المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الكتابة - الفوائد المنتخبات في شرح أخصر المختصرات - جـ ٣

[عثمان ابن جامع]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأول: مؤلف الكتاب

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده وأسرته

- ‌أولًا: اسمه

- ‌ثانيًا: نسبه

- ‌ثالثًا: مولده

- ‌رابعًا: أسرته

- ‌المبحث الثاني: نشأته وطلبه للعلم

- ‌المبحث الثالث: أهم أعماله

- ‌المبحث الرابع: صفاته

- ‌المبحث الخامس: عقيدته ومذهبه

- ‌أولا: عقيدته:

- ‌ثانيا: مذهبه:

- ‌المبحث السادس: وفاته ورثاء الناس له

- ‌المبحث السابع: شيوخه

- ‌المبحث الثامن: تلاميذه

- ‌المبحث التاسع: مكانته العلمية

- ‌المطلب الأول: الجوانب العلمية

- ‌المطلب الثاني: وصفه من حيث التقليد والاجتهاد

- ‌المبحث العاشر: مؤلفاته عامة

- ‌الفصل الثاني: الكلام عن الكتاب المحقّق

- ‌المبحث الأول إثبات نسبة الكتاب إلى المؤلف ووصف المخطوط وبيان أماكن وجوده

- ‌أولًا: إثبات نسبة الكتاب إلى المؤلف:

- ‌ثانيًا: وصف المخطوط:

- ‌ثالثًا: مكان المخطوط

- ‌المبحث الثاني تعريف موجز بالكتاب

- ‌المبحث الثالث منزلته بين كتب الفقه عامة وبين كتب مذهبه بخاصة

- ‌المبحث الرابع منهجه في الكتاب

- ‌المبحث الخامس مصادره في الكتاب

- ‌المبحث السادس الكتاب من حيث التبعية والاستقلال

- ‌المبحث السابع اختياراته الفقهية في الكتاب

- ‌المبحث الثامن محاسن الكتاب

- ‌المبحث التاسع الملحوظات على الكتاب

- ‌المبحث العاشر الأبواب والفصول التي يتناولها التحقيق

- ‌الفصل الثالث دراسة عشرين مسألة فقهة مقارنة تحدد بمعرفة المشرف

- ‌(كتاب الوصايا)

- ‌(فصل) في الموصى إليه

- ‌(كتاب الفرائض)

- ‌(أسباب الإرث):

- ‌(وموانعه):

- ‌(وأركانه):

- ‌(وشروطه):

- ‌(فصل): في ميراث الجد مع الإخوة

- ‌(فصل) فى الحجب

- ‌(فصل) في العصبة

- ‌تتمة: العصبة ثلاثة:

- ‌(فصل) في أصول المسائل

- ‌تتمة:

- ‌تتمة ثانية:

- ‌تنبيه:

- ‌(فصل في ذوي الأرحام)

- ‌فصل: في ميراث الحمل

- ‌تتمة في ميراث المفقود:

- ‌تتمة ثانية: في ميراث الخنثى:

- ‌فصل في ميراث الغرقى

- ‌فصل فى بيان من يرث من المطلقات ومن لا يرث

- ‌[فصل فى الإقرار بمشارك في الميراث]

- ‌[فصل فى ميراث القاتل]

- ‌[فصل في ميراث الرقيق]

- ‌(كتاب العتق)

- ‌فصل في الكتابة

- ‌فصل في حكم أمهات الأولاد

- ‌فصل

- ‌(كتاب النكاح)

- ‌فصل

- ‌(فصل) في أركان النكاح وشروطه

- ‌فصل (وشروطه) -أي النكاح- (أربعة):

- ‌(فصل) في المحرمات في النكاح

- ‌(فصل) في الشروط فى النكاح

- ‌(والشروط في النكاح نوعان):

- ‌(فصل) في حكم العيوب فى النكاح

- ‌فصل فى حكم نكاح الكفار

- ‌(بَابُ الصَّدَاقِ)

- ‌تَتِمَّةٌ:

- ‌فَصْلٌ فى المُفَوّضَةِ

- ‌فائدة:

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌تتمة:

- ‌تنبيه:

- ‌(فصل) في الوليمة

- ‌(فصل) في عشرة النساء

- ‌فَصْلٌ في القَسْمِ

- ‌فصل

- ‌فصل في النشوز

- ‌(باب الخلع)

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌(كِتَابُ الطَّلاقِ)

- ‌فصل

- ‌فصل في سنة الطلاق وبدعته

- ‌فصل

- ‌فصل في صريح الطلاق وكنايته

- ‌فصل

- ‌فصل فيما يختلف به عدد الطلاق

- ‌فصل فيما تخالف الزوجة المدخول بها غيرها

- ‌فصل الاستثناء في الطلاق

- ‌فصل في الطلاق في الماضي والمستقبل

- ‌فصل

- ‌(فصل) في تعليق الطلاق بالشروط

- ‌فصل في تعليق الطلاق بالحيض والطهر والحمل والولادة

- ‌فصل في تعليقه بالطلاق والحلف

- ‌فصل في تعليقه بالكلام والإذن ونحو ذلك

- ‌فصل في تعليقه بالمشيئة

- ‌فصل في التأويل في الحلف

- ‌فصل في الشك في الطلاق

- ‌(فصل) فى الرجعة

- ‌فصل

- ‌(فصل) في الإيلاء وأحكام المولي

- ‌(فصل) في الظهار

- ‌فائدة:

- ‌فصل

- ‌فصل في كفارة الظهار

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌(فصل) في اللعان

- ‌فصل

- ‌فصل فيما يلحق من النسب وما لا يلحق منه

- ‌فصل

- ‌(باب العدد)

- ‌(والمعتدات ست):

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل

- ‌فصل في استبراء الإماء

- ‌(فصل) في الرضاع

الفصل: ‌فصل في الكتابة

‌فصل في الكتابة

(وتسن كتابة من علم فيه خيرا) من رقيق للآية (1)، والكتابة اسم مصدر بمعنى الجمع لأنها تجمع نجوما (2)، ومنه سمي الخراز كاتبا، أو لأن السيد يكتب بينه وبين عبده كتابا بما اتفقا (3) عليه (4).

وهي شرعا: بيع سيد رقيقه نفسه بمال في ذمته مباح معلوم (5)، ويصح السلم فيه منجما بنجمين فأكثر يملم قسط كل نجم ومدته، أو بيع السيد رقيقه نفسه بمنفعة على أجلين فأكثر.

ولا يشترط للكتابة أجل له وقع في القدرة على الكسب فيه فيصح توقيت

(1) قال في المغني 14/ 442: الأصل في الكتابة الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} سورة النور الآية (33). وأما السنة فعن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعان غارما أو غازيا أو مكاتبا في كتابته أظله اللَّه يوم لا ظل إلا ظله" أخرجه الإمام أحمد والبيهقي، وأجمعت الأمة على مشروعية الكتابة ا. هـ. باختصار.

(2)

النجم: الوقت المضروب، وبه سمي المنجم، ونجمت المال إذا أديته نجوما، ومنه تنجيم المكاتب ونجوم الكتابة، وأصله أن العرب كانت تجعل مطالع منازل القمر ومساقطها مواقيت حلول ديونها وغيرها، ويقال جعلت مالي على فلان نجوما منجمة يؤدى كل نجم في شهر كذا. ينظر: لسان العرب 12/ 570.

(3)

في الأصل: اتقا.

(4)

ينظر: لسان العرب 1/ 700، والقاموس المحيط 1/ 121.

(5)

ينظر: المقنع 19/ 189، والإقناع 3/ 143، وشرح منتهى الإرادات 2/ 666.

ص: 233

النجمين بساعتين وجزم في "الإقناع"(1) بخلاف ذلك.

