الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فيما يختلف به عدد الطلاق
(ويملك حر) ثلاث تطليقات (و) يملك (مبعض ثلاث تطليقات)؛ لأنه لا يمكن قسمته في حقه لاقتضاء الحال أن يكون له ثلاثة أرباع الطلاق وليس له ثلاثة أرباع فكمل في حقه، ولأن الأصل إثبات الطلاق الثلاث في حق كل مطلق خولف في كامل الرق وبقي فيما عداه على الأصل، ولو كان الحر والمبعض زوجي أمة.
(و) يملك (عبد) ولو طرأ رقه كذمي تزوج ثم لحق بدار حرب فاسترق قبل أن يطلق أو كان معه حرة (ثنتين) ولو مدبرا أو مكاتبا، روي ذلك عن عمر (1) وعثمان (2) وزيد (3) وابن عباس (4)؛ لأنه خالص حق الرجل فاعتبر به كعدد المنكوحات، ولحديث الدارقطني عن عائشة مرفوعا: "طلاق العبد اثنتان فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وقرؤ الأمة حيضتان، وتتزوج الحرة على الأمة، ولا تتزوج الأمة على
(1) أخرجه الإمام الشافعي في الأم 5/ 232، وعبد الرزاق برقم (12872) المصنف 7/ 221، وسعيد برقم (1277) سنن سعيد بن منصور 3/ 344/1، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 368، 425، وصححه الألباني في الإرواء 7/ 150.
(2)
أخرجه الإمام مالك برقم (1215) الموطأ ص 366، والشافعي في الأم 5/ 274، وسعيد برقم (1328) سنن سعيد بن منصور 3/ 1/ 356، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 368 - 369.
(3)
أخرجه الإمام مالك برقم (1216) الموطأ ص 366، والشافعي في الأم 5/ 274، وسعيد برقم (1328) سنن سعيد بن منصور 3/ 1/ 356، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 368 - 369.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة في الكتاب المصنف 5/ 83، البيهقي في السنن الكبرى 7/ 370.
الحرة" (1) فلو علق عبد الطلقات الثلاث بشرط فوجد بعد عتقه وقعت لملكه لها حين الوقوع.
وإن قال الزوج لزوجته: أنت الطلاق، أو أنت طلاق، أو يلزمني الطلاق، أو الطلاق لازم لي أو الطلاق علي ولم يذكر المرأة أو علي يمين بالطلاق فصريح لا يحتاج إلى نية، سواء كان منجزا كانت الطلاق ونحوه، أو معلقا بشرط كأنت الطلاق إن دخلت الدار ونحوه، أو محلوفا به كأنت الطلاق لأقومن ونحوه؛ لأنه مستعمل في عرفهم. قال الشاعر (2):
فأنت الطلاق وأنت الطلاق
…
وأنت الطلاق ثلاثا تماما
ولا ينافي ذلك كونه مجازا؛ لأنه يتعذر حمله على الحقيقة ولا محمل له يظهر سوى هذا المحمل فتعين فيه، ويقع به واحدة؛ لأن أهل العرف لا يعتقدونه ثلاثا ولا يعلمون أن أل فيه للاستغراق، وينكر أحدهم أن يكون طلاقا ثلاثا، ما لم ينو أكثر فيقع ما نواه، فمن معه عدد من زوجات وقال: علي الطلاق أو يلزمني ونحوه إن فعلت كذا وفعله وثم نية أو سبب يقتضي تعميما أو تخصيصا لبعض نسائه عمل به وإلا وقع بكل واحدة طلقة.
وإن قال لزوجته: أنت طالق ونوى ثلاثا فثلاث كنية الثلاث بقوله: أنت طالق طلاقا لأن المصدر يقع على القليل والكثير فقد نوى بلفظه ما يحتمله، وإن أطلق فواحدة لأنها
(1) أخرجه الدارقطني، كتاب الطلاق، سنن الدارقطني 4/ 39، والبيهقي، باب ما جاء في عدد طلاق العبد، كتاب الرجعة، السنن الكبرى 7/ 370، وضعفه البيهفي، وكذا الألباني في الإرواء 7/ 148.
(2)
ذكر ابن قتيبة أن قائله أعرابي في امرأته. ينظر: عيون الأخبار 4/ 127.
اليقين كما لو نوى واحدة.
وإن قال لها: أنت طالق واحدة، أو طالق واحدة بائنة، أو واحدة بتة، أو واحدة تملكين بها نفسك ولا عوض فواحدة رجعية في مدخول بها، ولو نوى أكثر من واحدة لوصفها بواحدة، والأصل فيها أن تكون رجعية فلا تخرج بوصفها بذلك عن أصلها وإنما كانت بائنا بالعوض لضرورة الافتداء.
وإن قال: أنت طالق واحدة ثلاثا، أو طالق ثلاثا واحدة، أو طالق بائنا، أو طالق البتة، أو طالق بلا رجعة فثلاث لتصريحه بالعدد، أو وصفه الطلاق بما يقتضي الإبانة.
وإن قال: أنت طالق هكذا وأشار بثلاث أصابع فثلاث، وإن أراد الإصبعين المقبوضتين فثنتان، ويصدق في إرادتهما لاحتماله؛ لأن العدد تارة يكون بقبض الأصابع وتارة يكون ببسطها، والقبض يكون في أول العدد دون البسط، وإن لم يقل هكذا بأن قال: أنت طالق وأشار بثلاث أصابع من غير أن يقول: هكذا وقع واحدة ما لم ينو أكثر.
