الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْغَالُّ مِنَ الْغَنِيمَةِ يُحَرَّقُ رَحْلُهُ كُلُّهُ، إِلَّا السِّلَاحَ وَالْمُصْحَفَ وَالْحَيَوَانَ.
ــ
1466 - مسألة: (والغالُّ مِن الغَنِيمَةِ يُحَرَّقُ رَحْلُه كُلُّه، إلَّا السِّلاحَ والمُصْحَفَ والحَيَوانَ)
الغالُّ: الذى يكْتُمُ ما يأْخُذُه مِن الغَنِيمَةِ، ولا يُطْلِعُ الإِمامَ عليه، ولا يَطْرَحُه في الغَنِيمَةِ، فحُكْمُه أن يُحَرَّقَ رَحْلُه كلُّه. وبه قال الحسنُ، وفُقَهاءُ الشامِ؛ منهم مَكْحُولٌ، والأوْزَاعِىُّ، والوَليدُ بنُ هِشامٍ (1)، ويَزيدُ بنُ يزيدَ بنِ جابِرٍ (2). وأُتِىَ سعيدُ بنُ عبدِ المَلِكِ بغالٍّ، فجَمَعَ مالَه وأحْرَقَه، وعُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ حاضِرٌ،
(1) الوليد بن هشام بن معاوية القرشى الأموى، أبو يعيش المعيطى، كان عاملًا لعمر بن عبد العزيز على قنسرين. كان حيا في خلافة مروان بن محمد. تهذيب الكمال 31/ 102 - 104.
(2)
الأزدى الدمشقى، من كبار الأئمة الأعلام. مات سنة أربع وثلاثين ومائة. سير أعلام النبلاء 6/ 158، 159.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلم يَعِبْه. وقال يزيدُ بنُ يزيدَ بنِ جابِرٍ: السُّنَّةُ في الذى يَغُلُّ أن يُحَرَّقَ رَحْلُه. رَواهما سعيدٌ، في «سُنَنِه» (1). وقال مالكٌ، واللَّيْثُ، والشافعىُّ، وأصحابُ الرَّأْى: لا يُحَرَّقُ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لم يُحَرِّقْ؛ فإنَّ عبدَ اللَّهِ بنَ عمرٍو روَى أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان إذا أصابَ غَنِيمَةً، أمَرَ بِلالًا فنادَى في الناسِ، فيَجِيئُون بغَنائِمِهم، فيُخَمِّسُه ويَقْسِمُه، فجاءَ رجلٌ بعدَ ذلك بزِمامٍ مِن شَعَرٍ، فقال: يا رسولَ اللَّهِ، هذا فيما كُنّا أصَبْنا مِن الغَنِيمَةِ. فقال:«سَمِعْتَ بِلالًا يُنَادِى؟» ثَلَاثًا. قال: نعم. قال: «فَمَا مَنَعَكَ أنْ تَجِئَ بهِ» . فاعْتَذَرَ. فقال: «كُنْ أنْتَ تَجِئُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلَنْ أقْبَلَهُ عَنْكَ (2)» . أخْرَجَه أبو داودَ (3).
(1) أخرج الأول، في: باب ما جاء في عقوبة من غل، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 270. ولم نجد الثانى فيه.
(2)
في م: «منك» .
