الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَمْلِكُ الْكُفَّارُ أمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بالْقَهْرِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِى. وَقَالَ أبُو الْخَطَّاب: ظَاهِرُ كَلَامِ أحْمَدَ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا.
ــ
لفلانٍ. رَجُلٍ بمصرَ؟ قال: إذا عُرِفَ الرَّجُلُ، لم يُقْسَمْ، ورُدَّ على صاحِبِه. قيل له: أصَبْنا مَرْكَبًا في بلادِ الرُّوم، فيها النَّواتِيَّةْ (1)، قالوا: هذا لفُلانٍ، وهذا لفُلانٍ؟ قال: هذا قد عُرِفَ صاحِبُه، لا يُقْسَمُ.
1439 - مسألة: (ويَمْلِكُ الكُفَّارُ أمْوالَ المسلمين بالقَهْرِ. ذَكَرَه القاضِى. وقال أبو الخَطّابِ: ظاهِرُ كَلامِ أحمدَ أنَّهم لا يَمْلِكُونَها)
رُوِى عن أحمدَ في ذلك رِوايتان؛ إحْداهما، أنَّ الكُفّارَ يَمْلِكُونَ أمْوالَ المسلمين
(1) النواتى: الملاح الذى يدير السفينة في البحر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالقَهْرِ. هذا قولُ مالكٍ، وأبى حنيفةَ. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا يَمْلِكُونها. وهو قولُ الشافعىِّ؛ لحديثِ ناقَةِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم. قال أبو الخَطّابِ: وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، حيث قال: إن أدْرَكَه صاحِبُه قبلَ القَسْمِ، فهو أحَقُّ به. قال: وإنَّما مَنَعَه أخْذَه بعدَ القِسْمَةِ؛ لأنَّ قِسْمَةَ الإِمامِ له تَجْرِى مَجْرَى الحُكْمِ، ومتى صادَفَ الحُكْمُ أمْرًا مُجْتَهَدًا فيه نَفَذ حُكْمُه. ولأنَّه مالٌ مَعْصُومٌ طَرَأتْ عليه يَدٌ عادِيَةٌ، فلم يُمْلَكْ بها، كالغَصْبِ، ولأنَّ مَن لا يَمْلِكُ رَقَبَةَ غيرِه بالقَهْرِ، لا يَمْلِكُ مالَه به، كالمُسْلِمِ مع المُسْلِمِ. ووَجْهُ الأوَّلِ أنَّ القَهْرَ سَبَبٌ يَمْلِكُ به المُسْلِمُ مالَ الكافِرِ، فمَلَكَ به الكافِرُ مالَ المُسْلِمِ، كالبَيْعِ. فأمَّا الناقَةُ، فإنَّما أخَذَها النبىُّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه أدْرَكَها غيرَ مَقْسُومَةٍ ولا مُشْتَراةٍ. فعلى هذا، يَمْلِكُونها قبلَ حِيازَتها إلى دارِ الكُفْرِ. وهو قولُ مالكٍ. وذَكَر القاضى أنَّهم إنَّما يَمْلِكُونها بالحِيازَةِ إلى دارِهم. وهو قولُ أبى حنيفةَ. وحُكِىَ عن أحمدَ في ذلك رِوايتان. ووَجْهُ الأوَّلِ، أنَّ الاسْتِيلاءَ سَبَبٌ للمِلْكِ، فيَثْبُتُ قبلَ الحِيازَةِ إلى الدّارِ، كاسْتِيلاءِ المسلمين على مالِ الكافِرِ، ولأنَّ ما كان سَبَبًا للمِلْكِ، أثْبَتَهُ حيثُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وُجِدَ، كالهِبَةِ والبَيْعِ. وفائِدَةُ الخِلافِ في ثُبُوتِ المِلْكِ وعَدَمِه، أنَّ مَن أثْبَتَ المِلْكَ للكافِرِ في أمْوالِ المسلمين، أباحَ للمسلمين إذا ظَهَرُوا عليها قِسْمَتَها والتَّصَرُّفَ فيها، ما لم يَعْلَمُوا (1) صاحِبَها، وأنَّ الكافِر إذا أسْلَمَ وهى في يَدِه، فهو أحَقُّ بها. ومَن لم يُثْبِتِ المِلْكَ، اقْتَضَى مَذْهَبُه عَكْسَ ذلك. قال الشَّيْخُ (2)، رحمه الله: ولا أعلمُ خِلافًا في أنَّ الكافِرَ الحَرْبِىَّ إذا أسْلَمَ، أو دَخَل إلينا (3) بأمانٍ، بعدَ أنِ اسْتَوْلى على مالِ مُسْلِمٍ فأتْلَفَه، أنَّه لا يَلْزَمُه ضَمانُه. فإن أسْلَمَ وهو في يَدِه، فهو له بغيرِ خِلافٍ في المذهَبِ؛ لقولِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أسْلَمَ عَلَى شَئٍ، فَهُوَ لَهُ» (4). وإن كان أخَذَه مِن المُسْتَوْلِى عليه بهِبَةٍ أو سَرِقَةٍ أو شِراءٍ، فكذلك؛ لأنَّه اسْتَوْلَى عليه في حالِ كُفْرِه، فأشْبَهَ ما لو اسْتَوْلَى عليه بقَهْرِه المُسْلِمَ. وعن أحمدَ، أنَّ صاحِبَه يَكُونُ أحَقَّ به بالقِيمَةِ. وإنِ اسْتَوْلَى على جارِيَةِ مُسْلمٍ فاسْتَوْلَدَها ثم أسْلَمَ، فهى له، وهى أُمُّ وَلَدِه. نَصَّ عليه أحمدُ؛ لأنَّها مالٌ، فأشْبَهَتْ سائِرَ الأمْوالِ. وإن غَنِمَها المسلمون وأولادَها
(1) في م: «يعلم» .
