الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ فَضَلَ مَعَهُ مِنْهُ شَىْءٌ فَأَدْخَلَهُ الْبَلَدَ، رَدَّهُ في الْغَنِيمَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا، فَلَهُ أَكْلُهُ، في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
ــ
فصل: فأمَّا كُتُبُهم، فإن كانتْ ممّا يُنْتَفَعُ به، ككُتُبِ الطِّبِّ واللُّغَةِ والشِّعْرِ، فهى غَنِيمَةٌ، وإن كانتْ ممَّا لا يُنْتَفَعُ به؛ ككُتُبِ التَّوْراةِ والإِنْجِيلِ، وأمْكَنَ الانْتِفاعُ بجُلُودِها أو وَرَقِها بعدَ غَسْلِه، غُسِلَ، وهو غَنِيمَةٌ، وإلَّا فلا، ولا يجُوزُ بَيْعُها.
فصل: وإن أخَذُوا مِن الكُفّارِ جَوارِحَ للصَّيْدِ، كالفُهُودِ والبُزاةِ، فهى غَنِيمَةٌ تُقْسَمُ. وإن كانتْ كِلابًا، لم يَجُزْ بَيْعُها. وإن لم يُرِدْها أحَدٌ مِن الغانِمينَ، جازَ إرْسالُها، وإعْطاؤُها غيرَ الغانِمِين، وإن رَغِبَ فيها بعضُ الغانِمين دُونَ بعضٍ، دُفِعَتْ إليه، ولم تُحْسَبْ عليه؛ لأنَّها لا قِيمَةَ لها، وإن رَغِبَ فيها الجميعُ، أبى جماعةٌ كثيرةٌ، فأمْكَنَ قِسْمَتُها، قُسِمَتْ عَدَدًا مِن غيرِ تَقْويمٍ، وإن تَعَذَّرَ ذلك، أو تَنازَعُوا في الجَيِّدِ منها، فطَلَبَه كلُّ واحِدٍ منهم، أَقْرِعَ بينَهم. وإن وجَدُوا خَنازِيرَ، قَتَلُوها؛ لأنَّها مُؤْذِيَةٌ، ولا نَفْعَ فيها. وإن وجَدُوا خَمْرًا، أراقُوه، فإن كان في أوْعِيتِه نَفْعٌ للمسلمين، أخَذُوها، وإلَّا كَسَرُوها؛ لئلَّا يَعُودُوا إلى اسْتِعْمالِها.
1436 - مسألة: (فإن فَضَل معه منه شئٌ فأدْخَلَه البَلَدَ، رَدَّه في الغَنِيمَةِ، إلَّا أن يَكُونَ يَسِيرًا، فله أكْلُه، في إحْدَى الرِّوايَتَيْن)
أمّا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الكثيرُ، فيَجِبُ رَدُّه، بغيرِ خلافٍ عَلِمْناه؛ لأنَّ ما كان مُباحًا له في حالِ الحَرْبِ، فإذا أخَذَه على وَجْهٍ يَفْضُلُ منه كثيرٌ إلى دارِ الإِسْلامِ، فقد أخَذَ ما لا يحْتاجُ إليه، فيَلْزَمُه رَدُّه؛ لأنَّ الأصْلَ تَحْرِيمُه؛ لكَوْنِه مُشْتَرَكًا بينَ الغانِمِين، فهو كسائِرِ المالِ. وإنَّما أُبِيحَ منه ما دَعَتِ الحاجَةُ إليه، فما زادَ يَبْقَي على أصْلِ التَّحْريمِ، ولهذا لم يُبَحْ بَيْعُه. وأمَّا اليَسِيرُ، ففيه رِوايتان؛ إحْداهُما، يجِبُ رَدُّه أيضًا. اخْتارَه أبو بكْرٍ. وهو قولُ أبى حنيفةَ، وابنِ المُنْذِرِ، وأبى ثَوْرٍ، وهو أحَدُ قَوْلَى الشافعىِّ؛ لِما ذَكَرْنا في الكثيرِ، ولأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«أدُّوا الْخَيْطَ والْمِخْيَطَ» . ولأنَّه مِن الغَنِيمَةِ، ولم يُقْسَمْ، فلم يُبَحْ في دارِ الإِسْلامِ، كالكثيرِ، وكما لو أخَذَه في دارِ الإِسْلامِ. والثانيةُ، يُباحُ. وهو قولُ مَكْحُولٍ، وخالدِ بنِ مَعْدانَ (1)، وعَطاءٍ الخُراسانِىِّ (2)، ومالكٍ، والأوْزَاعِىِّ. قال أحمدُ:
(1) خالد بن معدان بن أبى كريب الكلاعى أبو عبد اللَّه الحمصى، تابعى من أئمة الفقه. توفى سنة ثلاث ومائة سير أعلام النبلاء 4/ 536 - 541.