(3)
في: باب في الغلول إذا كان يسيرًا. . .، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 63.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولأنَّ إحْراقَ المتاعِ إضاعَةٌ له، وقد نَهَى النبىُّ صلى الله عليه وسلم عن إضاعَةِ المالِ. ولَنا، ما روَى صالحُ بنُ محمدِ بنِ زائِدَةَ، قال: دخَلْتُ مع مَسْلَمَةَ أرْضَ الرُّومِ، فأُتِىَ برَجُلٍ قد غَلَّ، فسألَ سالِمًا عنه، فقال: سَمِعْتُ أبى يُحَدِّثُ، عن عُمَرَ بنِ الخَطّابِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم قال:«إذَا وَجَدْتُمُ الرَّجُلَ قَدْ غَلَّ، فَاحْرِقُوا مَتَاعَهُ، واضْرِبُوهُ» . قال: فوَجَدْنا في مَتاعِه مُصْحَفًا، فسألَ سالِمًا عنه، فقال: بِعْه، وتَصَدَّقْ بثَمَنِه. رَواه سعيدٌ، وأبو داودَ، والأثْرَمُ (1). وروَى عمرُو بنُ شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ وعُمَرَ، أحْرَقُوا مَتاعَ الغالِّ. رَواه أبو داودَ (2). فأمّا حدِيثُهم، فلا حُجَّةَ لهم فيه؛ فإنَّ الرجلَ لم يَعْتَرِفْ أنَّه أخَذَ ما أخَذَه على سبيلِ الغُلولِ، ولا أخَذَه لنَفْسِه، وإنَّما تَوانَى في المَجِئِ به، وليس الخِلافُ فيه، ولأنَّ الرجلَ جاءَ به مِن عندِ نفْسِه تائِبًا مُعْتَذِرًا، والتَّوْبَةُ تَجُبُّ ما قبلَها. وأمّا النَّهْىُ عن إضاعَةِ المالِ، فإنَّما نَهَى عنه إذا لم يكُنْ فيه مصْلَحَةٌ، فأمَّا إذا كان فيه مَصْلَحَةٌ، فلا بَأْسَ، ولا يُعَدُّ تَضْيِيعًا، كإلْقاءِ المتاعِ في البَحْرِ عندَ خَوْفِ الغَرَقِ، وقَطْعِ يدِ العَبْدِ السّارِقِ، مع أنَّ المالَ لا تكادُ المصْلَحَةُ تَحْصُلُ به إلَّا بذهابِه، فأكْلُه إتْلافُه،
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في عقوبة الغال، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 63. وسعيد، في: باب في عقوبة من غل، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 269.
كما أخرجه الترمذى، في: باب ما جاء في الغال ما يُصنع به، من أبواب الحدود. عارضة الأحوذى 6/ 247. والدارمى، في: باب في عقوبة الغال، من كتاب السير. سنن الدارمى 2/ 231.
(2)
في: باب في عقوبة الغال، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 63.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإنفاقُه (1) إذْهابُه، ولا يُعَدُّ شئٌ مِن ذلك تَضْيِيعًا ولا إفْسادًا، ولا يُنْهَى عنه. إذا ثَبَتَ ذلك، فإنَّ السِّلاحَ لا يُحَرَّقُ؛ لأنَّه يحْتاجُ إليه في القِتالِ، ولا نَفَقَتُه؛ لأنَّه ممّا لا يُحَرَّقُ عادةً. ولا يُحَرَّقُ المُصْحَفُ؛ لحُرْمَتِه، ولِما ذَكرْنا مِن حديثِ سالمٍ فيه. فعلى هذا يَحْتَمِلُ أن يُباعَ ويُتَصَدَّقَ بثَمَنِه؛ لِما ذَكَرْنا مِن حديثِ سالمٍ. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ له، كالحيوانِ والسِّلاحِ، وكذلك الحيوانُ لا يُحَرَّقُ؛ لِنَهْى النبىِّ صلى الله عليه وسلم أن يُعَذِّبَ بالنّارِ إلَّا رَبُّها (2). ولحُرْمَةِ الحيوانِ في نفْسِه، ولأنَّه لا يَدْخُلُ في اسْمِ المَتاعِ المأْمورِ بإحْراقِه. وهذا لا خِلافَ فيه. ولا تُحَرَّقُ آلَةُ الدَّابَّةِ أيضًا. نَصَّ عليه أحمدُ؛ لأنَّه يحْتاجُ إليها للانْتِفاعِ بها، ولأنَّها تابِعَةٌ لِما لا يُحَرَّقُ، أشْبَهَ جِلْدَ المُصْحَفِ وكِيسَه. وقال الأوْزَاعِىُّ: يُحَرَّقُ سَرْجُه وإكافُه (3). ولَنا، أنَّه مَلْبُوسُ حيوانٍ، فلا يُحَرَّقُ، كثيابِ الغالِّ، فإنَّه لا تُحَرَّقُ ثيابُه التى عليه؛ لأنَّه لا يَجُوزُ أن يُتْرَكَ عُرْيانًا، ولا يُحَرَّقُ ما غَلَّ؛ لأنَّه مِن غَنِيمَةِ المُسْلِمِين. قيلَ لأحمدَ: فالذى أصابَ في الغُلولِ، أىُّ شئٍ يُصْنَعُ به؟ قال: يُرْفَعُ إلى المَغْنَمِ. وكذلك قال الأوْزَاعِىُّ. وجميعُ ما لا يُحَرَّق وما أبْقَتِ النّارُ مِن حديدٍ أو غيرِه، فهو لصاحِبِه؛ لأنَّ
(1) في م: «إيقافه» .
