الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البدل، وقال ابن الحاجب:(1) إنّ ما ذكر من حروف البدل غير جامع لها ولا مانع لغيرها وبيان أنّها غير مانعة أنّ حرف البدل إنّما يعني به الحرف المبدل لا المبدل منه، بدليل أنّ العين يبدل منها وليست معدودة في حروف الإبدال باتفاق، فإذا كان كذلك فعدّه السين من حروف البدل خطأ، لأنّها لا تبدل وإنما يبدل منها قال: فقد ثبت بما ذكر أنّ الحروف المذكورة غير مانعة لأنه أدخل غيرها فيها، وبيان أنّها غير جامعة هو أنّ الصّاد والزاي يبدلان من السين ولم يعدهما هاهنا من حروف البدل وقد ذكر ذلك في المفصّل (2) انتهى كلام المذكور. وقد ذكرنا حروف الإبدال على ما رتّبها في المفصّل ونبّهنا على السين والصّاد والزاي في موضعها كما ستقف عليه. وعدّتها في المفصّل ثلاثة عشر حرفا وأولها الهمزة ثمّ الألف ثمّ الواو ثم الياء ثمّ الميم ثم النون ثم التاء ثم الهاء ثم اللام ثم الطاء ثم الدال ثم الجيم ثم السين.
القول على إبدال الهمزة من غيرها
(3)
وهي تبدل من خمسة أحرف من حروف اللين الثلاثة، ومن الهاء والعين.
ذكر إبدال الهمزة من حروف اللّين
وهو يأتي على ثلاثة أقسام:
أحدها: إبدال واجب مطّرد.
ثانيها: إبدال جائز مطّردّ.
ثالثها: إبدال غير مطّرد، والمراد: بالمطّرد جري الباب قياسا من غير حاجة إلى سماع في كلّ فرد فرد منه، والمراد بالواجب ما لا يجوز غيره، والمراد بغير المطّرد ما يتوقّف كلّ فرد فرد منه على السّماع، والمراد بالجائز ما يجوز فيه الإبدال وتركه.
- طاه زلّ» وقول بعضهم: استنجده يوم طال. وهم في نقص الصاد والزاي لثبوت صراط وزقر، وفي زيادة السين».
(1)
إيضاح المفصل «المطبوع» 2/ 392، والمخطوط، الورقة، 521 ظ.
(2)
في الأصل في التفصيل، ولعل مراده: الإيضاح في شرح المفصل لأن النص بحروفه فيه انظر 2/ 392.
(3)
المفصل، 360.
أمّا القسم الأول وهو إبدال الهمزة من حروف اللين إبدالا واجبا مطردا (1)، فله عدة صور
منها: وجوب إبدالها من ألف التأنيث في نحو: حمراء، وصحراء وعشراء وما أشبهها، وإنما وجب إبدال الهمزة من الألف المذكورة لأنّ الأصل كان حمرى وصحرى وعشرى بألف واحدة مقصورة مثل: حبلى وسكرى فزادوا قبلها ألفا أخرى تكثيرا لأبنية التأنيث ليصير له بناءان ممدود وهو باب حمراء، ومقصور وهو باب حبلى، فالتقى في آخر الكلمة ساكنان الألف الأولى المزيدة للمدّ والألف الثانية التي للتأنيث، ولم يجز حذف إحداهما لأنهم لو حذفوا الأولى لبطل المدّ الذي بنيت الكلمة عليه، ولو حذفوا الثانية زالت علامة التأنيث فلم يبق إلّا التحريك فلو حركت الأولى لبطل المد المقصود، لانقلابها همزة، لأنّ الألف لا تقبل التحريك وكانت الكلمة تؤول إلى القصر، فحرّكت الثانية فانقلبت همزة فصارت صحراء (2) فهمزة صحراء وما أشبهها بدل من ألف التأنيث/ ولذلك جمعت على صحاري بانقلاب الهمزة ياء ولو كانت أصلية لثبتت الهمزة في الجمع وكان يجب أن يقال: صحارئ بالهمز.
ومنها: وجوب إبدال الهمزة من الواو أو من الياء إذا كانتا لامين كهمزة كساء ورداء لأنّ أصل كساء كساو، بواو هي لام الفعل. لأنّه من الكسوة وأصل رداء رداي بياء هي لام الفعل لأنّه من قولهم: فلان حسن الرديّة، فوقعت الواو والياء طرفا بعد ألف زائدة وكان ينبغي أن يصحّا لسكون ما قبلهما كما صحّتا في دلو وظبي، لكنهم أعلوهما لضعفهما بالتطرف (3) ووقوعهما بعد ألف زائدة فقلبتا ألفا إمّا لعدم الاعتداد بالألف حاجزا حتّى صار حرف العلة كأنه قد ولي الفتحة التي قبل الألف وإمّا لكون الألف منزّلة منزلة الفتحة لأنّها من جوهرها فقلبوا حرف العلّة بعدها ألفا فالتقى ساكنان الألف الأولى والألف الثانية المنقلبة عن حرف العلّة، ولم يمكن حذف إحداهما لئلا
ينقلب الممدود مقصورا، فحركت الأخيرة لما تقدّم في صحراء فانقلبت
(1) المفصل، 360.
