الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِىٍّ غَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِى: تُؤْخَذُ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَيَهُودِهِمْ.
ــ
فصل: فإن بَذَل التَّغْلِبىُّ أداءَ الجِزْيَةِ، وتُحَطُّ عنه الصَّدَقَةُ، لم يُقْبَلْ منه؛ لأنَّ الصُّلْحَ وَقَع على هذا، فلا يُغَيَّرُ. ويَحتمِلُ أن يُقْبَلَ؛ لقولِ اللَّهِ تعالى:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]. أي يَبْذُلُوها، وهذا قد أعْطَى الجِزْيَةَ. وإن كان الذى بَذَلَها منهم حَرْبِيًّا، قُبِلَتْ منه؛ للآيَةِ، وخَبَرِ بُرَيْدَةَ (1)، ولأنَّه لم يَدْخُلْ في صُلْحِ الأوَّلِينَ، فلم يَلزمْه حُكْمُه، وهو كِتابِىٌّ باذِلٌ للجِزْيَةِ، فيُحْقَنُ بها دَمُه. فإن أرادَ الإِمامُ نَقْضَ العَهْدِ، وتَجْديدَ الجزْيَةِ عليهم، كفِعْلِ عُمَرَ بنِ عبدِ العزِيزِ، لم يَكُنْ له ذلك؛ لأنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ على التَّأْبِيدِ، وقد عَقَدَه معهم عُمَرُ بنُ الخَطّابِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، فلم يَكُنْ لأحَدٍ نَقْضُه ما دامُوا على العَهْدِ.
1507 - مسألة: (ولا يُؤْخَذُ ذلك مِن كِتابِىٍّ غيْرِهم. وقال القاضى: تُؤْخَذُ مِن نَصارَى العَرَبِ ويَهُودِهم)
وجُمْلَتُه، أنَّ سائِرَ أهْلِ
(1) تقدم تخريجه في صفحة 86.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الكِتابِ، مِن اليهودِ والنَّصارَى العَرَبِ وغيرِهم، تُقْبَلُ منهم الجِزْيَةُ إذا بَذَلُوها، ولا يُؤْخَذُون بما يُؤْخَذُ به نَصارَى بنى تَغْلِبَ. نَصَّ عليه أحمدُ، ورَواه عن الزُّهْرِىِّ. قال: ونَذْهَبُ إلى أن يأْخُذَ مِن مَواشِى بنى تَغْلِبَ خاصَّةً الصَّدَقَةَ، وتُضَعَّفُ عليهم، كما فَعَل عُمَرُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. وذَكَر القاضى، وأبو الخَطّابِ، أنَّ حُكْمَ مَن تَنَصَّرَ مِن تَنُوخَ وبَهْرَا، وتَهَوَّدَ مِن كِنانَةَ وحِمْيَرَ، وتَمَجَّسَ مِن تَمِيمٍ، حُكمُ بنِي تَغْلِبَ، سواءٌ. وذُكِرَ أنَّ الشافعىَّ نَصَّ عليه في تَنُوخَ وبَهْرا؛ لأنَّهم مِن العَرَبِ، فأشْبَهُوا بنى تَغْلِبَ. ولَنا، عُمُومُ قولِه تعالى:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} . وأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم بَعَث مُعاذًا إلى اليَمَنِ، فقال:«خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» (1). وهم عَرَبٌ. وقَبِلَ [الجِزْيَةَ مِن أهْلِ نَجْرانَ، وهم مِن بنِى الحارِثِ بنِ كَعْبٍ. قال الزُّهْرِىُّ: أوَّلُ مَن أعْطَى](2) الجِزْيَةَ
(1) تقدم تخريجه في 6/ 422.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن أهْلِ نَجْرانَ، وكانوا نَصارَى. وأخَذَ الجِزْيَةَ مِن أُكَيْدِر دُومَةَ، وهو عَرَبِىٌّ. ولأنَّ حُكْمَ الجِزْيَةِ ثابِتٌ بِالكِتابِ والسُّنَّةِ في كلِّ كتابِىٍّ، عَرَبِيًّا كان أو غيرَ عَرَبِىٍّ، إلَّا ما خُصَّ به بنو تَغْلِبَ؛ لمُصالَحَةِ عُمَرَ إيَّاهم، [ففى مَن](1) عَداهم يَبْقَى الحُكْمُ على عُمُومِ الكتابِ وشَواهِدِ السُّنَّةِ، ولم يكُنْ بينَ غيرِ بنى تَغْلِبَ وبينَ أحَدٍ مِن الأئِمَّةِ صُلْحٌ كصُلْحِ بنى تَغْلِبَ، فيما بَلَغَنا، ولا يَصِحُّ قِياسُ غيرِ بنى تَغْلِبَ عليهم؛ لوُجُوهٍ؛ أحَدُها، أنَّ قِياسَ سائِرِ العَرَبِ عليهم يُخالِفُ النُّصُوصَ التى ذَكَرْناها، ولا يَصِحُّ قياسُ المَنْصُوصِ عليه على ما يَلْزَمُ منه مُخالَفَةُ النَّصِّ. الثانى، أنَّ العِلَّةَ في بنى تَغْلِبَ الصُّلْحُ، ولم يُوجَدْ مع (2) غيرِهم، ولا يَصِحُّ القِياسُ مع تَخَلُّفِ العِلَّةِ. الثالثُ، أنَّ بنى تَغْلِبَ كانوا ذَوِى قُوَّةٍ وشَوْكَةٍ، لَحِقُوا بالرُّومِ، وخِيفَ منهم الضَّرَرُ إن لم يُصالَحُوا، ولم يُوجَدْ هذا في غيرِهم. فإن وُجِدَ في غيرِهم، فامْتَنَعُوا مِن أداءِ الجِزْيَةِ، أو خِيفَ الضَّرَرُ بتَرْكِ مُصالَحَتِهم، فرأى الإِمامُ مُصالَحَتَهم على أداءِ الجِزْيَةِ باسمِ الصَّدَقَةِ، جازَ، إذا كان المأْخُوذُ منهم بقَدْرِ ما يَجِبُ عليهم مِن الجِزْيَةِ أو زِيادَةً. وذَكَرَ هذا أبو
(1) في م: «ففيما» .
(2)
في م: «في» .