الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فى حكم نكاح الكفار
وما يقرون عليه لو ترافعوا إلينا أو أسلموا وهو صحيح، وحكمه كنكاح المسلمين فيما يجب به من وقوع الطلاق والظهار والإيلاء ووجوب المهر والنفقة والقسم والإباحة للمطلق ثلاثا بعد نكاح زوج غيره والإحصان، ودليل صحته قوله تعالى:{وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} (1) و {امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} (2) فأضاف النساء إليهم، وحقيقة الإضافة تقتضي زوجية صحيحة، وقال عليه الصلاة والسلام:"ولدت من نكاح لا سفاح"(3) وإذا ثبتت الصحة ثبتت أحكامها كأنكحة المسلمين، ومنها: وقوع الطلاق لصدوره من أهله في محله كطلاق المسلم، ويحرم عليهم في النكاح ما يحرم على المسلمين.
(ويقر الكفار على نكاح فاسد) إذا خالف أنكحة المسلمين (إن اعتقدوا صحته) في دينهم، ولأن ما لا يعتقدون صحته ليس من دينهم فلا يقرون عليه كالزنا والسرقة ولم يرتفعوا إلينا لقوله تعالى:{فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ. . .} الآية (4) فدل على أنهم يخلون وأحكامهم إن لم يجيئوا إلينا، ولأنه صلى الله عليه وسلم
(1) سورة المسد الآية (4).
(2)
سورة التحريم من الآية (11).
(3)
أخرجه البيهقي من حديث ابن عباس، باب نكاح أهل الشرك وطلاقهم، كتاب النكاح، السنن الكبرى 7/ 190، والحديث حسنه الألباني في الإرواء 6/ 329.
(4)
سورة المائدة من الآية (42).
أخذ الجزية من مجوس هجر (1) ولم يعترضهم في أنكحتهم مع علمه أنهم يستبيحون نكاح محارمهم (2)، فإن أتونا قبل عقد نكاحهم عقدناه على حكمنا بإيجاب وقبول وولي وشاهدي عدل منا كأنكحة المسلمين، (وإن) أتونا بعده أو (أسلم الزوجان) على نكاح لم نتعرض لكيفية العقد، قال ابن عبد البر:"أجمع العلماء على أن الزوجين إذا أسلما معا في حال واحدة أن لهما المقام على نكاحهما ما لم يكن بينهما نسب أو رضاع"(3)، وقد أسلم خلق كثير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم نساؤهم فأقروا على أنكحتهم ولم يسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شروط النكاح ولا كيفيته.
(و) إن كانت (المرأة تباح) للزوج (إذن) -أي حال الترافع أو الإسلام- كعقد في عدة فرغت نصا (4)، أو عقد على أخت زوجة ماتت، أو بلا شهود، أو بلا ولي، أو بلا صيغة (أقرا) على نكاحهما لما تقدم، وإن حرم [وقت](5) ابتداء نكاحها وقت الترافع أو الإسلام كذات محرم أو في عدة لم تفرغ أو كانت حبلى من غيره ولو من زنا
(1) اسهم بلد بالبحرين. ينظر: معجم البلدان 1/ 352.
(2)
من حديث عبد الرحمن بن عوف، أخرجه البخاري باب الجزية والموادعة مع أهل الحرب، كتاب الجزية برقم (3157) صحيح البخاري 4/ 76، وأبو داود، باب في أخذ الجزية من المجوس، كتاب الخراج والإمارة والفيء برقم (3043) سنن أبي داود 3/ 168، والترمذي، باب ما جاء في أخذ الجزية من المجوس، كتاب السير يرقم (1586 - 1578) الجامع الصحيح 4/ 124 - 125، وأحمد برقم (1660) المسند 1/ 312 - 313، والبيهقي، باب المجوس أهل الكتاب والجزية تؤخذ منهم، كتاب الجزية، السنن الكبرى 9/ 189.
(3)
ينظر: التمهيد 12/ 23.
(4)
المغني 10/ 36، وكتاب الفروع 5/ 242، والمبدع 7/ 115، والمحرر 2/ 27، وكشاف القناع 5/ 117.
(5)
ما بين المعقوفين يستقيم الكلام بدونها.
أو استدام نكاح مطلقته ثلاثا ولو معتقدا حلها فرق بينهم؛ لأنه حال يمنع من ابتداء العقد فمنع استدامته كنكاح ذوات المحارم.
