الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ فى المُفَوّضَةِ
بكسر الواو وفتحها فالكسر على إضافة الفعل للمرأة على أنها فاعلة، والفتح على إضافته لوليها، والتفويضُ: الإهمال، كان المهر أهمل حيث لم يسم (1) قال الشاعر:
لا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضًى لا سَرَاةَ لهم
…
ولا سَرَاةَ إذَا جُهَّالُهُم سَادُوا (2)
والتفويض نوعان: -
تفويض بُضْعٍ: وهو المشار إليه بقوله (ويَصِحُّ تفويضُ بُضْع بأَنْ يُزَوّجَ أبٌ ابنتَهُ المُجْبَرَة) بلا مهر (أَوْ) يزوج (وليّ غيرها) -أي غير المجبرة- وهي الثيب البالغة من أب أو أخ ونحوه (بإذْنِهَا بلا مهرٍ) لقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} (3) ولحديث ابن مسعود: "أنه سئل عن امرأة تزوجها رجل ولم يفرض لها صداقًا، ولم يدخل بها حتى مات، فقال ابن مسعود: لها صداق نسائها لا وَكْس (4) ولا شَطَط وعليها العدة ولها الميراث فقام معقل بن سنان الأشجعي (5) فقال: قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بَرْوَعَ بنت
(1) ينظر: المطلع ص 327.
(2)
القائل هو الأفود الأوديّ، والبيت في ديوانه: الطرائف الأدبية ص 10، وينظر: تاج العروس 18/ 496، وأساس البلاغة ص 484، والمعجم المفصل في شواهد اللغة العربية 2/ 224.
(3)
سورة البقرة من الآية (236).
(4)
الوَكْسُ: النقص. ينظر: معجم مقاييس اللغة 6/ 139، ومختار الصحاح ص 734.
(5)
معقل بن سنان هو: ابن مظهر بن أشجع بن غطفان، الأشجعي، أبو عبد الرحمن، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فأقطعه قطيعة، شهد فتح مكة، ثم أتى المدينة فأقام بها، وكان فاضلًا تقيًا، قتل معقل في ذي الحجة سنة 63 هـ.
واشق (1) امرأة منا مثل ما قضيت" رواه أبو داود والترمذي وقال: "حسن صحيح" (2)، وسواء قال زوجتك بلا مهر أو زاد لا في الحال ولا في المآل لأن معناهما واحد.
والنوع الثاني: تفويض المهر، بأن يجعل المهر إلى رأي أحد الزوجين أو غيرهما (كـ) قوله: زوجتك بنتي أو أختي أو نحوهما (على ما شاءت) الزوجة أو على ما شاء الزوج (أو) على ما (شاء فلان) وهو أجنبي من الزوجين أو قريب لهما أو لأحدهما فيصح. (ويجب لها بعقد مهر مثل) لأنها لم تأذن في تزويجها إلا على صداق لكنه مجهول فسقط لجهالته فوجب مهر المثل، فلو فوض مهر أمة ثم بيعت أو عتقت ثم فرض لها مهر المثل فهو لسيدها حال العقد، ولها مع ذلك ومع فساد تسمية كإن تزوجها على خمر
= ينظر: أسد الغابة 5/ 230 - 231، والإصابة 6/ 143 - 144.
(1)
بروع بنت واشق: الرواسية الكلابية، أو الأشجعية، زوج هلال بن مرة.
ينظر: أسد الغابة 7/ 37، والإصابة 8/ 49.
(2)
أخرجه أبو داود، باب فيمن تزوج ولم يسم صداقا حتى مات، كتاب النكاح برقم (2116) سنن أبي داود 2/ 237، والترمذي، باب ما جاء في الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يفرض لها، كتاب النكاح برقم (1145) الجامع الصحيح 3/ 450 - 451، والنسائي، باب إباحة التزوج بغير صداق كتاب النكاح برقم (3354) المجتبى 6/ 121، وابن ماجة، باب الرجل يتزوج ولا يفرض لها فيموت على ذلك، كتاب النكاح برقم (1891) سنن ابن ماجة 1/ 609، وأحمد برقم (17992 - 17998) المسند 5/ 352 - 353، والدارمي، باب الرجل يتزوج المرأة فيموت قبل أن يفرض لها، كتاب النكاح برقم (2246) سنن الدارمي 2/ 207، والبيهقي، باب أحد الزوجين يموت ولم يفرض لها صداقا. .، كتاب الصداق، السنن الكبرى 7/ 245، والحديث صححه الترمذي، والألباني في الإرواء 6/ 358 - 360.
