الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَهُ أَنْ يُنَفِّلَ فِى الْبَدْأَةِ الرُّبْعَ بَعْدَ الْخُمْسٍ، وَفِى الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ بَعْدَهُ، وَذَلِكَ إِذَا دَخَلَ الْجَيْشُ بَعَثَ سَرِيَّةً تُغِيرُ، وَإذَا رَجَعَ بَعَثَ أُخْرَى، فَمَا أتَتْ بِهِ أَخْرَجَ خُمْسَهُ، وَأَعْطَى السَّرِيَّةَ مَا جَعَلَ لهَا، وَقَسَمَ الْبَاقِىَ فِى السَّرِيَّةِ وَالْجَيْشِ مَعًا.
ــ
وتَفاوُتُ ما بينَ عَيْنِ الشئِ وقِيمَتِه يَسِيرٌ، لا سِيَّما وهو في حَقِّ شَخْصٍ واحدٍ، ومُراعاةُ حَقِّ المسلمين بدَفْع، الضَّرَرِ الكثيرِ عنهم أوْلَى مِن دَفعِ الضَّرَرِ اليَسِير عن واحدٍ منهم أو مِن غيرِهم، ولهذا قُلْنا لمَن وَجَد مالَه قبلَ قَسْمِه: إنَّه أحَقُّ به. فإن وَجَده بعدَ قَسْمِه، لم يَأْخُذْه إلَّا بثَمَنِه (1)؛ لئلَّا يُؤَدِّىَ إلى الضَّرَرِ بنَقْضِ القِسْمَةِ، أو حِرْمانِ مَن وَقَع ذلك في سَهْمِه.
1422 - مسألة: (وله أن يُنَقِّلَ في البَدْأةِ الرُّبْعَ بعدَ الخُمْسِ، وفى الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ بَعْدَه، وذلك
(2) إذا دَخَل الجَيْشُ بَعَث سَرِيَّةً تُغِيرُ، وإذَا رَجَعَ بَعَث أُخْرَى، فَمَا أتَتْ به أخْرَجَ خُمْسَه، وأعْطَى السَّرِيَّةَ مَا جَعَلَ لَها، وقَسَم الباقِىَ لِلجَيْشِ والسَّرِيَّةِ مَعًا) النَّفَلُ: الزِّيادَةُ على السَّهْمِ المُسْتَحَقِّ، ومنه نَفْلُ الصَّلاةِ، وهو ما زِيدَ على الفَرْضِ، وقولُ اللَّهِ تعالى:
(1) في م: «بثمن» .
(2)
بعده في م: «أنه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} (1). كأنَّه سألَ اللَّهَ ولدًا، فأعْطاه ما سألَ وزادَه ولدَ الوَلَدِ، والمُرادُ بالبَدْأةِ هُنا، ابْتداءُ دُخُولِ دارِ الحَرْبِ، والرَّجْعَةِ، رُجُوعُه عنها. والنَّفَلُ في الغَزْوِ ينْقَسِمُ ثلاثةَ أقسامٍ؛ أحدُها، هذا؛ وهو أنَّ الإمامَ أو نائِبَه إذا دَخَل دارَ الحَرْبِ غازيًا، بَعَث بينَ يدَيْه سَرِيَّةً تُغِيرُ على العَدُوِّ، ويَجْعَلُ لهم الرُّبْعَ بعدَ الخُمْسِ، فما قَدِمَتْ به السَّرِيَّةُ أخْرَجَ خُمْسَه، ثم أعْطَى السَّرِيَّةَ ما جَعَلَ لهم، وهو رُبْعُ الباقى، ثم قَسَم ما بَقِىَ في الجَيْشِ والسَّرِيَّةِ معًا. فإذا قَفَل، بَعَث سَرِيَّة تُغِيرُ، وجَعَل لهم الثُّلُثَ بعدَ الخُمْسِ، فما قَدِمَتْ به السَّرِيَّةُ أخْرَجَ خُمْسَه، ثم أعْطَى السَّرِيَّةَ ثُلُثَ ما بَقِىَ، ثم قَسَم سائِرَه في الجَيْشِ والسَّريَّةِ معه. وبهذا قال حبيبُ بنُ مَسْلَمَةَ (2)، والحسنُ، والأوْزَاعِىُّ، وجماعةٌ مِن أهْلِ العِلْمِ. ورُوِىَ عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، أنَّه لا نَفَلَ بعدَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ولَعَلَّه احْتَجَّ بقولِه تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} (3). فخَصَّه بها، وكان ابنُ المُسَيَّبِ، ومالكٌ يقولان: لا نَفَلَ إلَّا مِن الخُمْسِ. وقال الشافعىُّ: يُخْرَجُ مِن خُمْسِ الخُمْسِ؛ لِما
(1) سورة الأنبياء 72.
