الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في التأويل في الحلف
(وينفع) حالف (غير ظالم) بحلفه (تأول بيمينه)، وهو أن يريد الحالف بلفظه ما يخالف ظاهره، وسواء في ذلك الحلف بالطلاق والعتاق واليمين المكفرة، كالحلف باللَّه تعالى، أو بالظهار، أو النذر، فإن بيان الحالف ظالما كالذي يستحلفه الحاكم عن حق عنده لم ينفعه تأوله، قال في "المبدع" (1):"بغير خلاف نعلمه". وكانت يمينه منصرفة إلى ظاهر الذي عنى المستحلف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"يمينك على ما يصدقك به صاحبك"(2) وفي لفظ: "اليمين على نية المستحلف" رواه مسلم (3).
(1) 7/ 375
(2)
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه مسلم، باب يمين الحالف على نية المستحلف، كتاب الأيمان برقم (1653) صحيح مسلم 3/ 1274، وأبو داود، باب المعاريض في اليمين، كتاب الأيمان والنذور برقم (3255) سنن أبي داود 3/ 224، والترمذي، باب ما جاء أن اليمين على ما يصدقه صاحبه، كتاب الأحكام برقم (1354) الجامع الصحيح 3/ 636، وأخرجه ابن ماجة، باب من ورى في يمينه، كتاب الكفارات برقم (2121) سنن ابن ماجة 1/ 686، وأحمد برقم (7079) المسند 2/ 455، والدارمي، باب الرجل يحلف على الشيء وهو يوري على يمينه، كتاب النذور والأيمان برقم (2349) سنن الدرامي 2/ 245، والدارقطني في سننه 4/ 157، والحاكم، باب يمينك على ما يصدقك به صاحبك، كتاب الأيمان والنذور، المستدرك 4/ 303، والبيهقي، باب اليمين على نية المستحلف في المحكومات، كتاب الأيمان، السنن الكبرى 10/ 65.
(3)
من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عه-: أخرجه مسلم، باب يمين الحالف على نية المستحلف، كتاب الأيمان برقم (1653) صحيح مسلم 3/ 1274، وابن ماجة، باب من ورى في =
وإن كان الحالف مظلوما كالذي يستحلفه ظالم على شيء لو صدقه لظلمه أو ظلم غيره أو نال مسلما منه ضرر فهنا له تأويله، لحديث سويد بن حنظلة (1) قال:"خرجنا نريد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر (2)، فأخذه عدو له، فتحرج القوم أن يحلفوا، فحلفت أنا أنه أخي فخلى بسبيله، فأتينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكرنا له ذلك فقال: كنت [أبرهم] (3) وأصدقهم، المسلم أخو المسلم" رواه أبو داود (4)، وقال
= يمينه، كتاب الكفارات برقم (2120) سنن ابن ماجة 1/ 685، والبيهقي، باب اليمين على نية المستحلف في المحكومات، كتاب الأيمان، السنن الكبرى 10/ 65.
(1)
سويد بن حنظلة، صحابي، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسكن البادية، ما روى عنه إلا ابنته.
ينظر: أسد الغابة 2/ 488، والإصابة 3/ 186.
(2)
وائل بن حجر: ابن ربيعة بن وائل بن يعمر الحضرمي، كان أبوه من ملوك حضرموت، وفد على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واستقطعه أرضا فأقطعه، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد بشر أصحابه بقدومه قبل أن يصل بأيام، نزل الكوفة، شهد مع علي رضي الله عنه صفين.
ينظر: أسد الغابة 5/ 435، والإصابة 6/ 466.
(3)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل.
(4)
في باب المعاريض في اليمين، كتاب الأيمان والنذور برقم (3256) الجامع الصحيح 3/ 224، وابن ماجة، باب من ورى في يمينه، كتاب الكفارات برقم (2119) سنن ابن ماجة 1/ 685، وأحمد برقم (16285) المسند 5/ 33، والحاكم، باب من قال أنا بريء من الإسلام فهو كما قال، كتاب الأيمان والنذور، المستدرك 4/ 299 - 300، والبيهقي، باب الحلف على التأويل فيما بينه وبين اللَّه تعالى، كتاب الأيمان، السنن الكبرى 10/ 65، والحديث قال الحاكم:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة 3/ 213، 215.
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن في المعارض مندوحة عن الكذب" رواه الترمذي (1)، قال محمد ابن سيرين (2):"الكلام أوسع من أن يكذب ظريف بذلك"(3) أي الكيس الفطن، فإنه يفطن للتأويل فلا حاجة إلى الكذب.
وكذا إن لم يكن الحالف ظالما أو مظلوما ولو كان التأويل بلا حاجة إليه؛ لأنه عليه السلام كان يمزح (4) ولا يقول إلا حقا، ومزاحه أن يوهم السامع بكلامه غير ما عناه وهو التأويل، قال عليه السلام لعجوز:"لا تدخل الجنة عجوز"(5).
