الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإذَا أَرَادَ الْقِسْمَةَ، بَدَأ بِالْأَسْلَابِ فَدَفَعَهَا إِلَى أَهلِهَا، ثُمَّ أَخْرَجَ أُجْرَةَ الَّذِينَ جَمَعُوا الْغَنِيمَةَ، وَحَمَلُوهَا، وَحَفِظُوهَا.
ثُمَّ يُخَمِّسُ الْبَاقِىَ، فَيَقْسِمُ خُمْسَهُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ؛ سَهْمٌ لِلَّهِ
ــ
وأقامُوا في مَوْضِعِ خَوْفٍ، أسْهَمَ لهم. وقال في قوم خَلَّفَهم الأمِيرُ، وأغارَ في جَلْدِ الخيْلِ، فقالَ: إن أقامُوا في بلدِ العَدُوِّ حتى رَجَع، أسْهَمَ لهم، وإن رجَعُوا حتى صارُوا إلى مَأْمَنِهم، فلا شئَ لهم. قيل له: فإنِ اعْتَلَّ رجلٌ، أو اعْتَلَّتْ دابَّتُه وقد أدْرَبَ (1)، فقال له الأمِيرُ: أقِمْ أُسْهِمْ لك، أو انْصَرِفْ إلى أهْلِك أُسْهِمْ لك. فكَرِهَه. وقال: هذا يَنْصَرِفُ إلى أهْلِه، فكيفَ يُسْهِمُ له!
1445 - مسألة: (وإذا أرادَ القِسْمَةَ، بَدَأ بالأسْلابِ فدَفَعَها إلى أهْلِها)
وإن كان فيها مالٌ لمُسْلِم أو لذِمِّىٍّ دُفِع إليه؛ لأنَّ صاحِبَه مُتَعَيِّنٌ، ولأنَّه اسْتَحَقَّه بسَبَبٍ سابِقٍ، ثم بمُؤْنَةِ الغَنِيمَةِ؛ مِن أُجْرَةِ النَّقّالِ والجَمّالِ والحافِظِ والمُخَزِّنِ والحايسبِ؛ لأنَّه لمَصْلَحَةِ الغَنِيمَةِ، ثم بالرَّضْخِ في أحَدِ الوَجْهَيْن؛ لأنَّه اسْتَحَقَّ بالمُعاونَةِ في تحْصِيلِ الغَنِيمَةِ، أشْبَهَ أُجْرَةَ النَّقّالِينَ والحافِظينَ. وفى الآخَرِ، يَبْدَأُ بالخُمْسِ قبلَه؛ لأنَّه اسْتَحَقَّ بحُضُورِ الوَقْعَةِ، فأشْبَهَ سِهامَ الغانِمِين. وهذا أقْيَسُ. وللشافعىِّ فيه (2) قَوْلان، كالرِّوايَتَيْن.
1446 - مسألة: (ثم يُخَمِّسُ الباقىَ، فيَقْسِمُ خمْسَه على خَمْسَةِ
(1) أدرب: اجتاز الدرب للقتال.
(2)
سقط من: م.
تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْفَىْءِ، وَسَهْمٌ لِذَوِى الْقُرْبَى؛ وَهُمْ بَنُو هَاشمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ حَيْث كَانُوا، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، غَنِيُّهُمْ وَفقِيرُهُمْ فِيهِ سَواءٌ، وَسَهْمٌ لِلْيَتَامَى الْفُقَرَاءِ، وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٌ لأَبْنَاءِ السَّبِيلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
ــ
أسْهُمٍ؛ سَهْمٌ للَّهِ تعالى ولرسولِه صلى الله عليه وسلم، يُصْرَفُ مَصْرِفَ الفَىْءِ، وسَهْمٌ لِذَوِى القُرْبَى، وهم بَنُو هاشِمٍ وبنو المُطَّلِبِ حيث كانُوا، لِلذَّكرِ مثلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، غَنِيُّهم وفَقِيرُهم فيه سَواءٌ، وسَهْمٌ لليَتامَى الفُقَراءِ، وسَهْمٌ للمَساكِينِ، وسَهْمٌ لأبْناءِ السَّبِيلِ مِن المُسْلِمِين) لا خِلافَ بينَ أهْلِ العِلْمِ، في أنَّ الغَنِيمَةَ مخْمُوسَةٌ بقولِه تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} (1) الآية. لكن اخْتُلِفَ في أشْياءَ؛ منها سَلَبُ القاتِلِ، والأكْثَرون على أنَّه مَخْمُوسٌ. ومنها إذا قال الإِمامُ: مَن جاءَ بعَشَرَةِ رُءُوسٍ فلَه رَأْسٌ، ومَن طَلَع الحِصْنَ فلَه كذا. والظاهِرُ أنَّ هذا غيرُ مَخْمُوسٍ؛ لأنَّه في معنى السَّلَبِ، وقد ذَكَرْنا الاخْتِلافَ في السَّلَبِ. ومنها إذا قال الإِمامُ: مَن أخَذَ شيئًا فهو له. وقُلْنا بجَوازِ ذلك. فقد قِيلَ: لا خُمْسَ فيه؛ لأنَّه في معنى ما قَبْلَه. قال شيْخُنا (2): والصَّحِيحُ أنَّ
(1) سورة الأنفال 41.