(2)
حبيب بن مسلمة بن مالك الفهرى القرشى، أبو عبد الرحمن، له صحبة ورواية يسيرة، كان في غزوة تبوك ابن إحدى عشرة سنة، وجاهد في خلافة أبى بكر، وشهد اليرموك أميرًا، وكان ذا نكاية قوية في العدو. توفى سنة اثنتين وأربعين، وكان واليًّا على أرمينية لمعاوية. سير أعلام النبلاء 3/ 188، 189.
(3)
سورة الأنفال 1.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
روَى ابنُ عُمَرَ، أنَّ رسولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم بَعَث سَرِيَّةً فيها عبدُ اللَّهِ ابنُ عُمَرَ، فغَنِمُوا إبِلًا كثيرًا، فكَانت سُهْمانُهم اثْنَىْ عَشَرَ بعيرًا، ونُفِّلُوا بعيرًا بعيرًا. مُتَّفَقٌ عليه (1). ولو أعْطاهم مِن أربعةِ أخْماسِ الغَنِيمَةِ التى هى لهم، لم يَكُنْ نَفَلًا، وكان من سُهْمانِهم. ولَنا، ما روَى حبيبُ بنُ مَسْلَمَةَ الفِهْرِىُّ، قال: شَهِدْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَفَّلَ الرُّبْعَ في البَدْأةِ، والثُّلُثَ في الرَّجْعَةِ. وفى لفْظٍ: إنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يُنَفِّلُ الرُّبْعَ بعدَ الخُمْسِ، والثُّلُثَ بعدَ الخُمْسِ إذا قَفَل. رَواهُما أبو داودَ (2). وعن عُبادَةَ بنِ الصّامِتِ، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يُنَفِّلُ في البَدْأةِ الرُّبْعَ، وفى القُفُولِ الثُّلُثَ. رَواه التِّرْمِذِىُّ (3)، وقال: حديث حسَنٌ غَريبٌ. وروَى الأثْرَمُ بإسْنادِه عن جَرِيرِ بنِ عبدِ اللَّهِ البَجَلِىِّ، أنَّه لمّا قَدِمَ على عُمَرَ في قَوْمِه، قال له عُمَرُ: هل لكَ أن تَأْتِىَ الكُوفَةَ، ولك الثُّلُثُ بعدَ الخُمْسِ
(1) أخرجه البخارى، في: باب السرية التى قِبَلَ نجد، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 5/ 203. ومسلم، في: باب الأنفال، من كتاب الجهاد. صحيح مسلم 3/ 1368.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في نفل السرية تخرج من المعسكر، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 71، 72. والدارمى، في: باب في أن النفل إلى الإمام، من كتاب السير. سنن الدارمى 2/ 228. والإمام مالك، في: باب جامع النفل في الغزو، من كتاب الجهاد. الموطأ 2/ 450. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 62.
(2)
في: باب في من قال: الخمس قبل النفل، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 72، 73.
