُوزُ للإِمامِ التَّخْفِيف عنهم إذا رَأى المَصْلَحَةَ فيه، وله التَّرْكُ أيضًا إذا رَأَى المَصْلَحَةَ؛ لأنَّه فَىْءٌ، فمَلَكَ تَخْفِيفَه وتَرْكَه، كالخَراجِ.
(1) القطنية: الحبوب التى تطبخ.
(2)
أخرجه الإمام مالك، في: باب عشور أهل الذمة، عن كتاب الزكاة. الموطأ 1/ 281. والبيهقى، في: باب ما يؤخذ من الذمى إذا اتجر في غير بلده، من كتاب الجزية. السنن الكبرى 9/ 210. وعبد الرزاق، في: باب صدقة أهل الكتاب، عن كتاب أهل الكتاب. المصنف 6/ 99.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ويُؤْخَذُ العُشْرُ مِن كلِّ حَرْبِىٍّ تاجِرٍ، ونصْفُ العُشْرِ مِن كلِّ ذِمِّىٍّ تاجرٍ، ذَكرًا كان أو أُنْثَى، صغيرًا أو كبيرًا. وقال القاضى: ليس على المرأَةِ عُشْرٌ ولا نِصْفُ عُشْرِ، سواءٌ كانت حَرْبِيَّةً أو ذِمِّيَّةً، لكن إن دَخَلَتِ الحجازَ عُشِرَتْ؛ لأنَّها ممْنُوعَةٌ مِن الإِقامَةِ به. قال شيْخُنا (1): ولا يُعْرَفُ هذا التَّفْصِيلُ عن أحمدَ، ولا يَقْتَضِيه مَذْهَبُه؛ لأنَّه يُوجِبُ الصَّدَقَةَ في أمْوالِ نِساءِ بنى تَغْلِبَ وصِبْيانِهم، فكذلك يُوجِبُ العُشْرَ ونِصْفَه في مالِ النِّساءِ، وعُمومُ الأحادِيثِ المَرْوِيَّةِ ليس فيها تَخْصِيصٌ للرِّجالِ دُونَ النِّساءِ، وليس هذا بجِزْيَةٍ، إنَّما هو حَقٌّ يخْتَصّ بمالِ التِّجارَةِ، لتَوَسُّعِه في دارِ الإِسلامِ، وانْتِفاعِه بالتجارَةِ فيه، فيَستَوِى فيه الذَّكَرُ والأُنثَى، كالزَّكاةِ في حَقِّ المسلمين.
(1) في: المغنى 13/ 235.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: واخْتلفَتِ الرِّوايَةُ في القَدْرِ الذى يُؤْخَذُ منه العُشْرُ ونِصْفُ العُشْرِ، فروَى صالِحٌ عنه في نِصْفِ العُشْرِ، مِن كلِّ عشرين دِينارًا دِينارٌ. يعنى فإذا نَقَصَتْ عن العشرين فليس عليه شئٌ؛ لأنَّ ما دُونَ النِّصابِ لا يَجِبُ فيه زَكاةٌ على مسلمٍ، ولا على تَغْلِبىٍّ، فلا يَجِبُ على ذِمِّىٍّ، كالذى دُونَ العَشَرَةِ. وروَى صالِحٌ أيضًا، أنَّه قال: إذا مَرُّوا بالعاشِرِ، فإن كانوا أهْلَ الحَرْبِ، أخَذَ منهم العُشْرَ؛ مِن العَشَرَةِ واحدًا، فإن كانُوا مِن أهْلِ الذِّمَّةِ، أخَذَ منهم نِصْفَ العُشْرِ؛ مِنِ كلِّ عشرين دِينارًا دينارًا فإذا نَقَصَتْ فليس عليه شئٌ. وإن نقَص مالُ الحَرْبِىِّ عن عَشَرَةِ دَنانيرَ، لم يُؤْخَذْ منه شئٌ، ولا يُؤْخَذُ منهم إلَّا مَرَّةً واحدةً؛ المُسْلِمُ والذِّمِّىُّ في ذلك سواءٌ. ورُوِىَ عن أحمدَ، أنَّ في العَشَرَةِ نصف مِثْقالٍ، وليس فيما دُونَ العَشَرَةِ شئٌ. نَصَّ عليه في روايَةِ أبى الحارثِ، قال: قلتُ: إذا كان مع الذِّمِّىِّ عَشَرَةُ دنانيرَ؟ قال: نأْخُذُ منه نِصْفَ دِينارٍ. قلتُ: فإنْ كان معه أقَل مِن عَشَرَةِ دنانيرَ؟ قال: إذا نَقَصَتْ لم يُؤْخَذْ منه شئٌ. وذلك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّ العَشَرَةَ مالٌ يبْلُغُ واجبُه نصفَ دِينارٍ، فوَجَبَ فيه، كالعشرين في حَقِّ المُسْلِمِ. ولأنَّه مالٌ معْشُورٌ، فوَجَبَ في العَشَرَةِ منه، كمالِ الحْرْبِىِّ. وقال ابنُ حامِدٍ: يُؤْخَذُ عُشْرُ الحَرْبِىِّ، ونصف عُشْرِ الذِّمِّىِّ، من كلِّ مالٍ، قَلَّ أو كَثُرَ؛ لأنَّ عُمَرَ قال: خُذْ مِن كلِّ عشرين دِرْهَمًا دِرْهمًا. ولأنَّه حَقٌّ عليه، فوَجَبَ في قَلِيله وكثيرِه، كنَصِيبِ (1) المالكِ في أرْضه التى عامَلَه عليها. ولَنا، أنَّه عُشْرٌ ونصفُ عُشْرٍ وَجَب بالشَّرْعِ، فاعْتُبِرَ له نِصابٌ، كزكاةِ الزَّرْعِ والثَّمَرِ (2)، ولأنَّه حَقٌّ يَتَقَدَّرُ بالحَوْلِ، فاعْتُبِرَ له النِّصابُ، كالزَّكاةِ. وأمّا قولُ عُمَرَ، فالمُرادُ به، واللَّهُ أعلمُ، بيانُ قَدْرِ المَأْخُوذِ، وأنَّه نِصفُ العُشْرِ، ومَعْناه: إذا كان معه عَشَرَةُ دنانيرَ فخُذْ مِن كلِّ عشرين دِرْهمًا دِرهمًا؛ لأنَّ في صَدْرِ الحدِيثِ أنَّ عُمَرَ بَعث (3)
(1) ف م: «نصيب» .
(2)
في م: «الثمرة» .
(3)
في م: «أمر» .