الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ مَلَكُوا دَارًا عَالِيَةً مِنْ مُسْلِمٍ، لَمْ يَجِبْ نَقْضُهَا. وَيُمْنَعُونَ مِنْ إِحْدَاثِ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ، وَلَا يُمْنَعُونَ رَمَّ شَعَثِهَا،
ــ
1524 - مسألة: (وإن مَلَكُوا دارًا عالِيَةً مِن مُسْلِمٍ، لم يَجِبْ نَقْضُها)
لأنَّهم مَلَكُوها على هذهِ الصِّفَةِ. ويَحْتَمِلُ أن يَجِبَ؛ لقَوْلِهم فيما شَرَطُوا على أنْفُسِهم: ولا نَطَّلِعَ عليهم في مَنازِلِهم. ولقَوْلِه عليه السلام: «الإِسْلامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى» .
1525 - مسألة: (ويُمْنَعُون مِن إحْداثِ الكَنائِسِ والبِيَعِ، ولا
وَفِي بِنَاءِ مَا اسْتَهْدَمَ مِنْهَا رِوَايَتَانِ.
ــ
يُمْنَعُون رَمَّ شَعَثِها. وفى بِناءِ ما اسْتَهْدَمَ منها رِوايَتان) أمْصارُ المُسْلِمِين ثلاثةُ أقْسامٍ؛ أحدُها، ما مَصَّرَه المُسْلِمُون، كالبَصْرَةِ والكُوفَةِ وبغدادَ وواسِطَ، فلا يَجُوزُ فيه إحْداثُ كنيسةٍ ولا بِيعَةٍ ولا مُجْتَمَعٍ لصلاتِهم، ولا يَجُوزُ صُلْحُهم على ذلك؛ لِما رُوِى عن ابنِ عباسٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما، أنَّه قال: أيُّما مِصْرٍ مَصَّرَتْه العربُ، فليس للعَجَمِ أن يَبْنُوا فيه بِيعَةً، ولا يَضْرِبُوا فيه ناقُوسًا، ولا يَشْرَبُوا فيه خمرًا، ولا يتَّخِذُوا فيه خِنْزِيرًا. رَواه الإِمامُ أحمدُ (1)، واحْتَجَّ به. ولأنَّ هذا البلَدَ مِلْكٌ
(1) وأخرجه البيهقى، في: باب لا تهدم لهم كنيسة ولا بيعة. . .، من كتاب الجزية. السنن الكبرى 9/ 202. وعبد الرزاق، في: باب هدم كنائسهم وهل يضربون بناقوس، من كتاب أهل الكتاب. المصنف 6/ 60.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
للمُسْلِمِين، فلا يَجُوزُ أن يَبْنُوا فيه مَجامِعَ للكُفْرِ. وما وُجِدَ في هذه البلادِ مِن البِيَعِ والكنائِسِ، مثلَ كنيسةِ الرُّومِ في بغدادَ، فهذه كانت في قُرَى أهْلِ الذِّمَّةِ، فأُقِرَّتْ على ما كانتْ عليه. القسمُ الثانى، ما فَتَحَه المُسْلِمون عَنْوَةً، فلا يَجُوزُ إحْداثُ شئٍ مِن ذلك فيه؛ لأنَّها صارَتْ مِلْكًا للمُسْلِمين، وما فيه مِن ذلك ففيه وجهان؛ أحدُهما، يَجبُ هَدْمُه، وتَحْرُمُ تَبْقِيَتُه؛ لأنَّها بلادٌ مَمْلُوكَةٌ للمُسْلِمِين، فلم يَجُزْ أن تكُوَنَ فيها بِيعَةٌ، كالبلادِ التى اخْتَطَّها المُسْلِمُون. والثانى، يَجُوزُ؛ لأنَّ في حديثِ ابنِ عَباسٍ: أيُّما مِصْرٍ مَصَّرَتْه العَجَمُ، ثم فَتَحَه اللَّهُ على العَرَبِ، فنزَلُوه، فإنَّ للعَجَمِ ما في عَهْدِهم. ولأنَّ الصَّحابَةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم، فتَحُوا كثيرًا مِن البلادِ عَنْوَةً، فلم يَهْدِمُوا شيئًا مِن الكنائِسِ. ويَشْهَدُ بصِحَّةِ هذا وجودُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الكنائِسِ والبِيَعِ في البلادِ التى فُتِحَتْ عَنْوَةً، ومعلومٌ أنَّها لم تُحْدَثْ، فلَزِمَ أن تكونَ موْجُودةً فأُبْقِيَتْ. وقد كَتَب عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، إلى عُمّالِه: أن لا تَهْدِمُوا بِيعَةً ولا كنِيسَةً ولا بَيْتَ نارٍ. ولأنَّ الإِجْماعَ قد حَصَلَ على ذلك، فإنَّها موجودَةٌ في بلادِ المُسْلِمِين مِن غيرِ نَكِيرٍ. القسمُ الثالثُ، ما فُتِحَ صُلْحًا، وهو نَوْعان؛ أحدُهما، أن يُصالِحَهم على أنَّ الأرْضَ لهم، ولنا الخَراجُ عنها، فلهم إحْداثُ ما يخْتارون؛ لأنَّ الدّارَ لهم. الثانى، أن يُصالِحَهم على أنَّ الدّارَ للمُسْلِمين، فالحُكْمُ في البِيَعِ والكنائِسِ على ما يَقَعُ عليه الصُّلْحُ، مِن إحْداثِ ذلك، وعِمارَتِه؛ لأنَّه إذا جاز أن يُصالِحَهم على أنَّ الكُلَّ لهم، جاز أن يُصالَحُوا على أنَّ بعضَ البلدِ لهم، ويكُون مَوْضِعُ الكنائِسِ والبِيَعِ مُعَيَّنًا (1). والأَوْلَى أن يُصالِحَهم على ما صالَحَهم عليه عُمَرُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه،
(1) في م: «معنا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويَشْتَرِطَ عليهم الشُّرُوطَ المذْكُورَةَ في كتابِ عبدِ الرحمنِ بنِ غَنْمٍ، وفيه: أن لا تُحْدِثُوا كنِيسَةً، ولا بِيعَةً، ولا صَوْمَعَةَ راهبٍ، ولا قلايةً. وإن وَقَع الصُّلْحُ مُطْلَقًا مِن غيرِ شَرْطٍ، حُمِلَ (1) على ما وَقَع عليه صُلْحُ عُمَرَ وأُخِذُوا بشُرُوطِه. فأمّا الذين صالَحَهُم عُمَرُ وعَقَد معهم الذِّمَّةَ، فهم على ما في كتابِ عبدِ الرحمنِ بنِ غَنْمٍ، مأْخُوذُون بشُرُوطِه كلِّها، وما وَجَدُوا في بلادِ المسلمين مِن الكنائِسِ والبِيَعِ، فهى على ما كانتْ عليه في زَمَنِ مَن فَتَحَها ومَن بعدَهم. وكلُّ مَوْضِعٍ قُلْنا بجَوَازِ إقْرارِها، لم يَجُزْ هَدْمُها، ولهم رَمُّ ما تَشَعَّث منها، وإصْلاحُها؛ لأنَّ المَنْعَ مِن ذلك يُفْضِى إلى خَرابِها، فجَرَى مَجْرَى هَدْمِها. فأمّا إنِ اسْتَهْدَمَتْ كلُّها، ففيها رِوايتان؛ إحْدَاهما، لا يَجُوزُ. وهو قولُ بعضِ أصحابِ الشافعىِّ. والثانيةُ، يَجُوزُ. وهو قولُ أبى حنيفةَ، والشافعىِّ؛ لأنَّه بناءٌ لِما اسْتَهْدَمَ، أشْبَهَ بِناءَ بعضِها إذا انْهَدَمَ، ورَمَّ شَعَثِها، ولأنَّ اسْتِدامَتَها جائزَةٌ، وبناؤُها كاسْتِدامَتِها. وحَمَل الخَلَّالُ قولَ أحمدَ: لهم أن يَبْنُوا ما انْهَدَمَ منها. على ما إذا انْهَدَمَ بعضُها، ومَنْعَه مِن بناءِ ما انْهَدَمَ، على ما إذا انْهَدَمَتْ كلُّها، فجَمَعَ بين الرِّوايَتَيْنِ. ووَجْهُ الرِّوَايَةِ الأُولَى، أنَّ في كتابِ أهْلِ الجزِيرَةِ لعياضِ (2) بنِ غَنْمٍ: ولا نُجَدِّدَ ما خَرِبَ مِن
(1) في م: «عمل» .
(2)
كذا في النسخ. وتقدم هذا في خبر عبد الرحمن بن غنم في صفحة 449. وخبر عياض بن غنم مع أهل الجزيرة، في تاريخ الطبرى 4/ 53 - 55.