وتصح الكتابة على خدمة مفردة أو على خدمة معها مال إن كان مؤجلا ولو إلى أثناء (2) مدة الخدمة، كأن يكاتبه على خدمته شهرا ودينار (3) يؤديه في أثنائه أو آخره وإذا لم يسم الشهر كان عقب العقد كالإجارة في قول، وإن عين الشهر صح ولو اتصل بالعقد؛ لأن المنع من الحلول في غير الخدمة للعجز عنه في الحال بخلافها، ويصح أن يكون أجل الدينار قبل الخدمة إن لم تتصل بالعقد كأن يكاتبه في المحرم على دينار إلى صفر وعلى خدمة رجب، وإن جعل محله نصفه أو انقضاءه صح.

(وهو) أي الخير الذي تسن كتابة من علم فيه (الكسب والأمانة)، قال [أحمد] (4):"الخير: صدق وصلاح ووفاء بمال الكتابة"(5)، والآية (6) محمولة على الندب لحديث:"لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه"(7) ولأنه دعاء إلى

(1) 3/ 144، وينظر: كتاب الفروع 5/ 109، والمبدع 6/ 338، وكشاف القناع 4/ 542.

(2)

في الأصل: ثناء.

(3)

في الأصل: ودينارا.

(4)

ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 2/ 667.

(5)

المغني 14/ 443، والمبدع 6/ 336، وكشاف القناع 4/ 540.

(6)

وهي قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا. . .} الآية (33) من سورة النور.

(7)

عن أبي حرة الرقاشي عن عمه مرفوعا: أخرجه الإمام أحمد برقم (20172) المسند 6/ 69، والدارقطني، كتاب البيوع، سنن الدارقطني 3/ 26، والبيهقي، باب من غصب لوحا فأدخله في سفينة، كتاب الغصب، السنن الكبرى 6/ 100، والحديث صححه الألباني في الإرواء 5/ 279 بشواهده.

ص: 234

إزالة ملكه بعوض فلم يجبر السيد عليه كالبيع، (وتكره) الكتابة (لمن لا كسب له) لئلا (1) يصير كلا على الناس ويحتاج إلى المسألة.

وتصح كتابة مبعض ومميز؛ لأنه يصح تصرفه وبيعه بإذن سيده فصحت كتابته كالمكلف (2)، وإيجاب سيده الكتابة له إذن له في قبولها، ولا تصح الكتابة من المميز بأن يكاتب رقيقه إلا بإذن وليه؛ لأنها تصرف في المال كالبيع، ولا تصح من سيد غير جائز التصرف كسفيه ومحجور عليه للفلس كالبيع.

وتنعقد الكتابة بقول سيد لرقيقه [كاتبتك](3) على كذا مع قبول الرقيق الكتابة؛ وإن لم يقل فإذا أديت لي فأنت حر؛ لأن الحرية موجب عقد الكتابة فتثبت عند تمامه كسائر أحكامه (4)، ومتى أدى المكاتب ما عليه فقبضه سيده أو وليه أو أبرأه سيده أو أبرأه وارث موسر من حقه عتق لأنه لم يبق عليه شيء منها، فإن أدى البعض أو أبرئ منه، برئ منه، وهو على كتابته فيما بقي للخبر (5) وإن كان الوارث معسرا

(1) في الأصل: لأن لا.

(2)

ينظر: المغني 14/ 444، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 19/ 196 - 197، والإقناع 3/ 143، وشرح منتهى الإرادات 2/ 667.

(3)

ما بين المعقوفين ساقط من الأصل.

(4)

ينظر: المبدع 6/ 337 - 338، والإنصاف 19/ 203، وكشاف القناع 4/ 541.

(5)

وهو حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم" أخرجه أبو داود من طريق أبي عتبة اسماعيل بن عياش حدثني سليمان بن سليم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، باب في المكاتب يؤدي بعض كتابته. .، كتاب العتق برقم (3926)، سنن أبي داود 4/ 20، وعنه البيهقي، باب المكاتب عبد ما بقي عليه درهم، كتاب المكاتب، السنن الكبرى 10/ 324، قال الألباني:"وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات. . ". الإرواء 6/ 119.

ص: 235

وأبرأ من حقه عتق نصيبه فقط بلا سراية.