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 65.
(3)
الإكاف: البرذعة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِلْكَه كان ثابِتًا عليه، ولم يُوجَدْ ما يُزِيلُه (1)، وإنَّما عُوقِبَ بإحْراقِ مَتاعِه، فما لم يَحْتَرِقْ يَبْقَى على ما كان. وإن كان معه شئٌ مِن كُتُبِ العِلْمِ والحديثِ، فيَنْبَغِى أن لا يُحَرَّقَ أيضًا؛ لأنَّ نَفْعَ ذلك يَعُودُ إلى الدِّينِ، وليس المَقْصُودُ الإِضْرارَ به في دِينِه، وإنَّما القَصْدُ الإِضْرارُ به في بعضِ دُنْياه.
فصل: فإن لم يُحَرَّقْ رَحْلُه حتى اسْتَحْدَثَ مَتاعًا آخَرَ، أو رَجَع إلى بلَدِه، احْرِقَ ما كان معه حالَ الغُلولِ. نَصَّ عليه أحمدُ في الذى يَرْجِعُ إلى بلَدِه. قال: يَنْبَغِى أن يُحَرَّقَ ما كانَ معه في أرْضِ العَدُوِّ. فإن مات قبلَ إحْراقِ رَحْلِه، لم يُحَرَّقْ. نَصَّ عليه؛ لأنَّه عُقُوبَةٌ، فيَسْقُطُ بالموتِ، كالحُدودِ، ولأنَّه بالموتِ انْتَقَلَ إلى وَرَثَتِه، وإحْراقُه عُقُوبةٌ لغيرِ الجانِى. وإن باعَ مَتاعَه، أو وَهَبَه، احْتَمَلَ أن لا يُحَرَّقَ؛ لأنَّه صارَ لغيرِه، أشْبَهَ انْتِقالَه بالموتِ. واحْتَمَلَ أن يُنْقَضَ البَيْعُ والهِبَةُ ويُحَرَّقَ؛ لأنَّه تَعَلَّقَ به حَقٌّ سابِقٌ على البَيْعِ والهِبَةِ، فوَجَبَ تَقْدِيمُه، كالقِصاصِ في حَقِّ الجانِى.
فصل: وإن كان الغالُّ صَبِيًّا، لم يُحَرَّقْ مَتاعُه. وبه قال الأوْزاعِىُّ، لأنَّ الإِحْراقَ عُقُوبَةٌ، وليس هو مِن أهْلِها، فأشْبَهَ الحدَّ. وإن كان عبدًا، لم يُحَرَّقْ مَتاعُه، لأنَّه لسَيِّدِه، فلا يُعاقَبُ سَيِّدُه بجِنايَةِ عَبْدِه. وإنِ اسْتَهْلَكَ ما غَلَّه، فهو في رَقَبَتِه؛ لأنَّه مِن جِنايَتِه. وإن غَلَّتِ المرأةُ أو ذِمِّىٌّ أُحْرِقَ
(1) في م: «يلزمه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَتاعُهُما؛ لأنَّهما مِن أهْلِ العُقُوبَةِ، ولذلك يُقْطَعان في السَّرِقَةِ، ويُحَدّانِ في الزِّنى. وإن أنْكَرَ الغُلولَ، وذَكَر أنَّه ابْتاعَ ما بيَدِه، لم يُحَرَّقْ مَتاعُه حتى يَثْبُتَ غُلولُه بِبَيِّنَةٍ أو إقْرارٍ، لأنَّه عُقُوبَةٌ، فلا يَجِبُ قبلَ ثُبُوتِه بذلك، كالحَدِّ، ولا يُقْبَلُ في بَيِّنَتِه إلَّا عَدْلان؛ لذلك.