ويقبل منه حكما دعوى التأويل مع قرب الاحتمال ومع توسطه لعدم مخالفة
(1) لم أقف عليه عند الترمذي، وأخرجه البخاري موقوفا على عمران بن حصين في الأدب المفرد ص 184، والبيهقي مرفوعا من حديث عمران بن حصين وعلي بن أبي طالب، في باب المعاريض فيها مندوحة عن الكذب، كتاب الشهادات، السنن الكبرى 10/ 199 وأشار إلى ضعفه، كما أخرجه موقوفا على عمر بن الخطاب، وعمران بن الحصين، وقال:"هذا هو الصحيح" -أي الموقوف-، ورواه ابن عبد البر في التمهيد 16/ 252 موقوفا على عمر وعمران بن الحصين رضي الله عنهما، وعزا الحافظ ابن حجر أثر عمران بن حصين إلى الطبراني في الكبير، وقال:"رجاله ثقات". ا. هـ. فتح الباري 10/ 594.
(2)
سبقت ترجمته ص 278.
(3)
رواه البيهقي في شعب الإيمان 4/ 232، وابن عدي في الكامل 4/ 1347، وأبو نعيم في الحلية 2/ 264.
(4)
في الأصل: يخرج.
(5)
رواه الترمذي في مختصر الشمائل المحمدية ص 128، وأورده ابن كثير بنحوه في تفسير القرآن العظيم 4/ 293، والسيوطي في الدر المنثور 6/ 158، وذكره ابن الأثير في جامع الأصول 11/ 55 مرسلا، وعزاه لرزين، وأورده زين الدين الراقي في المغني في حمل الأسفار 2/ 795، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين 7/ 499، وضعفه الألباني في مختصر الشمائل المحمدية ص 128.
الظاهر، ولا يقبل منه مع بعده، فمن أمثلة التأويل: أن ينوي باللباس الليل، وبالفراش والبساط الأرض، وبالأوتاد الجبال، وبالسقف والبناء السماء، وبالأخوة أخوة الإسلام، وينوي بقوله: ما ذكرت فلانا أي ما قطعت ذكره وما رأيته ما ضربت رئته، وينوي بنسائه طوالق أي نسائه الأقارب، كبناته وعماته وخالاته ونحوهن، وينوي بجواريي أحرار أي سفنه، وما كاتبت فلاتا ولا عرفته ولا أعلمته ولا سألته حاجة ولا أكلت له دجاجة ولا فروجة ولا في بيتي فرش ولا حصير ولا بارية، ويعني بالمكاتبة مكاتبة الرقيق، وبقوله: ما عرفته أي ما جعلته عريفا، ويعني بإعلامه أي جعله أعلم الشفة أي مشقوقها، وينوي بالحاجة شجرة صغيرة، وبالدجاجة الكبة من الغزل، وبالفروجة الدراعة، وبالفرش صغار الإبل، وبالحصير الحبس، وبالبارية السكين التي يبرأ بها الأقلام.
وما أكلت من هذا شيء ولا أخذت منه، ويعني بالمشار إليه الباقي بعد أكله وأخذه فلا حنث في ذلك كله حيث لم يكن ظالما؛ لأن لفظه يحتمل ما نوى.
وإن استحلفه ظالم ما لفلان عندك وديعة وهي عنده، وحلف وقصد بما الذي فكأنه قال: الذي لفلان عندي وديعة، أو نوى ماله عندي وديعة غير المطلوبة، أو نوى ماله عندي وديعة في مكان كذا فلا حنث؛ لأنه صادق، وكذا لو استحلفه ظالم بطلاق وعتاق أن لا يفعل ما يجوز فعله، أو أن يفعل ما لا يجوز فعله فحلف بالطلاق ثلاثا ونوى بقوله طالق من عمل تعمله كخياطة وغزل لا طلاق من عصمته ونوى بقوله ثلاثا ثلاثة أيام.
أو قال له ظالم: قل زوجتي طالق إن فعلت كذا، أو كل زوجة لي طالق إن فعلت كذا، ونوى زوجته العمياء أو اليهودية أو الحبشية ونحوه، أو نوى بقوله: كل زوجة
تزوجتها بالصين (1) ونحوه ولا زوجة للحالف على الصفة المذكورة لم يحنث، وكذا لو نوى إن كنت فعلت كذا بالصين أو نحوه من الأماكن التي لم يفعله فيها لم يحنث، ومن حلف ما فلان هنا وعنى موضعا ليس فيه لم يحنث لأنه صادق، ومن حلف على زوجته لا سرقت مني شيئا فخانته في وديعة لم يحنث إلا إن نوى بالسرقة الخيانة.
ولو حلف ليعبدن اللَّه تعالى عبادة ينفرد بها دون جميع الناس في وقت تلبسه بها بر بالطواف وحده أسبوعا بعد أن يخلى له المطاف.
(1) الصين: بكسر الصاد، وآخره نون، بلاد في بحر المشرق مائلة إلى الجنوب، وشماليها الترك.
ينظر: مراصد الإطلاع 2/ 861، ومعجم البلدان 3/ 440، ومعجم ما استعجم 2/ 849.