وما فضل بيد مكاتب بعد أداء ما عليه أو إبرائه منه فله؛ لأنه كان له قبل عتقه فبقي على ما كان.

وتنفسخ الكتابة بموت المكاتب قبل أدائه جميع الكتابة سواء خلف وفاء أم لا، وما بيده لسيده نصا (1)؛ لأنه مات وهو عبد كما لو لم يخلف وفاء؛ لأنها عقد معاوضة على المكاتب وقد تلف المعقود عليه قبل التسليم فبطل، وقتله كموته سواء قتله سيده أو أجنبي، ولا قصاص إن قتله حر، وإن كان القاتل سيده فلا شيء عليه؛ لأنه لو وجب شيء لكان له وما في يده لسيده لزوال الكتابة لا على أنه إرث، وإن كان القاتل أجنبيا فلسيد قيمته.

ولا بأس أن يعجل الكتابة المؤجلة لسيده، ويضع السيد بعضها، فلو كان النجم مثلا مائة وعجل منه أو صالحه على ستين وأبرأه من الباقي صح؛ لأن مال الكتابة غير مستقر وليس بدين صحيح؛ لأنه لا يجبر على أدائه، ولا تصح الكفالة به

= وأخرجه الترمذي من طريق يحيى بن أبي أنيسة عن عمرو بلفظ "من كاتب عبده على مائة أوقية فأداه إلا عشرة أواق، أو قال عشرة دراهم، ثم عجز فهو رقيق" باب ما جاء، في المكاتب

كتاب البيوع برقم (1260) الجامع الصحيح 3/ 561، وقال:"حسن غريب".

وأخرجه ابن ماجة من طريق حجاج بن أرطاة عن عمرو بلفظ "أيما عبد كوتب على مائة أوقية فأداها إلا عشر أوقيات فهو رقيق" باب المكاتب، كتاب العتق برقم (2519) سنن ابن ماجة 2/ 842، ورواه البيهقي في السنن الكبرى 10/ 324.

(1)

المغني 14/ 467، المقنع والشرح الكبير والإنصاف 19/ 219، وكتاب الفروع 5/ 109، والمبدع 6/ 340 - 341، وكشاف القناع 4/ 543.

ص: 236

وما يؤديه إلى سيده كسب عبده، وإنما جعل الشرع هذا العقد وسيلة إلى العتق وأوجب فيه التأجيل مبالغة في تحصيل العتق وتخفيفا عن المكاتب، فإذا عجل على وجه يسقط به بعض ما عليه كان أبلغ في حصول العتق وأخف على العبد، ولهذا فارق سائر الديون، ويفارق الأجانب من حيث إنه عبده فهو أشبه بعبده القن (1)، وإن اتفقا على الزيادة في الأجل والدين كأن حل عليه نجم [فقال] (2): أخره إلى كذا وأزيد كذا لم يجز؛ لأنه يشبه ربا الجاهلية المحرم، ويلزم سيدا عجل لمكاتبه كتابته أخذ معجله بلا ضرر عليه في قبضها، فإن أبى أخذها بلا ضرر جعلها إمام في بيت المال وحكم بعتقه، رواه سعيد في سننه عن عمر وعثمان (3)، ولأن الأجل حق لمن عليه الدين فإذا قدمه فقد أسقط حقه فسقط كسائر الحقوق، فإن كان على السيد ضرر في قبضها كأن دفعها إليه بطريق مخوف أو احتاجت إلى مخزن كالطعام ونحوه لم يلزمه أخذها؛ لأنه لم يلزمه التزام ضرر لا يقتضيه العقد ولا يعتق ببذله إذا، ومتى بان بعوض دفعه مكاتب لسيده [عيب](4) فله أرشه إن أمسكه أو عوضه إن رده؛ لأن إطلاق عقد الكتابة يقتضي سلامة عوضها، وقد تعذر رد المكاتب رقيقا فوجب أرش العيب أو عوض المعيب جبرا لما (5) اقتضاه إطلاق العقد، ولم يرتفع عتقه؛ لأنه إزالة ملك بعوض فلا

(1) في الأصل: بعده القن اشبه.