(2)
في: المغنى 9/ 286.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الخُمسَ لا يَسْقُطُ ههُنا، لدُخُولِه في عُمُومِ الآيةِ، وليس هو في معنى السَّلَبِ والنَّفَلِ، لأنَّ تَرْكَ تَخْمِيسِها لا يُسْقِطُ خُمْسَ الغَنِيمَةِ بالكُلِّيَّةِ، وهذا يُسْقِطُه بالكُلِّيَّةِ، فلا يكونُ تَخْصِيصًا للآيةِ بل نَسْخًا لحُكْمِها، ونَسْخُها بالقِياسِ غيرُ جائزٍ اتِّفاقًا. ومنها، إن دَخَل قَوْمٌ لا مَنَعَةَ لهم دارَ الحَرْبِ، فغَنِمُوا بغيرِ إذْنِ الإِمامِ. وقد ذَكَرْناه.
فصل: والخُمْسُ مَقْسُومٌ على خَمْسةِ أسْهُمٍ كما ذَكَرْنا ههُنا. وبه قال عَطاءٌ، ومُجاهدٌ، والشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، وقتادَةُ، وابنُ جُرَيْجٍ، والشافعىُّ. وقيل: يُقْسَمُ على سِتَّةِ أسْهُمٍ، سهْمٌ للَّهِ تعالى، وسهْمٌ لرسولِه؛ لظاهرِ قولِه تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} . فعَدَّ سِتَّةً، وجَعَل اللَّه تعالى لنَفْسِه سَهْمًا سادِسًا، وهو مَرْدُودٌ على عِبادِ اللَّه أهْلِ الحاجَةِ. وقال أبو العالِيَةِ: سَهْمُ اللَّهِ عز وجل هو أنَّه إذا عَزَل الخُمْسَ ضَرَب بيَدِه فيه، فما قَبَض عليه مِن شئٍ جَعَلَه للكَعْبَةِ، فهو الذى سَمَّى اللَّه، لا تَجْعَلُوا للَّهِ نَصِيبًا، فإنَّ للَّهِ الدُّنْيا والآخرةَ، ثم يُقَسِّمُ بَقِيَّةَ السَّهْمِ الذى عَزَلَه على خَمْسَةِ أسْهُمٍ. ورُوِىَ عن الحسَنِ، وقَتادَةَ، في سَهْمِ ذَوِى القُرْبَى: كانتْ طُعْمَةً لرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في حياتِه، فلما تُوُفِّىَ حَمَل عليه أبو بكرٍ وعُمَرُ في سبيلِ اللَّه (1). وروَى ابنُ عباسٍ،
(1) أخرجه البيهقى، في: باب سهم ذوى القربى من الخمس، من كتاب قسم الفئ والغنيمة. السنن الكبرى 6/ 342، 343. وعبد الرزاق، في: باب ذكر الخمس وسهم ذوى القربى، من كتاب الجهاد. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنَّ أبا بكرِ وعُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما، قَسَّما الخُمْسَ على ثلاثةِ أسْهُمٍ (1). وهو قولُ أصحابِ الرَّأْى، قالوا: يُقَسَّمُ الخُمْسُ على ثلاثةٍ؛ اليَتامَى، والمساكِينِ، وابنِ السَّبيلِ. وأسْقَطُوا سَهْمَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بمَوْتِه، وسَهْمَ قرابَتِه أيضًا. وقال مالكٌ: الفَىْءُ والخُمْسُ واحِدٌ، يُجْعَلان في بَيْتِ المالِ. قال ابنُ القاسمِ: وبَلَغَنى عَمَّن أثِقُ به، أنَّ مالِكًا قال: يُعْطِى الإِمامُ أقْرِباءَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على ما يَرَى. وقال الثَّوْرِىُّ: الخُمْسُ يَضَعُه الإِمامُ حيثُ أراه اللَّهُ. ولَنا، قولُه تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} . وسَهْمُ اللَّهِ والرَّسولِ واحِدٌ. كذا قال عطاءٌ، والشعبىُّ. وقال الحسنُ بنُ محمدِ ابنِ الحَنَفِيَّةِ (2) وغيرُه: قولُه: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} . افْتِتاحُ كلامٍ. يَعْنِى أنَّ ذِكْرَ اللَّهِ تعالى لافْتِتاحِ الكلامِ باسْمِه، تَبَرُّكًا به، لا لإِفْرادِه بسَهْمٍ، فإنَّ للَّه تِعالى الدُّنْيا والآخِرَةَ. وقد رُوِى عن ابنِ عُمَرَ، وابنِ عباسٍ، قالا: كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَسِّمُ الخُمْسَ على
= المصنف 5/ 238، 239. كلاهما عن الحسن. والطبرى في تفسير سورة الأنفال، الآية رقم 41. تفسير الطبرى 10/ 6، 7. عن الحسن وقتادة.
