الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فصل) في حكم العيوب فى النكاح
أي ما يثبت به الخيار منها وما لا خيار به (وعيب نكاح) المثبت للخيار (ثلاثة أنواع) أي أقسام: -
(نوع مختص بالرجل) وثبوت الخيار لأحد الزوجين إذا وجد بالآخر عيبا في الجملة روي عن عمر (1) وابنه (2) وابن عباس (3)؛ لأنه يمنع الوطء فأثبت الخيار كالجب والعنة، ولأن المرأة أحد العوضين في النكاح فجاز ردها بعيب كالصداق، ولأن الرجل أحد الزوجين فثبت له الخيار بالعيب في الآخر كالمرأة، وأما العمى والزمانة (4) ونحوهما فلا يمنع المقصود بالنكاح وهو الوطء بخلاف الجذام والبرص والجنون ونحوها (5) فإنها توجب نفرة تمنع من قربانه بالكلية و [المجنون](6) يخاف منه الجناية فهو كالمانع الحسي.
(1) أخرجه الإمام مالك برقم (1119) الموطأ ص 332، وعبد الرزاق برقم (10679) المصنف 6/ 244، وسعيد برقم (818 - 819) سنن سعيد بن منصور 3/ 1/ 245، وابن أبي شيبة في الكتاب المصنف 4/ 175، والدارقطني في سننه 3/ 266، وابن حزم في المحلى 10/ 109 - 110، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 214 - 215، والأثر قال الحافظ ابن حجر:"أخرجه سعيد بن منصور ومالك وابن أبي شيبة ورجاله ثقات". وكذا قال أبو الطيب في التعليق المغني 3/ 267.
(2)
أخرجه ابن حزم في المحلى 10/ 112، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 214 مرفوعا وضعفه.
(3)
أخرجه الدارقطني في سننه 3/ 266 - 276، وابن حزم في المحلى 10/ 110، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 215، قال أبو الطيب في التعليق المغني 3/ 266:"فيه الحسن بن عمارة وهو متروك".
(4)
أي: العاهة. ينظر: لسان العرب 13/ 199.
(5)
في الأصل: ونحوهما.
(6)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 49.
والنوع الذي يختص بالرجل (كجب)، أي قطع الذكر كله أو بعضه بحيث لم يبق منه ما يطأ به أو أشله، فإذا وجدت المرأة زوجها مقطوع الذكر أو أشله فلها الفسخ في الحال، فإن أمكن وطؤه بالباقي فادعاه وأنكرته قبل قولها في عدم إمكانه؛ لأنه يضعف بالقطع، والأصل عدم الوطء، أو وجدته قد قطع خصيتاه أو رض بيضتاه -أي عرقهما حتى ينفسخا- أو سلا؛ لأن فيه نقصا يمنع الوطء ويضعفه، (و) كـ (عنة) أي عجز عن الوطء وربما اشتهاه ولا يمكنه، من عن الشيء إذا اعترض لأن ذكره يعن إذا أراد إيلاجه -أي يعترض- (1).
(ونوع) -أي قسم- من العيوب (مختص بالمرأة) وهو النوع الثاني من العيوب المثبتة للخيار (كسد فرج) بحيث لا يسلكه ذكر، (و) إن كان ذلك بأصل الخلقة فهو (رتق)، والرتق: تلاحم الشفرين خلقة، وإلا يكن بأصل الخلقة فهو قرن وعفل، فهما شيء واحد، وقيل: القرن لحم زائد ينبت في الفرج فيسده، والعفل: ورم يكون في اللحمة التي بين مسلكي المرأة فيضيق منه فرجها فلا ينفذ فيه الذكر، حكاه الأزهري (2). وقيل: القرن عظم، والعفل رغوة فيه تمنع لذة الوطء، ويثبت به الخيار على كل الأقوال، وكبخر في فرج أو قروح سيالة أو كونها فتقاء بانخراق ما بين سبيليها، أو ما بين مخرج بول ومني، أو كونها مستحاضة، فيثبت للزوج الخيار بكل من هذه.
