الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ قَالَ لِكَافِرٍ: أَنْتَ آمِنٌ. أوْ: لَا بَأْسَ عَلَيْكَ. أوْ: أَجَرْتُكَ. أَوْ: قِفْ. أوْ: أَلْقِ سِلَاحَكَ. أوْ: مَتَرْس. فَقَدْ أَمَّنَهُ.
ــ
القاضِى: قياسُ قَوْلِ أحمدَ، أنَّه يُقْبَلُ، كما لو قال الحاكِمُ بعدَ عَزْلِه: كُنْتُ حَكَمْتُ لفُلانٍ على فُلانٍ بحَقٍّ. فإنَّه يُقْبَلُ قوْلُه. وعلى قَوْلِ أبى الخَطّابِ: يَصِحُّ أمانُه، فقُبِلَ خبرُه به (1)، كالحاكِمِ في حَالِ وِلايَتِه. وهو قولُ الأوْزَاعِىِّ. ويَحْتَمِلُ أن لا يُقْبَلَ؛ لأنَّه ليس له أن يُؤَمِّنَه في الحالِ، فلم يُقْبَلْ إقْرارُه به، كما لو أقَرَّ بحَقٍّ على غيرِه. وهذا قولُ الشافعىِّ.
1485 - مسألة: (ومَن قال لكافِرٍ: أنْتَ آمِنٌ. أو: لا بَأْسَ عَلَيك. أو: أجَرْتُكَ. أو: قِفْ. أو: ألْقِ سِلاحَكَ. أو: مترس
(2). فَقَدْ أَمَّنَهُ) قد ذَكَرْنا مَن يصِحُّ أمانُه، وقد ذكَرْنا ههُنا صِفَةَ الأمانِ. والذى
(1) في م: «لأنه» .
(2)
أى: لا تخف. فارسية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَرَد به الشَّرْعُ لَفْظَتان؛ أجَرتُكَ، وأمَّنْتُكَ. قال اللَّهُ تَعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِيْنَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} (1). وقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أجَرْتِ، وأمَّنَّا مَنْ أمَّنْتِ» (2). وقال: «مَنْ دَخَلَ دَارَ أبِى سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ» (3). وفى معنى ذلك قولُه: لا تَخَفْ. لا تَذْهَلْ. لا تَخْشَ. لا خوْفَ عَلَيك. لا بَأْسَ عَلَيك. وقد رُوِى عن عُمَرَ، أنَّه قال: إذا قُلْتُم: لا بَأْسَ. أو: لا تَذْهَلْ. أو: مترس. فقد أمَّنْتُموهم؛ فإنَّ اللَّهَ تعالى يَعْلَمُ الأَلْسِنَةَ (4). ورُوِىَ عن عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال للهُرْمُزانِ: تَكَلَّمْ، ولا بَأْسَ عليك. فلمَّا تَكَلَّمَ، أمرَ عُمَرُ بقَتْلِه، فقال أنَسُ بنُ مالكٍ: ليس لك إلى ذلك سبيلٌ، قد أمَّنْتَه. قال عُمَرُ: كلَّا. فقال الزُّبَيْرُ: إنَّك قد قُلْتَ: تَكَلَّمْ، ولا بأْسَ عليك. فدَرَأ عنه عُمَرُ القَتْلَ. روَاه سعيدٌ وغيرُه (5). ولا نعْلَمُ في هذا كلِّه خِلافًا. وأمَّا إن قال له: قِفْ. أو: قُمْ. أو: ألْقِ سِلاحَكَ. فقال أصْحابُنا: هو أمانٌ أيضًا؛ لأنَّ
(1) سورة التوبة 6.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 343. من حديث أم هانئ.
(3)
أخرجه مسلم، في: باب فتح مكة، من كتاب الجهاد. صحيح مسلم 3/ 1408. وأبو داود، في: باب ما جاء في خبر مكة، من كتاب الامارة. سنن أبى داود 2/ 144. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 292، 538.
(4)
أخرجه البيهقى، في: باب كيف الأمان، من كتاب السير. السنن الكبرى 9/ 96. وسعيد بن منصور، في: باب الإشارة إلى المشركين والوفاء بالعهد، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 230. وعبد الرزاق، في: باب دعاء العدو، من كتاب الجهاد. وفى: باب القضاة، من كتاب الجامع. المصنف 5/ 219، 220.
(5)
تقدم تخريجه في صفحة 346.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الكافِرَ يَعْتَقِدُ هذا أمانًا، فأشْبَهَ قَوْلَه: أمَّنْتُك. وقال الأوْزَاعِىُّ: إنِ ادَّعَى الكافِرُ أنَّه أمانٌ، وقال: إنَّما وقَفْتُ لذلك. فهو آمِنٌ، وإن لم يَدَّعِ ذلك، فلا يُقْبَلُ. قال شيخُنا (1): ويَحْتَمِلُ أنَّ هذا ليس بأمانٍ؛ لأنَّ لَفْظَه لا يُشْعِرُ به، وهو يُسْتَعْمَلُ للإِرْهابِ والتَّخْوِيفِ، فأشْبَهَ قوْلَه: لأقْتُلَنَّك. لكن يُرْجَعُ إلى القائِلِ، فإن قال: نَوَيْتُ به الأمانَ. فهو أمانٌ. وإن قال: لم أُرِدْ أمانه. نَظَرْنا في الكافِرِ؛ فإن قال: اعْتَقَدْتُه أمانًا. رُدَّ إلى مَأْمَنِه، ولمِ يَجُزْ قَتْلُه، وإن لم يَعْتَقِدْه أمانًا فليس بأمانٍ، كما لو أشارَ إليهم بما اعْتَقَدُوه أمانًا.
