الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِىٍّ، وَلَا امْرَأَةٍ، وَلَا مَجْنُونٍ، وَلَا زَمِنٍ، وَلَا أَعْمَى، وَلَا عَبْدٍ، وَلَا فَقِيرٍ يَعْجِزُ عَنْهَا.
ــ
إسْحاقَ (1)، في كتابِه «المُهَذَّبِ» (2). والحُجَّةُ في هذا قِصَّةُ بنى تَغْلِبَ، وقِياسُهم عليهم. قال علىُّ بنُ سعيدٍ: سَمِعْتُ أحمدَ يَقُولُ: أهْلُ الكِتابِ ليس عليهم في مَواشِيهم صَدَقَةٌ، ولا في أمْوالِهم، إنَّما تُؤْخَذُ منهم الجِزْيَةُ، إلَّا أن يكُونُوا صُولِحوا على أن تُؤْخَذَ منهم، كما صَنَع عُمَرُ بنَصارَى بنى تَغْلِبَ حينَ أضْعَفَ عليهم الصَّدَقَةَ في صُلْحِه إيّاهم، إذا كانوا في مَعْناهم. أمَّا قِياسُ مَنْ لم يُصالَحْ عليهم، في جَعْلِ جِزْيَتِهم صَدَقَةً، فلا يَصِحُّ.
1508 - مسألة: (ولا جِزْيَةَ على صَبِىٍّ، ولا امْرَأةٍ، ولا مَجْنُونٍ، ولا زَمِنٍ، ولا أعْمَى، ولا عَبْدٍ، ولا فَقِيرٍ يَعْجِزُ عنها)
لا نَعْلَمُ خِلافًا بينَ أهْلِ العِلْمِ في أنَّ الجِزْيَةَ لا تَجِبُ على صَبِىٍّ، ولا امرأةٍ،
(1) أبو إسحاق إبراهيم بن على بن يوسف الفيروزآبادى، جمال الدين، من كبار علماء الشافعية وشيخهم في عصره، صنف في الأصول والفروع، كان زاهدا ورعا متواضعا ظريفا كريما جوادًا طلق الوجه دائم البشر. توفى سنة ست وأربعين وأربعمائة ببغداد، وصلَّى عليه المقتدى باللَّه أمير المؤمنين. سير أعلام النبلاء 18/ 452 - 465.
(2)
المهذب 2/ 250.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا زائِلِ العَقلِ. وهو قولُ مالكٍ، وأبى حنيفةَ، وأصحابِ الشافعىِّ، وأبى ثَوْرٍ. وقال ابنُ المُنْذِرِ: لا أعْلَمُ عن غيرِهم خِلافَهم. وقد دَلَّ على هذا، أنَّ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، كَتَب إلى أُمَراءِ الأجْنادِ، أنِ اضْرِبُوا الجِزْيَةَ، ولا تَضْرِبُوها على النِّساءِ والصِّبْيانِ، ولا تَضْرِبُوها إلَّا على مَن جَرَتْ عليه المَواسِى. رَواه سعيدٌ، وأبو عُبَيْدٍ (1)، والأثْرَمُ. والمجْنونُ كالصَّبِىِّ؛ لأنَّه غيرُ مُكَلَّفٍ. وقولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم لمُعَاذٍ:«خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» (2). دليلٌ على أنَّها لا تَجِبُ على غيرِ بالِغٍ. ولأنَّ الجِزْيَةَ تُؤْخَذُ لحَقْنِ الدَّمِ، وهؤلاء دِماؤُهم مَحْقُونَةٌ بِدُونِها. ولا تَجِبُ على خُنْثَى مُشْكِلٍ؛ لأَنَّه لا يُعْلَمُ كوْنُه رَجُلًا.
فصل: فإن بَذَلَتِ المرأةُ الجِزْيَةَ، أُخْبِرَتْ أنَّها لا جِزْيَةَ عليها، فإن
(1) أخرجه سعيد بن منصور، في: باب ما جاء في قتل النساء والولدان، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 240. وأبو عبيد، في: باب من تجب عليه الجزية. . .، من كتاب سنن الفئ والخمس والصدقة. . . الأموال 37. كما أخرجه البيهقى، في: باب الزيادة على الدينار بالصلح، من كتاب الجزية. السنن الكبرى 9/ 195، 196.
