الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الشك في الطلاق
وهو التردد بين أمرين لا مرجح لأحدهما على الآخر (1)، وهو هنا مطلق التردد بين وجود المشكوك فيه من طلاق أو عدده أو شرطه وعدمه، فيدخل فيه الظن والوهم. (ومن شك في طلاق أو) شك فيـ (ما علق عليه) الطلاق ولو كان المعلق عليه عدميا، كإن لم يقم زيد يوم كذا فزوجتي طالق، وشك في قيامه في ذلك اليوم بعد مضيه (لم يلزمه) طلاق؛ لأن الأصل بقاء العصمة إلا أن يثبت المزيل، كالمتطهر يشك في الحدث، وسن ترك وطء قبل رجعة إن كان الطلاق رجعيا خروجا من الخلاف، وتمام التورع قطع الشك بها حيث أمكنت، لحديث:"فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه"(2)، أو بعقد جديد أمكن لتيقن الحل، وإلا يمكن رجعة ولا عقد بأن كان المشكوك فيه متمما (3) لعدد ما يملكه فقطع الشك بفرقة متيقنة بأن يقول: إن لم تكن طلقت فهي طالق لئلا تبقى معلقة، ومتى لم يطلقها لم تحل لغيره. (أو) شك (في عدده) -أي الطلاق الواقع عليه- (رجع إلى اليقين) وهو الأقل لما سبق، فمن قال لامرأته: أنت طالق بعدد ما طلق زيد زوجته وجهل فطلقة؛ لأنها المتيقنة، وإن قال لامرأتيه: إحداكما طالق ونوى معينة منهما طلقت المنوية؛ لأنه
(1) ينظر: المحصول في علم الأصول 1/ 101، والتعريفات ص 168.
(2)
من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه: أخرجه البخاري، باب فضل من استبرأ لدينه، كتاب الإيمان برقم (52) صحيح البخاري 1/ 16، ومسلم، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، كتاب المساقاة برقم (1599) صحيح مسلم 3/ 1219 - 1120.
(3)
في الأصل: متمم.
عينها بنيته أشبه ما لو عينها بلفظه، وإلا ينوى معينة أخرجت المطلقة منهما بقرعة نصا (1)، روي عن علي (2) وابن عباس (3)، كمعينة منسية أشبه ما لو عينها.
وكقوله: عن طائر إن كان غرابا فحفصة طالق، وإلا يكن غرابا فعمرة طالق، وذهب الطائر وجهل فيقرع بينهما، فتطلق من أخرجتها القرعة؛ لأنه لا سبيل إلى معرفة المطلقة منهما عينا فهما سواء، والقرعة طريق شرعي لإخراج المجهول (4)، وإن ماتتا أو إحداهما وكان نوى المطلقة حلف لورثة الأخرى أنه لم ينوها أو للحية ولم يرث الميتة، وإن كان لم ينو أحدهما أقرع، وإن مات قبل القرعة أقرع ورثته لقيامهم مقامه، ويحرم وطؤه إحداهما ودواعيه قبل القرعة إن كان الطلاق بائنا لوقوع الطلاق بأحدهما يقينا فيحتصل أن يصادفها، وتجب النفقة للزوجتين إلى القرعة؛ لأنهما محبوستان لحقه في حكم الزوجية، ومتى ظهر بعد خروج القرعة لإحديهما أن المطلقة غير المخرجة بأن ذكرها بعد نسيانه ردت المخرجة لزوجها؛ لأنه لم يقع عليها طلاقه فيها بصريح ولا كناية، والقرعة لا حكم لها مع الذكر، فإذا علم المطلقة رجع إلى قوله؛ لأنه لا يعلم إلا منه، ولأنه إنما منع منها بالاشتباه فإذا زال عنها ردت إليه، كما لو علمت مذكاة بعد أن اشتبهت بميتة، ما لم تتزوج فلا ترد إليه
(1) المغني 10/ 519، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 23/ 42، وشرح الزركشي 5/ 433، وكتاب الفروع 5/ 458، والمبدع 7/ 382، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية. ينظر: الاختيارات ص 447.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في الكتاب المصنف 5/ 46.