ونحوه طلب فرضه قبل دخول وبعده فإن امتنع أجبر عليه لأن النكاح لا يخلو من مهر، ويصح إبراؤها من المهر قبل فرضه لانعقاد سبب وجوله وهو النكاح، فإن تراضيا ولو على شيء قليل أو كثير صح إن كانا جائزي التصرف، وإن كان الزوج محجورا عليه لحظه فليس لوليه بذل أكثر من مهر مثلها، وإن كانت كذلك فليس لوليها الرضا بأقل من مهر مثلها، وإلا يتراضيا على شيء فرضه حاكم بقدر مهر مثل لأن الزيادة عليه ميل على الزوج والنقص منه (1) ميل على الزوجة والميل حرام.
(ويستقر) مهر مثل لمفوضة (بدخول) كالمسمى، وكذا لو خلا بها ونحوه، (وإن مات أحدهما) أي الزوجين في نكاح التفويض (قبل دخول) بمفوضة (و) قبل (فرض) حاكم مهر المثل (ورثه الآخر) سواء كان الميت الزوج أو الزوجة لحديث ابن مسعود، ولأن ترك التسمية لا يقدح في صحة النكاح، (ولها) مع موت أحدهما وكذا سائر ما يقرر المهر (مهر نسائها) المساوية لها من جميع أقاربها (كأمها وعمتها وخالتها) وغيرهن كأخت وبنت أخ أو عم القربى فالقربى لقوله في حديث ابن مسعود:"ولها صداق نسائها" فإن المرأة تنكح لحسبها للأثر (2)، وحسبها يختص به أقاربها ويزداد المهر لذلك ويقل لعدمه، ويعتبر التساوي في مال وجمال وعقل وأدب وسن وبكارة أو ثيوبة وبلد وصراحة نسب وكل ما يختلف لأجله المهر؛ لأن مهر المثل بدل متلف وهذه الصفات مقصودة فيه فاعتبرت، فإن لم يكن في نسائها إلا دونها زيدت بقدر فضيلتها لأن زيادة فضيلتها تقتضي زيادة مهرها فتقدر الريادة بقدر الفضيلة، أو لم يوجد في نسائها إلا
(1) في الأصل: عليه.
(2)
الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تنكح المرأة لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين. . . " سبق تخريجه ص 222.
فوقها نقصت بقدر نقصها كأرش عيب يقدر بقدر نقص المبيع، وتعتبر عادة نسائها في تأجيل مهر أو بعضه أو تخفيف عن عشيرتهن دون غيرهم فإن اختلفت عادتهن أخذ بوسط حال، من نقد البلد فإن تعدد فمن غالبه، وإن لم يكن لها أقارب من النساء اعتبر شبهها بنساء بلدها فإن عدمن فبأقرب النساء شبها بها من أقرب بلد إليها.
(وإن طلقت) مفوضة (قبلهما) -أي قبل دخول وفرض مهر- (لم يكن لها) -أي المفوضة- (عليه) -أي المطلق- (إلا المتعة) نصا (1) وهو قول ابن عمر (2) وابن عباس (3) لقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} (4) والأمر يقتضي الوجوب وأداء الواجب من الإحسان فلا تعارض، وكل فرقة يتنصف بها المسمى توجب المتعة إذا كانت مفوضة، وكل فرقة تسقط المسمى كاختلاف دين وفسخ لرضاع من قبلها لا تجب به متعة لقيامها مقام نصف المسمى فتسقط في كل موضع يسقط فيه (وهي) -أي المتعة- (بقدر يسره وعسره)
(1) المغني 10/ 139، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 21/ 269 - 270، وشرح الزركشي 5/ 305.
(2)
أخرجه الإمام مالك برقم (1212) الموطأ ص 366، وعبد الرزاق برقم (12224) المصنف 7/ 68، وسعيد برقم (1773) سنن سعيد بن منصور 3/ 27/2، وابن حزم في المحلى 10/ 247، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 244، وفي معرفة السنن والآثار برقم (14301) 10/ 225، وصححه الألباني في الإرواء 6/ 361.
(3)
أخرجه سعيد برقم (1782) سنن سعيد بن منصور 3/ 2/ 29، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 244، وابن حزم في المحلى 10/ 246، وصححه الألباني في الإرواء 6/ 361.
(4)
سورة البقرة من الآية (236).
نصا (1) اعتبارا بحال الزوج لقوله تعالى: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} (2) فأعلاها خادم إذا كان الزوج موسرا والخادم الرقيق ذكرا كان أو أنثى، وأدناها إذا كان الزوج معسرا كسوة تجزيء الزوجة في صلاتها وهي درع وخمار أو ثوب تصلي فيه بحيث يستر ما يجب ستره، ولا تسقط المتعة إن وهبته مهر المثل أي أبرأته منه قبل الفرقة لظاهر الآية، ولأنها إنما وهبته مهر المثل فلا تدخل فيه المتعة، ولا يصح إسقاطها قبل الفرقة لأنها لم تجب بعد كإسقاط الشفعة قبل البيع، وإن وهب الزوج للمفوضة شيئا ثم طلقها قبل دخول وفرض فلها المتعة نصا (3)، لأن المتعة إنما تجب بالطلاق فلا يصح قضاؤها قبله.