كما أخرج الثانى ابن ماجه، في: باب النفل، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 951. والدارمى، في: باب النفل بعد الخمس، من كتاب السير. سنن الدارمى 2/ 229. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 159، 160.
(3)
في: باب في النفل، من أبواب السير. عارضة الأحوذى 7/ 52.
كما أخرجه الدارمى، في: باب في أن ينفل في البدأة الربع. . .، من كتاب السير. سنن الدارمى 2/ 329. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 324.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن كلِّ أرضٍ وشئٍ؟. فأمَّا قولُ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، فإنَّ مَكْحُولًا قال له حينَ قال: لا نَفَلَ بعدَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وذكرَ له حديثَ حَبِيبِ بنِ مَسْلَمَةَ: شَغلَك أكْلُ الزَّبِيبِ بالطَّائِفِ. وما ثَبَت للنبىِّ صلى الله عليه وسلم، ثَبَت للأئِمَّةِ بعدَه، ما لم يَقُمْ على تخْصِيصِه به دَلِيلٌ. وأمَّا حديثُ ابنِ عُمَرَ، فهو حُجَّةٌ عليهم، فإنَّ بعيرًا علِى اثْنَىْ عَشَرَ، يَكُونُ جُزْءًا مِن ثَلاثَةَ عَشَرَ، وخُمْسُ الخُمْسِ جزءٌ مِن خَمْسَةٍ وعِشْرِين جزءًا، وجزءٌ مِن ثَلاثَةَ عَشَرَ أكثرُ، فلا يُتَصَوَّرُ أخْذُ الشئِ مِن أقلَّ منه، فيَتَعَيَّنُ أن يَكُونَ مِن غيرِه، أَوْ أنَّ النَّفَلَ كان للسَّرِيَّةِ دُونَ سائِرِ الجَيْشِ. على أنَّ ما رَوَيْناه صَرِيحٌ في الحُكْمِ، ولا يُعارَضُ بشئٍ مُسْتَنبطٍ، يَحْتَمِلُ غيرَ ما حَمَلَه عليه مَن اسْتَنْبَطَه. إذا ثَبَت هذا، فظاهِرُ كلامِ أحمدَ أنَّهم إنَّما يَسْتَحِقُّونَ هذا بالشَّرْطِ السّابِقِ، فإن لم يَكُنْ شَرَطَه لهم فلا. قِيلَ له: أليس قد نَفَّلَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم في البَدْأةَ الرُّبْعَ، وفى الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ؟ قال: نعم، ذاك إذا نَفَّلَ. وتَقَدَّمَ القَوْلُ فيه. فعلى هذا، إن رَأَى الإِمامُ أن لا يُنَفِّلَهم، فله ذلك، وإن رَأى أن يُنَفِّلَهم دُونَ الثُّلُثِ والرُّبْعِ، فله ذلك؛ لأنَّه إذا جازَ تَرْكُ النَّفَلِ كلِّه، جازَ تَرْكُ البعضِ. ولا يجوزُ أن يُنَفِّلَ أكثرَ مِن الثُّلُثِ. نَصَّ عليه أحمدُ. وهذا قولُ مَكْحُولٍ، والأوْزَاعِىِّ، وجُمْهورِ العُلَماءِ. وقال الشافعىُّ: لا حَدَّ للنَّفَلِ، بل هو مَوْكُولٌ إلى اجْتِهادِ الإِمامِ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم نفَّلَ مَرَّةً الثُّلُثَ، ومَرَّةً الرُّبْعَ. وفى حديثِ ابنِ عُمَرَ نَفَّلَ نِصْف
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
