الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
فإن لم يستطع صوما لكبر أو مرض ولو رجي برؤه اعتبارا بوقت الوجوب أو يخاف زيادة المرض أو تطاوله بصومه أو لم يستطع صوما لشبق أو لضعف عن معيشة أطعم ستين مسكينا لقوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} (1)"ولما أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أوس بن الصامت بالصوم قالت امرأته: يا رسول اللَّه! إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: فيطعم ستين مسكينا"(2)، ولما أمر سلمة بن صخر بالصيام قال:"وهل أصبت ما أصبت إلا من الصيام؟ قال: فأطعم"(3) فنقله إليه لما أخبره أنه به من الشبق والشهوة ما يمنعه من الصوم، وقيس عليهما من في معناهما.
ويشترط أن يكون المسكين مسلما حرا كالزكاة ولو أنثى، ولا يضر وطء مظاهر منها أثناء الإطعام نصا (4)، وكذا أثناء عتق، كما لو أعتق نصف عبد ثم وطئ ثم اشترى باقيه وأعتقه فلا يقطعه وطؤه مع أنه محرم، ويجزئ دفعها إلى صغير من أهلها ولو لم يأكل الطعام لأنه حر مسلم محتاج أشبه الكبير، ولدخوله في عموم الآية، وأكله للكفارة ليس بشرط، ويصرف ما يعطى للصغير إلى ما يحتاج إليه مما تتم به كفايته، ويقبضها له وليه كالزكاة، ويجزئ دفعها إلى مكاتب وإلى من يعطى من الزكاة لحاجة، ويجزئ دفعها إلى من ظنه مسكينا فبان غنيا؛ لأن الغنى مما يخفى، ولا يجزئ
(1) سورة المجادلة الآية (4).
(2)
سبق تخريجه ص 498.
(3)
سبق تخريجه ص 504.
(4)
المغني 11/ 98، والشرح الكبير والإنصاف 23/ 340، 361، وشرح منتهى الإرادات 3/ 204.
دفع كفارته إلى من تلزمه مؤنته لاستغنائه بما وجب له من النفقة، ولأنها للَّه فلا يصرفها لنفعه، ولا يجزئ ترديدها على مسكين واحد ستين يوما إلا أن لا يجد مسكينا غيره فتجزئه لتعذر غيره، ولو قدم إلى ستين مسكينا ستين مدا مما يجزئ وقال: هذا بينكم فقبلوه، فإن قال بالسوية أجزأه ذلك، وإلا فلا يجزئه ما لم يعلم أن كلا أخذ قدر حقه فيجزئه، لحصول العلم بالإطعام الواجب.
(ولا يجزئ التكفير إلا بما يجزئ فطرة) ولو كان ذلك قوت بلده؛ لأن الكفارة وقعت طهرة للمكفر عنه كما أن الفطرة تطهير للصائم فاستويا في الحكم، (و) الذي (يجزئ من البر مد) بمده صلى الله عليه وسلم، وتقدم معرفة قدره (لكل مسكين، و) يجزئ (من غيره) أي البر وهو التمر والشعير والزبيب والأقط (مدان) نصف صاع، وسن إخراج إدام مع مجزئ نصا (1)، وإخراج الحب أفضل عند الإمام أحمد من إخراج الدقيق والسويق (2)، ويجزئان بوزن الحب، وإن أخرجهما بالكيل زاد على كيل الحب قدرا يكون بقدره وزنا؛ لأن الحب إذا طحن توزع، ولا يجزئ خبز لخروجه عن الكيل والادخار أشبه الهريسة، ولا يجزئ في الكفارة أن يغدي المساكين أو يعشيهم؛ لأن المنقول عن الصحابة إعطاؤهم، وقال عليه السلام لكعب في فدية الأذى:"أطعم ثلاثة آصع من تمر ستة مساكين"(3)، ولأنه مال وجب تمليكه للفقراء شرعا أشبه الزكاة، بخلاف نذر
(1) كتاب الفروع 5/ 505، والمبدع 8/ 68، والتنقيح ص 249، والروض المربع 2/ 313.
(2)
ينظر: المغني 11/ 99، والشرح الكبير 23/ 352، وكشاف القناع 5/ 387.
(3)
من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه: أخرجه مسلم، باب جواز حلق الرأس للمحرم، كتاب الحج برقم (1201) صحيح مسلم 2/ 859، 861، وأبو داود، باب في الفدية، كتاب المناسك برقم (1856) سنن أبي داود 2/ 172.
إطعامهم فيجزئ أن يغديهم أو يعشيهم لأنه وفى بنذره، ولا تجزئه القيمة عن الواجب لظاهر قوله تعالى:{فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} .
ولا يجزئ في كفارة عتق ولا صوم ولا إطعام إلا بنية، لحديث:"وإنما لكل امرئ ما نوى" وتقدم (1)، ولا يكفي نية التقرب فقط، فإن كانت كفارة واحدة لم يلزمه تعيين سببها بنيته، ويكفيه نية العتق والصوم والإطعام عن الكفارة لتعينها باتحاد سببها.
ويلزمه مع نسيان سببها كفارة واحدة ينوى بها التي هي عليه، فإن عين سببا غيره غلطا وسببها من جنس يتداخل (2)، كمن عليه كفارة يمين في لبس فنواها عن يمين قيام ونسي يمين اللبس أجزأه ذلك عن الجميع لتداخلها، وإن كانت أسبابها من جنس لا يتداخل، كمن ظاهر من نسائه بكلمات لكل واحدة بكلمة فنوى الكفارة عن ظهاره من إحداهن أجزأه عن واحدة وإن لم يعينها، فتحل له واحدة غير معينة، قال في "الشرح" (3):"وقياس المذهب أن يقرع بينهن، فتخرج المحللة منهن بالقرعة" وجزم به في "الإقناع"(4)، أو كانت عليه كفارات من أجناس كظهار وقتل ووطء في صوم رمضان ويمين باللَّه تعالى فنوى إحداها أجزأ المخرج عن واحدة منها، ولا يشترط لإجزائها تعيين سببها من ظهار أو غيره؛ لأنها عبادة واحدة واجبة فلم يفتقر صحة أدائها إلى تعيين سببها كما لو كانت من جنس.
(1) ص 512.
(2)
في الأصل: يداخل.
(3)
23/ 363.
(4)
4/ 94.