الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في استبراء الإماء
من البراءة -أي التمييز والانقطاع- يقال: برئ اللحم من العظم إذا قطع عنه وفصل (1).
وهو شرعا: قصد علم براءة رحم ملك يمين من قن ومكاتبة ومدبرة وأم ولد ومعلق عتقها بصفة، من حمل غالبا (2)، بوضع حمل أو حيضة أو شهر أو بعشرة أشهر، -وسيأتي تفصيل ذلك-، عند حدوث ملك بشرإء أو هبة ونحوهما، وعند زواله بعتق أو زوال استمتاعه بأن أراد تزويجها.
والأصل فيه حديث رويفع بن ثابت (3) مرفوعا: "من كان يؤمن باللَّه واليوم اللآخر فلا يسقي ماءه ولد غيره" رواه أحمد وغيره (4)، ولأبي سعيد في سبي أوطاس (5)
(1) ينظر: لسان العرب 1/ 33، والقاموس المحيط 1/ 8، والمطلع ص 349، والزاهر ص 228.
(2)
ينظر: المطلع ص 349، والروض المربع 2/ 320، وكشاف القناع 5/ 435.
(3)
رويفع بن ثابت: بن السكن بن عدي بن حارثة، من بني مالك بن النجار، نزل مصر وولاه معاوية على طرابلس، فغزا إفريقية، توفي سنة 56 هـ.
ينظر: أسد الغابة 2/ 239 - 240، والإصابة 2/ 416 - 417.
(4)
أخرجه الإمام أحمد برقم (16542، 16544) المسند 5/ 80، وأبو داود، باب في وطء السبايا، كتاب النكاح برقم (2158) سنن أبي داود 2/ 248، والترمذي، باب ما جاء في الرجل يشتري الجارية وهي حامل، كتاب النكاح برقم (1131) الجامع الصحيح 3/ 437، وابن حبان، باب ذكر الزجر عن انتفاع المرء بالغنائم. . .، كتاب السير برقم (4850) الإحسان 11/ 186، والبيهقي، باب استبراء من ملك الأمة، كتاب العدد، السنن الكبرى 7/ 449، والحديث حسنه الترمذي، وكذا الألباني في الإرواء 7/ 213.
(5)
أوطاس: واد في الطائف، وقيل: واد في ديار هوازن كانت فيه وقعة حنين.
مرفوعا: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير حامل حتى تحيض" رواه أحمد وأبو داود (1).
ويجب الاستبراء في ثلاثة مواضع فقط بالاستقراء (2): -
أحدها: ما ذكره بقوله: (ومن ملك) من ذكر ولو طفلا (أمة) بإرث أو شراء ونحوه (يوطأ مثلها) بكرا كانت أو ثيبا ولو مسبية، أو لم تحض لصغر أو إياس (من أي شخص كان) ملكها منه ولو طفلا (حرم عليه وطء) ـها (ومقدماته) من نحو قبلة (قبل استبراء) لما تقدم، وكالعدة قال أحمد:"بلغني أن العذارء تحمل" فقال له بعض أهل المجلس: نعم قد كان في جيراننا. (3) ومقدمات الوطء مثله، ولأنها لا يؤمن كونها حاملا (4) من بائعها فهي أم ولده فلا يصح بيعها، فيكون مستمتعا بأم ولد غيره، فإن
= ينظر: صحيح مسلم بشرح النووي 9/ 184، وفتح الباري 8/ 42، ومعجم البلدان 1/ 281، ومعجم ما استعجم 1/ 212.
(1)
أخرجه الإمام أحمد برقم (11202) المسند 3/ 469، وأبو داود، باب في وطء السبايا، كتاب النكاح برقم (2157) سنن أبي داود 2/ 248، والدارمي، باب في استبراء الأمة، كتاب الطلاق برقم (2295) سنن الدارمي 3/ 224، والدارقطني، كتاب السير، سنن الدارقطني 4/ 112، والحاكم، باب إذا تزوج العبد بغير إذن سيده، كتاب النكاح، المستدرك 2/ 195، والبيهقي، باب استبراء من ملك الأمة، كتاب العدد، السنن الكبرى 7/ 449، والحديث قال الحاكم:"صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في الإرواء 1/ 200، 7/ 214 بشواهده.
(2)
في الأصل: بالاستبراء.
(3)
ينظر: المغني 11/ 275، وشرح منتهى الإرادات 3/ 231.
(4)
في الأصل: حامل.
عتقت قبل الاستبراء لم يجز أن ينكحها ولم يصج نكاحها منه إن تزوجها حتى يستبرئها؛ لأنه (1) كان يحرم عليه وطوها قبل استبرائها قبل العتق فحرم عليه تزوجها بعده كغيره ولو لم يكن بائعها يطأ.
ومن أخذ من مكاتبه أمة حاضت عنده أو باع أو وهب أمته ثم عادت إليه بفسخ أو غيره ولو قبل تفرقهما عن المجلس حيث انتقل الملك وجب إستبراؤها ولو قبل قبض.
ولا يجب استبراء إن عادت إليه مكاتبته أو رحمها المحرم بعجز أو فك أمته من رهن أو أخذ من عبده التاجر أمة وقد حضن قبك ذلك لعدم تجدد الملك، أو أسلحت مجوسية حاضت عند سيد مسلم، أو أسلمت مرتدة حاضت كما تقدم، أو ملك صغيرة لا يوطئ مثلها؛ لأن براءة رحمها محسوسة، ولا يجب استبراء بملك أنثى من أنثى أو ذكر؛ لأنه لا فائدة فيه، قلت: ولعله إن كان البائع الذكر استبرأها وإلا فلا بد من الاستبراء إن أرادت تزويجها واللَّه أعلم.
