الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فصل) في الظهار
مشتق من الظهر، وخص به من بين سائر الأعضاء؛ لأنه موضع الركوب، ولهذا سمي المركوب ظهرا والمرأة مركوبة إذا غشيت (1)، فقوله لامرأته: أنت علي كظهر أمي معناه: أنه شبه امرأته بظهر أمه في التحريم، كأنه يشير أن ركوبها للوطء حرام. (والظهار محرم) إجماعا حكاه ابن المنذر (2) لقوله تعالى:{وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} (3) وقول المنكر والزور من أكبر الكبائر للخبر (4)، ومعناه أن الزوجة ليست كالأم في التحريم، لقوله تعالى:{مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} وقوله: {وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ} (5)، ولحديث أوس بن
(1) ينظر: المطلع ص 345، ولسان العرب 4/ 540، والقاموس المحيط 2/ 82.
(2)
ينظر: الإجماع ص 105.
(3)
سورة المجادلة من الآية (2).
(4)
المتفق عليه من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا! قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: الإشراك باللَّه، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئا فقال: ألا وشهادد الزور، قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت". أخرجه البخاري، باب ما قيل في شهادد الزور، كتاب الشهادات برقم (2654) صحيح البخاري 3/ 150، ومسلم، باب بيان الكبائر وأكبرها، كتاب الإيمان برقم (87) صحيح مسلم 1/ 91.
(5)
سورة الأحزاب من الآية (4)، وفي الأصل [وما جعل اللَّه. . .].
الصامت (1): "حين ظاهر زوجته خولة بنت مالك بن ثعلبة (2)، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتكيه، فأنزل اللَّه أول سورة المجادلة" رواه أبو داود وصححه الحاكم وابن حبان (3).
(وهو) -أي الظهار- (أن يشبه) الرجل (زوجته أو) يشبه (بعضها) -أي بعض زوجته- كيدها وظهرها (بمن) -أي بامرأة- (تحرم عليه)، كأمه وأخته من نسب أو رضاع وحماته وزوجة أبيه، ولو كان تحريمها عليه إلى أمد، كأخت زوجته وخالتها وعمتها، (أو) يشبهها (ببعضها) -أي ببعض من تحرم عليه- (أو) يشبه زوجته (برجل مطلقا)(4) كأبيه وزيد، أو بعضو منه نحو قول الزوج لامرأته: أنت أو وجهك أو يدك
(1) في الأصل: أويس. والصحيح ما أثبت، فهو: أوس بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر الأنصاري الخزرجي، شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهو أول من ظاهر من امرأته في الإسلام، توفي بالمقدس سنة 34 هـ وكان عمره 72 سنة.
ينظر: أسد الغابة 1/ 172، والإصابة 1/ 302.
(2)
خولة بنت مالك، وقيل بنت ثعلبة بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف، ويقال: خويلة بالتصغير، زوجة أوس بن الصامت، لها صحبة.
ينظر: أسد الغابة 7/ 91 - 93، وتهذيب الكمال 35/ 163، والإصابة 8/ 114.
(3)
أخرجه أبو داود، باب في الظهار، كتاب الطلاق برقم (2214) سنن أبي داود 2/ 266، وابن ماجة، باب الظهار، كتاب الطلاق برقم (2063) سنن ابن ماجة 1/ 666، وأحمد برقم (26774) المسند 7/ 560، وابن حبان، باب الظهار، كتاب الطلاق برقم 4279، الإحسان 10/ 107 - 108، والحاكم، باب تفسير سورة المجادلة، كتاب التفسير، المستدرك 2/ 481، والبيهقي، باب من له الكفارة بالإطعام، كتاب الظهار، السنن الكبرى 7/ 389، والحديث قال عنه الحاكم:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في الإرواء 7/ 173 - 175 بشواهده.
(4)
ينظر في تعريف الظهار: المغني 11/ 57، والمقنع والشرح الكبير 23/ 228، وكشاف القناع 5/ 369، والتعريفات ص 188.
أو أذنك كظهر أو كبطن أو كرأس أو كعين أمي أو عمتي أو خالتي أو حماتي أو أخت زوجتي أو عمتها أو خالتها، أو كظهر أو كبطن أو كرأس أو عين أجنبية، أو كظهر أو بطن أو رأس أو عين أبي أو أخي أو أجنبي أو زيد أو رجل، ولا يُديّن إن قال: أردت في الكرامة ونحوها؛ لأن هذه الألفاظ صريحة في الظهار لا تحتمل غيره.
وإن قال لها: أنت عليَّ كظهر أمي طالق أو عكسه لزمه الطلاق والظهار لإتيانه بصريحهما، وجزم في "الشرح"(1) و"الإقناع"(2) بأنه ليس ظهارًا في الثانية إلا أن ينويه.