(1)
انظر نصب الراية، في كتاب السير 3/ 424. والطبرى، في: باب تفسير سورة الأنفال، الآية رقم 41، تفسير الطبرى 10/ 7. عن أبى بكر.
(2)
الحسن بن محمد ابن الحنفية الهاشمى العلوى، كان من عقلاء بنى هاشم وعلمائهم. توفى سنة إحدى ومائة. وقيل: في سنة خمس وتسعين. العبر 1/ 122.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
خَمْسَةٍ (1). وما ذَكَرَه أبو العاليَةِ فشَئٌ لا يَدُلُّ عليه رَأْىٌ ولا يَقْتَضِيه قِياسٌ، فلا يُصارُ إليه إلَّا بنَصٍّ صَحِيحٍ، ولا نَعْلَمُ في ذلك أثَرًا صحِيحًا، سِوَى قولِه، فلا يُتْرَكُ ظاهِرُ النَّصِّ وقولُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وفِعْلُه مِن أجْلِ قولِ أبى العالِيَةِ، وما قالَه أبو حنيفةَ، فمُخالِفٌ لظاهِرِ الآيةِ؛ فإنَّ اللَّهَ تعالى سَمَّى لرَسُولِه وقَرابَتِه شيئًا، وجَعَل لهما في الخُمْسِ حَقًّا، كما سَمَّى للثَّلاثةِ الأصْنافِ الباقِيَةِ، فمَن خالفَ ذلك، فقد خالفَ نَصَّ الكتابِ. وأمَّا حَمْلُ أبى بكرٍ وعُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما، سَهْمَ ذِى القُرْبَى في سبيلِ اللَّهِ، فقد ذُكِرَ لأحمدَ، فسَكَتَ، ولم يذْهَبْ إليه، ورَأَى أنَّ قولَ ابنِ عباس ومَن وافَقَه أوْلَى؛ لمُوافَقَتِه كتابَ اللَّهِ وسُنَّةَ رسولِه صلى الله عليه وسلم، فإنَّ ابنَ عباس لمّا سُئِلَ عن سَهْمِ ذِى القُرْبَى، فقال: إنَّا كُنَّا نَزْعُمُ أنَّه لنا، فأبَى ذلك علينا قَوْمُنا (2). ولَعَلَّه أرادَ بقولِه: أبَى ذلك علينا قوْمُنا. فِعْلَ أبى بكرٍ وعُمَرَ، في حَمْلِهما عليه في سبيلِ اللَّهِ، ومَن تَبِعَهما على ذلك. ومتى اخْتَلَفَ الصَّحابَةُ، وكان قولُ بعضِهم يُوافِقُ الكتابَ والسُّنَّةَ، كان أوْلَى. وقولُ ابنِ عباس مُوافِقٌ للكتابِ والسُّنَّةِ؛ فإنَّ جُبَيْرَ بِنَ مُطْعِمٍ روَى أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لم يَقْسِمْ لبَنى عبدِ شَمْسٍ ولا لِبَنِى نوْفَلٍ مِن
(1) أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 2/ 71. عن ابن عمر. والبيهقى، في: باب بيان مصرف الغنيمة في ابتداء الإسلام. . .، من كتاب قسم الفئ والغنيمة. السنن الكبرى 6/ 293. عن ابن عباس.
(2)
أخرجه البيهقى، في: باب سهم ذى القربى من الخمس، من كتاب قسم الفئ والغنيمة. السنن الكبرى 6/ 345.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الخُمْسِ شيئًا كما كان يَقْسِمُ لِبَنِى هاشِمٍ وبَنِى المُطَّلِبِ، وأنَّ أبا بكرٍ كان يَقْسِمُ الخُمْسَ نحوَ قَسْمِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، غيرَ أنَّه لم يَكُنْ يُعْطِى قُرْبَى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كما كان يُعطِيهِم، وكان عُمَرُ يُعْطِيهم وعثمانُ مِن بَعْدِه. رَواه أحمدُ، في «مُسْنَدِهِ» (1). وقد تُكُلِّمَ في رِوايَةِ ابنِ عباسٍ عن أبى بكرٍ وعُمَرَ، أنَّهما حَمَلا على سَهْمِ ذِى القُرْبَى في سبيلِ اللَّهِ، فقِيلَ: إنَّه يَرْوِيه محمدُ بنُ مَرْوانَ، وهو ضَعِيفٌ، عن الكَلْبِىِّ، وهو ضَعِيفٌ أيضًا، ولا يَصِحُّ عندَ أهلِ النَّقْلِ. فإن قالوا: فالنبىُّ صلى الله عليه وسلم ليس بباقٍ، فكيف يَبْقَى سَهْمُه؟ قُلْنا: جِهَةُ صَرْفِه إلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم مَصْلحَةُ المسلمين، والمصالِحُ باقِيَةٌ، قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا يَحِلُّ لِى مِمَّا أفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَلَا مِثْلُ هذِهِ، إلَّا الخُمْسَ، وَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ» . رَواه سعيدٌ (2).