(2)
الكتاب، 4/ 214 والمقتضب، 3/ 84.
(3)
الكتاب، 4/ 381.
همزة، فالهمزة في الحقيقة في كساء ورداء إنما هي بدل من الألف التي هي بدل من الواو والياء (1).
ومنها: وجوب إبدال الهمزة من الياء في نحو: علباء وهو عصب العنق، لأنّ الأصل علباي، لقولهم: علب البعير إذا أخذه داء في جانبي عنقه وبعير معلب موسوم في علبائه (2)، ومثله حرباء (3) وإنما وجب إبدالها من الياء المذكورة لوقوع الياء طرفا بعد ألف زائدة للمدّ، فقلبت الياء ألفا ثمّ قلبت الألف همزة كما قيل في كساء (4).
ومنها: وجوب إبدال الهمزة من الواو والياء إذا كانتا عين الفعل كما في نحو:
قائل وبائع (5) لأنّهم لمّا أرادوا بناء اسم الفاعل من قال وباع زادوا قبل ألف قال وباع ألفا لبناء اسم الفاعل، كما زيدت في ضارب فاجتمع ساكنان ألف اسم الفاعل، وألف باع وقال، ولم يمكن الحذف لأنّه يزيل صيغة اسم الفاعل ويصيّره إلى لفظ الفعل، ولم يجز ردّه إلى الأصل فيقال: قاول وبايع، للزوم إعلال اسم الفاعل لاعتلال الفعل، فقلبت الألف الثانية فيهما همزة، وكسرت كما كسرت عين فاعل فهذه الهمزة بدل من ألف قال وباع، والألف بدل من الواو في قال، ومن الياء في باع كما قيل في كساء ورداء.
ومنها: وجوب إبدال الهمزة من الواو إذا كانت الواو فاء الكلمة ومعها واو أخرى لازمة نحو: أو اصل وأواقي جمع واصلة وواقية (6) وهي ما تقيك وتحفظك، كان الأصل وواصل ووواقي فلما اجتمع الواوان وجب قلب الأولى همزة لثقل ذلك، ولأنّها كانت تبقى معرضة لدخول واو العطف وواو القسم عليها فيجتمع ثلاث واوات وذلك مستثقل، فلذلك وجب أن يبدل من الواو الأولى همزة فقيل أواصل وأواقي،
(1) الكتاب، 3/ 214 والمنصف، 2/ 137 وشرح المفصل، 10/ 9 والمصنف ينقل فيه.
(2)
اللسان، علب.
(3)
الحرباء: دويّبة نحو العظاية تستقبل الشمس برأسها، القاموس المحيط، حرب.
(4)
الكتاب، 3/ 214.
(5)
المفصل، 360.
(6)
المفصل، 360 - 361: وفيه: ومن كل واو وقعت أولا شفعت بأخرى لازمة في نحو: أواصل وأواق جمعي واصلة وواقية.
قال/ (1)
…
... يا عديّ لقد وقتك الأواقي
واحترز بقوله: واو أخرى لازمة عن الواو التي تقع (2) ثانية غير لازمة، وهي ما زيدت للمدّ ساكنة نحو الثانية في قولك ووعد فإذا كانت الثانية غير لازمة لم تكن الأولى من قبيل الهمز اللازم بل الجائز فتقول: ووعد وأوعد لأنّ الثانية بمنزلة الألف من فاعل لسكونها وانضمام ما قبلها فجاز همز الأولى ولم يجب كما سيأتي في:
وجوه.
ومنها: وجوب إبدال الهمزة من الواو الأولى في تصغير واصل وواقية فتقول:
أو يصل وأويق، والأصل وويصل ووويق فأبدل من الواو الأولى همزة وجوبا كما في جمعهما (3) حسب ما تقدّم.