(ويجب مهر مثل لمن وطئت) ولو كان الوطء من مجنون بنكاح باطل إجماعا كنكاح خامسة أو معتدة، أو وطئت (بشبهة) إن لم تكن حرة عالمة مطاوعة فيهما (أو) وطئت بـ (زنا كرها) أي مكرهة إن كان الوطء في قبل لقوله صلى الله عليه وسلم:"فلها المهر بما استحل من فرجها"(4) أي نال منه وهو الوطء لأن ذكر الاستحلال في غير موضع الحل دليل على إرادة المباشرة المقصودة منه وهي الوطء، قلت: ومن ذلك قول نساء الجاهلية الطائفات بالبيت عراة:
(1) المغني 10/ 143، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 21/ 274 وشرح الزركشي 5/ 308.
(2)
سورة البقرة من الآية (236).
(3)
مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود ص 166، والمغني 10/ 143، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 21/ 269 - 270 و 273.
(4)
سبق تخريجه ص 249.
اليوم يبدو بعضه أو كله
…
وما بدا منه فلا أحله (1)
(لا أرش بكارة) فلا يجب (معه) أي مع المهر لأن الأرش يدخل في مهر المثل فلا يجب مرة أخرى، وسواء كانت الموطؤة أجنبية أو من ذوات محارمه لأن ما ضمن للأجنبي ضمن للقريب كالمال بخلاف اللواط فإنه غير مضمون على أحد لعدم ورود الشرع ببدله، ويتعدد مهر في وطء شبهة بتعدد شبهة كان وطئها ظانا أنها زوجته خديجة ثم وطئها ظانا أنها زوجته فاطمة ثم وطئها ظانا أنها سريته فيجب لها ثلاثة مهور، فإن اتحدت الشبهة وتعدد الوطء فمهر واحد، ويتعدد المهر بتعدد إكراه على زنا، وإن اتحد الإكراه وتعدد الوطء فمهر واحد، ويجب مهر بوطء ميتة كالحية، وقال القاضي: وطء الميتة محرم ولا مهر ولا حد (2)، ولا يجب مهر بوطء مطاوعة على زنا لأنه إتلاف بضع برضا مالكه فلم يجب له شيء كسائر المتلفات، وسواء كان الوطء في قبل أو دبر، غير أمة فيجب لسيدها مهر مثلها على زان بها ولو مطاوعة لأنها لا تملك بضعها فلا يسقط حق سيدها بطواعيتها، وغير مبعضة طاوعت على الزنا فلا يسقط حق سيدها بمطاوعتها بل له من مهرها بقدر رق، وعلى من أذهب عذرة أجنبية -بضم العين أي بكارتها- (3) بلا وطء أرش بكارتها لأنه إتلاف جزء لم يرد الشرع بتقدير عوضه فيرجع فيه إلى أرشه كسائر المتلفات وهو ما بين مهرها بكرا وثيبا ذكره في
(1) البيت لضباعة بنت عامر بن قرط القشرية.
ينظر: الإصابة 8/ 221 - 223، وأعلام النساء 2/ 354.
(2)
ينظر: الإنصاف 21/ 296.
(3)
ينظر: لسان العرب 4/ 551.
"الإقناع" وغيره (1)، ومقتضى ما يأتي في الجنايات أن أرشه حكومة (2)، وإن فعله زوج ثم طلق قبل دخول أو خلوة لم يكن عليه إلا نصف المسمى لقوله تعالى: الآية (3) وهذه مطلقة قبل المسيس والخلوة فليس لها إلا نصف المسمى، ولأنه أتلف ما يستحق إتلافه بالعقد فلا يضمنه لغيره كما لو أتلف عذرة أمته، ولا يصح تزويج من نكاحها فاسد كالنكاح بلا ولي قبل طلاق أو فسخ لأنه نكاح يسوغ فيه الاجتهاد فاحتاج إلى إيقاع فرقة كالصحيح المختلف فيه، ولأن تزويجها بلا فرقة يفضي إلى تسليط زوجين عليها كل واحد يعتقد صحة نكاحه وفساد نكاح الآخر بخلاف النكاح الباطل، فإن أبى زوج فسخه حاكم نصا (4) لقيامه مقام الممتنع مما وجب عليه، فإن تزوجت بآخر قبل التفريق لم يصح النكاح الثاني ولم يجز تزويجها لثالث حتى يطلق الأولان أو يفسخ نكاحهما.
(1) ينظر: الإقناع 3/ 226، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 21/ 298.
(2)
ص 701.
(3)
سورة البقرة الآية (237).
(4)
المقنع والشرح الكبير والإنصاف 21/ 290، والمبدع 7/ 173 والإقناع 3/ 225.