فصل: فسَهْمُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصْرَفُ في مصالِحِ المُسْلِمِين؛ لِما روَى جُبَيْرُ بنُ مُطْعِمٍ، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَناوَلَ بيَدِه وبَرَةً مِن بعيرٍ، ثم قال:«وَالَّذِى نفْسِى بِيَدِه مَا لِى مِمَّا أفَاءَ اللَّهُ إِلَّا الخُمْسَ، والخُمْسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ» . فجَعَلَه لجميعِ المسلمين، ولا يُمْكِنُ صَرْفُه إلى جَمِيعِهم
(1) المسند 4/ 83.
وانظر ما تقدم في 7/ 307 وما بعدها.
(2)
في: باب ما جاء في قسمة الغنائم، من كتاب الجهاد. سنن سعيد بن منصور 2/ 276.
كما أخرجه أبو داود، في: باب فداء الأسير بالمال، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 57. والنسائى، في: كتاب قسم الفئ. المجتبى 7/ 119. والإمام مالك، في: باب ما جاء في الغلول، من كتاب الجهاد. الموطأ 2/ 458. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 127، 128، 5/ 316، 319، 326.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلَّا بصَرْفِه في مصالِحِهم؛ مِن سَدِّ الثُّغُورِ، وكفايَةِ أهْلِها، وشِراء الكُراعِ والسِّلاحِ، ثم الأهَمِّ فالأهَمِّ، على ما نَذْكُرُه في الفَئِ إن شاءَ اللَّهُ تعالى. ونحوُه قولُ الشافعىِّ، فإنَّه قال: أخْتارُ أن يضَعَه الإِمامُ في كلِّ أمْرٍ خصَّ به الإِسْلامُ وأهلُه؛ مِن سَدِّ ثَغْرٍ، وإعدادِ كُراعٍ وسِلاحٍ، وإعْطائِه أهْلَ البلاءِ في الإِسْلامِ نَفَلًا عندَ الحربِ وغيرِ الحربِ. وعن أحمدَ، أنَّ سَهْمَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم يَخْتَصُّ بأهْلِ الدِّيوانِ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَحَقَّه بحُصُولِ النُّصْرَةِ، فيكُونُ لمَن يَقُومُ مَقامَه في النُّصْرَةِ. وعنه، أنَّه يُصْرَفُ في الكُراعِ والسِّلاحِ؛ لأنَّ ذلك يُرْوَى عن أبى بكرٍ وعُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما. وهذا السَّهْمُ كان لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِن الغنيمَةِ، حَضَر أو لم يَحْضُرْ، كما أنَّ بَقِيَّةَ أصحابِ الخُمْسِ يَسْتَحِقُّون وإن لم يَحْضُروا. وكان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ به ما شاءَ، فلمّا تُوُفِّىَ وَلِيَه أبو بكرٍ، ولم يَسْقُطْ بمَوْتِه. وقد قيلَ: إنَّما أضافَه اللَّهُ تعالى إلى نَفْسِه وإلى رَسُولِه؛ لِيُعْلَمَ أنَّ جِهَتَه جهةُ المَصْلَحَةِ، وأنَّه ليس بمُخْتَصٍّ بالنبىِّ صلى الله عليه وسلم فيَسْقُطَ بمَوْتِه. وقد زَعَم قَوْم أنَّه سَقَط بمَوْتِه ويُرَدُّ على الأنْصِباءِ الباقِيَةِ مِن الخُمْسِ؛ لأنَّهم شُركاؤُه. وقال آخَرُونَ: بل يُرَدُّ على الغانِمِينَ؛ لأنَّهم اسْتَحَلُّوها بقِتالِهم، وجَرَتْ (1) منها سِهامٌ، منها سَهْمُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ما دامَ حَيًّا، فلمّا مات وَجَب رَدُّه إلى مَن وُجِدَ فيه سَبَبُ الاسْتِحْقاقِ، كما أنَّ تَرِكَةَ المَيِّتِ إذا خرَج منها سَهْمٌ بوَصِيَّةٍ، ثم بَطَلَتِ الوَصِيَّةُ، رُدَّ إلى التَّرِكَةِ. وقالتْ
(1) في م: «حرمت» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
طائفةٌ: هو للخَلِيفَةِ بعدَه؛ لأنَّ أبا بكر، رَضِىَ اللَّهُ عنه، روَى عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«إِذَا أطْعَمَ اللَّه نَبِيًّا طُعْمَةً، ثُمَّ قَبَضَه، فَهِىَ لِلَّذِى يَقُومُ بِهَا مِنْ بَعْدِه» . وقد رأَيْتُ أنْ أرُدَّه على المسلمين (1). والصَّحِيحُ أنَّه باقٍ، وأنَّه يُصْرَفُ في مصالِحِ المُسْلِمِين، لكنَّ الإِمامَ يقُومُ مَقامَ النبىِّ صلى الله عليه وسلم في صَرْفِه فيما يَرَى، فإنَّ أبا بكر، رَضِىَ اللَّهُ عنه، قال: لا أدَعُ أمْرًا رَأَيْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُه فيه إلَّا صَنَعْتُه. مُتَّفَقٌ عليه (2). واتَّفَقَ هو وعُمَرُ والصحابةُ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم، على وضْعِه في الخَيْلِ والعُدَّةِ في سبيلِ اللَّهِ. هكذا رُوِىَ عن الحسنِ بنِ محمدِ ابنِ الحَنَفيَّةِ.