(2)

ما بين المعقوفين ساقط من الأصل.

(3)

لم أقف عليه في سنن سعيد بن منصور المطبوع، وأخرجه عنهما عبد الرزاق برقم (15713 - 15714) المصنف 8/ 404 - 405، وابن أبى شيبة برقم (2588 - 2589 - 2590) الكتاب المصنف 7/ 119 - 120، والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 334 - 335.

(4)

ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، ويقتضيه السياق.

(5)

في الأصل: لمال.

ص: 237

يبطله رد العوض بالعيب كالخلع (1)، ولو أخذ سيده منه حقه ظاهرا ثم قال: هو حر ثم بان ما دفعه مستحقا لم يعتق لفساد القبض وإنما قال: هو حر اعتمادا على صحة القبض، وإن ادعى السيد تحريمه وقال: لا أقبضه لأنه غصب وسرقة ونحوه وأنكره المكاتب قبل قول السيد ببينة، وإلا يكن له بينة حلف العبد أنه ملكه، ثم يلزم السيد رد ما قبضه من المكاتب مدعيا أنه حرام إلى من أضافه إليه إن كان أضافه لمعين بأن قال: غصبه من زيد فيرده إليه؛ لأنه يقبل قوله في حق نفسه وإن لم يقبل على المكاتب، كان نكل مكاتب عن الحلف أن ما بيده ملكه حلف سيده أنه حرام ولم يلزمه قبوله.

ويملك المكاتب كسبه ونفعه وكل تصرف يصلح ماله كبيع وشراء وإجارة واستئجار واستدانة؛ لأن الكتابة وضعت لتحصيل العتق ولا يحصل العتق إلا بأداء عوضه، ولا يمكنه الأداء إلا بالتكسب، وهذا أقوى أسبابه (2)، وفي بعض الآثار:"أن تسعة أعشار الرزق في التجارة"(3)، وتتعلق استدانته بذمته يتبع بها بعد عتق؛ لأنه لما ملك كسبه صارت ذمته قابلة للاشتغال، ولأنه في يد نفسه فليس من سيده غرور بخلاف المأذون له، وسفره كسفر غريم فلسيده منعه منه.

(1) ينظر: كتاب الفروع 5/ 110، والمبدع 6/ 343، والإنصاف 19/ 232 - 233، وكشاف القناع 4/ 544.

(2)

ينظر: المغني 14/ 463، وكتاب الفروع 5/ 111، والمبدع 6/ 343، وكشاف القناع 4/ 546.

(3)

ذكره السيوطي في الدر المنثور 2/ 144، والزبيدي في اتحاف السادة المتقين 5/ 416، وابن حجر في المطالب العالية 1/ 409 برقم (1369)، والمتقي في كنز العمال برقم 9342، والعراقي في المغني عن حمل الأسفار 2/ 64 وله زيادة بلفظ:(والعشر في المواشي). وضعفه الألباني كما في ضعيف الجامع الصغير 2/ 30 - 31، وسلسلة الأحاديث الضعيفة برقم 3402.

ص: 238

وللمكاتب أخذ صدقة واجبة ومستحبة لقوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} (1) وإذا جاز له الأخذ من الواجبة فالمستحبة أولى، ويلزم المكاتب شرط سيده عليه ترك السفر وترك أخذ الصدقة فيملك تعجيزه بسفره أو أخذه الصدقة عند شرط تركهما لحديث:"المسلمون على شروطهم"(2)، وكذا لو شرط عليه أن لا يسأل الناس، ولا يصح شرط سيده عليه نوع تجارة كأن يشترط عليه أن لا يتجر إلا في نوع كذا لمنافاته مقتضى العقد.

ويملك المكاتب أن ينفق على نفسه وزوجته ورقيقه وولده التابع له في كتابته من كسبه، فإن عجز عما عليه ولم يفسح سيده كتابته لعجزه لزم السيد نفقة من ذكر؛ لأنهم في حكم أرقائه، وليس للمكاتب النفقة على ولده من أمة لغير سيده ولو ولد بعد الكتابة؛ لأنه تابع لأمه، وبتبعه في كتابته ولده من أمة سيده بشرطه ذلك على سيده للحديث، فإن لم يشترطه فولده قن لسيده تبعا لأمه، ونفقة ولد المكاتب من مكاتبة ولو لسيده على أمه؛ لأنه تابع لها.

