الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا، لَمْ يَجُزْ لَهُ قَتْلُهُ حَتَّى يَأْتِىَ بِهِ الإمَامَ، إِلَّا أنْ يَمْتَنِعَ مِنَ السَّيْرِ مَعَهُ وَلَا يُمْكِنَهُ إكْرَاهُهُ.
ــ
{وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} (1) الآية. قال اللَّيْثُ: تَرْكُ فَتْحِ حِصْن يُقْدَرُ على فَتْحِهِ، أفْضَلُ مِن قَتْلِ مسلم بغيرِ حَقٍّ. وقال القاضى: يجوزُ رَمْيُهم حالَ قِيامِ الحَرْبِ؛ لأنَّ تَرْكَه يُفْضِى إلى تَعْطِيلِ الجِهادِ. فعلى هذا، إن قَتَلَ مسلمًا، فعليه الكَفّارَةُ، وفى وُجُوبِ الدِّيَةِ على العاقِلَةِ رِوايتان، ووَجْهُهما يُذْكَرُ في مَوْضِعِه. وقال أبو حنيفةَ: لا دِيَةَ له (2)، ولا كَفَّارَةَ فيه؛ لأنَّه رَمْى أُبِيحَ مع العِلْمِ بحَقِيقَةِ الحالِ، فلم يُوجِبْ شَيْئًا، كرَمْى مَنْ أُبِيحَ رَمْيُه. ولَنا، قولُه تعالى:{فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (3). ولأنَّه قَتَلَ مَعْصُومًا بالإِيمانِ، وهو مِن أهْلِ الضَّمانِ، أشْبَهَ ما لو لم يُتَتَرَّسْ به.
1401 - مسألة: (وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا، لَمْ يَجُزْ لَهُ قَتْلُهُ حَتَّى يَأْتِىَ بِهِ الإمَامَ، إِلَّا أنْ يَمْتَنِعَ مِنَ السَّيْرِ مَعَهُ وَلَا يُمْكِنَهُ إكْرَاهُهُ)
لا يجوزُ لمَن أسَرَ
(1) سورة الفتح 25.
(2)
سقط من: م.
(3)
سورة النساء 92.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أسِيرًا قَتْلُه حتَّى يَأْتِىَ بهِ الإِمامَ، فيرَى فيه رَأْيَه؛ لأنَّه إذا صارَ أَسِيرًا، فالْخِيَرَةُ فيه إلى الإِمامِ. وقد رُوِى عن أحمدَ كلامٌ يَدُلُّ على إباحَةِ قَتْلِه، فإنَّه قال: لا يَقْتُلُ أسِيرَ غيرِه إلَّا أن يشاءَ الوالِى. فمَفْهُومُه أنَّ له قَتْلَ أسِيرِه بغيرِ إذْنِ الوالِى؛ لأنَّ له أن يَقْتُلَه ابْتِداءً، فكان له قَتْلُه دَوامًا، كما لو هَرَب منه أو قاتَلَه. فإنِ امْتَنَعَ الأسِيرُ أن ينْقادَ معه، فله إكْراهُه بالضَّرْبِ وغيرِه، فإن لم يُمْكِنْ إكْراهُه، فله قَتْلُه. وكَذلك إن خافَه، أو خافَ هَرَبَه. وإنِ امْتَنَعَ مِن الانْقِيادِ معه بجُرْحٍ أو مرضٍ، فله قَتْلُه. وتَوَقَّفَ أحمدُ عن قَتْلِه. والصَّحِيحُ الأوَّلُ، كالتَّذْفِيفِ (1) على الجَرِيحِ، ولأنَّ تَرْكَه حَيًّا ضَرَرٌ على المسلمين، وتَقْوِيَةٌ للكُفَّارِ، فتَعَيَّنَ القَتْلُ، كحالَةِ الابتِداءِ، وكَجَرِيحِهم إذا لم يأْسِرْه. فأمَّا أسِيرُ غيرِه، فلا يجوزُ قَتْلُه إلَّا أن يَصِيرَ إلى حالٍ يجوزُ قَتْلُه لمَن أسَرَه. وقد روَى يحيى بنُ أبى كَثِيرٍ (2)، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«لَا يَتَعَاطَيَنَّ أحَدُكُمْ أسِيرَ صَاحِبِه إذَا أخَذَه فَيَقْتُلَهُ» . رَواه سعيدٌ (3). فإن قَتَل أسِيرَه، أو أسِيرَ غيرِه قبلَ ذلك، أساءَ، ولا ضَمانَ
(1) ذفَّف على الجريح: أجهز عليه.
(2)
في النسح: «بكير» . والمثبت من سنن سعيد، وانظر: المغنى 13/ 52.
(3)
في: باب قتل الأسارى والنهى عن المثلة، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 252.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 5/ 18.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليه. وبه قال الشافعىُّ. وقال الأوْزَاعِىُّ: إن قَتَلَه قبلَ أن يَأْتِىَ به الإِمامَ، لم يَضْمَنْه، وإن قَتَلَه بعدَ ذلك، ضَمِنَه؛ لأنَّه أتْلَفَ مِن الغَنِيمَةِ ما لَه قِيمِةٌ، فضَمِنَه بقِيمَتِه، كما لو قَتَلَ امرأةً. ولنَا، أنَّ عبدَ الرحمنِ بنَ عَوْفٍ أَسَرَ أُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ وابنَه عليًّا يومَ بَدْرٍ، فرآهما بلالٌ، فاسْتَصْرَخَ الأنْصارَ عليهما حتَّى قَتَلُوهما، ولم يَغْرَمُوا شيئًا (1). ولأنَّه أتْلَفَ ما ليس بمالٍ، فلم يَغْرَمْه، كما لو أتْلَفَه قبلَ أن يَأْتِىَ به الإِمامَ، ولأنَّه أتْلَفَ ما لا قِيمَةَ له قبلَ أن يَأْتِىَ به الإِمامَ، فلم يَغْرَمْه، كما لو أتْلَفَ كَلْبًا، فأمَّا إن قَتَل امرأةً أو صَبِيًّا، ضَمِنَه؛ لأنه صارَ رَقِيقًا بنَفْسِ السَّبْى.
فصل: ومَن أمَرَ أسِيرًا، فادَّعى أنَّه كان مسلمًا، لم يُقْبَلْ قولُه إلَّا بِبَيِّنةٍ؛ لأنَّه يَدَّعِى أمْرًا الظَّاهِرُ خلافُه، يتَعَلَّقُ به إسْقاطُ حَقٍّ تَعَلَّقَ برَقَبَتِه. فإنْ شَهِدَ له واحدٌ، حَلَف معه، وخُلِّىَ سَبِيلُه. وقال الشافعىُّ: لا تُقْبَلُ إلَّا شَهَادَةُ عَدْلَيْن؛ لأنَّه ليس بمالٍ، ولا يُقْصَدُ منه المالُ. ولَنا، ما روَى
(1) أخرجه البخارى بمعناه، في: باب قتل أبى جهل، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 5/ 96. وذكر الواقدى خبرهما بتمامه، في: المغازى 1/ 82 - 84.