فصل: وكان لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِن المَغْنَمِ الصَّفِىُّ، وهو شئٌ يخْتارُه مِن المَغْنَمِ قبلَ القِسْمَةِ، كالجارِيَةِ والعَبْدِ والثَّوْبِ والسَّيْفِ ونحوِه. هذا قولُ محمدِ بنِ سِيرِينَ، والشعبىِّ، وقتادَةَ، وغيرِهم مِن أهْلِ العِلْمِ. وقال أكْثَرُهم: إنَّ ذلك انْقَطَعَ بمَوْتِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم. قال أحمدُ: الصَّفِىُّ إنَّما كان للنبىِّ صلى الله عليه وسلم خاصًّا، لم يَبْقَ بعدَه. ولا نَعْلَمُ مُخالِفًا لهذا إلَّا أبا ثَوْرٍ،
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في صفايا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الأموال، من كتاب الإمارة. سنن أبى داود 2/ 130. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 4.
(2)
أخرجه البخارى، في: باب غزوة خيبر، من كتاب المغازى، وفى: باب قول النبى صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا صدقة. من كتاب الفرائض. صحيح البخارى 5/ 178، 8/ 185. ومسلم، في: باب قول النبى صلى الله عليه وسلم: ولا نورث ما تركنا فهو صدقة. من كتاب الجهاد. صحيح مسلم 3/ 1380، 1381.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 1/ 4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإنَّه قال: إن كان الصَّفِىُّ ثابِتًا للنبىِّ صلى الله عليه وسلم، فللإِمامِ أن يَأْخُذَه على نَحْوِ ماكان يأْخُذُه النبىُّ صلى الله عليه وسلم، ويَجْعَلَه مجْعَلَ سَهْمِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم مِن خُمْسِ الخُمْسِ. فجَمَعَ بينَ الشَّكِّ فيه في حَياةِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، ومُخالَفَةِ الإِجْماعِ في إبْقائِه بعدَ مَوْتِه. قال ابنُ المُنْذِرِ: لا أعْلَمُ أحدًا سَبَق أبا ثَوْرٍ إلى هذا القولِ. وقد أنْكَرَ قَوْمٌ كَوْنَ الصَّفِىِّ لرسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، واحْتَجُّوا بحديثِ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ. وقد روَى أبو داودَ (1) بإسْنادِه (2) عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم نحوَه. ولأنَّ اللَّهَ تعالى قال:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} (3). فمَفْهُومُه أنَّ باقِيَها للغانِمِين. ولَنا، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كَتَب إلى بَنِى زُهَيْرِ بن أُقَيْشٍ (4):«إِنَّكُمْ إِنْ شَهِدْتُمْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَآتيْتُمُ الزَّكَاةَ، وَأدَّيْتُمُ الخُمْسَ مِنَ المَغْنَمِ، وسَهْمَ الصَّفِىِّ، إِنَّكُمْ آمِنُونَ بأَمَانِ اللَّهِ ورَسُولِهِ» . رَواه أبو داودَ (5). وفى حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ القَيْسِ، الذى رَواه ابنُ عباسٍ:«وَأَنْ تُعْطُوا سَهْمَ النبىِّ صلى الله عليه وسلم والصَّفِىِّ» (6). وقالت عائشةُ، رَضِىَ اللَّهُ عنها: كانت صَفِيَّة مِن
(1) في: باب في الإمام يستأثر بشئ من الفئ. . .، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 74، 75. من رواية عمرو بن عبسة. كما أخرجه النسائى، في: كتاب قسم الفئ. المجتبى 7/ 119. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 318، 319. من رواية أبى أمامة.
(2)
بعده في الأصل: «عند أبى أمامة» .
(3)
سورة الأنفال 41.