(ونوع مشترك بينهما) -أي بين الرجل والمرأة- وهو النوع الثالث من العيوب المثبتة للخيار (كجنون) ولو أحيانا، وإن زال العقل بمرض فإغماء لا خيار به فإن زال
(1) ينظر: القاموس المحيط 4/ 249، والتعريفات ص 203، والمطلع ص 319.
(2)
كتاب الزاهر ص 208، وينظر: لسان العرب 13/ 334 - 335.
المرض ودام فجنون، (و) كـ (جذام) ويرص وبخر فم -أي نتنه- ومما يخففه السواك، قال بعضهم: والدواء القوي لعلاجه أن يتغرغر بالصبر ثلاثة أيام على الريق ووسط النهار وعند النوم ويتمضمض بالخردل بعد الثلاثة ثلاثة أيام أخر يفعل ذلك في كل ما يتغير فيه فمه إلى أن يبرأ، وإمساك الذهب في الفم يزيل البخر، وكاستطلاق بول ونجو (1) وباسور وناصور -دآءن بالمقعدة معروفان-، وقرع رأس له ريح منكرة (2)، وكون أحدهما خنثى غير مشكل، (فيفسخ بكل من ذلك) لما فيه من النفرة أو النقص أو خوف تعدي أذاه أو تعدي نجاسته، (ولو حدث) ذلك (بعد دخول)؛ لأنه عيب في النكاح يثبت به الخيار مقارنا فاثبته طارئا كالإعسار، ولأنه عقد على منفعة فحدوث العيب بها يثبت الخيار كالإجارة، أو كان بالفاسخ عيب مثله أو مغاير له.
و(لا) يثبت الخيار (بنحو عمى) وعور (وطرشى) وخرس وعرج (وقطع يد أو) قطع (رجل) وقرع لا ريح له، وكون أحدهما عقيما أو نضوا (3)؛ لأن ذلك لا يمنع الاستمتاع ولا يخشى تعديه (إلا بشرط) الزوج نفي ذلك فإن بانت بخلافه فله الخيار، ولمحذا لو شرطته حرا أو ظنته وتقدم (4)، ولا يثبت خيار في عيب زال بعد عقد
(1) أي واستطلاق غائط، والنجو: ما يخرج من البطن من ريح وغائط. ينظر: لسان العرب 15/ 306.
(2)
هذه العيوب سواء المختصة بالرجل، أو بالمرأة، أو المشتركة بينهما قد قضى على الكثير منها الطب الحديث.
(3)
النضو بالكسر: المهزول من الإبل، وقيل: من جميع الدواب، وهو أكثر.
ينظر: لسان العرب 15/ 330، والقاموس المحيط 4/ 396.
(4)
ص 298.
لزوال سببه، ولا لعالم به وقته لدخوله على بصيرة.
(ومن) ادعت عنة زوجها فـ (ثبتت عنته) بإقرار أو بينة أو عدما فطلبت يمينه فنكل ولم يدع وطئا قبل دعواها (أجل سنة) هلالية ولو عبدا (من حين ترفعه إلى الحاكم)؛ لأن العجز قد يكون لعنة وقد يكون لمرض فتضرب له سنة لتمر به الفصول الأربعة فإن كان من يبس زال في فصل الرطوبة وبالعكس، وإن كان من برودة زال في فصل الحرارة، وإن كان من احتراق مزاج زال في فصل الاعتدال، فإن مضت الفصول الأربعة ولم يزل علم أنها خلقة، ولا يحتسب عليه من السنة مدة اعتزال الزوجة له، (فإن) مضت السنة (ولم يطأ) ها -أي الزوجة- (فيها) أي السنة (فلها الفسخ) لما تقدم، وثبوت الخيار لامرأة العنين بعد تأجيله سنة روي عن عمر (1) وعثمان (2) والمغيرة بن شعبة (3) وعليه فتوى فقهاء الأمصار (4)؛ لأنه قول من سمي
(1) أخرجه عبد الرزاق برقم (10720) المصنف 6/ 253، وابن أبي شيبة في الكتاب المصنف 4/ 206، والدارقطني في سننه 3/ 305، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 226، وقال الألباني في الإرواء 6/ 322: منقطع، لأنه من رواية سعيد بن المسيب عن عمر".