السُّدْسِ. فهذا يدُلُّ على أنَّه ليس للنَّفَلِ حَدٌّ لا يتجاوزُه الإِمامُ، فيَنْبَغِى أن يَكُونَ مَوْكُولًا إلى اجْتِهادِه. ولَنا، أنَ نَفَلَ النبىِّ صلى الله عليه وسلم انْتَهى إلى الثُّلُثِ، فيَنْبَغِى أن لا يتَجاوزَه، وما ذَكَرَه الشافعىُّ يَدُلُّ على أنَّه ليس لأقَلِّ النَّفَلِ حَدٌّ، وأنَّه يجوزُ أنْ يُنَفِّلَ أقَلَّ مِن الثُّلُثِ والرُّبْعِ، ونحن نقولُ به، على أن هذا القولَ مع قوْلِه: إنَّ النَّفَلَ مِن خُمْسِ الخُمْسِ. تناقُضٌ. فإن شَرَطَ لهم الإِمامُ زِيادَةً على الثُّلُثِ، رُدُّوا إليه. وقال الأوْزَاعِىُّ: لا يَنْبَغِى أن يَشْتَرِطَ النِّصْفَ، فإن زادَهم على ذلك، فلْيَفِ لهم به، ويَجْعَلْ ذلك مِن الخُمْسِ. وإنَّما زِيدَ في الرَّجْعَةِ على البَدْأةِ في النَّفَلِ؛ لمَشَقَّتِها، فإنَّ الجَيْشَ في البَدْأةِ رِدْءٌ للسَّرِيَّةِ، تابعٌ لها، والعَدُوُّ خائِفٌ، ورُبَّما كان غارًّا، وفى الرَّجْعَةِ لا رِدْءَ للسَّرِيَّةِ؛ لأنَّ الجَيْشَ مُنْصَرِفٌ عنهم، والعَدُوَّ مُسْتَيْقِظٌ كَلِبٌ. قال أحمدُ: في البَدْأةِ إذا كان ذاهِبًا الرُّبْعُ، وفى القَفْلَةِ إذا كان في الرُّجُوعِ الثُّلُثُ؛ لأنَّهم يشْتاقُون إلى أهليهم، فهذا أكثرُ.
القسمُ الثَّانِى، أن يُنَفِّلَ الإِمامُ بعضَ الجَيْشِ؛ لغَنائِه وبَأْسِه وبَلائِه، أو لمَكْروهٍ تحمَّلَه دُونَ سائِرِ الجَيْشِ. قال أحمدُ، في الرجلِ يأمرُه الأمِيرُ يَكُونُ طَليعةً، أو عندَه، يدفعُ إليه رأسًا مِن السَّبْى أو دابَّةً، قال: إذا كان رجلٌ له غَناءٌ، أو يُقاتِلُ، فلا بَأْسَ، ذلك أنْفَعُ لهم، يُحَرَّضُ هو وغيرُه، ويُقاتِلُونَ ويَغْنَمُون. وقال: إذا نَفَّذَ الإِمامُ صَبِيحَةَ المَغارِ الخيلَ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيُصِيبُ بعضُهم، وبعضُهم لا يَأْتِى بشئٍ، فللْوالِى أن يَخُصَّ بعضَ هؤلاء الذين جاءُوا بشئٍ دُونَ هؤلاء. وظاهِرُ هذا، أنَّ له إعْطاءَ مَن هذا حالُه مِن غيرِ شَرْطٍ. وحُجَّةُ هذا حديثُ سَلَمَةَ بنِ الأكْوَعِ، أنَّه قال: أغارَ عبدُ الرحمنِ بنُ عُيَيْنَةَ على إبِلِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فاتَّبَعْتُهم، فذَكَرَ الحديثَ، فأعْطَانِى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَهْمَ الفارِسِ والرّاجلِ. رَواه مسلمٌ (1). وعنه، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أمَّرَ أبا بكرٍ، قال: فبَيَّتْنا عَدُوَّنا، فقَتَلْت ليْلَتَئِذٍ تِسْعَةَ أهْلِ أبْياتٍ، وأخذْتُ منهم امرأةً، فنَفَّلَنِيها أبو بكرٍ، فلمّا قَدِمْتُ المدينةَ، اسْتَوْهَبَنِيها النبىُّ صلى الله عليه وسلم، فوَهَبْتُها له. رَواه مسلمٌ (2).