وسن استبراء لمن ملك زوجته بإرث أو شراء ونحوهما ليعلم وقت حملها إن كانت حاملا، ومتى ولدت لستة أشهر فأكثر منذ ملكها فأم ولد وإلا فلا.
[و](2) يجزئ استبراء من ملكت بشراء أو غيره قبل قبض، ولمشتر زمن خيار لوجود الاستبراء، وهي في ملكه كما بعد القبض أو انقضاء الخيار.
ويد وكيل كيد موكل لقيامه مقامه، ومن ملك معتدة من غيره أو متزوجة فطلقها زوجها بعد دخول، أو مات زوجها اكتفي بالعدة لحصول العلم بالبراءة بها، فلا فائدة في الاستبراء.
(1) في الأصل: لأنها.
(2)
ليست في الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 232.
وله وطء معتدة منه بغير طلاق ثلاث فيها (1)؛ لأنه لا يلزمه استبراؤها من مائه.
وإن طلقت من ملكت مزوجة (2) قبل دخول وجب استبراؤها نصا (3)، وقال: هذه حيلة وضعها أهل الرأي لا بد من استبرائها لأنه تجدد له الملك فيها ولم يحصل استبراؤها في ملكه، فلم تحل له بغير استبراء كما لو لم تكن مزوجة، ولأنه ذريعة إلى إسقاط الاستبراء بأن يزوجها البائع إذا أراد بيعها ثم إذا أتم البيع طلقها زوجها قبل دخوله.
الموضع الثانى: إذا وطئ أمته التي يوطأ مثلها ثم أراد تزويجها أو بيعها حرما حتى يستبرئها؛ لأن الزوج لا يلزمه استبراء فيفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب، ولأن عمر:"أنكر على عبد الرحمن بن عوف بيع جارية كان يطأها قبل استبرائها"(4)، ولأن المشتري يجب عليه الاستبراء لحفظ مائه فكذا البائع، وللشك في صحة البيع قبل الاستبراء لاحتمال أن تكون أم ولد، ولأنه قد يشتريها من لا يستبرئها فيفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب، فلو خالف فزوجها أو باعها قبل استبرائها صح البيع -لأن الأصل عدم الحمل- دون النكاح فلا يصح كتزوج المعتدة، وإن لم يطأ سيد أبيح البيع والنكاح قبل الاستبراء لعدم وجوبه إذن.
الموضع الثالث: إذا أعتق أم ولده أو سريته، أو مات عنها لزمها استبراء [نفسها](5)؛ لأنها فراش لسيدها وقد فارقها بالعتق أو الموت، فلم يجز أن تنتقل إلى
(1) أي: في عدته.
(2)
في الأصل: زوجنه.
(3)
المحرر 2/ 109، والمغني 11/ 279، والشرح الكبير والإنصاف 24/ 188 - 189، وكتاب الفروع 5/ 563 - 564، والبدع 8/ 154.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة في الكتاب المصنف 4/ 228، والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 263.
(5)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 233.
فراش غيوه بلا استبراء، ولا يلزمها استبراء إن استبرأها قبل عتقها لحصول العلم ببراءة الرحم، أو أراد تزوجها بعد عتقها فلا استبراء لأنها لم تنتقل إلى فراش غيره.
ويحصل استبراء (حامل بوضع) ماتنقضي به العدة للآية والخبر والمعنى (1)، (و) استبراء (من تحيض بحيضة) تامة، لحديث:"لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير حامل حتى تحيض حيضة"(2).
(و) استبراء (آيسة وصغيرة) وبالغة لم تحض (بشهر) لإقامته مقام حيضة، ولذلك اختلفت الشهور باختلاف الحيض، وإن حاضت في الشهر فاستبراؤها بحيضة كالصغيرة إذا حاضت في عدتها، فإن حاضت بعده فقد حصل الاستبراء به.
وأما استبراء من ارتفع حيضها ولم تدر ما رفعه فبعشرة أشهر تسعة للحمل وشهر للاستبراء لما تقدم في العدة، وإن علمت ما رفع حيضها من مرض أو رضاع أو غيره فكحرة، فلا تزال في استبراء حتى يعود الحيض فتستبرأ بحيضة أو تصير آيسة فتستبرأ بشهر.
وإن ادعت أمة موروثة تحريمها على وارث بوطء مورثه كأبيه وابنه صدقت قال الشيخ منصور: "ولعله ما لم تكن مكنته قبل"(3). أو ادعت أمة مشتراة أن لها زوجا صدقت فيه لأنه لا يعرف إلا من جهتها.
(1) قال في الشرح الكبير 24/ 203: "ولا خلاف في ذلك بحمد اللَّه لقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ. .} [الطلاق: 4] سورة الطلاق الآية (4) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا توطأ حامل حتى تضع حملها" -سبق تخريجه- ولأن عدة الحرة والأمة والمتوفى عنها والمطلقة واستبراء كل أمة إذا كانت حاملا بوضع حملها، ولأن المقصود من العدة والاستبراء معرفة براءة الرحم من الحمل وهذا يحصل بوضعه" ا. هـ.
(2)
سبق تخريجه ص 366.
(3)
شرح منتهى الإرادات 3/ 235.