فصل ولا يُحْرَمُ الغالُّ سَهْمَه. وقال أبو بكرٍ: في ذلك رِوايتان؛ إحْداهما، يُحْرَمُ سَهْمَه، لأنَّه قد جاءَ في الحديثِ:«يُحْرَمُ سَهْمَه» . فإن صَحَّ، فالحُكْمُ له. وقال الأوْزَاعِىُّ في الصَّبِىِّ يَغُل: يُحْرَمُ سَهْمَه، ولا يُحَرَّقُ مَتاعُه. ولَنا، أنَّ سَبَبَ الاسْتِحْقاقِ موْجُودٌ، فيَسْتَحِقُّ، كما لو لم يَغُلَّ، ولم يثْبُتْ حِرْمانُ سَهْمِه في خَبَرٍ، ولا يَدُلُّ عليه قِياسٌ، فيَبْقَى بحالِه. ولا يُحَرَّقُ سَهْمُه؛ لأنَّه ليس مِن رَحْلِه.
فصل: إذا تابَ الغالُّ قبلَ القِسْمَةِ، رَدَّ ما أخَذَه في المَغْنَمِ (1)، بغيرِ
(1) في م: «المقسم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
خِلافٍ؛ لأنَّه حَقٌّ تَعَيَّنَ رَدُّه إلى أهْلِه. فإن تاب بعدَ القِسْمَةِ، فمُقْتَضَى المَذْهَبِ أن يُؤَدِّىَ خُمْسَه إلى الإِمامِ، ويَتَصَدَّقَ بالباقِى. وهذا قولُ الحسنَ، والزُّهْرِىِّ، ومالكٍ، والأَوْزَاعِىِّ، والثَّوْرِىِّ، واللَّيْثِ. وقال الشافعىُّ: لا أعْرِفُ للصَّدَقَةِ وَجْهًا، وحديثُ الغالِّ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال له:«لَا أقْبَلُهُ مِنْكَ، حَتَّى تَجِئَ بِهِ إلىَّ يَوْمَ القِيَامَةِ» . ولَنا، ما روَى سعيدُ بنُ منصورٍ (1)، عن عبدِ اللَّهِ بنِ المُبارَكِ، عن صَفْوانَ بنِ عمرٍو، عن حَوْشَبِ بنِ سَيْفٍ، قال: غَزا النّاسُ الرُّومَ، وعليهم عبدُ الرحمنِ بنُ خالدِ بنِ الوليدِ، فغَلَّ رَجُلٌ مائةَ دِينارٍ، فلمَّا قُسِمَتِ الغَنِيمَةُ وتَفَرَّقَ النّاسُ، نَدِمَ، فأتَى عبدَ الرحمنِ، فقال: قد غَلَلْتُ مائةَ دينارٍ، فاقْبِضْها (2). فقال: قد تَفَرَّقَ النّاسُ، فلَنْ أقْبِضَها منك حتَّى
(1) في: باب ما جاء في من غلٍّ وندم، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 270.
(2)
في م: «فامضها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تُوافِىَ اللَّهَ بها يومَ القِيامةِ. فأَتَى مُعاوِيَةَ، فذَكَرَ ذلك له، فقال له مثلَ ذلك، فخَرَجَ وهو يَبْكِى، فمَرَّ بعبدِ اللَّهِ بنِ الشاعرِ السَّكْسَكِىِّ، فقال: ما يُبْكِيكَ؟ فأخْبَرَه، فقال: إنَّا للَّه وِإنَّا إلَيْهِ راجِعُون، أمُطِيعٌ أنتَ يا عبدَ اللَّهِ؟ قال: نعم. قال: فانْطَلِقْ إلى مُعاوِيَةَ فقُلْ له: خُذْ مِنِّى خُمْسَكَ. فأعْطِه عشرين دينارًا، وانْظُرْ إلى الثمانين الباقيةِ، فتَصَدَّقْ بها عن ذلك الجَيْشِ، فإنَّ اللَّهَ تعالى يَعْلَمُ أَسْماءَهم ومَكانَهم، وإنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عن عبادِه. فقال مُعاوِيَةُ: أحْسَنَ واللَّهِ، لأنْ أكونَ أنا أفْتَيْتُه بهذا، أحبُّ إلىَّ مِن أن يكونَ لى مثلُ كلِّ شئٍ امْتلَكْتُ. وعن ابنِ مسعودٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه رَأْى أن يُتَصَدَّقَ بالمالِ الَّذى لا يُعْرَفُ صاحِبُه. فقد قال به ابنُ مسعودٍ، ومُعاوِيَةُ، ومَن بعدَهم، ولا نعْرِفُ لهم مُخالِفًا في عَصْرِهم، فيكونُ