القسمُ الثالثُ، أن يَقُولَ الأميرُ: مَن طَلَع هذا الحِصْنَ -أو- هَدَم هذا السُّورَ -أو- نَقَب هذا النَّقْبَ -أو- فَعَل كذا، فله كذا. أو:
(1) في: باب غزوة ذى قرد وغيرها، من كتاب الجهاد والسير. صحيح مسلم 3/ 1432، 1439 - 1441. كما أخرجه أبو داود، في: باب في السرية تردُّ على أهل العسكر، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 73، 74. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 52، 53.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 87.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَن جاء بأسِيرٍ فله كذا. فهذا جائِزٌ في قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ، منهم الثَّوْرِىُّ. قال أحمدُ: إذا قال: من جاءَ بعَشْرِ دَوابَّ -أو- بَقَرٍ -أو- غَنَمٍ، فلَه واحِدٌ. فمَن جاءَ بخَمْسةٍ أعْطاه نِصْفَ ما قالَ لهم، ومَن جاءَ بشئٍ أعْطاه بقَدْرِه. قيل له: إذا [قال: مَن جاءَ](1) بعِلْجٍ، فله كذا وكذا. فجاءَ بعِلْجٍ، يَطِيبُ له ما يُعْطَى؟ قال: نعم. وكَرِهَ مالكٌ هذا القَسْمَ، ولم يَرَه، وقال: قِتالُهم على هذا الوَجْهِ إنَّما هو للدُّنْيا. وقال هو وأصْحابُه: لا نَفَلَ إلَّا بعدَ إحْرازِ الغَنِيمَةِ. وقال مالكٌ: ولم يَقُلْ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» (2). إلَّا بعدَ أن بَرَد القِتالُ. ولَنا، ما تَقَدَّمَ مِن حديثِ حَبيبٍ، وعُبادَةَ، وما شَرَطَه عُمَرُ لجَرِيرِ بنِ عبدِ اللَّهِ، وقولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«مَن قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» . ولأنَّ فيه تَحْرِيضًا على القِتالِ، فجازَ، كاسْتِحْقاقِ الغَنِيمَةِ، وزِيادَةِ السَّهْمِ للفارسِ، واسْتِحْقاقِ السَّلَبِ، وما ذَكَرَه يَبْطُلُ بهذه المسائِلِ. وقولُه: إنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم إنَّما جَعَلَ السَّلَبَ للقاتِلِ بعدَ أن بَرَد القِتالُ. قُلْنا: قولُه ذلك ثابِتُ الحُكْمِ فيما يأْتِى مِن الغَزَواتِ بعدَ قولِه، فهو بالنِّسْبَةِ إليها كالمَشْرُوطِ في أوَّلِ الغَزاةِ. قال القاضى: لا يَجُوزُ هذا إلَّا إذا كان فيه مَصْلَحَةٌ للمسلمين، فإن لم تَكُنْ فيه فائِدَةٌ، لم يَجُزْ؛ لأنَّه إنَّما يَخْرُجُ على وَجْهِ المَصْلَحَةِ، فاعْتُبِرَتِ الحاجَةُ فيه، كأُجْرَةِ الحَمّالِ والحافظِ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّ النَّفَلَ لا يخْتَصُّ بنَوْعٍ مِن المالِ. وذَكَر الخَلَّالُ أنَّه
(1) سقط من: الأصل.