وإن قال لها: أنت عليَّ كأمي أو مثل أمي أو عندي أو مني أو معي كأمى أو مثل أمي وأطلق فلم ينو ظهارًا ولا غيره فهو ظهار؛ لأنه المتبادر من هذه الألفاظ، وإن نوى في الكرامة ونحوها دين وقبل منه حكمًا لاحتماله وهو أعلم بمراده، وإن قال لها: أنت أمي أو كأمي أو مثل أمى ولم يقل علي أو عندي أو مني أو معي فليس بظهار إلا مع نية أو قرينة؛ لأن احتمال هذه الصور لغير الظهار أكثر من احتمال الصور التي قبلها له، وكثرة الاحتمالات توجب اشتراط النية في المحتمل الأقل ليتعين له، [لأنّه](3) يصير كناية فيه، والقرينة تقوم مقام النية.
وقوله لها: أنت علي حرام ظهار ولو نوى به طلاقًا أو يمينا نصًّا (4)؛ لأنه تحريم أوقعه على امرأته أشبه ما لو شبهها بظهر من تحرم عليه، وحمله على الظهار أولى من
(1) 23/ 244.
(2)
4/ 83.
(3)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 197.
(4)
مسائل الإمام أحمد رواية عبد اللَّه ص 365، والمغني 11/ 61، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 23/ 240، وشرح الزركشي 5/ 479، والمبدع 8/ 34.
الطلاق؛ لأن الطلاق تبين به المرأة وهذا يحرمها مع بقاء الزوجية، فحمله على أدنى التحريمين أولى، لا إن (1) زاد: إن شاء اللَّه، أو سبق بها فقال: إن شاء اللَّه أنت علي حرام فلا يكون ظهارا، كما لو قال: إن شاء اللَّه وشاء زيد.
وقوله: أنا مظاهر، أو علي ظهار، أو يلزمني الظهار، أو على الحرام، أو يلزمني الحرام، أو أنا عليك حرام، أو كظهر رجل، أو كظهر أبي مع نية أو قرينة دالة عليه ظهار؛ لأن لفظه يحتمله وقد نواه به، ولأن تحريم نفسه عليها يقتضي تحريم كل منهما على الآخر، ولأن تشبيه نفسه بأبيه يلزم منه تحريمها عليه كما تحرم [على أبيه](2)، وإلا ينو ظهارا ولا قرنية فلغو، كقوله: أمي أو أختي امرأتي أو مثلها، وكقوله: أنت علي كظهر البهيمة ووجهي من وجهك حرام فلغو نصا (3).
(لا بـ) تشبيه أو تحريم (شعر وسن وظفر وريق ونحوها)، كلبن ودم وروح وسمع وبصر بأن قال: شعرك أو ظفرك. . . الخ كظهر أمي أو علي حرام، فهو لغو كما سبق في الطلاق.
(وإن قالته) المرأة (لزوجها) أي نظير ما يصير به مظاهرا لو قاله أو علقت بتزويجه نظير ما يصير به مظاهرا لو قاله (فليس بظهار) لقوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ [مِنْكُمْ](4)
(1) في الأصل لان.
(2)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 197.
(3)
المغني 11/ 59، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 23/ 240، وكتاب الفروع 5/ 487، وكشاف القناع 5/ 370.
(4)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل.
مِنْ نِسَائِهِمْ} (1) فخصهم بذلك، ولأن الظهار قول يوجب تحريما في النكاح اختص به الرجل كالطلاق، ولأن الحل في المرأة حق للزوج فلا تملك إزالته كسائر حقوقه، (وعليها كفارته) -أي الظهار-؛ لأنها أحد الزوجين، وقد أتى بالمنكر من القول والزور في تحريم الآخر عليه أشبهت الزوج، وإنما تجب الكفارة عليها (بوطئها مطاوعة)، وعليها التمكين لزوجها من الوطء قبل التكفير؛ لأنه حق للزوج فلا تمنعه كسائر حقوقه، ولأنه لم يثبت لها حكم الظهار وإنما وجبت الكفارة تغليظا وليس لها ابتداء القبلة والاستمتاع قبل التكفير، وروى الأثرم بإسناده عن النخعي، عن عائشة بنت طلحة (2) أنها قالت:"إن تزوجت مصعبا (3) فهو علي كظهر أبي، فسألت أهل المدينة فرأوا أن عليها الكفارة"(4) وروى سعيد: "أنها استفتت أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
(1) سورة المجادلة من الآية (2).
(2)
عائشة بنت طلحة: بن عبيد اللَّه القرشية التيمية، أم عمران المدنية، أمها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، امرأة جليلة حدث الناس عنها لفضائلها وأدبها، روت عن خالتها عائشة رضي الله عنها، وكانت عالمة بأخبار العرب وأشعارها، توفيت بعد نيف ومائة.
ينظر: تهذيب الكمال 35/ 237، وأعلام النساء 3/ 137.
(3)
مصعب: بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، أمير العراقين، أبو عيسى، وأبو عبد اللَّه، كان حسن الوجه، وشجاع القلب، وسخي الكف، تولى إمرة العراقين، وقتل سنة 72 هـ.
ينظر: سير أعلام النبلاء 4/ 140 - 145، والبداية والنهاية 8/ 302 - 308.
(4)
أخرجه عبد الرزاق برقم (11596، 11599) المصنف 6/ 444، والدارقطني في سننه 3/ 319. وصحح إسناده الشيخ صالح آل الشيخ في التكميل لما فات تخريجه من إرواء الغليل ص 146.