الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
(ولا يصح) الخلع (إلا بعوض)؛ لأنه فسخ، ولا يملك الزوج فسخ النكاح بلا مقتضى بخلافه على عوض فيصير معاوضة فلا يجتمع له العوض والمعوض، ولو قالت: بعني عبدك فلانا واخلعني بكذا، ففعل صح وكان بيعا وخلعا بعوض واحد؛ لأنهما عقدان يصح إفراد كل منهما بعوض فصح جمعهما كبيع ثوبين.
(ويكره) خلع زوجة (بأكثر مما أعطاها)، روي عن عثمان (1) لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث جميلة:"ولا تزدد" رواه ابن ماجة (2)، وعن عطاء عنه عليه السلام:"أنه كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها" رواه أبو حفص بإسناده (3)، ولا يحرم ذلك، لقوله تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} وقالت الربيع بنت
(1) لم أقف عليه مسندا، وذكره ابن قدامة في المغني 10/ 269.
(2)
من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا: في باب المختلعة تأخذ ما أعطاها، كتاب الطلاق برقم (2056) سنن ابن ماجة 1/ 663، لكن بلفظ:(ولا يزداد)، والبيهقي، باب الوجه الذي تحل به الفدية، كتاب الخلع والطلاق، السنن الكبرى 7/ 314، وقال:"هذا غير محفوظ، والصحيح بهذا الإسناد ما تقدم مرسلا" ا. هـ. والحديث صححه الألباني في الإرواء 7/ 103.
(3)
أخرجه سعيد، باب ما جاء في الخلع، كتاب النكاح برقم (1428) سنن سعيد بن منصور 3/ 1/ 378، وابن حزم في المحلى 10/ 241، والبيهقي، باب الوجه الذي تحل به الفدية، كتاب الخلع والطلاق، السنن الكبرى 7/ 314، والحديث قال عنه ابن حزم:"مرسل سقط الاحتجاج به" ا. هـ، وقال البيهقي نقلا عن وكيع:"سألت ابن جريج عنه فلم يعرفه وأنكره" ا. هـ.
معوذ (1): "اختلعت من زوجي بما دون عقاص (2) رأسي فأجاز ذلك علي"(3).
(ويصح بذله) -أي عوض الخلع- (ممن يصح تبرعه) وهو المكلف غير المحجور عليه بخلاف المحجور عليه؛ لأنه بذل ماله في مقابلة ما ليس بمال ولا منفعة أشبه التبرع، وسواء كان بذله (من زوجة أو أجنبي) ولو ممن شهدا بطلاقها وردا لمانع كالمبذول في افتداء أسير، فيصح قول رشيد لزوج امرأة: اخلعها على كذا علي، أو اخلعها على كذا عليها وأنا ضامن، فإن أجابه الزوج صح ولزمه عوض لالتزامه له، ولا يلزمها العوض إن لم تأذن، ويصح سؤالها زوجها الخلع على مال أجنبي بإذنه وبدونه إن ضمنته بأن قالت: اخلعني على عبد زيد وأنا ضامنته صح؛ لأنها باذلة للبدل ومال الغير لاغ، وإن لم تضمنه لم يصح الخلع لتصرفها في مال غيرها بغير إذنه، كبذل الأجنبي مالها بدون إذنها.
وإن قال أبو امرأة: طلق بنتي وأنت بريء من مهرها ففعل فالطلاق رجعي لخلوه من
(1) الربيع بنت معوذ: بن عفراء الأنصارية، لها صحبة، ومن المبايعات تحت الشجرة، روى لها الجماعة.
ينظر: تهذيب الكمال 35/ 173 - 174، والإصابة 8/ 138.
(2)
العقص: أن تأخذ كل خصلة من شر فتلويها ثم تعقدها حتى يبقى فيها التواء ثم ترسلها، وكل خصلة عقيصة، والجمع عقاص، ويقال: عقص شعره إذا ظفره وفتله، ويقال: العقص أن يلوي الشعر على الرأس ويدخل أطرافه في أصوله.
ينظر: معجم مقاييس اللغة 4/ 96 - 97، ولسان العرب 7/ 55 - 56، والقاموس 2/ 308.
(3)
لم أقف عليه بهذا اللفظ، وإنما بلفظ (فأجاز ذلك عثمان) وهذا الأثر علقه البخاري مختصرا، باب الخلع وكيف الطلاق فيه، كتاب الطلاق 7/ 40، وأخرجه عبد الرزاق برقم 11850، المصنف 6/ 504، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 315، والأثر صحح الحافظ ابن حجر إسناده. ينظر: فتح الباري 9/ 397.
العوض، ولم يبرأ بإبراء أبيها لأنه ليس له، ولم يرجع على الأب بشيء لأنه أبرأه مما ليس له أشبه الأجنبي، ولا تطلق إن قال الزوج: طلقتها إن برئت من مهرها، لأنه لا يبرأ منه بذلك.
(ويصح) الخلع (بمجهول)(1) لأنه إسقاط لحقه من البضع وليس تمليك شيء، والإسقاط يدخله المسامحة ولهذا جاز بلا عوض بخلاف النكاح، وأبيح لها افتداء نفسها لحاجتها إليه، فوجب ما رضيت ببذله دون ما لم ترصنه، فلو خالعها على ما في يدها أو بيتها من دراهم أو متاع فله ما بهما من ذلك، فإن لم يكن بيدها شيء فله ثلاثة دراهم لأنها أقل الجمع فهي المتيقنة، أو لم يكن ببيتها شيء فله ما يسمى متاعا كالوصية، وإن كان بيدها دون الثلاثة فلا شيء له غيره.