(2)
تقدم تخريجه في 6/ 422.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قالت: أنا أتَبَرَّعُ بها. أو: أنا أُؤَدِّيها. قُبِلَتْ منها، ولم تكُنْ جِزْيَةً، بل هِبَةً تَلْزَمُ بالقَبْضِ. فإن شَرَطَتْه على نَفْسِها، ثمَّ رَجَعَتْ، فلها ذلك. وإن بَذَلَتِ الجِزْيَةَ لتَصِيرَ إلى دارِ الإِسلامِ، مُكِّنَتْ مِن ذلك بغيرِ شئٍ، ولكنْ يُشْتَرَطُ عليها الْتِزامُ أحْكامِ الإِسلامِ، وتُعْقَدُ لها الذِّمَّةُ، ولا يُؤْخَذُ منها شئٌ، إلَّا أن تَتَبَرَّعَ به بعدَ مَعْرِفَتِها أن لا شئَ عليها. وإن أُخِذَ منها على غيرِ ذلك، رُدَّ إليها؛ لأنَّها بَذَلَتْه مُعْتَقِدَةً أنَّه عليها، وأنَّ دَمَها لا يُحْقَنُ إلَّا به، فأشْبَهَ مَن أدَّى مالًا إلى مَن يَعْتَقِدُ أنَّه له، فتَبَيَّنَ أنَّه ليس له. ولو حاصَرَ المسلمون حِصْنًا ليس فيه إلَّا نِساءٌ، فبَذَلْنَ الجِزْيَةَ لتُعْقَدَ لَهُنَّ الذِّمَّةُ، عُقِدَتْ لَهُنَّ بغيرِ شئٍ، وحَرُمَ اسْتِرْقاقُهُنَّ، كالتى قبلَها سواءً. فإن كان في الحِصْنِ مَعَهُنَّ (1) رِجالٌ، فسأَلُوا الصُّلْحَ، لتكُونَ الجِزْيَةُ على النِّساءِ والصِّبْيانِ دُونَ الرِّجالِ، لم يَصِحَّ؛ لأنَّهم جَعَلُوها على غيرِ مَن هى عليه، وَبرَّءُوا مَن تَجِبُ عليه. وإن بَذَلُوا جِزْيَةً عن الرِّجالِ، ويُؤدُّوا (2) عن النِّساءِ والصِّبْيان مِن أمْوالِهم، جازَ، وكان ذلك زِيادَةً في جِزْيَتِهم. وإن كان مِن أمْوالِ النِّساءِ والصِّبْيانِ، لم يَجُزْ؛ لأنَّهم يَجْعَلُون الجِزْيَةَ على مَن لا تَلْزَمُه. فإن كان القَدْرُ الذى بذَلُوه مِن أمْوالِهم ممَّا يُجْزِئُ في الجِزْيَةِ، أخَذُوه، وسَقَطَ الباقِى.
(1) سقط من: م.
(2)
أي: وأن يؤدوا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا تَجِبُ على زَمِنٍ، ولا أعْمَى، ولا شَيْخٍ فانٍ، ولا على مَن هو في مَعْناهم، كمَن به داءٌ لا يَسْتَطِيعُ معه القِتالَ، ولا يُرْجَى بُرْؤُه. وبه قال أبو حنيفةَ. وقال الشافعىُّ، في أحَدِ قَوْلَيْه: تَجِبُ عليهم الجِزْيَةُ، بِناءً على قَتْلِهم. وقد سَبَق قوْلُنا في أنَّهم لا يُقْتَلُون، فلا تَجِبُ عليهم الجِزْيَةُ، كالنِّساءِ والصِّبْيانِ.