(3)
أخرجه سعيد برقم (1173) سنن سعيد بن منصور 3/ 1/ 323، وابن أبي شيبة في الكتاب المصنف 5/ 225، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 364.
(4)
ينظر: الطرق الحكمية ص 216.
لتعلق حق غيره بها فلا يقبل قول في إبطاله كسائر الحقوق، أو ما لم يحكم بالقرعة، أو يقرع الحاكم بينهن؛ لأنها لا يملك الزوج رفعها كسائر الحكومات.
(وإن قال) زوج (لمن) -أي امرأة- (ظنها زوجته) سماها أم لم يسمها: (أنت طالق طلقت زوجته) اعتبارا بالقصد دون الخطاب (لا عكسها) بأن قال لامرأته ظانا أنها أجنبية: أنت طالق، أو قال: تنحي يا مطلقة لم تطلق امرأته، قاله أبو بكر (1)، ونصره في "الشرح"(2) لأنه لم يردها بذلك، وصححه في "الاختيارات"(3) ومشى عليه في "الإقناع"(4)، ويخرج على قول ابن حامد (5) أنها تطلق، قاله في "المبدع"(6)، وجزم به في "المنتهى"(7)، واعتمده صاحب
(1) ينظر: المغني 10/ 377، والشرح الكبير والإنصاف 23/ 74، والمبدع 7/ 389، وتصحيح الفروع 5/ 461.
(2)
23/ 74 - 75.
(3)
ص 459.
كتاب "الاختيارات العلمية" في اختيارات شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية، تأليف العلامة علي ابن محمد بن علي البعلي الدمشقي، المعروف بـ (ابن اللحام) المتوفى سنة 803 هـ، رتبها وحررها، وقال القاضي المرداوي:"لم يستوعبها" ا. هـ.
ينظر: مقدمة الإنصاف 1/ 20، والسحب الوابلة 2/ 765 - 766. وهي مطبوعة في مجلد.
(4)
4/ 65.
(5)
هو: الحسن بن حامد بن علي بن مروان، أبو عبد اللَّه، البغدادي، إمام الحنابلة في زمانه، ومفتيهم، له مصنفات كثيرة، منها:"الجامع" في المذهب، وله "شرح الخرقي"، و"شرح أصول الدين"، انتشرت تصانيفه وتلامذته في البلاد، وانتفع به خلق كثير، توفي راجعا من مكة سنة 403 هـ.
ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 171 - 177، والمطلع ص 432 - 433، والمنهج الأحمد 2/ 314 - 319.
(6)
7/ 389.
(7)
4/ 334.
"الغاية"(1)، وكذا العتق في جميع ما تقدم.
(ومن أوقع بزوجته كلمة) وجهلها (وشك) فيها (هل هي طلاق أو ظهار لم يلزمه شيء)؛ لأن الأصل عدمها ولم يتيقن أحدهما.
وإن شك هل ظاهر من زوجته أو حلف باللَّه تعالى لا يطؤها لزمه بحنث أدنى كفارتيهما وهو كفارة اليمين باللَّه تعالى؛ لأنه اليقين، وما زاد مشكوك فيه، والأحوط أعلاها.
(1) غاية المنتهى 3/ 177 - 178.
"غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى" كتاب جليل للشيخ مرعي بن يوسف بن أبي بكر الكرمي المقدسي زين الدين، المتوفى سنة 1033 هـ، جمع فيه بين الإقناع والمنتهى، وسلك فيه مسالك المجتهدين في الصحيح والاختيار والترجيح. ينظر: السحب الوابلة 3/ 118، والمدخل لابن بدران ص 443، وهو مطبوع.