الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَرْفُقُ بِهِمْ فِى السَّيْرِ، وَيُعِدُّ لَهُمُ الزَّادَ، وَيُقَوِّى نُفُوسَهُمْ بِمَا يُخَيِّلُ إِلَيْهِمْ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ، وَيُعَرفُ عَلَيْهِمُ الْعُرَفَاءَ، وَيَعْقِدُ لَهُمُ الْأَلْويَةَ وَالرَّايَاتِ،
ــ
قال: قلَّما كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يخْرُجُ في سَفَرٍ إلَّا يَوْمَ الخميسِ (1).
1418 - مسألة: (ويَرْفُقُ بِهم في السَّيْرِ)
فيَسِيرُ بهم سَيْرَ أضْعَفِهم؛ لِئلَّا يَشُقَّ عليهم، فإن دَعَتِ الحَاجَةُ إلى الجِدِّ في السَّيْرِ، جازَ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم جَدَّ في السَّيْرِ حينَ بَلَغَه قولُ عبدِ اللَّهِ بنِ أُبَىٍّ:{لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} (2). ليَشْغَلَ النَّاسَ عن الخَوْضِ فيه (3)(ويُعِدُّ لهم الزَّادَ) لأنَّه لا بُدَّ منه في الغَزْوِ وفى غيرِه، وبه قِوامُهم (ويُقَوِّى نُفُوسَهم بما يُخَيِّلُ إليهم مِن أسْباب النَّصْرِ) لأنَّه ممّا يُطَمعُهم في عَدُوِّهم (ويُعَرِّفُ عليهم العُرَفَاءَ) وهو أنَ يَجْعَلَ (4) لكلِّ طائِفَةٍ مَن يكونُ كالمُقَدَّمِ عليهم، يَنْظُرُ في حالِهم، ويَتَفَقَّدُهم (5)(ويعْقِدُ لهم الألوِيَةَ والرّاياتِ) ويَجْعَلُ لكلِّ طائِفَةٍ
(1) أخرجه البخارى، في: باب من أراد غزوة فورى بغيرها. . .، من كتاب الجهاد. صحيح البخارى 4/ 59. وأبو داود، في: باب في أى يوم يستحب السفر، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 34. والدارمى، في: باب في الخروج يوم الخميس، من كتاب السير. سنن الدارمى 2/ 214. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 455، 456، 6/ 390.
(2)
سورة المنافقون 8.
(3)
أخرجه الترمذى، في: باب ومن سورة المنافقين، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذى 12/ 199 - 206. ولم يذكر الترمذى اشتداد الرسول صلى الله عليه وسلم في السير، وذكره الواقدى، في المغازى 2/ 418.
(4)
في م: «يكون» .
(5)
في م: «يفتقدهم» .
وَيَجْعَلُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ شِعَارًا يَتَدَاعَوْنَ بِهِ عِنْدَ الْحَرْبِ، وَيَتَخَيَّرُ لَهُمُ الْمَنَازِلَ، وَيَتَتَبَّعُ مَكَامِنَهَا فَيَحْفَظُهَا، وَيَبْعَثُ الْعُيُونَ عَلَى الْعَدُوِّ؛ حَتَّى لَا يَخْفى علَيْهِ أَمْرُهُمْ، وَيَمْنَعُ جَيْشَهُ مِنَ الْفَسَادِ وَالْمَعَاِصِى،
ــ
لِواءً؛ لِما روَى ابنُ عباسٍ، أنَّ أبا سُفيانَ حينَ أسْلَمَ، قال النبىُّ صلى الله عليه وسلم للعباسِ:«احْبسْهُ عَلَى الوَادِى حَتَّى تَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللَّهِ، فَيرَاهَا» . قال: فحبَسْتُه حيثُ أمَرَنِى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ومَرَّتْ به القبائلُ على راياتِها (1). وهو مُخَيَّرٌ في ألوانِها، لكنَّه يُغايرُ ألوانَها؛ ليَعْرِفَ كلُّ قَوْم رايَتَهم (ويَجْعَلُ لكُلِّ طائِفَةٍ شِعارًا يَتداعَوْن به عندَ الحربِ) لئلَّا يَقَعَ بعْضُهم على بعضٍ، وهى علامةٌ بينَهم يَعْرِفُونها (ويَتَخَيَّرُ لهم المنازِلَ) أصْلَحَها لهم (ويتَتَبَّعُ مكامِنَها (2) فيَحْفَظُها) لئلَّا يُؤْتَوْا منها، ولا يَغْفُلُ الحَرَسَ والطلائِعَ؛ ليَحْفَظَهم مِن البَياتِ (ويَبْعَثُ العُيونَ على العَدُوِّ؛ حتى لا يَخْفَى عليه أمْرُهم) فيَحْتَرِزَ منهم، ويتَمَكَّنَ مِن الفُرْصَةِ فيهم (ويَمْنَعُ
(1) أخرجه البخارى، في: باب أين ركز النبى صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 5/ 186.