(4)
في النسخ: «قيس» . والتصويب من سنن أبى داود.
(5)
في: باب ما جاء في سهم الصفى، من كتاب الإمارة. سنن أبى داود 2/ 138.
كما أخرجه النسائى، في: كتاب قسم الفئ. المجتبى 7/ 121. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 78، 363.
(6)
أخرجه البيهقى، في: باب سهم الصفى، من كتاب قسم الفئ والغنيمة. السنن الكبرى 6/ 303.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصَّفِىِّ. رَواه أبو داودَ (1). وأمّا انْقِطاعُه بعدَ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فثابِتٌ بإجْماعِ الأمَّةِ قبلَ أبى ثَوْرٍ وبعدَه، وكَوْنِ الخُلفاءِ الرّاشِدين ومَن بعدَهم لم يَأْخُذُوه، ولا يُجْمِعُون إلَّا على الحَقِّ.
فصل: والسَّهْمُ الثانى لذِى القُرْبَى، وهم بنُو هاشم وبنو المُطَّلِبِ حيثُ كانوا، غَنِيُّهم وفَقِيرُهم فيه سواءٌ، للذَّكَرِ مثلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْن، وسَهْمُ ذَوِى القُرْبَى ثابِتٌ بعدَ مَوْتِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم، وقد ذَكَرْنا ذلك، والخلافَ فيه، وقد دَلَّ عليه ما روَى جُبَيْرُ بنُ مُطْعِمٍ، قال: وَضَع رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَهْمَ ذَوِى القُرْبَى في بَنِى هاشمٍ وبَنِى المُطَّلِبِ. وذَكَرِ الحديثَ، وهو حديثٌ صحيحٌ، رَواه أبو داودَ (2)، ولم يَأْتِ لذلك نسْخ ولا تَغْيِيرٌ، فوَجَبَ القولُ به، والعَمَلُ بحُكْمِه.
فصل: وهم بنُو هاشم وبنُو المُطَّلِبِ ابنا عبدِ مَنافٍ دُونَ غيرِهم؛ لِما روَى جُبَيْرُ بنُ مُطْعِمٍ، قال: لمّا قَسَم رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَهْمَ ذَوِى القُرْبَى مِن خَيْبَرَ (3) بينَ بنى هاشمٍ وبنى المُطَّلِبِ، أتَيْتُ أنا وعثمانُ بنُ عفّانَ، فقُلْنا: يا رسولَ اللَّهِ، أمّا بنُو هاشمٍ فلا نُنْكِرُ فضْلَهم، لمَكانِكَ
(1) في: باب ما جاء في سهم الصفى، من كتاب الإمارة. سنن أبى داود 2/ 137.
(2)
تقدم تخريجه في 7/ 307.
(3)
في م: «حنين» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الذى وَضَعَكَ اللَّهُ به منهم، فما بالُ إخْوانِنا مِن بنى المُطَّلِبِ أعْطَيْتَهُم وتَرَكْتَنا، وإنَّما نحنُ وهم منك بمَنْزِلَةٍ واحدةٍ؟ فقال:«إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِى في جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ، وَإنَّما بَنُو هَاشِمٍ وبَنُو المُطَّلِبِ شَئٌ وَاحِدٌ» . وشَبَّكَ بينَ أصابِعِه. رَواه أحمدُ، والبُخارىُّ (1). فراعَى لهم النبىُّ نُصْرَتَهم ومُوافَقَتَهم بَنِى هاشمٍ. ولا يَسْتَحِقُّ مَن كانت أُمُّه منهم وأبُوه مِن غيرِهم؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يَدْفَعْ إلى أقارِبِ أُمِّه، وهم بنو زُهْرَةَ، شيئًا، ولم يَدْفَعْ أيضًا إلى بنى عَمّاتِه، كالزُّبَيْرِ بنِ العَوّامِ وعبدِ اللَّهِ بنِ جَحْشٍ ونحوِهم.
فصل: ويَسْتَوِى فيه الذَّكَرُ والأُنْثَى، لدُخُولِهم في اسْمِ القَرابَةِ. واخْتَلَفَتِ الرِّوايةُ في قَسْمِه بينَهم. فعن أحمدَ، أنَّه يُقْسَمُ للذَّكَرِ مثلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْن. هذا اخْتِيارُ الخِرَقِىِّ، ومَذْهَبُ الشافعىِّ؛ لأنَّه سَهْمٌ اسْتُحِقَّ بالقَرابَةِ مِن الأبِ شَرْعًا، ففُضِّلَ فيه الذَّكَرُ على الأُنْثَى، كالمِيراثِ. ويفارِقُ الوَصِيَّةَ ووَلَدَ الأُمِّ؛ لأنَّ الوَصِيَّةَ اسْتُحِقَّتْ بقَوْلِ المُوصِى، ووَلَدُ الأُمِّ اسْتَحَقُّوا المِيراثَ بقَرابَةِ الأُمِّ. وعنه، أنَّه يُساوَى بينَ الذَّكَرِ والأُنْثَى. وهو قولُ أبى ثَوْرٍ، والمُزَنِىِّ، وابنِ المُنْذِرِ؛ لأنَّهم
(1) في م: «وروى البخارى» .