ومن أوقع طلقة ثم قال: جعلتها ثلاثا ولم ينو استئناف طلاق بعدها فواحدة؛ لأنها لا تصير ثلاثا.
وإن قال لإحدى زوجتيه: أنت طالق واحدة بل هذه مشيرا للثانية ثلاثا طلقت المخاطبة أولا واحدة والأخرى ثلاثا لإيقاعه بهما كذلك، وإن قال لإحداهما: هذه طالق، لا بل هذه طالق مشيرا إلى كل واحدة منهما طلقتا.
وإن قال لزوجته: أنت طالق كل الطلاق أو أكثره أو جميعه أو منتهاه أو غايته أو أقصاه أو عدد الحصى أو القطر ونحوه فثلاث ولو نوى واحدة؛ لأن هذا اللفظ يقتضي
عددا، والطلاق له أقل وأكثر، فأقله واحدة وأكثره ثلاث.
وإن قال: أنت طالق كألف ونحوه فلو نوى في صعوبتها كألف دين وقبل حكما لأن لفظه يحتمله.
وإن قال: أنت طالق أشد الطلاق أو أغلظه أو أطوله أو أعرضه أو ملء البيت أو ملء الدنيا أو مثل الجبل أو عظمه ونحو ذلك فطلقة إن لم ينو أكثر؛ لأن هذا الوصف لا يقتضي عددا، وتكون رجعية في مدخول بها إن لم تكن مكملة لعدد الطلاق، فإن نوى أكثر وقع ما نواه.
وإن قال: أنت طالق من طلقة إلى ثلاث فثنتان؛ لأن ما بعد الغاية لا يدخل، كقوله تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوأ الْصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} (1)، وإن قال: أنت طالق ما بين واحدة وثلاث فواحدة لأنها التي بينهما، وجزء طلقة كهي لأن مبناه على السراية كالعتق فلا يتبعض، فإذا قال لزوجته: أنت طالق نصف أو ثلث أو سدس طلقة فواحدة، أو قال: أنت طالق نصف طلقتين أو ثلث أو سدس أو ثمن طلقتين فواحدة أيضا، وأنت طالق نصفي طلقتين فثنتان؛ لأن نصفي الشيء جميعه فهو كأنت طالق طلقتين؛ أو أنت طالق ثلاثة أنصاف أو أربعة أثلاث أو خمسة أرباع طلقة فثنتان، أو أنت طالق ثلاثة أنصاف طلقتين فثلاث نصا (2)؛ لأن نصف الثنتين واحدة وقد كرره ثلاثا أشبه أنت طالق ثلاثا، وإن قال: أنت طالق نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة ونحوه فثلاث لدلالة اللفظ، إذ كل جزء من طلقة غير التي منها الجزء الآخر وإلا لم يجتج إلى
(1) سورة البقرة من الآية (187).
(2)
المغني 10/ 537، والمحرر 2/ 58، وشرح الزركشي 5/ 443، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 22/ 336، والمبدع 7/ 297.
تكرار لفظ طلقة، فيقع من كل واحدة جزء فيكمل.
وإن قال لأربع زوجاته: أوقعت بينكن أو عليكن طلقة أو ثنتين أو ثلاثا أو أربعا وقع بكل واحدة منهن طلقة، لاقتضاء اللفظ قسمة ما أوقعه بينهن، وإن قال للأربع: أوقعت بينكن خمس طلقات أو ستا أو سبعا أو ثمانيا، -وكذا إن لم يقل: أوقعت- وقع بكل واحدة منهن ثنتان لما تقدم، وإن قال: تسعا فأكثر أو طلقة وطلقة وطلقة وقع بكلل واحدة منهن ثلاث طلقات؛ لأن العطف اقتضى قسم كل طلقة على حدتها ثم يكمل الكسر قوله طلقتكن ثلاثا. قال في "الشرح"(1): "ويستوي في ذلك المدخول بها وغيرها في قياس المذهب، لأن الواو لا تقتضي ترتيبا".
وإن قال لزوجته: نصفك ونحوه أو بعضك أو جزء منك طالق طلقت، أو قال: دمك أو حياتك أو يدك أو إصبعك طالق ولها يد أو إصبع طلقت، لإضافته الطلاق إلى جزء ثابت استباحه بعقد النكاح أشبه الجزء الشائع، وإن قال: شعرك أو ظفرك أو سنك أو منيك أو روحك أو حملك أو سمعك أو بصرك أو سوادك أو بياضك طالق لم تطلق، قال أبو بكر (2):"لا يختلف قول أحمد أنه لا يقع طلاق وعتق وظهار وحرام بذكر الشعر والظفر والسن والروح وبذلك أقول" انتهى (3)، لأن الروح ليست عضوا ولا شيئا يستمتع به أشبهت السمع والبصر، ولأنها تزول عن الجسد في حال سلامة الجسد، وهي حال النوم كما يزول الشعر، ولأن الشعر ونحوه أجزاء تنفصل منها حال السلامة أشبهت الريق والعرق، وعتق في ذلك كطلاق.
(1) 22/ 342.
(2)
هو الخلال، وقد سبقت ترجمته ص 354.
(3)
ينظر: المغني 10/ 513، وكتاب الفروع 5/ 402، والمبدع 7/ 301، والإنصاف 22/ 347.