الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهمْ ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَيُبَيِّنُ أَيَّامَ الضِّيَافَةِ، وَقَدْرَ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ وَالْعَلَفِ، وَعَدَدَ مَنْ يُضَافُ. وَلَا تَجِبُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَقِيلَ: تَجِبُ.
ــ
درهمًا مِن الخراجِ. وشَدَّدَ عليه القولَ، ثم قال: الْقَنِى (1) عندَ انْتِصافِ النَّهارِ. فأتاه، فقال: إنِّى كنتُ أمَرْتُكَ بأمْرٍ، وإنِّى أتَقَدَّمُ إليك الآنَ، فإن عَصَيْتَنِى نَزَعْتُك، لا تَبِيعَنَّ لهم في خراجِهِم حِمارًا، ولا بقرةً، ولا كِسْوةَ شتاءٍ ولا صَيْفٍ، وارْفُقْ بهم، وافْعَلْ بهم (2).
1517 - مسألة: (ويَجُوزُ أن يَشْتَرِطَ عليهم ضِيافَةَ مَن يَمُرُّ بهم مِن المُسْلِمِين، ويُبَيِّنُ أيّامَ الضِّيافَةِ، وقَدْرَ الطَّعامِ والإِدامِ والعَلَفِ، وعَدَدَ مَن يُضافُ. ولا يَجِبُ)
ذَلِك (مِن غَيْرِ شَرْطٍ. وقِيلَ: يَجِبُ) يَجُوزُ أن يَشْتَرِطَ في عَقْدِ الذِّمَّةِ ضِيافَةَ مَن يَمُرُّ بهم مِن المُسْلِمِين؛ لِما روَى الإِمامُ
(1) في م: «ائتني» .
(2)
أخرجه البيهقى بمعناه، في: باب النهى عن التشديد في جباية الجزية، من كتاب الجزية. السنن الكبرى 9/ 205. وأبو عبيد، في الباب السابق. الأموال 44.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحمدُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، بإسْنادِهِ، عن الأحْنَفِ بنِ قَيْسٍ، أنَّ عُمَرَ شَرَط على أهْلِ الذِّمَّةِ ضِيافَةَ يَوْمٍ وليلةٍ، وأن يُصْلِحُوا القناطِرَ، وإن قُتِلَ رجلٌ مِن المُسْلِمِين بأرْضِهم، فعليهم دِيَتُه (1). قال ابنُ المُنْذِرِ: ورُوِىَ عن عُمَرَ، أنَّه قَضَى على أهْلِ الذِّمَّةِ ضِيافَةَ مَن يَمُرُّ بهم مِن المُسْلِمِين ثلاثةَ أيّامٍ، وعَلَفَ دَوابِّهم وما يُصْلِحُهم (2). ورُوِىَ أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم ضَرَب على نَصارَى أيْلَةَ ثلاثَمائةِ دينارٍ، وكانوا ثلَاثمائةِ نَفْسٍ، في كلِّ سنةٍ، وأن يُضِيفُوا مَن يَمُرُّ بهم مِن المُسْلِمِين ثلاثةَ أيّامٍ (3). ولأنَّ في هذا ضَرْبًا مِن المَصْلَحَةِ؛ لأنَّهم رُبَّما امْتَنَعُوا مِن مُبايَعَةِ المُسْلِمِين إضْرارًا بهمِ، فإذا شُرِطَتْ عليهم الضِّيافَةُ أُمِنَ ذلك. فإن لم تُشْرَطْ عليهم الضِّيافَةُ، لم تجِبْ. ذَكَرَه القاضى. وهو مَذهَبُ الشافعىِّ. ومِن أصحابِنا مَن قال: تَجِبُ بغيرِ شَرْطٍ؛ لوُجُوبِها على المُسْلِمِين. والأوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّه أداءُ مالٍ، فلم يَجِبْ بغيرِ رِضاهم، كالجِزْيَةِ. فإن شَرَطَها عليهم،
(1) أخرجه البيهقى، في: باب الضيافة في الصلح، من كتاب الجزية. السنن الكبرى 9/ 196.
(2)
أخرجه البيهقى، في: باب الضيافة في الصلح، من كتاب الجزية. السنن الكبرى 9/ 196. وعبد الرزاق، في: باب الجزية، من كتاب أهل الكتاب. المصنف 6/ 85، 86، 87، 88. ولم يرد فهما ذكر علف الدابة وما يصلحهم. وورد ذكر علف الدواب، في: الأموال 145.
(3)
أخرجه البيهقى، في: باب كم الجزية؟ من كتاب الجزية. السنن الكبرى 9/ 195.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فامْتَنَعُوا مِن قَبُولِها، لم تُعْقَدْ لهم الذِّمَّةُ. وقال الشافعىُّ: لا يَجُوزُ قِتالُهم عليها.