(2)
أورده ابن حزم في المحلى 10/ 58، وقال:"هو منقطع".
(3)
أخرجه عبد الرزاق برقم (10724) المصنف 6/ 254، وابن أبي شيبة في الكتاب المصنف 4/ 207، والدارقطني في سننه 3/ 306، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 226، وقال الألباني في الإرواء 6/ 322: أخرجه ابن أبي شيبة. . . وإسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم.
(4)
قال في المغني 10/ 82: "وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وعمرو بن دينار والنخعي وقتادة وحماد بن أبي سليمان، وعليه فتوى فقهاء الأمصار، منهم مالك وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو عبيد. . . " الخ.
من الصحابة ولا مخالف لهم، ولأنه عيب يمنع الوطء فأثبت الخيار كالجب، فإن علم أن عجزه عن الوطء لعارض كصغر ومرض يرجى زواله لم تضرب له المدة، وإن قال وطئتها وأنكرت وهي ثيب فقولها إن ثبتت عنته قبل دعواه وطئها لأن الأصل عدم الوطء وقد انضم إليه وجود ما يقتضي الفسخ وهو ثبوت العنة، وإلا تثبت عنته قبل دعواه وطئها فالقول قوله؛ لأن الأصل السلامة، وإن كانت بكرا وثبتت عنته وبكارتها أجل سنة كما لو كانت ثيبا؛ لأن وجود العذرة يدل على عدم الوطء وعليها اليمين إن قال: أزلتها وعادت لاحتمال صدقه، وإن شهد بزوالها لم يؤجل؛ لأنه لم يثبت له حكم العنين وحلف إن قالت: زالت بغيره لاحتمال صدقها، ومن اعترفت بوطء زوجها لها في قبل بنكاح ترافعا فيه ولو مرة، أو في حيض أو نفاس أو إحرام أو ردة أو صوم واجب ولو بعد ثبوت عنته فقد زالت لإقرارها بما يتضمن زوالها وهو الوطء فليس بعنين لاعترافها بما ينافي دعواها، ومجنون تثبت عنته كعاقل في ضرب المدة؛ لأن مشروعية الفسخ لدفع الضرر الحاصل بالعجز عن الوطء، ويستوي فيه المجنون والعاقل، فإن لم تثبت عنته لم تضرب له مدة، ويسقط حق زوجة عنين ومقطوع بعض ذكره بتغييب الحشفة أو قدرها من مقطوعها.
(وخيار عيب على التراخي)؛ لأنه لدفع ضرر متحقق أشبه خيار القصاص، (لكن يسقط) خيار (بما يدل على الرضا) من وطء أو تمكين مع علم
= وينظر: بدائع الصنائع 2/ 322 - 323، وبداية المجتهد 2/ 51، والأم 8/ 279، ومسائل الإمام أحمد رواية أبي داود ص 178، ورواية ابن هانئ 1/ 214، ورواية عبد اللَّه ص 344 - 345، وشرح الزركشي 5/ 261.
بالعيب، كما يسقط بقول نحو: أسقطت خياري كمشتري المعيب يسقط خياره بالقول وبما يدل على رضاه بالعيب، ولو جهل الحكم أو زاد العيب أو ظنه يسيرا فبان كثيرا كظنه البرص في قليل من جسدها فبان في كثير منه فيسقط خياره؛ لأنه من جنس ما رضي به، و (لا) يسقط الفسخ (في عنة إلا بقول) امرأة العنين:"أسقطت حقي من الخيار لعنته" ونحوه لأن العلم بعدم قدرته على الوطء لا يكون بدون التمكين فلم يكن التمكين دليل الرضا فلم يبق إلا القول.
(ولا) يصح (فسخ) من له الخيار (إلا بـ) حكم (حاكم)؛ لأنه فسخ مجتهد فيه أشبه الفسخ للإعسار بالنفقة فيفسخه الحاكم بطلب من له الخيار، أو يرده إلى من له الخيار فيفسخه ويكون كحكمه، ويصح فسخ لعيب مع غيبة زوج.
