الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في كفارة الظهار
(وهي) أي كفارته (عتق رقبة) مؤمنة، (فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ. .} الآيتين (1)، والمعتبر في كفارات من قدرة أو عجز وقت وجوب كفارة، كحد وقود فيعتبران بوقت الوجوب، فمن قذف وهو عبد ثم عتق لم يجلد إلا جلد [عبد](2)، ومن حنث وهو عبد لم تلزمه إلا كفارة (3) عبد؛ لأن الكفارة تجب على وجه الطهرة فكان الاعتبار فيها بحال الوجوب، كالحد بخلاف المتيمم فإنه لو تيمم ثم وجد الماء بطل تيممه، وهنا لو صام ثم قدر على الرقبة لم يبطل صومه، ولو قتل قنا وهو رقيق ثم عتق لم يسقط عنه القود، وإمكان الأداء في الكفارات مبني على اعتباره في زكاة، ووقت وجوب في ظهار وقت العود وهو الوطء وقت المظاهرة، فلو أعسر موسر قبل تكفير لم يجزئه صوم لأنه غير ما وجب عليه، وتبقى الرقبة في ذمته
(1){وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)} سورة المجادلة الآية (3 - 4)، في الأصل (والذين يظاهرون منكم .. ) والمثبت من المصحف.
(2)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل.
(3)
في الأصل: الكفارة.
إلى يساره كسائر ما وجب عليه وعجز عن أدائه، ولو أيسر معسر بعد وجوبها عليه معسرا لم يلزمه عتق اعتبارا بوقت الوجوب، ويجزئه العتق لأنه الأصل في الكفارات. ولا يلزم عتق إلا لمالك رقبة أو لمن تمكنه بثمن مثلها أو بزيادة لا تجحف به ولو كثرت لعدم تكررها، بخلاف ماء وضوء، ويمكنه شراؤها نسيئة وله مال غائب يفي بثمنها أو له دين مؤجل يفي بثمنها لا ضرر عليه فيه، لا بهبته للمنة، ويشترط للزوم عتق أن تفضل الرقبة عما يحتاجه من أدنى مسكن صالح لمثله، وخادم لكون مثله لا يخدم نفسه، أو لعجزه عن خدمة نفسه، وأن تفضل عن مركوب وعرض بذله يحتاج إلى استعماله كلباسه وفرشه وأوانيه وآلة حرفته، وأن تفضل عن كتب علم يحتاج إليها، وثياب تجمل، وعن كفايته ومن يمونه دائما، وعن رأس ماله لذلك (1)، وعن وفاء دين للَّه أو لآدمي حال أو مؤجل؛ لأن ما استغرقته حاجة الإنسان كالمعدوم في جواز الانتقال إلى بدله، ومن له فوق ما يصلح لمثله من خادم ونحوه، وأمكن بيعه وشراء صالح لمثله وشراء رقبة بالفاضل لزمه العتق لقدرته عليه بلا ضرر، فلو تعذر لكون الباقي لا يبلغ ثمن رقبة، أو كان له سرية يمكن بيعها وشراء سرية ورقبة بثمنها لم يلزمه ذلك؛ لأن غرضه قد يتعلق بنفس السرية فلا يقوم غيرها مقامها.
(ويكفر كافر) ذمي لوجوب الكفارة عليه إذا حنث (بمال) إما بالعتق إن قدر وإلا إطعام؛ لأن الصوم لا يصح منه، (و) يكفر (عبد بالصوم) فقط لعدم ملكه.
(وشرط في) إجزاء (رقبة) في (كفارة) مطلقا، (و) في (نذر عتق مطلق (2) إسلام) ولو كان المكفر كافرا، لقوله تعالى: قال تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ
(1) أي: كفايته وكفاية من يمونه.
(2)
في الأصل: مطلقا.
رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (1) وألحق بذلك باقي الكفارات حملا للمطلق على المقيد، كما حمل قوله تعالى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} (2) على قوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (3) بجامع أن الاعتاق يتضمن تفريغ العتيق المسلم لعبادة ربه، وتكميل أحكامه، ومعونة المسلمين، فناسب ذلك شرع إعتاقه في الكفارة تحصيلا لهذه المصالح، (و) وشرط فيها (سلامة من عيب مضر بالعمل ضررا بينا)؛ لأن المقصود تمليك القن نفعه وتمكينه من التصرف لنفسه، وهذا غير حاصل مع ما يضر بالعمل كعمى؛ لأن الأعمى لا يمكنه العمل في أكثر الصنائع، وكشلل يد أو رجل، أو قطع إحداهما؛ لأن اليد آلة البطش، والرجل آلة المشي فلا يتهيأ له كثير من العمل مع تلف إحداهما أو شلله، أو قطع أصبع سبابة أو وسطى أو إبهام من يد أو رجل، أو خنصر وبنصر معا من يد واحدة لزوال نفع يده بذلك، وقطع أنملة من إبهام أو قطع أنملتين من غيره كقطع الأصبع كله لذهاب منفعة الأصبع بذلك، ويجزئ من قطعت بنصره من إحدى يديه وخنصره من الأخرى، ويجزئ من جدع أنفه وإذنه أو يخنق أحيانا؛ لأنه لا يضر بالعمل، أو علق عتقه بصفة لم توجد؛ لأن ذلك لا أثر له، بخلاف من علق عتقه بصفة فنواه عند وجودها فلا يجزئ؛ لأن سبب عتقه انعقد عند وجود الصفة فلا يملك صرفه إلى غيره، وكذا لو قال: إن اشتريتك أو ملكتك فأنت حر فلا يجزئه، بخلاف ما لو قال: إن اشتريتك فأنت حر للكفارة ثم
(1) سورة النساء من الآية (92).
(2)
سورة البقرة من الآية (282).
(3)
سورة الطلاق من الآية (2).
اشتراه، ويجزئ مدبر وصغير ولو غير مميز، وولد زنا وأعرج يسيرا، ومجبوب وخصي وأصم وأخرس تفهم إشارته، وأعور وأبرص وأجذم ونحوه، ومرهون ومؤجر وجان وأحمق وحامل، وله استثناء حملها؛ لأن ما فيهم من النقص لا يضر بالعمل، وما فيهم من الوصف لا يؤثر في صحة عتقهم، ويجزئ مكاتب لم يؤد شيئا من كتابته، ولا يجزئ من أدى منها شيئا لحصول العوض عن بعضه، كما لو أعتق بعض رقبة، أو اشتري بشرط عتق، ولا يجزئ مريض ميؤس منه، ولا مغصوب، ولا زمن ومقعد ونحيف عاجز عن عمل، ولا أخرس أصم ولو فهمت إشارته، ولا مجنون مطبق، ولا غائب لم تتبين حياته، فإن أعتقه ثم تبين أنه حي فإنه يجزئ قولا واحدا، قاله في "الإنصاف"(1)، ولا موصى بخدمته أبدا لنقصه، ولا أم ولد لاستحقاق عتقها بسبب آخر، ولا جنين ولو ولد بعد عتقه حيا، ومن أعتق في كفارة جزءا من قن ثم أعتق ما بقي منه ولو طال ما بينهما أجزأ؛ لأنه أعتق رقبة كاملة كإطعام المساكين، أو أعتق نصف قنين ذكرين أو أنثيين أو مختلفين عن كفارته أجزأه ذلك؛ لأن الأشقاص كالأشخاص، ولا فرق بين كون الباقي منهما حرا أو ورقيقا لغيره لا ما سرى بعتق جزء، كمن يملك نصف قن وهو موسر بقيمة باقيه، فأعتق نصفه، وسرى إلى نصيب شريكه، فلا يجزئه نصيب شريكه، لأنه لم يعتق بإعتاقه؛ لأن السراية غير فعله وإنما هي من آثار فعله، أشبه ما لو اشترى من يعتق عليه ناويا عتقه عن كفارته، ومن أعتق عن كفارة أو نذر غير مجزئ ظانا إجزاءه نفذ عتقه؛ لأنه تصرف (2) من أهله في محله وبقي ما وجب عليه بحاله لأنه لم يؤده.
(1) 23/ 304 - 305.
(2)
في الأصل: صرف.