ولا يملك المكاتب أن يكفر بمال إلا بإذن سيده؛ لأنه في حكم المعسر؛ لأنه لا يلزمه زكاة ولا نفقة قريب، ولا يسافر لجهاد ولا يتزوج إلا بإذن سيده؛ لأنه عبد فيدخل في عموم حديث:"أيما عبد نكح بغير إذن مواليه فهو عاهر"(3)، ولا يتسرى

(1) سورة التوبة من الآية (60).

(2)

سبق تخريجه ص 181.

(3)

من حديث جابر رضي الله عنه أخرجه أبو داود، باب في نكاح العبد بغير إذن سيده، كتاب النكاح برقم (2078) سنن أبي داود 2/ 228، والترمذي، باب ما جاء في نكاح العبد بغير إذن سيده، كتاب النكاح برقم (1111 - 1112) الجامع الصحيح 3/ 419 - 420، وأحمد برقم =

ص: 239

إلا بإذن سيده؛ لأن ملكه غير تام، ولا يتبرع ولا يقرض ولا يحابي ولا يرهن ولا يضارب ولا يبيع نسأ ولو برهن أو يزوج رقيقه أو يحده أو يعتقه أو يكاتبه إلا بإذن سيده في الكل؛ لأن حق سيده لم ينقطع إذ ربما عجز فعاد إليه كل ما في ملكه، فإن إذن له السيد في شيء من ذلك جاز، والولاء على من أعتقه المكاتب أو كاتبه بإذن سيده فأدى ما عليه للسيد؛ لأن المكاتب كوكيله في ذلك.

ويصح شرط وطن مكاتبته نصا (1)؛ لبقاء أصل الملك كراهن يطأ بشرط، لا شرط وطء بنتها، فإن وطئها بلا شرط أو وطئ بنتها التي في ملكه أو وطئ أمتها فلها المهر ولو مطاوعة؛ لأن عدم منعها من وطئه ليس إذنا فيه، وعليه قيمة أمتها إن أولدها لإتلافه لها بمنعها من التصرف فيها، بخلاف بنتها إن أولدها فلا يلزمه قيمتها؛ لأن المكاتبة كانت ممنوعة من التصرف فيها قبل استيلادها فلم يفت عليها شيء باستيلادها، ويؤدب من وطء مكاتبته بلا شرط إن علم التحريم، وتصير مكاتبته أو بنتها أو أمتها أو أمة مكاتبه إن ولدت منه أم ولد؛ لأنها أمته ما بقي عليها درهم، ثم إن أدت عتقت وكسبها لها ولا تنفسخ كتابتها باستيلادها، وإن مات سيدها وبقي

= (14613) المسند 4/ 359، والدارمي، باب في العبد يتزوج بغير إذن من سيده، كتاب النكاح برقم (2233) سنن الدارمي 2/ 203، والحاكم، باب إذا تزوج العبد بغير إذن سيده كان عاهرا، كتاب النكاح، المستدرك 2/ 194، والبيهقي، باب نكاح العبد بغير إذن مالكه، كتاب النكاح، السنن الكبرى 7/ 127، والحديث حسنه الترمذي، وقال الحاكم:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في صحيح الجامع 2/ 399، وفي الإرواء 6/ 351.

(1)

المغني 14/ 487، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 19/ 274، وشرح الزركشي 7/ 496، وكتاب الفروع 5/ 119 والاختيارات الفقهية ص 341.

ص: 240

عليها شيء من كتابتها سقط وعتقت بكونها أم ولد وما بيدها لورثته (1)، كما لو أعتقها قبل موته ولو لم تعجز لأنها عتقت بغير أداء، وكذا لو أعتق سيد مكاتبه فله كل ما في يده وكان عتقه فسخا للكتابة، ويصح عتقه في الكفارة إن لم يكن أدى شيئا من كتابته ويأتي (2).