فصل: فإن أشارَ إليهم بما اعْتَقَدُوه أمانًا، وقال: أرَدْتُ به الأمانَ. فهو أمانٌ، وإن قال: لم أُرِدْ به الأمانَ. فالقَوْلُ قوْلُه؛ لأنَّه أعْلَمُ بنِيَّتِه. فإن خَرَج الكُفَّارُ مِن حِصْنِهم بِناءً على أنَّ هذه الإِشارَةَ أمان، لم يَجُزْ قَتْلُهم، ويُرَدُّون إلى مَأْمَنِهم. فقد قال عُمَرُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: واللَّهِ لو أنَّ أحَدَكُم أشارَ بإصْبَعِه إلى السَّمَاءِ إلى مُشْرِكٍ، فنَزَلَ بأمانِه، فقَتَلَه، لقَتَلْتُه به. رَواه سعيدٌ (2). وإن ماتَ المُسلمُ أو غابَ، فإنَّهم يُرَدُّون إلى مَأْمَنِهم. وبهذا قال مالكٌ، والشافعىُّ، وابنُ المُنْذِرِ. فإن قيل: فكيف صَحَّحْتُم الأمانَ بالإِشارَةِ، مع القُدْرَةِ على النُّطْقِ، بخِلافِ البَيْعِ والطَّلاقِ والعِتْقِ؟ قُلْنا: تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ، كما حُقِنَ دَمُ مَن له شُبْهَةُ كتابٍ؛ تَغْلِيبًا لحَقْنِ دَمِه،
(1) في: المغنى 13/ 194.
(2)
في: باب الإشارة إلى المشركين والوفاء بالعهد، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 229.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولأنَّ الكُفَّارَ في الغالِبِ لا يَفْهَمُون كلامَ المسلمين، ولا يَفْهَمُ المسلمون كَلامَهم، فدَعَتِ الحاجَةُ إلى الإِشارَةِ، بخِلافِ غيرِه. ومَن قال لكافِرٍ: أنْتَ آمِنٌ. فرَدَّ الأمانَ، لم يَنْعَقِدْ، لأنَّه إيجابُ حَقٍّ بعَقْدٍ، فلم يَصِحَّ مع الرَّدِّ، كالبَيْعِ، وإن قَبِلَه ثم رَدَّه انْتَقَضَ، لأنَّه حَقٌّ له، فسَقَطَ بإسْقاطِه، كالرِّقِّ.
فصل: إذا سُبِيَتْ كافِرَةٌ، وجاءَ ابْنُها يَطْلُبُها، وقال: إنَّ عِنْدِى أسِيرًا مُسْلِمًا، فأطْلِقُوها حتَّى أُحْضِرَه. فقال الإِمامُ: أحْضِرْه. فأحْضَرَه، لَزِم إطْلاقُها؛ لأنَّ المفْهُومَ مِن هذا إجَابَتُه إلى ما سألَ. فإن قال الإِمامُ: لم أُرِدْ إجابَتَه. لم يُجْبَرْ على تَرْكِ أسِيرِه، ورُدَّ إلى مَأْمَنِه. وقال أصحابُ الشافعىِّ: يُطْلَقُ الأسِيرُ، ولا تُطْلَقُ المُشْرِكَةُ، لأنَّ المسلمَ حُرٌّ لا يجوزُ أن يكونَ ثَمَنَ مَمْلْوكَةٍ، ويُقالُ: إنِ اخْتَرْتَ شِراءَها، فَائْتِ بثَمَنِها. ولَنا، أنَّ هذا يُفْهَمُ منه الشَّرْطُ، فوَجَبَ الوَفاءُ به، كما لو صَرَّح به، ولأنَّ الكافِرَ فَهِم منه ذلك، وبَنَى عليه، فأشْبَهَ ما لو فَهِم الأمانَ مِن الإِشارَةِ. وقولُهم: لا يكونُ الحُرُّ ثَمَنَ مَمْلُوكَةٍ. قُلْنا: لكنْ يصْلُحُ أن يُفادَى بها، فقد فادَى النبىُّ صلى الله عليه وسلم بالأسِيرَةِ التى أخَذَها مِن سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ رَجُلَيْن (1) مِن المسلمين (2)، وفادَى رَجُلَيْن (1) مِن المسلمين بأسِيرٍ مِن الكُفَّارِ (3)، ووَفَّى لهم برَدِّ مَن جاءَ مسلمًا، وقال: «إنَّهُ لَا يَصْلُحُ في
(1) في م: «برجلين» .
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 87.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 84.