(فإن فسخ) النكاح (قبل دخول فلا مهر) لها سواء كان الفسخ من الزوج أو من الزوجة؛ لأن الفسخ إن كان منها فالفرقة من جهتها، وإن كان منه فإنما فسخ لعيب دلسته بالإخفاء فكأنه منها ولم يجعل فسخها لعيبه كأنه منه لتدليسه؛ لأن العوض من الزوج في مقابلة منافعها فإذا اختارت الفسخ مع سلامة ما عقد عليه رجع العوض إلى العاقد معها، وليس من جهتها عوض في مقابلة منافع الزوج وإنما لها الخيار لما يلحقها من الضرر لا لتعذر ما استحقت عليه في مقابلته عوضا، فلو زوج عبده بجارية آخر وجعل رقبته صداقا لها وأعتقه مالك الجارية وظهر العبد على عيب بها قبل الدخول ففسخ رجع على معتقه مالك الجارية بقيمته لأنه مهرها، (و) إن فسخ النكاح لعيب زوجة أو زوج (بعده) -أي بعد دخول- فـ (لها) -أي الزوجة- (المسمى) في عقد كما لو طرأ العيب بعد الدخول؛ لأنه يجب بالعقد ويستقر بالدخول فلا يسقط بحادث بعده، ولذلك لا يسقط بردتها، ولا بفسخ من جهتها.
(ويرجع) زوج (به) -أي بنظير مسمى- غرمه (على مغر) له من زوجة عاقلة وولي ووكيل، ويقبل قول ولي ووكيل في عدم علمه بالعيب حيث لا بينة بعلمه؛ لأن الأصل عدمه فلا غرم عليه؛ لأن التغرير من غيره، فلو وجد التغرير من زوجة وولي فالضمان على الولى؛ لأنه المباشر، ومن المرأة والوكيل الضمان بينهما نصفان (1) قاله الموفق (2)، وكذا لو تزوج رجل امرأة فأدخلوا عليه غيرها فوطئها فعليه مهر مثلها ويرجع به على من غره ويلحقه الولد إن حملت نصا للشبهة، وتجهز إليه امرأته بالمهر الأول نصا (3).
وإن طلقت المعيبة قبل دخول وقبل العلم بالعيب فعليه نصف الصداق ولا يرجع به على أحد، وكذا لو مات أحدهما قبل العلم بالعيب فلا رجوع بالصداق المستقر بالموت على أحد؛ لأن سبب الرجوع الفسخ ولم يوجد.
وليس لولي صغير أو صغيرة أو مجنون أو مجنونة أو سيد أمة تزويجهم بمعيب يرد به في النكاح لوجوب نظره لهم بما فيه الحظ والمصلحة وانتفاء ذلك في هذا العقد، ولا لولي حرة مكلفة تزويجها به بلا رضاها فلو فعل مع علمه بالعيب لم يصح النكاح، وإلا يعلم صح وله الفسح إذا علم، وفي "الإقناع" (4):"يجب الفسخ على ولي غير المكلف والمكلفة وسيد الأمة".
(1) في الأصل: نصفين.
(2)
المغني 10/ 64 - 65، وينظر: المحرر 2/ 26، وشرح الزركشي 5/ 251، والإنصاف 20/ 517 - 521.
(3)
ينظر: المغني 9/ 481، وكتاب الفروع 5/ 239 - 240، والمبدع 7/ 111، والإنصاف 20/ 521، والإقناع 3/ 201 - 203.
(4)
3/ 202.
وإن اختارت مكلفة عنينا أو مجبوبا لم يمنعها وليها؛ لأن الحق في الوطء لها دونه، وإن اختارت مجنونا أو مجذوما أو أبرص فلوليها منعها منه؛ لأن فيه عارا عليها وعلى أهلها وضررا يخشى تعديه إلى الولد؛ كمنعها من تزوجها بغير كفؤ، وإن علمت العيب بعد العقد أو حدث به بعده لم تجبر على الفسخ؛ لأن حق الولي في ابتداء العقد لا دوامه، ولهذا لو دعت وليها إلى تزويجها بعبد لم تلزمه إجابتها، ولو عتقت تحت عبد لم يملك إجبارها على الفسخ.