فصل: وأمَّا العَبْدُ، فإن كان لمُسْلِمٍ، لم تَجِبْ عليه الجِزْيَةُ، بغيرِ خِلافٍ عَلِمْناه؛ لأنَّه يُرْوَى عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«لَا جِزْيَةَ عَلَى العَبْدِ» . وعن ابنِ عُمَرَ مثلُه (1). ولأنَّ ما لَزِمَ العَبْدَ إنَّما يُؤَدِّيه سَيِّدُه، فيُؤَدِّى إيجابُها على عَبْدِ (2) المُسْلِمِ إلى [إيجابِ الجِزْيَةِ](3) على
(1) ذكر ابن حجر أنه روى مرفوعًا، وروى موقوفًا على عمر. ثم قال: ليس له أصل، بل المروى عنهما خلافه. تلخيص الحبير 4/ 123.
(2)
في م: «العبد» .
(3)
في م: «إيجابها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المسلمِ. وإن كان لكافرٍ، فكذلك. نَصَّ عليه أحمدُ. وهو قولُ عامَّةِ أهْلِ العِلْمِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلُّ مَن نَحْفَظُ عنه مِن أهْلِ العِلْمِ، على أنَّه لا جِزْيَةَ على العَبْدِ. وذلك لِما ذَكَرْنا مِن الحديثِ، ولأنَّه مَحْقُونُ الدَّمِ، أشْبَهَ النِّساءَ والصِّبْيانَ، أو لا مالَ له، أشْبَهَ الفقيرَ العاجِزَ. ويَحْتَمِلُ كلامُ الخِرَقِىِّ وُجُوبَ الجِزْيَةِ عليه. ورُوِىَ ذلك عن أحمدَ؛ لِما رُوِى عن عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال: لا تَشْتَرُوا رَقِيقَ أهْلِ الذِّمَّةِ، ولا مِمّا في أيْدِيهم؛ لأنَّهم أهلُ خَراجٍ، يَبِيعُ بعْضُهم بعْضًا، ولا يُقِرَّنَّ أحَدُكم بالصَّغارِ بعدَ إذْ أنْقَذَه اللَّهُ منه (1). قال أحمدُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: أرادَ عُمَرُ أن تَتَوَفَّرَ الجزْيَةُ؛ لأنَّ المُسْلِمَ إذا اشْتَراه سَقَط عنه أداءُ ما يُؤْخَذُ منه، والذِّمِّىُّ يُؤَدِّى عنه وعن مَمْلُوكِه خَراجَ جَماجِمِهم. ورُوِىَ عن علىٍّ مثلُ حديثِ عُمَرَ (2). ولأنَّه ذَكَرٌ مُكَلَّفٌ قَوِىٌّ مُكْتَسِبٌ، فوَجَبَتْ عليه الجِزْيَةُ، كالحُرِّ. والأوَّلُ أوْلَى.
(1) أخرجه البيهقى، في: باب من كره شراء أرض الخراج، من كتاب السير. السنن الكبرى 9/ 140. وأبو عبيد، في: باب شراء أرض العنوة التى أقر الإمام فيها أهلها. . .، من كتاب فتوح الأرضين صلحا
الأموال 77.
