الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في تعليقه بالطلاق والحلف
إذا قال لامرأته: إن طلقتك فأنت طالق ثم أوقعه عليها بائنا لم يقع ما علق من طلاق لأنه لم يصادف عصمة، كما لم يقع طلاق معلق على خلع لوجوب تعقب الصفة الموصوف، وإن أوقعه رجعيا وقع ثنتان طلقة بالمباشرة والأخرى بالصفة؛ لأنه جعل تطليقها شرطا لطلاقها وقد وجد الشرط، أو علقه بقيامها ثم بوقوع طلاقها بأن قال: إن قمت فأنت طالق ثم قال لها: إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق فقامت رجعية وقع ثنتان طلقة بقيامها وطلقة بوقوع طلاقه عليها، وإن قال لها: إن طلقتك فأنت طالق ثم قال لها: إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم نجزه رجعيا وقع ثلاث واحدة بالمنجز وثنتان بالتعليق والوقوع، فلو قال: أردت بقولي: إذا طلقتك فأنت طالق إذا طلقتك طلقت بما أوقعت عليك ولم أرد عقد صفة دين لأنه محتمل، ولم يقبل منه حكما لأنه خلاف الظاهر.
وإن قال لمدخول بها: كلما طلقتك فأنت طالق ثم قال لها: أنت طالق فثنتان طلقة بالمنجز وأخرى بالتعليق، ولا تطلق أكثر لأن التعليق لم يوجد إلا مرة، وإن قال لها: كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق، ثم وقع عليها طلاقه بمباشرة أو سبب بأن علقه على شيء فوجد فثلاث؛ لأن الثانية وقعت عليها فتطلق بها الثالثة إن وقعت الأولى والثانية رجعيتين؛ لأن البائن لا يلحقها طلاق.
ومن كتب لامرأته: إذا قرأت كتابي فأنت طالق فقرأ عليها وقع الطلاق إن كانت أمية لا تقرأ، لأن هذا هو الذي يراد بقراءتها، وإلا تكن أمية فلا تطلق بقراءة غيرها عليها لأنها لم تقرأه، والأصل استعمال اللفظ في حقيقته ما لم تتعذر، ومن حلف لا يقرأ
كتاب فلان فقرأه في نفسه ولم يحرك شفتيه حنث لانصراف يمينه إلى ما يعرفه الناس إلا أن ينوى حقيقة القراءة فلا يحنث إلا بها.
وإذا قال لامرأته: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم علق طلاقها بما فيه حنث على فعل كإن لم أدخل فأنت طلاق، أو أنت طالق لأقومن طلقت في الحال، أو علقه بما فيه منع من فعل كإن قمت فأنت طالق طلقت في الحال، أو علقه بما فيه تصديق خبر كانت طالق لقد قمت، أو إن هذا القول لصدق ونحوه طلقت في الحال، أو علقه بما فيه تكذيب خبر كأنت طالق إن لم يكن هذا القول كذبا طلقت في الحال لوجود الحلف بطلاقها تجوزا، لما فيه من المعنى المقصود بالحلف وهو الحث والمنع والتأكيد، وإن كان في الحقيقة تعليقا إلا أن اللفظ إذا تعذر حمله على الحقيقة حمل على مجازه لقرينة الاستحالة، لا إن علقه بمشيئتها أو مشيئة غيرها أو علقه بحيض أو طهر أو طلوع الشمس أو قدوم الحاج ونحوه، لأنه تعليق محض ليس في معنى الحلف.
وإن قال لامرأته: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، أو إن كلمتك فأنت طالق، وأعاده لها مرة أخرى فطلقة لأنه حلف أو كلام، وإن أعاده مرتين فثنتان، وإن أعاده ثلاثا [فثلاث](1) طلقات؛ لأن كل مرة يوجد فيها شرط الطلاق، وينعقد شرط طلقة أخرى ما لم يقصد إفهامها في قوله: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق فلا يقع، بخلاف ما لو أعاده من علقه بالكلام بقصد إفهامها، لأنه لا يخرج بذلك عن كونه كلاما، قال في "الفروع" (2): "وأخطأ بعض أصحابنا وقال فيها
(1) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 166.
(2)
5/ 442.
كالأولى ذكره في "الفنون"(1). وتبين غير مدخول بها إذا أعاده بطلقة، فلا يلحقها ما بعدها، ولم تنعقد يمينه الثانية ولا الثالثة في مسألة الكلام في غير مدخول بها؛ لأنها تبين بشروعه في كلامها فلا يحصل جواب الشرط إلا وهي بائن، بخلاف مسألة الحلف فتنعقد يمينه الثانية؛ لأنها لا تبين إلا بعد انعقادها، فإن تزوجها بعد ثم حلف بطلاقها طلقت لوجود الحنث باليمين المنعقدة في النكاح السابق.
ولو قال لامرأتيه: إن حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان وأعاده وقع بكل منهما طلقة لما سبق، وإن لم يدخل بإحداهما فأعاده بعد أن وقع بكل منهما طلقة فلا طلاق لأن الحلف بطلاق البائن غير معتد به.
(1) كتاب "الفنون": من تأليف أبي الوفاء، علي بن محمد بن عقيل البغدادي، الفقيه، الأصولي، الواعظ المتكلم، حامل لواء مذهب الإمام أحمد، المتوفى سنة 513 هـ، وهذا الكتاب من أكبر تصانيفه، فيه فوائد كثيرة جليلة في الوعظ والتفسير والفقه والنحو والشعر والتاريخ، وفيه مناظراته ومجالسه التي وقعت له وخواطره ونتائج فكره، قال ابن الجوزي:"هذ الكتاب مائتا مجلد". ينظر: كتاب الذيل 1/ 155 - 156.