(2)
في م: «مكانها» .
وَيَعِدُ ذَا الصَّبْرِ بالأَجْرِ وَالنَّفَلِ، وَيُشَاوِرُ ذَا الرَّأْى، وَيَصُفُّ جَيْشَهُ،
ــ
جَيْشَه مِن الفَسادِ والمعاصِى) ومِن التِّجارَةِ المانِعَةِ مِن القِتالِ، ولأنَّ المعاصِىَ مِن أسْبابِ الخُذْلانِ (ويَعِدُ ذا الصَّبْرِ بالأجْرِ والنَّفَلِ) تَرْغِيبًا في الجِهادِ. ويُخْفِى مِن أمْرِه ما أمْكَنَ إخْفاؤُه؛ لئلَّا يعْلَمَ به عدُوُّه، فقد كان النبىُّ صلى الله عليه وسلم إذا أرادَ غَزْوَةً ورَّى بغَيْرِها (1) (ويُشاوِرُ ذا الرَّأْى) منهم؛ لقولِ اللَّهِ تعالى:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (2). وكان النبىُّ صلى الله عليه وسلم أكْثَرَ الناسِ مُشاوَرَةً لأصْحابِه.
فصل: وإذا وَجَدَ رَجُلٌ رجلًا قد أُصِيبَتْ فَرَسُه، ومعه فَرَسٌ فَضْلٌ، اسْتُحِبَّ حَمْلُه، ولم يَجِبْ. نَصَّ عليه. فإن خافَ تَلَفَه، فقال القاضى: يَجِبُ عليه بَذْلُ فَضْلِ مَرْكُوبِه؛ ليُحْيِىَ به صاحِبَه، كما يَلْزَمُه بَذْلُ فَضْل طَعامِه للمُضْطَر إليه، وتخْلِيصُه مِن عَدُوه (ويَصُفُّ جَيْشَه) لقولِ اللَّهِ
(1) أخرجه البخارى، في: باب من أراد غزوة فورّى بغيرها. . .، من كتاب الجهاد، وفى: باب حديث كعب بن مالك. . .، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 4/ 59، 4/ 5. ومسلم، في: باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، من كتاب التوبة. صحيح مسلم 4/ 2128. وأبو داود، في: باب المكر في الحرب، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 41. والدارمى، في: باب في الحرب خدعة، من كتاب السير. سنن الدارمى 9/ 212. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 456، 457، 6/ 387.
(2)
سورة آل عمران 159.
وَيَجْعَلُ فِى كُلِّ جَنْبَةٍ كُفُؤًا، وَلَا يَمِيلُ مَعَ قَرِيبِهِ وَذِى مَذْهَبِهِ على غَيْرِهِ.
ــ
تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} (1). (ويَجْعَلُ في كلِّ جَنْبَةٍ كُفُؤًا) لِما روَى أبو هُرَيْرَةَ، قال: كنتُ مع النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فجَعَلَ خالِدًا على إحْدَى الجَنْبَتَيْن، وجَعَل الزُّبَيْرَ على الأُخْرَى، وجَعَل أبا عُبَيْدَةَ على السّاقَةِ (2). ولأنَّ ذلك أحْوَطُ للحَرْبِ، وأبْلَغُ في إرْهابِ العَدُوِّ (ولا يَمِيلُ مع قَرِيبهِ وذِى مَذْهَبِه على غيرِه) لئلَّا تَنْكَسِرَ قُلُوبُهم، فيَخْذُلُوه عندَ الحاجَةِ، ويُراعِي أصْحابَه، ويَرْزُقُ كلَّ واحدٍ بقَدْرِ حاجَتهِ.