وإن أسلم الزوجان معا بأن تلفظا بالإسلام دفعة واحدة فهما على نكاحهما؛ لأنه لم يوجد بينهما اختلاف دين، ولحديث أبي داود عن ابن عباس:"أن رجلا جاء مسلما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاءت امرأته مسلمة بعده، فقال: يا رسول اللَّه! إنها كانت أسلمت معي فردها عليه"(1)، أو أسلم زوج كتابيةكتابيا كان أو لا فهما على نكاحهما ولو قبل الدخول؛ لأن المسلم له ابتداء نكاح الكتابية فاستدامته أولى، وإن أسلمت كتابية تحت كافر كتابي أو غيره قبل دخول انفسخ نكاحهما؛ لأنه لا يجوز لكافر ابتداء نكاح مسلمة، أو أسلم أحد زوجين غير كتابيين قبل دخول انفسخ لقوله تعالى:{فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} وقوله: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِر} (2) ولها نصف المهر إن أسلم الزوج فقط لمجيء الفرقة من قبله بإسلامه، كما لو طلقها، أو أسلما وادعت سبقه بالإسلام فتحلف وتأخذ نصف المهر لما تقدم، ولا تقبل دعواه بسقوطه؛ لأن الأصل خلافه، كان قال الزوج أسلمنا معا فنحن على النكاح فأنكرته فالقول قولها، لأنه الظاهر لبعد اتفاقهما في الإسلام دفعة واحدة، وإن أسلم أحد الزوجين غير الكاتبيين، أو أسلمت كتابية تحت كافر بعد الدخول وقف
(1) أخرجه أبو داود، باب إذا أسلم أحد الزوجين، كتاب الطلاق برقم (2238) سنن أبي داود 2/ 271، والترمذي، باب ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما، كتاب النكاح برقم (1144) الجامع الصحيح 3/ 449، وابن ماجة، باب الزوجين يسلم أحدهما قبل الآخر، كتاب النكاح برقم (2008) سنن ابن ماجة 1/ 647، والحاكم، باب كراهة سؤال الطلاق عن الزوج من غير بأس، كتاب الطلاق، المستدرك 2/ 200، والبيهقي، باب من قال لا يفسخ النكاح بينهما بإسلام أحدهما. .، كتاب النكاح، السنن الكبرى 7/ 188، والحديث صححه الترمذي، وقال الحاكم:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
(2)
سورة الممتحنة الآية (10).
الأمر إلى انقضاء العدة، فإن أسلم الثاني قبله فهما على نكاحهما لحديث مالك في الموطأ عن ابن شهاب قال:"كان بين إسلام صفوان بن أمية (1) وامرأته بنت الوليد بن المغيرة نحو من شهر أسلمت يوم الفتح، وبقي صفوان حتى شهد حنينا والطائف وهو كافر، ثم أسلم فلم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما"(2) واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح، وهذا بخلاف ما قبل الدخول فإنه لا عدة لها فتتعجل البينونة كالمطلقة، وإلا يسلم الثاني قبل انقضاء العدة تبينا فسخ النكاح منذ أسلم الأول منهما لاختلاف الدين، ولا تحتاج لعدة ثانية، فلو وطئ في العدة ولم يسلم الثاني فيها فلها مهر مثلها، وإن أسلم الثاني قبل انقضاء العدة وبعد الوطء فلا مهر، وإن أسلمت قبله فلها نفقة العدة ولو لم يسلم لتمكنه من الاستمتاع بها وإبقاء نكاحها بإسلامه في عدتها أشبهت الرجعية، وإن أسلم قبلها فلا نفقة لأنه لا سبيل له لتلافي نكاحها فأشبهت البائن، ويجب الصداق بكل حال لاستقراره بالدخول وسواء كان بدار الإسلام أو دار الحرب، أو أحدهما في دار الإسلام والآخر في دار الحرب، ومن هاجر إلينا بذمة مؤلدة أو مسلما أو مسلمة والآخر بدار الحرب لم ينفسخ نكاحهما بالهجرة.
(1) صفوان بن أمية هو: ابن خلف بن وهب القرشي، الجمحي، أحد أشراف قريش، صحابي جليل، حسن إسلامه، من المؤلفة قلوبهم، استعار منه النبي عليه الصلاة والسلام سلاحا، مات بمكة سنة 42 هـ.
ينظر: أسد الغابة 3/ 23 - 25، والإصابة 3/ 349.
(2)
أخرجه الإمام مالك، باب نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله، كتاب النكاح برقم (1154) الموطأ ص 345 - 346، عن ابن شهاب مرسلا، ومن طريقه أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، باب من قال لا يفسخ النكاح بينهما بإسلام أحدهما. .، كتاب النكاح 7/ 186، قال ابن عبد البر:"هذا الحديث لا أعلمه ينقل من وجه صحيح، وهو مشهور معلوم عند أهل السير، وابن شهاب إمام أهل السير وعالمهم وكذا الشعبي، وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده إن شاء اللَّه". التمهيد 12/ 19.