(2)
يأتى تخريجه في حديث أبى قتادة المسألة رقم 1427.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا نَفَلَ في الدَّراهِمِ والدَّنانِيرِ. وهو قولُ الأوْزَاعِىِّ؛ لأنَّ القاتِلَ لا يَسْتَحِقُّ شيئًا منها، فكذلك غيرُه. ولَنا، حديثُ حَبِيبِ بنِ مَسْلَمَةَ، وعُبادَةَ، فإنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم جَعَل لهم الثُّلُثَ والرُّبْعَ، وهو عامٌّ في كلِّ ما غَنِمُوه، ولأنَّه نَوْعُ مالٍ، فجازَ النَّفَلُ فيه، كسائِرِ الأمْوالِ. وأمّا القاتِلُ، فإنَّما نُفِّلَ السَّلَبَ، وليستِ الدَّراهمُ والدَّنانِيرُ مِن السَّلَبِ، فلم يَسْتَحِقَّ غيرَ ما جُعِلَ له.
فصل: نَقَل أبو داودَ، عن أحمدَ، أنَّه قال له: إذا قالَ: مَن رَجَع إلى السّاقَةِ فله دينارٌ. والرجلُ يَعْمَلُ في سِياقَةِ الغَنَمِ؟ قال: لم يَزَلْ أهْلُ الشَّامِ يفعلُون هذا، وقد يكونُ في رُجُوعِهم إلى السّاقَةِ وسِياقَةِ الغَنَمِ مَنْفَعَةٌ. قيلَ له: فإنْ أغارَ على قَرْيَةٍ فنَزَلَ فيها، والسَّبْىُ والدَّوابُّ والخُرْثِىُّ (1) معهم في القريةِ، ويمْنَعُ الناسَ مِن جَمْعِه الكَسَلُ، لا يخافُون عليه العَدُوَّ، فيَقُولُ الإِمامُ: مَن جاءَ بعَشَرَةِ أثْوابٍ فله ثَوْبٌ، ومَن جاءَ بعَشَرَةِ رُءُوسٍ فله رأْسٌ؟ قال: أرْجُو أن لا يَكُونَ به بَأْسٌ. قيلَ له: فإن قال (2): مَن جاءَ بعِدْلٍ مِن دَقِيقِ الرُّومِ فلَهُ دِينارٌ. يُرِيدُه لطَعامِ السَّبْى، ما تَرَى في أخْذِ الدِّينارِ؟ فما رَأى به بأْسًا. قيل: فالإِمامُ يُخْرِجُ السَّرِيَّةَ وقد نَفَّلَهم جميعًا، فلمّا كان يَوْمُ المَغارِ نادَى: مَن جاءَ بعَشَرَةِ رُءُوسٍ فله رأْسٌ، ومَن جاءَ بكذا فله كذا. فذَهَبَ النّاسُ فطَلَبُوا، فما تَرَى في هذا النَّفَلِ؟ قال: لا بَأْسَ به إذا كان يُحَرِّضُهم على ذلك، ما
(1) الخرثي: أثاث البيت وأردأ المتاع والغنائم.
(2)
في م: «قيل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لم يسْتَغْرِقِ الثُّلُثَ. قلتُ: لا بأْسَ بنَفَلَيْن في شئٍ واحدٍ؟ قال: نعم، ما لم يَسْتَغْرِقِ الثُّلُثَ. سَمِعْتُه غيرَ مَرَّةٍ يقولُ ذلك.