فصل: ويُقاتَلُ أهْلُ الكِتابِ والمَجُوسُ، حتى يُسْلِمُوا أو يُعْطُوا الجِزْيَةَ؛ لقولِ اللَّهِ تعالى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (3). والمَجُوسُ حُكْمُهم في قَبُولِ الجِزْيَةِ منهم حُكْمُ أهْلِ الكِتابِ؛ لقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أهْلِ الكِتَابِ» (4). ولا نعلمُ بينَ أهْل العِلْمِ خلافًا في هذَيْن القِسْمَيْن. فأمَّا مَن سِواهم مِن الكُفَّارِ، كعَبَدَةِ الأوْثانِ، ونحوِهم،
(1) سورة الصف 4.
(2)
أخرجه مسلم، في: باب فتح مكة، من كتاب الجهاد والسير. صحيح مسلم 3/ 1407.
(3)
سورة التوبة 29.
(4)
أخرجه مالك، في: باب جزية أهل الكتاب والمجوس، من كتاب الزكاة. الموطأ 1/ 278.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلا يُقْبَلُ منهم إلَّا الإِسْلامُ، في ظاهِرِ المَذْهَبِ، وفيه اخْتِلافٌ يُذْكَرُ في بابِ عَقْدِ الذِّمَّةِ، إن شاءَ اللَّهُ تعالى.
فصل: ومَن بَلَغَتْه الدَّعوَةُ مِن الكُفَّارِ يجوزُ قِتالُه مِن غيرِ دُعاءٍ، ومَن لم تَبْلُغْه الدَّعْوَةُ، يُدْعَى قبلَ القِتالِ، ولا يجوزُ قِتالُهم قبلَ الدُّعاءِ؛ لِما روَى بُرَيْدَةُ، قال: كان النبىُّ صلى الله عليه وسلم إذا بَعَث أميرًا على سَرِيَّةٍ أو جَيْشٍ، أمَرَه بتَقْوَى اللَّه فِى خاصَّتِه، وبِمَن معه مِن المسلمين، وقال:«إِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَادْعُهُمْ إِلَى إحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ، فَأَيَّتُهُنَّ أجَابُوكَ إلَيْهَا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وكُفَّ عَنْهُمْ؛ ادْعُهُمْ إلَى الإِسْلَامِ، فإنْ أجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وكُفَّ عَنْهُمْ، فإنْ هُمْ أَبَوْا، فَادْعُهُمْ إِلَى إعْطَاءِ الجِزْيَةِ، فَإنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وكُفَّ عَنْهُمْ، فَإنْ أبَوْا، فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ» . رَواه مسلمٌ (1). وهذا، واللَّهُ أعْلمُ، كان في بَدءِ الأَمْرِ، قبلَ انْتِشارِ الدَّعْوَةِ، وظُهُورِ الإِسْلامِ، فأمَّا اليومَ، فقد انْتَشَرَتِ الدَّعْوَةُ واسْتُغْنِىَ بذلك عن الدُّعاءِ عندَ القِتالِ. قال أحمدُ: إنَّ الدَّعْوَةَ قد بَلَغَتْ وانْتَشَرتْ، ولكنْ إن جازَ أن يَكُونَ قَوْمٌ خلفَ الرُّومِ وخلفَ التُّرْكِ بهذه الصِّفَةِ، لم يَجُزْ قِتالُهم قبلَ الدَّعْوَةِ، ومَن بَلَغَتْه الدَّعْوَةُ يَجُوزُ قِتالُهم قبلَ ذلك. وإن دَعاهُم فحَسَنٌ؛ لِما ذَكَرْنا مِن الحديثِ. وقد رُوِى أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ عليًّا -حينَ أعْطاهُ الرَّايَةَ يومَ خَيْبَرَ وأمَرَه بقِتالِهم- أن يَدْعُوَهُم، وهم ممَّن قد بَلَغَتْه الدَّعْوَةُ. رَواه البُخَارِىُّ (2). ودَعا خالدُ بنُ الوليدِ طُلَيْحَةَ، حينَ ادَّعَى النبوَّةَ، فلم
(1) تقدم تخريجه في صفحة 86.
(2)
في: باب غزوة خيبر، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 5/ 171.