(ويجوز بيع المكاتب) ذكرا كان أو أنثى لما روت عائشة: "أن بريرة (3) جاءت تستعينها في كتابتها شيئا فقالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك ويكون ولاؤك لي فعلت ذلك، فذكرت ذلك بريرة لأهلها، فأبوا وقالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ويكون ولاؤك لنا، فذكرت ذلك لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ابتاعي واعتقي، فإنما الولاء لمن أعتق" متفق عليه (4)، قال ابن المنذر: "بيعت بريرة بعلم النبي صلى الله عليه وسلم وهي مكاتبة ولم ينكر ذلك ولا وجه لمن أنكره ولا خبرا يعارضه، ولا أعلم شيئا من الأخبار دل على

(1) في الأصل: لوثته.

(2)

ص 510.

(3)

بريرة: مولاة عائشة رضي الله عنها قيل: كانت مولاة لقوم من الأنصار، وقيل: لآل عتبة بن أبي إسرائيل، وقيل: لبني هلال، فاشترتها عائشة، فأعتقتها، وكانت تخدم عائشة قبل أن تشتريها، واسم زوجها مغيث، كان مولا فخيرها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فاختارت فراقه، وكانت من ربات العقل والفراسة.

ينظر: أسد الغابة 7/ 39، والإصابة 8/ 50، وأعلام النساء 1/ 129.

(4)

أخرجه البخاري، باب ما يجوز من شروط المكاتب. . .، كتاب المكاتب برقم (2561) صحيح البخاري 3/ 132، ومسلم، باب إنما الولاء لمن أعتق، كتاب العتق برقم (1504) صحيح مسلم 2/ 1141.

ص: 241

عجزها (1)، وتأوله الشافعي على أنها كانت قد عجزت (2) وليس في الخبر ما يدل بل قولها:"أعينيني" دل على بقائها على (3) الكتابة.

ويجوز هبة المكاتب والوصية به وولده التابع له في كتابته كهو (ومشتريه) أي المكاتب (يقوم مقام مكاتبه) بكسر التاء يؤدي إليه ما بقي من كتابته، (فإن أدى إليه عتق، وولاؤه لمنتقل إليه)؛ لأن الكتابة عقد لازم فلم تنفسخ بنقل الملك في المكاتب (4)، وإن عجز [عن](5) الأداء عاد قنا؛ لأن حكمه مع بائعه ونحوه كذلك، وإن لم يعلم مشتريه أنه مكاتب فله الرد أو الأرش؛ لأن الكتابة نقص، لأنه لا يقدر على التصرف في منافعه أشبه الأمة المتزوجة.

ولا يجوز بيع ما في ذمة المكاتب من نجوم الكتابة كدين السلم.

والكتابة الصحيحة عقد لازم من الطرفين؛ لأنها بيع، ولا يدخلها خيار مجلس ولا خيار شرط ولا غيرهما.

ولا يصح تعليقها على شرط مستقبل كقوله: إذا جاء رأس الشهر فقد كاتبتك على كذا، كسائر العقود اللازمة، وخرج به الماضي والحاضر كإن كنت عبدي ونحوه

(1) الإشراف على مذاهب أهل العلم 1/ 340.

وينظر في المسألة: فتح الباري 5/ 194 - 195، وعمدة القاري 6/ 251، ومختصر اختلاف العلماء 4/ 427 - 428، والمدونة 3/ 257، وبداية المجتهد 2/ 385، ومغني المحتاج 4/ 527، والمغني 14/ 535.

(2)

ينظر: حلية العلماء 6/ 211، ومغني المحتاج 4/ 527، وفتح الباري 5/ 195.

(3)

في الأصل: الى.

(4)

ينظر: المغني 14/ 537، والمبدع 6/ 354، وكشاف القناع 4/ 556.

(5)

ما بين المعقوفين ساقط من الأصل.

ص: 242

فقد كاتبتك على كذا فتصح.