فصل: قال أحمدُ: والنَّفَلُ مِن أرْبعةِ أخْماسِ الغَنِيمَةِ. هذا قولُ أنَسِ ابنِ مالكٍ، وفُقَهاءِ الشامِ؛ منهم رجاءُ بنُ حَيْوَةَ (1)، وعُبادَةُ بنُ نُسَىٍّ، وعَدِىُّ بنُ عَدِىٍّ (2)، ومَكْحُولٌ، والقاسِمُ بنُ عبدِ الرحمنِ، ويزيدُ بنُ أبى مالكٍ (3)، ويحيى بنُ جابِرٍ (4)، والأوْزَاعِىُّ. وبه قال إسْحاقُ، وأبو عُبَيْدٍ. قال أبو عُبَيْدٍ: والناسُ اليومَ على هذا. قال أحمدُ: وكان سعيدُ ابنُ المُسَيَّبِ، ومالكُ بنُ أنَسٍ، يقولان: لا نَفَلَ إلَّا مِن الخُمْسِ. فكيفَ خَفِىَ عنهما هذا مع عِلْمِهِما؟، قالَ النَّخَعِىُّ، وطائِفَةٌ: إن شاءَ الإِمامُ نَفَّلَهم قبلَ الخُمْسِ، وإنْ شاءَ بعدَه. وقال أبو ثَوْرٍ: إنَّما النَّفَلُ قبلَ الخُمْسِ. واحْتَجَّ مَن ذهَب إلى هذا بحدِيثِ ابنِ عُمَرَ الذى أوْرَدْناه. ولَنا، ما روَى مَعْنُ بنُ يَزِيدَ السُّلَمِىُّ، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «لَا نَفَلَ إلَّا بَعْدَ الخُمْسِ» . رَواه أبو داودَ (5)، وابنُ عبدِ البَرِّ.
(1) هو رجاء بن حيوة بن جرول، أبو نصر الكندى، العالم الفقيه، كان من جلة التابعين. توفى سنة اثنتى عشرة ومائة. سير أعلام النبلاء 4/ 557 - 561.
(2)
عدى بن عدى بن عميرة الكندى، سيد أهل الجزيرة، كان ناسكا فقيها ثقة، توفى سنة عشرين ومائة. تهذيب التهذيب 7/ 168، 169.
(3)
يزيد بن عبد الرحمن بن أبى مالك، العلامة قاضى دمشق. توفى سنة ثلاثين ومائة. سير أعلام النبلاء 5/ 437، 438.
(4)
يحيى بن جابر الطائى أبو عمرو الحمصى القاضى، توفى سنة ست وعشرين ومائة. تهذيب التهذيب 11/ 191.
(5)
في: باب في النفل من الذهب والفضة ومن أول مغنم، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 74. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 3/ 470.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهذا صريحٌ. وحديثُ حَبِيبِ بنِ (1) مَسْلَمَةَ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان يُنَفِّلُ الرُّبْعَ بعدَ الخُمْسِ، والثُّلُثَ بعدَ الخُمْسِ. وحدِيثُ جَرِيرٍ حينَ قال له عُمَرُ: لك الثُّلُثُ بعدَ الخُمْسِ. ولأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم نَفَّلَ الثُّلُثَ، ولا يُتَصَوَّرُ إخْراجُه مِن الخُمْسِ. ولأنَّ اللَّهَ تعالى قال:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} (2). يَقْتَضِى أن يَكُونَ الخُمْسُ خارجًا مِن الغَنِيمَةِ كلِّها. وأمّا حديثُ ابنِ عُمَرَ، فقد رَواه شُعَيْبٌ، عن نافِعٍ، عن ابنِ عُمَرَ، قال: بَعَثَنا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في جَيْشٍ قِبَلَ نَجْدٍ، وابْتَعَثْتُ (3) السَّرِيَّةً مِن الجَيْشِ، فكان سُهْمانُ الجيشِ اثْنَىْ عَشَرَ بَعِيرًا، ونَفَلُ أهلِ السَّرِيَّةِ بعيرًا بعيرًا، فكانتْ سُهْمانُهم ثَلاثَةَ عَشَرَ بعيرًا (4). فهذا يُمْكِنُ أن يَكُونَ نَفَّلَهم مِن أرْبَعَةِ أخْماسِ الغَنِيمَةِ دُونَ بَقِيَّةِ الجَيْشِ، كما يُنَفِّلُ (5) السَّرايَا. ويتَعَيَّنُ حَمْلُ هذا الخَبَرِ على هذا؛ لأنَّه لو أعْطَى جميعَ الجَيْشِ، لم يَكُنْ ذلك نَفَلًا، وكان قد قَسَمَ لهم أكثرَ مِن أرْبَعةِ الأخْماسِ، وهو خلافُ الآيَةِ والأخْبارِ.