والحديث تقدم تخريجه في 7/ 307.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أُعْطُوا باسمِ القَرابَةِ، والذَّكَرُ والأُنْثَى فيها سواءٌ، فأشْبَهَ ما لو وَقَف على قَرابَةِ فُلانٍ، ألَا تَرَى أنَّ الجَدَّ يأْخُذُ مع الأبِ، وابنَ الابنَ (1) يأْخُذُ مع الابنِ. وهذا يَدُلُّ على مُخالَفَةِ المَوارِيثِ، ولأنَّه سَهْمٌ مِن خُمْسِ الخُمْسِ لجماعةٍ، فاسْتَوى فيه الذَّكَرُ والأنْثَى، كسَهْمِ اليَتامَى، ويُسَوَّى بينَ الصَّغِيرِ والكبيرِ، على الرِّوايَتيْن؛ لاسْتِوائِهم في القَرابَةِ، وقِياسًا على المِيراثِ.
فصل: ويَسْتَوِى فيه غَنِيُّهم وفقِيرُهم. وهذا قولُ الشافعىِّ، وأبى ثَوْرٍ. وقيلَ: يختصُّ بالفَقِيرِ، كبَقِيَّةِ السِّهامِ. ولَنا، عُمُومُ قوْلِه تعالى:{وَلِذِي الْقُرْبَى} (2). وهو عامٌّ، ولا يَجُوزُ تَخْصِيصُه بغيرِ دَلِيلٍ، ولأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يُعْطِى أقارِبَه كلَّهم، وفيهم الغَنِىُّ، كالعباسِ وغيرِه، ولم يُنْقَلْ عنه تَخْصِيصُ الفُقَراءِ منهم. ولأنَّه مالٌ مُسْتَحَقٌّ بالقَرابَةِ فاسْتَوَى فيه الغَنِىُّ والفَقِيرُ، كالمِيراثِ، والوَصِيَّةِ للأقارِبِ، ولأنَّ عثمانَ وجُبَيْرًا طَلَبا حَقَّهما، وسألا عن عِلَّةِ المَنْعِ لهما ولأقارِبِهما،
(1) في م: «الأب» .
(2)
سورة الأنفال 41.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهما مُوسِرانِ، فعَلَّلَه النبىُّ صلى الله عليه وسلم بنُصْرَةِ بنِى المُطَّلِبِ دُونَهم، وكَوْنِهم مع بَنى هاشمٍ كالشَّئِ الواحِدِ، ولو كان اليَسارُ مانِعًا والفَقْرُ شَرْطًا، لم يَطْلُبا مع عَدَمِه، ولعَلَّلَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم مَنْعَهما بيَسارِهما وانْتِفاءِ فَقْرِهما.
فصل: ويُفَرَّقُ فيهم حيث كانوا، ويَجِبُ تَعْمِيمُهم به حَسَبَ الإِمْكانِ. وهذا قولُ الشافعىِّ. وقال قَوْمٌ: يَخْتَصُّ أهْلُ كلِّ ناحيةٍ بخُمْسِ مَغْزاها الذى ليس لهم مَغْزًى سِواه، فما يُوجَدُ مِن مَغْزَى الرُّومِ، لأهْلِ الشامِ والعِراقِ، وما يُوجَدُ مِن مَغْزَى التُّرْكِ، لمَن في خُراسانَ مِن ذَوِى القُرْبَى؛ لِما يَلْحَقُ مِن المَشَقَّةِ في نَقْلِه، ولأنَّه يَتَعَذَّرُ تَعْمِيمُهم، فلم يَجِبْ، كأصْنافِ الزَّكاةِ. ووَجْهُ الأوَّلِ، أنَّه سَهْمٌ مُسْتَحَقٌّ بقَرابَةِ الأبِ، فوَجَبَ دَفْعُه إلى كلِّ المُسْتَحِقِّين، كالمِيراثِ. فعلى هذا، يَبْعَثُ الإِمامُ إلى عُمّالِه في الأقالِيم، ويَنْظُرُكم حَصَل مِن ذلك، فإنِ اسْتَوَتْ فيه، فَرَّقَ كلَّ خُمْسٍ في مَن قارَبَه، وإنِ اخْتَلَفَتْ، أمَرَ بحَمْلِ الفَضْلِ لِيُدْفَعَ إلى مُسْتَحِقِّه، كالمِيراثِ. وفارَقَ الصَّدَقَةَ، حيثُ لا تُنْقَلُ؛ لأنَّ كلَّ بَلَدٍ لا يَكادُ يَخْلُو مِن صَدَقَةٍ تُفَرَّقُ على فُقراءِ أهْلِه، والخُمْسُ يُوجَدُ في بعضِ الأقالِيمِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلو لم يُنْقَلْ لأدَّى إلى إعْطاء البَعْضِ وحِرْمانِ البَعْضِ. قال شيخُنا (1): والصَّحِيحُ، إن شاءَ اللَّهُ، أنَّه لا يَجِبُ التَّعْمِيمُ؛ لأنَّه يتَعَذَّرُ، فلم يَجِبْ، كتَعْمِيمِ المَساكِينِ. وما ذُكِرَ مِن بَعْثِ الإِمامِ عُمّالَه، فهو مُتَعَذِّرٌ في زَمانِنا؛ لأنَّ الإِمامَ لم يَبْقَ له حُكْمٌ إلَّا في بعْضِ بلادِ الإِسْلامِ، ولم يَبْقَ له جِهَةٌ في الغَزْوِ، ولا له فيه أمْرٌ، ولأنَّ هذا سَهْمٌ مِن سِهامِ الخُمْسِ، فلم يَجِبْ تَعْمِيمُه، كسائِرِ سِهامِه. فعلى هذا، يُفَرِّقُه كلُّ سُلْطانٍ فيما أمْكَنَ مِن بلادِه.
