الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فصل) في الإيلاء وأحكام المولي
وهو أفعال من الألية (1) -بتشديد المثناه تحت- قال ابن قتيبة (2): " {يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} (3): يحلفون، يقال: آليت من امرأتي، أولي إيلاء إذا حلف لا يجامعها" حكاه عنه أحمد (4).
(والإيلاء حرام)؛ لأنه يمين على ترك واجب فهو كظهار، وكان كل من الإيلاء والظهار طلاقا في الجاهلية.
(وهو) -أي الإيلاء- شرعا: (حلف زوج عاقل -يمكنه الوطء- باللَّه) تعالى (أو) بـ (صفة من صفاته) تعالى كالرحمن ورب العالمين (على ترك وطء زوجته) لا أمته أو أجنبية (الممكن) وطؤها (في قبل أبدا أو مطلقا، أو فوق أربعة أشهر)(5) مصرحا بها، أو ينويها بأن يحلف أن لا يطأها وينوي فوق أربعة أشهر، وسواء حلف في حال
(1) ينظر: معجم مقاييس اللغة 1/ 127، ولسان العرب 14/ 40.
(2)
هو: عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة، الدينوري، أبو محمد، صاحب التصانيف، نزل بغداد وصنف وجمع، وبعد صيته، من كتبه:"غريب الحديث"، و"غريب القرآن"، و"عيون الأخبار"، توفي سنة 276 هـ.
ينظر: سير أعلام النبلاء 13/ 296، ولسان الميزان 3/ 357 - 359.
(3)
سورة البقرة من الآية (226).
(4)
ينظر: شرح منتهى الإرادات 3/ 189.
(5)
ينظر: المحرر 2/ 85، وشرح الزركشي 5/ 459، والمطلع ص 343.
الرضى أو غيره، والزوجة مدخول بها أو لا نصا (1).
والأصل فيه قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} الآية (2) وكان أبي بن كعب وابن عباس يقرآن "يقسمون" مكان {يؤلون} (3) قال ابن عباس: "كان أهل الجاهلية إذا طلب الرجل من امرأته شيئا فأبت أن تعطيه، حلف أن لا يقربها السنة والسنتين والثلاث، فيدعها لا أيما ولا ذات بعل، فلما كان الإسلام جعل اللَّه ذلك للمسلين أربعة أشهر، ونزلت الآية"(4)، ويترتب حكم الإيلاء مع خصاء زوج ومع جب بعض ذكره إن بقي منه ما يمكن الجماع (5)[به](6)، ومع عارض بزوج أو زوجة يرجى زواله كحبس لا عكسه فلا يثبت حكمه مع عارض لا يرجى زواله بأحدهما كرتق وجب، ويبطله جب ذكره كله بعد إيلائه؛ لأن ما لا يصح معه ابتداء الشيء امتنع مع حدوثه [دوام](7) ذلك الشيء، [ويبطله](8) شلله (9)
(1) مسائل الإمام أحمد رواية صالح 2/ 180، ورواية أبي داود ص 175، ورواية عبد اللَّه ص 363، والمغني 11/ 88، 22، 24، والمحرر 2/ 87، وكتاب الفروع 5/ 473، والمبدع 8/ 4.
(2)
سورة البقرة من الآية (226).
(3)
أخرجه عبد الرزاق عن ابن عباس برقم (11643) المصنف 6/ 454 - 455.
وذكره القرطبي عن أبي في الجامع لأحكام القرآن 3/ 68.
(4)
لم أقف عليه مسندا، وأورده القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 3/ 68، وابن الجوزي في زاد الميسر 1/ 256، وأبو حيان في البحر المحيط 2/ 445.
(5)
في الأصل: الاجماع.
(6)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 189.
(7)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 189.
(8)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 189.
(9)
أي الذكر.
بعد إيلائه، ومرض لا يرجى برؤه لأنه لا يمكن معه الوطء.
ويصح الإيلاء من كل زوج يصح طلاقه ويمكنه الوطء من مسلم، وكافر، وحر، وقن، وبالغ، ومميز عقله، وسكران، وغضبان، ومريض يرجى برؤه، ومن لم يدخل بزوجته، ولا يصح من غير زوج ولا من مجنون ومغمي عليه؛ لأنه لا قصد لهما.
