الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيُقَاتِلُ كُلُّ قَوْمٍ مَنْ يَليهِمْ مِنَ الْعَدُوِّ.
ــ
مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِى اللَّهُ إلَى أنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِى الدَّجَّالَ، لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ، وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ، والإِيمانُ بالأَقْدَارِ». ولأنَّ تَرْكَ الجهادِ مع الفاجِرِ يُفْضِى إلى قَطْعِه، وظُهورِ الكُفَّارِ على المسلمين واسْتِئْصالِهم، وظُهورِ كلمةِ الكُفّارِ، وفيه فسادٌ عظيم، قال اللَّهُ تعالى:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} (1).
فصل: قال أحمدُ: لا يُعْجِبُنى أن يخْرُجَ مع الإِمامِ أو القائِدِ إذا عُرِفَ بالهَزِيمَةِ وتَضْيِيعِ المُسْلِمِين، وإنَّما يَغْزُو مع مَن له شَفَقَةٌ وحَيْطَةٌ على المُسْلِمين، فإن كان يُعْرَفُ بشُرْبِ الخَمْرِ والغُلولِ، يُغْزَى معه، إنَّما ذلك في نفْسِه، ويُرْوَى عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» (2).
1388 - مسألة: (ويُقاتِلُ كلُّ قَوْمٍ مَن يَليهِم مِن العَدُوِّ) [
الأصْلُ في هذا قولُ] (3) اللَّهِ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ
(1) سورة البقرة 251.
(2)
أخرجه البخارى، في: باب إن اللَّه يؤيد الدين بالرجل الفاجر، من كتاب الجهاد، وفى: باب غزوة خيبر، من كتاب المغازى، وفى: باب العمل بالخواتيم، من كتاب القدر. صحيح البخارى 4/ 88، 5/ 169، 8/ 155. ومسلم، في: باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه. . .، من كتاب الإيمان. صحيح مسلم 1/ 105، 106. والدارمى، في: باب إن اللَّه يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر، من كتاب السير. سنن الدارمى 2/ 241. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 309.
(3)
في الأصل: «لقول» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْكُفَّارِ} (1). ولأنَّ الأقْرَبَ أكثرُ ضَرَرًا، وفى قِتالِه دَفْعُ ضَرَرهِ عن المُقابِلِ (2) له، وعمَّن وراءَه، ولأنَّ الاشْتِغالَ بالبعيدِ عنه يُمَكِّنُه مِن انْتِهازِ الفُرْصَةِ في المُسْلِمِين؛ لاشْتِغَالِهم عنه. قِيلَ لأحمدَ، رحمه الله: يحْكُون عن ابنِ المُبارَكِ أنَّه قيل له: تَرَكْتَ قِتالَ العَدُوِّ عندَك، وجِئْتَ إلى ههُنا؟ قال: هؤلاء أهْلُ كتابٍ. فقال أبو عبدِ اللَّهِ: سبحان اللَّهِ، ما أدْرِى ما هذا القَوْلُ! يتْرُكُ العَدُوَّ عندَه، ويجئُ إلى ههُنا، أفَيَكُونُ هذا؟ أوَيَسْتَقِيمُ هذا؟ وقد قال اللَّه تعالى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} . ولو أنَّ أهلَ خُراسانَ كلَّهم عَمِلُوا على هذا، لم يُجاهِدِ التُّرْكَ أحدٌ. وهذا، واللَّه أعلمُ، إنَّما فَعَلَه ابنُ المُبارَكِ لكَوْنِه مُتَبَرِّعًا بالجِهادِ، والكِفايةُ حاصِلَةٌ بغَيْرِه مِن أهلِ الدِّيوانِ وأجْنادِ المسلمين، والمُتَبَرِّعُ له تَرْكُ الجِهادِ بالكُلِّيَّةِ، فكان له أنْ يُجاهِدَ حيث شاءَ، ومع مَن شاءَ. إذا ثَبَت هذا، فإنْ كان له عُذْرٌ في البدَايةِ بالأْبعَدِ؛ لِكَوْنِه أخْوَفَ، أو لمَصْلَحَةٍ في البِدايَةِ به؛ لقُرْبِه وإمْكَانِ الفُرْصَةِ منه، أو لكَوْنِ الأقْرَبِ مُهادِنًا، أو يَمْنَعُ مانِعٌ مِن قِتالِه، فلا بَأْسَ بالبدايَةِ بالأْبعَدِ؛ للحاجَةِ.
فصل: وأمْرُ الجِهادِ مَوْكُولٌ إلى الإِمامِ واجْتِهادِه، ويَلْزَمُ الرَّعِيَّةَ طاعَتُه فيما يَراه مِن ذلك. ويَنْبَغِى أن يَبْتَدِئَ بتَرْتِيبِ قَوْمٍ في أطْرافِ البلادِ يكُفُّونَ مَن بإزائِهِم مِن المُشْركين، ويأمُرَ بعَمَلِ حُصُونِهم، وحَفْر
(1) سورة التوبة 123.