(2)
في: المغنى 13/ 122.
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
أخرجه البيهقى، في: باب من أسلم على شئ فهو له، من كتاب السير. السنن الكبرى 9/ 113.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قبلَ إسلامِ سابِيها فعُلِمَ صاحِبُها، رُدَّتْ إليه، وكان أولادُها غَنِيمَةً؛ لأنَّهم أوْلادُ كافِرٍ حَدَثُوا بعدَ مِلْكِ الكافِرِ لها.
فصل: وإنِ اسْتَوْلَوْا على حُرٍّ، لم يَمْلِكُوه، مُسْلِمًا كان أو ذِمِّيًّا. لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا؛ لأنَّه لا يُضْمَنُ بالقِيمةِ، ولا تَثْبُتُ عليه اليَدُ بحالٍ. وإذا قَدَرَ المسلمون على أهْلِ الذِّمَّةِ بعدَ ذلك، وَجَب رَدُّهم إِلى ذِمَّتِهم، ولم يَجُزِ اسْتِرْقاقُهم، في قولِ عامَّةِ العُلَماءِ؛ منهم الشَّعْبِىُّ، ومالِكٌ، واللَّيْثُ، والأوْزاعِىُّ، والشافعىُّ، وإسْحاقُ. ولا نَعْلَمُ لهم مُخالِفًا؛ لأنَّ ذِمتَّهَم باقِيَةٌ، ولم يُوجَدْ منهمِ ما يُوجِبُ نَقْضَها. وكلُّ ما يُضْمَنُ بالقِيمَةِ، كالعُروضِ، يَمْلِكُونه بالقَهْرِ. وكذلك العَبْدُ القِنُّ، والمُدَبَّرُ، والمُكاتَبُ، وأُمُّ الوَلَدِ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَمْلِكُونَ المُكاتَبَ وأُمَّ الوَلَدِ؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّه لا يجوزُ نَقْلُ المِلْكِ فيهما، فهما كالحُرِّ. ولَنا، أنَّهما يُضْمَنانِ بالقِيمَةِ فمَلَكُوهما، كالقِنِّ. ويَحْتَمِلُ أن لا يمْلِكُوا أُمَّ الوَلَدِ؛ لأنَّها لا يجوزُ نَقْلُ المِلْكِ فيها، ولا يثْبُتُ فيها لغيرِ سَيِّدِها. وفائِدَةُ الخِلافِ، أنَّ مَن قال بثُبُوتِ المِلْكِ فيهما، قال: متى قُسِمَا أو اشْتَراهما إنْسانٌ، لم يكنْ لِسَيِّدِهما أخْذُهما إلَّا بالثَّمَنِ. قال الزُّهْرِىُّ، في أُمِّ الوَلَدِ: يأْخُذُها سَيِّدُها بقِيمَةِ عَدْلٍ. وقال مالكٌ: يَفْدِيها الإِمامُ، فإن لم يَفْعَلْ، يأْخُذُها سَيِّدُها بقِيمَةِ عَدْلٍ، ولا يَدَعُها يَسْتَحِلُّ فَرْجَها مَن لا تَحِلُّ له. ومَن قال: لا يثْبُتُ المِلْكُ فيهما. رُدَّا إلى ما كانا عليه على كلِّ حالٍ، كالحُرِّ. وإنِ إشْتَراهُما إنْسانٌ، فالحُكْمُ فيهما كالحُكْمِ في الحُرِّ إذا اشْتَراه، على ما نذْكُرُه إن شاءَ اللَّهُ تعالى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا أبَقَ عَبْدُ المسلمِ إلى دارِ الحَرْبِ فأخَذُوه، ملَكُوه، كالدَّابَّةِ. وهو قولُ مالكٍ، وأبى يُوسُفَ، ومحمدٍ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَمْلِكُونَه. وعن أحمدَ مثلُ ذلك؛ لأنَّه إذا صار في دارِ الحَرْبِ، زالَتْ يَدُ مَوْلاه عنه، وصار في يَدِ نَفْسِه، فلم يُمْلَكْ، كالحُرِّ. ولَنا، أنَّه مالٌ لو أخَذُوه مِن دارِ الإسلامِ مَلَكُوه، فإذا أخَذُوه مِن دارِ الحَرْبِ مَلَكُوه، كالبَهِيمَةِ.