(فمتى مضى) على مول (أربعة أشهر من) حين (يمينه ولم يجامع فيها) -أي الأربعة أشهر- (بلا عذر) للمرأة، كصغر وجنون ونشوز وإحرام ونفاس ومرض وحبس وسفر، ولا تضرب له المدة مع شيء من هذه الأعذار؛ لأن المدة تضرب لامتناعه من وطئها، والمنع هنا من قبلها، بخلاف حيضها فيحسب من المدة ولا يقطعها لئلا يؤدي ذلك إلى إسقاط حكم الإيلاء إذ لا يخلو من الحيض شهر غالبا، وإن حدث عذرها في أثناء المدة استؤنفت لزواله ولم يبن على ما مضى؛ لأن ظاهر قوله تعالى:{تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} يقتضي أنها متوالية، فإذا انقطعت بحدوث عذرها وجب استئنافها كمدة الصوم في الكفارة، ولا يستأنف المدة إن حدث عذره في أثنائها؛ لأن المانع من جهته، فيحسب عليه زمن عذره فيها كسفر ومرض وإحرام.
وإن كان عذر مما يعجز به عن الوطء أمره الحاكم أن يفيء بلسانه فيقول: متى قدرت جامعتك، ثم متى قدر جامع أو طلق لزوال عجزه الذي أخر لأجله، ولا كفارة ولا حنث في الفيئة باللسان؛ لأنه لم يفعل المحلوف عليه بل وعد به، فإن لم يكن له عذر (أمر به)(1) -أي بالجماع- أمره به حاكم (فإن أبى أمر بالطلاق، فإن امتنع) من
(1) يعني إذا انقضت المدة.
الطلاق ومن الفيئة (طلق عليه حاكم) طلقة أو ثلاثا أو فسخ؛ لأن الطلاق تدخله النيابة، وقد تعين مستحقه فقام الحاكم فيه مقام الممتنع كأداء الدين، قال في شرح المنتهى (1) لمصنفه:"وإن رأى أن يطلق ثلاثا فهي ثلاث؛ لأنه قائم مقام المولي فيقع ما يوقعه من ذلك كالوكيل المطلق" انتهى. وإن قال حاكم: فرقت بينكما ولم ينو طلاقا فهو فسخ لا ينقص به عدد الطلاق.
وإن ادعى مول طلبته زوجته بالفيئة بقاء المدة قبل قوله؛ لأن الاختلاف فيه يرجع إلى الاختلاف في وقت حلفه، وهو أعلم به لصدوره من جهته، كما لو اختلفا في أصل الإيلاء، أو ادعى وطأها بعد إيلائه وهي ثيب قبل؛ لأنه أمر خفي تتعذر إقامة البينة عليه غالبا، ولا يعلم إلا من جهته كقول (2) المرأة في حيضها، وإن ادعت زوجة مول -ادعى وطئها- بكارة فشهد بها امرأة ثقة قبلت كسائر عيوب النساء تحت الثياب، وإلا يشهد بيكارتها قبل قوله في وطئها، وعليه اليمين في الصور الثلاث؛ لأنه حق آدمي أشبه الدين، ولعموم حديث:"ولكن اليمين على المدعى عليه"(3)، وتنحل يمين مول جامع [ولو مع](4) تحريم الجماع، كجماعه في حيض، أو نفاس، أو إحرام، أو صيام فرض من أحدهما؛ لأنه فعل ما حلف على تركه فانحلت يمينه به، (ويجب بوطئه كفارة يمين) لحنثه، (وتارك الوطء ضرارا)
(1) 3/ 195.
(2)
في الأصل: كقبول، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 195.
(3)
من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه البخاري، باب إذا اختلف الراهن والمرتهن ونحوه، كتاب الرهن في الحاضر برقم (2514) صحيح البخاري 3/ 125، ومسلم اللفظ له، باب اليمين على المدعى عليه، كتاب الأقضية برقم (1711) صحيح مسلم 3/ 1636.
(4)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 195.
بزوجته (بلا عذر) أو بلا حلف (كمول) في الحكم، ومثله من ظاهر من امرأته ولم يكفر لظهاره؛ لأنه ضرها بترك وطئها في مدة بقدر مدة المولي فلزمه حكمه كما ترك ذلك بحلفه.