(2)
في م: «المقاتل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
خنادِقِهم، وحميعِ مصالِحهم، ويُؤَمِّرَ في كلِّ ناحِيَةٍ أمِيرًا، يُقَلِّدُهُم أمْرَ الحَرْبِ، وتدبيرَ الجِهادِ، ويَكُونُ ممَّن له رَأىٌ وعَقْلٌ ونَجْدَةٌ وبَصَرٌ بالحَرْبِ ومُكايَدَةِ العَدُوِّ، مع أمانَةٍ ورِفْقٍ بالمُسْلِمين ونُصْحٍ لهم، وإنما يَبْدأُ بذلك؛ لأنَّه لا يأْمَنُ عليها مِن المُشْرِكين. ويَغْزُو (1) كلُّ قَوْمٍ مَن يَليهم، إلَّا أن يكونَ في بعضِ الجِهاتِ مَن لا يَكْفِيه مَن يَليه، فيَنْجُدَهم بقَوْمٍ آخَرِينَ، ويَكُونُون معهم، ويُوصِى مَن يُؤَمِّرُه أن لا يَحْمِلَ المُسْلِمين على مَهْلَكَةٍ، ولا يَأْمُرَهم بدُخُولِ مَطْمُورَةٍ يُخافُ أن يُقْتَلُوا تحتَها، فإن فَعَل ذلك، فقد أساءَ، ويَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تعالى، ولا عَقْلٌ عليه ولا كَفّارَةٌ إذا أُصِيبَ واحِدٌ منهم بطاعَتِه (2)؛ لأنَّه فَعَل ذلك باخْتِيارِه.
فإن عُدِمَ الإِمامُ، لم يُؤَخَّرِ الجِهادُ؛ لأنَّ مصلحتَهُ تَفُوتُ بتَأْخِيرِه. وإن حصَلَتْ غَنِيمَةٌ، قَسَمُوها على مُوجَبِ الشَّرْعِ. قال القاضى: وتُؤَخَّرُ قِسْمَةُ الإِماءِ حتى يَقُومَ إمَامٌ؛ احْتِياطًا للفُروجِ. فإن بَعَثَ الإِمامُ جَيْشًا، وأمَّرَ عليهم أمِيرًا، فقُتِلَ أو ماتَ، فللجَيْش أن يُؤَمِّرُوا أحَدَهم، كما فَعَل أصحابُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم في جَيْشِ مُؤْتَةَ: لَمّا قُتِلَ أُمَراؤهم، أمَّرُوا عليهم خالِدَ بنَ الوليدِ، فبَلَغ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، فرَضِىَ أمْرَهُم، وصَوَّبَ رَأيَهم، وسَمَّى خالِدًا يومئذٍ:«سَيْفَ اللَّهِ» (3).
(1) في الأصل: «يغزى» .
(2)
أى بسبب طاعته.
(3)
أخرجه البخارى، في: باب مناقب خالد بن الوليد، من كتاب فضائل الصحابة، وفى: باب غزوة مؤتة من أرض الشام، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 5/ 34، 182. والترمذى، في: باب مناقب لخالد =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: قال أحمدُ: قال عُمَرُ، رَضِىَ اللَّه عنه: وَفِّرُوا الأظْفارَ في أرْضِ العَدُوِّ، فإنَّه سِلاحٌ (1). قال أحمدُ: يُحْتاجُ إليها في أرْضِ العَدُوِّ، ألا تَرَى أنَّه إذا أرادَ أنْ يَحُلَّ الحبْلَ أو الشئَ، فإذا لم يكُنْ له أظْفار لم يَسْتَطِعْ. وقال: عن الحكمِ (2) بنِ عمرٍو: أمَرَنا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنْ لا نُحْفِىَ الأظْفارَ في الجِهادِ، فإنَّ القوَّةَ الأظْفارُ.
فصل: قال أحمدُ: يُشَيَّعُ الرجلُ إذا خَرَج، ولا يتلقَّوْنَه، شَيَّعَ علىٌّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ تَبُوكَ، ولم يتَلَقَّه. ورُوِىَ عن أبى بكرٍ الصدِّيقِ، رَضِىَ اللَّه عنه، أنَّه شَيَّعَ يزيدَ بنَ أبى سُفْيانَ حينَ بعثَه إلى الشامِ، ويزيدُ راكبٌ، وأبو بكرٍ، رَضِىَ اللَّه عنه، يَمْشِى، فقال له يزيدُ: يا خليفةَ رسولِ اللَّه إِمَّا أن تَرْكَبَ، وإمَّا أن أنْزِلَ أنا فأمْشِىَ معك. فقال: لا أركَبُ ولا تنزِلُ، إنِّى أحْتَسِبُ خُطاىَ هذه في سبيلِ اللَّهِ تعالى (3). وشَيَّعَ أبو عبدِ اللَّهِ أبا الحارثِ الصَّائِغَ ونَعلاه في يَدَيْه، وذَهَب إلى فِعْلِ أبى بكرٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أرادَ أن تُغَبَّرَ قَدَماهُ في سبيلِ اللَّهِ. وقال:
= ابن الوليد، من أبواب المناقب. عارضة الأحوذى 13/ 234. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 8، 204، 4/ 90، 5/ 299، 301.
(1)
أورده ابن حجر، في: باب الأمر بتحسين السلاح وإعداده للجهاد، من كتاب الجهاد. المطالب العالية 2/ 165.
(2)
في الأصل: «الحكيم» .
(3)
أخرجه الإمام مالك، في: باب النهى عن قتل النساء والولدان في الغزو، من كتاب الجهاد. الموطأ 2/ 447، 448. وسعيد بن منصور، في: باب ما يؤمر به الجيوش إذا خرجوا، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 148، 149. وعبد الرزاق، في: باب عقر الشجر بأرض العدو، من كتاب الجهاد. المصنف 5/ 199، 200. وابن أبى شيبة، =