فصل: قال القاضى: إذا شَرَط الضِّيافَةَ، فإنَّه يُشْتَرَطُ أن يُبَيِّنَ أيّامَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الضِّيافَةِ، وعَدَدَ مَن يُضافُ مِن الرَّجّالَةِ والفُرْسانِ؛ فيقولُ: تُضِيفُون في كلِّ سنةٍ مائةَ يومٍ، في كلِّ يومٍ عَشَرَةً مِن المُسْلِمِين، مِن خُبْزٍ كذا، وأُدْمٍ كذا، وللفَرَسِ مِن الشَّعِيرِ كذا، ومِن التِّبْنِ كذا؛ لأنَّه مِن الجِزْيَةِ، فاعْتُبِرَ العِلْمُ به، كالنُّقودِ. فإن شَرَطَ الضِّيافةَ مُطْلَقًا، صَحَّ في الظاهِرِ؛ لأنَّ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، شَرَط عليهم ذلك مِن غيرِ عَدَدٍ ولا تَقْدِيرٍ. قال أبو بكرٍ: وإذا أطْلَقَ مُدَّةَ الضِّيافَةِ، فالواجِبُ يومٌ وليلةٌ؛ لأنَّ ذلك الواجِبُ على المُسْلِمِين. ولا يُكَلَّفُون الذَّبِيحَةَ، ولا أن يُضِيفُوهم بِأرْفَعَ مِن طَعامِهم؛ لأنَّه يُرْوَى عن عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه شَكَا إليه أهْلُ الذِّمَّةِ أنَّ المُسْلِمِين يُكَلِّفُونَهم الذَّبِيحَةَ، فقال: أطْعِمُوهم ممّا تَأْكُلُون (1). وقال الأوْزَاعِىُّ: ولا يُكَلَّفُونَ الذَّبيحَةَ، ولا الشَّعِيرَ. وقال القاضى: إذا وَقَع الشَّرْطُ مُطْلَقًا، لم يَلْزَمْهم الشَّعِيرُ. ويَحْتَمِلُ أن يَلْزَمَهم ذلك للخَيْلِ؛ لأنَّ العادَةَ جارِيَةٌ به، فهو كالخُبْزِ للرجلِ. وللمُسْلِمِين النُّزولُ في الكَنائِسِ والبِيَعِ؛ فإنَّ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، صالَحَ أهْلَ الشامِ على أن يُوَسِّعُوا أبْوابَ بِيَعِهم وكنائِسِهم لمَن يجْتازُ بهم مِن المُسْلِمِين، ليَدْخُلُوها رُكْبانًا (2). فإن لم يَجِدُوا مَكانًا، فلهم النُّزولُ في الأفْنِيَةِ
(1) أخرجه عبد الرزاق، في: باب الجزية، من كتاب أهل الكتاب. المصنف 6/ 87، 88.
(2)
أخرجه البيهقى، في: باب الإِمام يكتب كتاب الصلح على الجزية، من كتاب الجزية. السنن الكبرى 9/ 202.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وفُضولِ المنازلِ، وليس لهم تَحْويلُ صاحِبِ المنْزِلِ منه. والسّابِقُ إلى مَنْزِلٍ أحَقُّ به ممَّن يَأْتِي بعدَه. فإنِ امْتَنَعَ بعضُهم مِن القِيامِ بما يَجِبُ عليه، أُجْبِرَ عليه، فإنِ امْتَنَعَ الجميعُ، أُجْبِرُوا، فإن لم يُمْكِنْ إلَّا بالقتالِ، قُوتِلُوا، فإن قاتَلُوا، انْتَقَضَ عَهْدُهم.
فصل: وتُقْسَمُ الضِّيافَةُ بينَهم على قَدْرِ جِزْيَتِهم، فإن جَعَل الضِّيافَةَ مكانَ الجِزْيَةِ، جازَ؛ لِما رُوِى أنَّ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، كَتَب لراهِبٍ مِن أهْلِ الشامِ: إنَّنِى إن وَلِيتُ هذه الأرْضَ، أسْقَطْتُ عنك خَراجَك. فلمّا قَدِمَ الجابِيَةَ، وهو أميرُ المؤمنين، جاءَه بكتابِه، فعَرَفَه، وقال: إنَّنِى جَعَلْتُ لك ما ليس لى، ولكنِ اخْتَرْ؛ إن شِئْتَ أداءَ الخَراجِ (1)، وإن شِئْتَ أن تُضِيفَ المُسْلِمِين. فاخْتارَ الضِّيافَةَ. ويُشْتَرَطُ أن تكُونَ الضِّيافَةُ يَبْلُغُ قَدْرُها أقلَّ الجِزْيَةِ، إذا قُلْنا: مُقَدَّرَةُ الأقَلِّ. لئلَّا يَنْقُصَ خَراجُه عن أقَلِّ الجِزْيَةِ. وذُكِرَ أنَّ مِن الشُّروطِ الفاسدةِ الاكْتِفاءَ بضِيافَتِهم عن جِزْيَتِهم؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى أمَرَ بقِتالِهم حتى يُعْطُوا الجِزْيَةَ، فإذا لم يُعْطُوها، كان قِتالُهم مُباحًا. ولَنا، أنَّ هذا اشْتِراطُ مالٍ، يَبْلُغُ قَدْرَ الجِزْيَةِ، فجازَ، كما لو شَرَط عليهم عَدْلَ الجِزْيَةِ مَعافِرَ.
فصل (2): وإذا شَرَط في عَقْدِ الذِّمَّةِ شَرْطًا فاسِدًا، مثلَ
(1) في م: «الجزية» .
(2)
سقط من: م.