(1) في: المغنى 9/ 295.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والسَّهْمُ الثالثُ لليَتامَى. واليَتِيمُ: الذى لا أبَ له، ولم يَبْلُغِ الحُلُمَ؛ لقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ» (1). قال بعضُ أصحابِنا: لا يَسْتَحِقُّون إلَّا مع الفَقْرِ. وهو المشهورُ مِن مَذْهَبِ الشافعىِّ؛ لأنَّ ذا الأبِ لا يَسْتَحِقُّ، والمالُ أنْفَعُ مِن وُجُودِ الأبِ، ولأنَّه صُرِفَ إليهم لحاجَتِهم، فإنَّ اسْمَ اليَتِيمِ يُطْلَقُ عليهم في العُرْفِ للرَّحْمَةِ، ومَن كان إعْطاؤُه لذلك اعْتُبِرَتِ الحاجَةُ فيه (2)، وفارَقَ ذَوِى القُرْبَى؛ فإنَّهم اسْتَحَقُّوا لقُرْبِهم مِن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَكْرِمَةً لهم، والغنىُّ والفَقِيرُ في القُرْبِ سَواءٌ، فاسْتَويَا في الاستِحْقاقِ. قال شيخُنا (3): ولم أعْلَمْ هذا نَصًّا عن أحمدَ، والآيةُ تَقْتَضِى تَعْمِيمَهم. وقال بعضُ أصحابِ الشافعىِّ: له قولٌ آخرُ، أنَّه للغَنِىِّ والفقيرِ؛ لعُمُومِ النَّصِّ في كلِّ يَتِيمٍ، ولأنَّه لو خَصَّ به الفقيرَ، لكانَ داخِلًا في جُمْلَةِ المَساكِينِ الذين هم أصحابُ السَّهْمِ
(1) تقدم تخريجه في صفحة 68.
(2)
سقط من: م.
(3)
في: المغنى 9/ 296، 297.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الرّابعِ، وكان يُسْتَغْنَى عن ذِكْرِهم وتَسْمِيَتِهم. قال أصحابُنا: ويُفَرِّقُه الإِمامُ في جميعِ الأقْطارِ، ولا يَخْتَصُّ به أهْلُ ذلك المَغْزَى. والقولُ فيه كالقولِ في سَهْمِ ذِى القُرْبَى. وقد تَقَدَّمَ القولُ فيه.
فصل: والسَّهْمُ الرابعُ للمَساكِينَ؛ للآيةِ، وهم أهْلُ الحاجَةِ، فيَدْخُلُ فيهم الفُقَراءُ، فالفُقَراءُ والمَساكِينُ صِنْفانِ في الزَّكاةِ، وصِنْفٌ واحدٌ ههُنا، وفى سائِرِ الأحْكامِ، وإنَّما يَقَعُ التَّمَيُّزُ بينَهما إذا جُمِعَ بينَهما بلَفْظَيْنِ، ولم يَرِدْ ذلك إلَّا في الزَّكاةِ، وقد ذَكَرْناهم في أصْنافِها. قال أصحابُنا: ويُعَمُّ بها جميعُهم في جميعِ البلادِ، كقولِهم في سَهْمِ ذِى القُرْبَى واليَتامَى. وقد تَقَدَّمَ القولُ في ذلك، ولأنَّ تَعْمِيمَهم يتَعَذَّرُ، فلم يَجِبْ، كما لا يَجِبُ تَعْمِيمُهم في الزَّكاةِ.
فصل: والسَّهْمُ الخامِسُ لأبناءِ السَّبِيلِ، وقد ذَكَرْناه في الزَّكاةِ.