(2)
أى في النهى عن شراء أرض السواد. انظر: سنن البيهقى والأموال، في الموضعين السابقين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا أُعْتِقَ، لَزِمَتْه الجِزْيَةُ لِما يُسْتَقْبَلُ، سواءٌ كان مُعْتِقُه مُسْلِمًا أو كافِرًا. هذا الصحيحُ عن أحمدَ. ورُوِىَ ذلك عن عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ. وبه قال سُفيانُ، واللَّيْثُ، والشافعىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصحابُ الرَّأْى. وعنه، يُقَرُّ بغيرِ جِزْيَةٍ. ورُوِىَ نحوُه عن الشَّعْبِىِّ؛ لأنَّ الوَلاءَ شُعْبَةٌ كشُعْبَةِ الرِّقِّ، وهو ثابتٌ عليه. ووَهَّنَ الخلالُ هذه الرِّوايَةَ، وقال: هذا قولٌ قديم رَجَع عنه. وعن مالكٍ كقولِ الجماعةِ. وعنه، إن كان المُعْتِقُ له مُسْلِمًا، فلا جِزْيَةَ عليه؛ لأنَّ عليه الوَلاءَ لمُسْلِمٍ، أشْبَهَ ما لو كان عليه الرِّقُّ. ولَنا، أَنَّه حُرٌّ مُكَلَّفٌ مُوسِرٌ مِن أهْلِ القتالِ، فلم يُقَرَّ في دارِنا بغيرِ جِزْيَةٍ، كالحُرِّ الأصْلِىِّ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّ حُكْمَه فيما يُسْتَقْبَلُ مِن جِزْيَتِه حكمُ مَنْ بَلَغَ مِن صِبْيانِهم، أو أفاقَ مِن مَجانِينِهم، على ما ذَكَرْناه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ومَن بعضُه حُرٌّ، فقِياسُ المَذْهَبِ أنَّ عليه مِن الجِزْيَةِ بقَدْرِ ما فيه مِن الحُرِّيَّةِ؛ لأنَّه حُكْمٌ يَتَجَزَّأُ (1)، يَخْتَلِفُ بالرِّقِّ والحُرِّيَّةِ، فيَنْقَسِمُ على قَدْرِ ما فيه، كالإِرْثِ.
ولا جِزْيَةَ على أهْلِ الصَّوامِعِ مِن الرُّهْبانِ. ويَحْتَمِلُ أن تَجِبَ عليهم. وهذا أحَدُ قَوْلَى الشافعىِّ. ورُوِىَ عن عُمَرَ (2) بنِ عبدِ العزيزِ، أنَّه فَرَض على رُهْبانِ الدِّياراتِ الجِزْيَةَ، على كلِّ راهِبٍ دينارَين (3)؛ لعُمُومِ النُّصوصِ، ولأنَّه كافِرٌ صحيحٌ حُرٌّ قادِرٌ على أداءِ الجِزْيَةِ، فأشْبَهَ الشَّمّاسَ (4). ووَجْهُ الأوَّلِ، أنَّهم مَحْقُونُونَ بدُونِ الجِزْيَةِ، فلم تَجِبْ عليهم، كالنِّساءِ، وقد ذَكَرْنا دَلِيلَ تَحْرِيمِ قَتلِهم (5)، والنُّصوصُ مخْصوصَةٌ بالنِّساءِ، وهؤلاء في مَعْناهُنَّ، ولأنَّه لا كَسْبَ له، أشْبَهَ الفَقِيرَ غيرَ المُعْتَمِلِ.
(1) سقط من: م.
(2)
سقط من: م.
(3)
في م: «دينارا» . وذكره أبو عبيد، في: باب فرض الجزية. . .، من كتاب سنن الفئ والخمس والصدقة. . . الأموال 42.
(4)
الشماس: من يقوم بالخدمة الكنسية، وهو دون القسيس.
(5)
انظر ما تقدم في صفحة 70 وما بعدها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا تَجِبُ على فقيرٍ عاجِزٍ عنها. وهذا أحَدُ أقْوالِ (1) الشافعىِّ. وله قولٌ، أنَّها تَجِبُ عليه؛ لقَوْلِه عليه السلام:«خُذْ مِن كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» . ولأنَّ دَمَهُ غيرُ مَحْقُونٍ، فلا تَسْقُطُ عنه الجِزْيَةُ، كالقادِرِ. ولَنا، أنَّ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، جَعَل الجِزْيَةَ على ثلاثِ طَبَقَاتٍ، جَعَل أدْناها على الفقيرِ المُعْتَمِلِ (2)، فدَلَّ على أنَّ غيرَ المُعْتَمِلِ لا شئَ عليه، ولأنَّ اللَّهَ تعالى قال:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (3).
(1) في م: «قولى» .
(2)
أخرجه ابن أبى شيبة، في: باب ما قالوا في وضع الجزية والقتال عليها، من كتاب الجهاد. المصنف 12/ 241. والبيهقى، في: باب الزيادة على الدينار بالصلح، من كتاب الجزية. السنن الكبرى 9/ 196.
(3)
سورة البقرة 286.