(و) يصح الخلع بـ (معدوم)(2) كعلى ما تحمل شجرتها أو ما تحمل أمتها ونحوها، أو ما في بطنها كالوصية، وله ما يحصل من ذلك، لكن قياس ما سبق في الوصية له قيمة ولد الأمة لتحريم التفريق، فإن لم يحصل منه شيء وجب فيه مطلق ما تناوله الاسم، ويجب فيما إذا خالعها على شيء يجهل مطلقا كثوب ونحوه مطلق ما تناوله الاسم، وإن خالعها على هذا الثوب الهروي فبان مرويا (3) أو معيبا، أو على هذا العبد السندي فبان هنديا أو زنجيا فليس له غيره لوقوع الخلع على عينه، ويصح على
(1) ينظر: المغني 10/ 282 - 283، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 22/ 59، وشرح الزركشي 5/ 362، والمبدع 7/ 233، وكشاف القناع 5/ 222.
(2)
ينظر: المقنع والشرح الكبير والإنصاف 22/ 62، والمبدع 7/ 235، وكشاف القناع 5/ 222.
(3)
الهروي: نسبة إلى هراة، كورة من كور العجم وهي المدينة والصقع، أي الموضع، فالهراة اسم موضع بخراسان.
ينظر: المطلع ص 321، ولسان العرب 15/ 361، والقاموس المحيط 4/ 403.
والمروي: بسكون الراء منسوب إلى مرو، مدينة بفارس، وقد يقال أيضًا في النسبة إليه: مروي ومروزي وهو على غير قياس.
ينظر: المطلع ص 321، ولسان العرب 15/ 276، والقاموس المحيط 4/ 389.
هروي في الذمة، وعليها أن تعطيه سليما؛ لأن الإطلاق يقتضي السلامة.
و(لا) يصح الخلع (بلا عوض، ولا) بعوض (محرم) يعلمانه (1) كخمر أو خنزير، فيقع الخلع رجعيا بنية طلاق؛ لأن الخلع من كنايات الطلاق، فإذا نواه به وقع، وقد خلا عن العوض فكان رجعيا، فإن لم ينو به طلاقا فلغو: وإن لم يعلماه محرما كعلى عبد فبان حرا أو مستحقا، أو على خل فبان خمرا أو مستحقا صح الخلع وله بدله؛ لأن الخلع معاوضة بالبضع فلا يفسد بفساد العوض كالنكاح، وإن بان معيبا فله أرشه أو قيمته.
ويحرم الخلع (ولا) يصح (حيلة لإسقاط) يمين (طلاق)؛ لأن الحيل خداع لا تحل ما حرم اللَّه، ولا يسقط ما بين متخالعين من حقوق نكاح كمهر ونفقة أو قرض بسكوت عنها حال خلع، فيتراجعان بما بينهما من الحقوق؛ لأن ذلك لا يسقط بلفظ الطلاق فلا يسقط بالخلع كسائر الحقوق، ولا يسقط ما بينهما من نفقة عدة حامل ولا بقية ما خولع ببعضه كسائر الفسوخ، وكالفرقة بلفظ الطلاق.
(وإذا قال) لزوجته: (متى) أعطيتني ألفا فأنت طالق، (أو) قال لها:(إذا) أعطيتني (أو إن أعطيتني ألفا فأنت طالق) لزم التعليق من جهته، فليس له إبطاله، فأي وقت أعطته على صفة يمكنه القبض ألفا فأكثر وازنه بإحضاره للزوج وإذنها في قبضه، وإن لم يقبضه بيده ولو مع نقص في العدد اكتفاء بتمام الوزن (طلقت بـ) مجرد (عطيته) الألف (ولو تراخت) العطية لوجود الصفة وملكه، لأنه إعطاء شرعي يحنث به من حلف لا يعطي فلانا شيئا إذا فعله معه، فإن هرب الزوج قبل عطيتها أو
(1) ينظر: المغني 10/ 295، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 22/ 47، والمبدع 7/ 230 - 231، وكشاف القناع 5/ 219 - 220.
قالت: يضمنه لك زيد، أو أجعله قصاصًا مما لي عليك، أو أعطته به رهنًا، أو أحالته به، أو نقصت الألف وزنًا، أو أعطته سبيكة لم يقع لعدم وجود الصفة.
(وإِنْ قَالت) لزوجها: (اخْلَعْنِي بألفٍ أوْ على ألفٍ) أو ولك ألف، أو قالت له: طلقني بألفٍ أو على ألفٍ أو لك ألف، أو قالت له: إن خلعتني فلك ألف أو فأنت برئ من ألف، أو قالت له: إن طلقتني فلك ألف، أو أنت برئ من ألف (فَفَعَلَ) أي فقال لها: خلعتك أو طلقتك جوابًا لقولها: اخلعني أو طلقني ولو لم يذكر الألف مع قوله: خلعتك أو طلقتك (بَانَتْ) منه (وَاسْتَحَقَّهَا) -أي الألف-؛ لأن قوله: خلعتك أو طلقتك جوابا لما استدعته منه، والسؤال كالمعاد في الجواب، أشبه ما لو قال: بعني عبدك بألف فقال: بعتكه ولم يذكر الألف، ويكون من غالب نقد البلد إن ثم نقود إن أجابها على الفور، ولها الرجوع قبل إجابته لأنه إنشاء منها على سبيل المعاوضة فلها الرجوع قبل تمامه بالجواب كالبيع.