فصل: وكلامُ أحمدَ في أنَّ النَّفَلَ مِن أرْبَعةِ الأخْماسِ عامٌّ؛ لعُمُومِ الخَبَرِ فيه، ويَحْتَمِلُ أن يُحْمَلَ على القِسْمَيْنِ الأوَّلَيْن مِن النَّفَلِ. فأمَّا
(1) في النسخ: «بن أبى» . وانظر مصادر التخريج في صفحة 135.
(2)
سورة الأنفال 41.
(3)
في م: «ابتعث» .
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 135.
(5)
في م: «يفعل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القِسْمُ الثالِثُ، وهو أن يَقُولَ: مَن جاءَ بشئٍ فلَه كذا. أو: مَن جاءَ بعَشَرَةِ رُءُوس فلَه رأْسٌ منها. فَيَحْتَمِلُ أن يَسْتَحِقَّ ذلك مِن الغَنِيمَةِ كلِّها؛ لأنَّه يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الجُعْلِ، فأشْبَهَ السَّلَبَ، فإنَّه غيرُ مَخْمُوس. ويَحْتَمِلُ في القسمِ الثانى، وهو زِيادَةُ بعضِ الغانِمين على سَهْمِه، أن يَكُونَ مِن خُمْسِ الخُمْسِ المُعَدِّ للمَصالِحِ؛ لأنَّ عَطيَّةَ هذا مِن المَصالِحِ. والمَذْهَبُ الأوَّلُ؛ لأنَّ عَطِيَّةَ سَلَمَةَ بنِ الأكْوَعِ سَهْمَ الفارسِ زِيادَةً على سَهْمِه، إنَّما كان مِن أرْبعةِ الأخْماسِ.
فصل: قال الخِرَقِىُّ: ويَرُدُّ مَن نُفِّلَ على مَن معه في السَّرِيَّةِ، إذْ بقُوَّتِهم صارَ إليه. ومعْناه: إذا بَعَث سَرِيَّةً ونَفَّلَها الثُّلُثَ أو الرُّبْعَ، فخَصَّ به بعضَهم، أو جاءَ بعضُهم بشئٍ فنفَّلَه، ولم يأْتِ بعضُهم بشئٍ فلم يُنَفِّلْه، شارَكَ مَن نُفِّلَ مَن لم يُنَفَّلْ. وقد نَصَّ أحمدُ على هذا؛ لأنَّ هؤلاء إنَّما أخَذُوا بقُوَّةِ هؤلاء، ولأنَّهم اسْتَحَقُّوا النَّفَلَ على وَجْهِ الإشاعَةِ بينَهم بالشَّرْطِ السّابقِ، فلم يخْتَصَّ واحِدٌ منهم، كالغَنِيمَةِ. فأمَّا النَّفَلُ في القِسْمَيْنِ الأخِيرَيْن، مثلَ أن يَخُصَّ بعضَ الجيش بنَفَلٍ؛ لغَنائِه، أو لجَعْلِه له، كقَوْلِه: مَن جاءَ بعَشَرَةِ رُءُوس فله رأسٌ. فجاءَ واحِدٌ بعَشَرَةٍ دُونَ سائِرِ الجَيْشِ، فيَخْتَصُّ بنَفَلِه دُونَ غيره؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم لمّا خَصَّ مَن قَتَل بسَلَبِ قَتِيلِه اخْتَصَّ به (1)، ولمّا خَصَّ سَلَمَةَ بنَ الأكْوَعِ بسَهْمِ الفارسِ والرّاجِلِ اخْتَصَّ به (2). ولذلك اخْتَصَّ بالمرأةِ التى نَفَّلَها إيّاه
(1) يأتى تخريجه في المسألة رقم 1427.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 138.