(2)
عطاء بن أبى مسلم الخراسانى، المحدث الواعظ، قدم المدينة بعد وفاة عامة الصحابة. توفى سنة خمس وثلاثين ومائة ودفن ببيت المقدس. سير أعلام النبلاء 6/ 140 - 143.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أهلُ الشامِ يتَساهَلُون في هذه. وقد روَى القاسِمُ بنُ عبدِ الرحمنِ، عن بعضِ أصحابِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم قال: كُنّا نَأْكُلُ الجَزَرَ (1) في الغَزْوِ، ولا نَقْسِمُه، حتى إن كُنّا لَنَرْجِعُ إلى رِحالِنا وأخْرِجَتُنا منه مَمْلُوءَةٌ. رَواه أبو داودَ، وسعيدٌ (2). وعن عبدِ اللَّهِ بنِ يَسارٍ السُّلَمِىِّ، قال: دَخَلْتُ على رجل مِن أصحابِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقَدَّمَ إلىَّ تُمَيْرًا (3) مِن تُمَيْرِ الرُّومِ، فقُلْتُ: لقد سَبَقْتَ النّاسَ بهذا. قال: ليس هذا مِن العامِ، هذا مِن العامِ الأوَّلِ. رَواه الأثْرَمُ في «سُنَنِه». وقال الأوْزَاعِىُّ: أدْرَكْتُ النّاسَ يَقْدَمُون بالقَدِيدِ، فيُهْدِيه بعضُهم إلى بعض، لا يُنْكِرُه إمامٌ ولا عامِل ولا جماعَةٌ. وهذا نَقْلٌ للإِجْماعِ. ولأنَّه أُبِيحَ إمْساكُه عن القِسْمَةِ، فأُبِيحَ في دارِ الإِسْلامِ، كمُباحاتِ دارِ الحَرْبِ التى لا قِيمَةَ لها فيها. ويُفارِقُ الكَثِيرَ؛ لأنَّه لا يَجُوزُ إمْساكُه عن القِسْمَةِ، ولأنَّ اليَسِيرَ تَجْرى فيه المُسامَحَةُ، ونَفْعُه قليلٌ، بخِلافِ الكثيرِ.
(1) الجزر؛ بالتحريك: الشاة السمينة، وما يذبح من الشاء. القاموس (ج ز ر). وانظر: عون المعبود 3/ 19.
(2)
أخرجه سعيد بن منصور، في: باب ما جاء في إباحة الطعام بأرض العدو، من كتاب الجهاد. سنن سعيد ابن منصور 2/ 272. وعنه أبو داود، في: باب في حمل الطمام من أرض العدو، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 61.
(3)
في حاشية الأصل: «التتمير: تقطيع اللحم على قريب من قدر الثمرة ويجفف، نوع من التقديد المعروف في اللحم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا جُمِدَتِ المغانِمُ وفيها طعامٌ أو عَلَفٌ، لم يَجُزْ لأحَدٍ أخْذُه إلَّا للضَّرورَةِ؛ لأنَّنا إنَّما أبَحْنا أخْذَه قبلَ جَمْعِه؛ لأنَّه لم يَثْبُتْ فيه مِلكُ المسلمين بعدُ، فأشْبَهَ المُباحاتِ مِن الحَطَبِ والحشيشِ، فإذا جُمِعَتْ ثَبَت مِلْكُ المسلمين فيها، فخَرَجَتْ عن حَيِّزِ المُباحاتِ، وصارَتْ كسائِرِ أمْلاكِهم، فلم يَجُزِ الأكْلُ منها إلَّا لضَرُورَةٍ، وهو أن لا يَجِدُوا ما