ولا تنفسخ الكتابة بموت السيد ولا جنونه ولا الحجر عليه (1)، ويعتق المكاتب بأداء إلى من يقوم مقام السيد أو إلى وارثه، وإن حل نجم من كتابته فلم يؤده فلسيده الفسخ بلا حكم حاكم، ويلزم السيد إنظاره ثلاثا ليبيع عرضا ولمال غائب دون مسافة قصر يرجو قدومه، والدين حال على مليئ أو المال مودع قصدا لحظ المكاتب والرفق به مع عدم الإضرار بالسيد، وإن حل نجم والمكاتب غائب بلا إذن سيده فله الفسخ، وبإذنه يكتب الحاكم إلى حاكم البلد الذي به المكاتب يأمره بالأداء أو يثبت عجزه ليفسخ السيد أو وكيله، فإن قدر المكاتب على الوفاء ولم يوكل من يؤدي عنه مع الإمكان ومضى زمن السير عادة فلسيده الفسخ.

ولمكاتب قادر على كسب تعجيز نفسه؛ لأن دين الكتابة غير مستقر عليه، ومعظم القصد بالكتابة تخليصه من الرق فإذا لم يرد ذلك لم يجبر عليه إن لم يملك وفاء لكتابته، فإن ملكه لم يملك تعجيز نفسه لتمكنه من الأداء، وهو سبب الحرية التي هي حق للَّه تعالى فلا يملك إبطالها مع حصول سببها بلا كلفة، ويجبر على الأداء ثم يعتق ولا يعتق بنفس الملك؛ للخبر (2)، ولجواز أن يتلف قبل أدائه فيفوت على السيد.

(1) قال ابن قدامة: "وجملة ذلك أن الكتابة لا تنفسخ بموت السيد، لا نعلم فيه بين أهل العلم خلافا" ا. هـ، المغني 14/ 469.

وينظر: شرح الزركشي 7/ 491، والمبدع 6/ 358، والإنصاف 7/ 488، وشرح منتهى الإرادات 2/ 676.

(2)

ينظر: ص 203.

ص: 243

ولسيد الفسخ بعجز عن ربعها؛ لحديث الأثرم عن عمر وابنه وعائشة وزيد ابن ثابت أنهم قالوا: "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم"(1)، وروي أيضا عن أم سلمة (2).

(1) عن عمر رضي الله عنه: أخرجه البيهقي، وقال:"اختلفت الروايات فيه عن عمر". ا. هـ السنن الكبرى 10/ 325، وقاله صاحب الجوهر النقي بذيل السنن الكبرى:"إنها منقطعة"، وينظر: نصب الراية 4/ 144.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه الإمام مالك برقم (1528) الموطأ ص 519، وعبد الرزاق برقم (15722، 15725) المصنف 8/ 406، 408، وابن أبي شيبة برقم (1579) الكتاب المصنف 6/ 422، والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 324، وذكره البخاري تعليقا في صحيحه 3/ 133.

وعن عائشة رضي الله عنها: أخرجه عبد الرزاق برقم (15726) المصنف 8/ 408، والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 324 - 325، وذكره البخاري تعليقا، في صحيحه 3/ 133.

وعن زيد رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق برقم (15717 - 15725) المصنف 8/ 405، والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 324 وذكره البخاري تعليقا، صحيح البخاري 3/ 133.

قال ابن حزم: "روي عن عمر بن الخطاب وعثمان وجابر وأمهات المؤمنين "المكاتب عبد ما بقي عميه درهم" لا يصح عن أحد منهم. . " ثم قال: "لكنه صح عن زيد بن ثابت وعائشة أم المؤمنين وابن عمر وهو مأثور عن طائفة من التابعين منهم: عروة ابن الزبير وسليمان بن يسار، وصح عن سعيد بن المسيب والزهري وقتادة. . ". ا. هـ. المحلى 9/ 229.

(2)

أخرجه عبد الرزاق برقم (15728) المصنف 8/ 408، من طريق أبي معشر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عنها، وابن حزم في المحلى 9/ 229 من طريق أبي معشر أيضا وقال:"هو ضعيف".

ص: 244