وأمّا القسم الثاني وهو إبدال الهمزة من حروف اللين إبدالا جائزا مطّردا (4) فله أيضا صور:
منها: إبدالها من الواو المضمومة ضمّا لازما سواء كانت الواو فاء كوجوه وكوقّتت أو عينا غير مدغم فيها كأدور وأثوب فإذا وقعت كذلك جاز إبدال الهمزة منها جوازا حسنا استثقالا للواو المضمومة لأنّها كالواوين، وجاز إبقاء الواو لأنه هو الأصل فتقول مخيّرا في ذلك بين أجوه وأقّتت بالهمز، وبين وجوه ووقتت بالواو، وكذا أدؤر وأثؤب بالهمز وأدور وأثوب بالواو (5) وإنما قال «مضمومة» أي (6) ضمّا
(1) هذا عجز بيت للمهلهل بن ربيعة التغلبي، وصدره:
ضربت صدرها إليّ وقالت
وقد ورد البيت منسوبا له في المقتضب، 4/ 214 والحلل، 201 وورد من غير نسبة في المنصف، 1/ 418 وأمالي ابن الشجري، 2/ 9 وشرح المفصل، 10/ 8 - 10.
(2)
غير واضحة في الأصل.
(3)
شرح المفصل، 10/ 10.
(4)
المفصل، 361 وفيه: والجائز إبدالها من كل واو مضمومة وقعت مفردة فاء كأجوه أو عينا غير مدغم فيها كأدؤر.
(5)
الكتاب 4/ 331 والمنصف، 1/ 212 - 218 وشرح الأشموني، 4/ 296.
(6)
زيادة يستقيم بها الكلام، لأن «ضما لازما» قد سقط من المفصل وقد بين أبو الفداء بعد، ما يفيد أنها زيادة منه.
لازما ليخرج ضمّة الإعراب نحو: هذا دلو وضمّة التقاء الساكنين نحو: اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى (1) ويمكن أن يستغنى عن قولنا: ضمّا لازما بتقييد الواو بكونها فاء أو عينا، فإذا وقعت مضمومة فاء أو عينا لا يكون ضمّها إلّا لازما حسبما ذكره في المفصل، وقال: غير مدغم فيها، ليخرج مثل: التحوّل والتضوّر، فإن إبدالها غير جائز لئلا يزول الادغام.
ومنها: جواز إبدال الهمزة من الواو المضمومة المذكورة إذا كانت عينا وكانت مشفوعة بواو أخرى مثل النّوور وهو النّيلج (2) والغوور من غار الماء غوورا (3) كلّ منهما بواوين الأولى مضمومة والثانية ساكنة، فيجوز لك أن تبدل من الأولى المضمومة همزة، ويجوز أن تبقيها واوا على حالها (4)، أما قلبها همزة فلتنزّل الواو المضمومة منزلة واوين، لأنّ الضمّة واو صغيرة فجاز القلب لاستثقال اجتماع ثلاثة أمثال، لا لاجتماع الواوين فقط، لأنّ الثانية مدّة، وأمّا إبقاؤها واوا على حالها فلأنه الأصل، ولأنّ ضمّة الواو حركة والحركة لا يكون لها حكم الواو حقيقة، ولم يكره اجتماع الواوين هنا لكون الثانية مدة.
وأمّا القسم الثالث: وهو إبدال الهمزة من حروف اللين إبدالا غير مطّرد (5) فله صور أيضا:
منها: إبدال الهمزة من الألف وهو غير مقيس عليه، وليس كلّ العرب تفعله مثل دأبة وشأبة وابيأضّ والعألم والخأتم وقوقأت الدجاجة، كلّ ذلك بإبدال الهمزة من الألف حسبما سبق بعضه في التقاء الساكنين (6).
ومنها: إبدال الهمزة من الواو التي هي غير مضمومة/ وهو أيضا إبدال غير
(1) من الآية 16 من سورة البقرة.
(2)
في اللسان، نور، والنوور: النيلج وهو دخان الشحم يعالج به الوشم ويحشى به حتى يخضرّ. ولك أن تقلب الواو المضمومة همزة.
(3)
إذا ذهب في الأرض وسفل فيها، اللسان، غور.
(4)
في الكتاب 4/ 362 والوجهان جائزان.
(5)
المفصل، 361 - 362.
(6)
شرح المفصل، 10/ 12 وانظر الكناش 2/ 194.
مقيس عليه، وغير المضمومة إمّا مكسورة أو مفتوحة أما الواو المكسورة فقد أبدلوا الهمزة منها إذا وقعت أولا إبدالا غير مطرد نحو: وشاح ووسادة ووفادة وهو اسم الوفد، فتقول: إشاح وإسادة وإفادة بهمز ذلك كله (1) وقد رأى المازنيّ (2) أنّ الإبدال من المكسورة خاصّة مقيس مطّرد وقرأ (3) أبيّ (4) وسعيد (5) من إعاء أخيه (6) أي «وعاء أخيه» وأما المكسورة الواقعة حشوا نحو: طويل، فلم تهمز بوجه، وأمّا الواو المفتوحة فقد أبدل منها الهمزة على قلّة في نحو قولهم: امرأة أناة والأصل وناة، لثقل حركتها بسبب عظم عجيزتها وفي نحو: أسماء اسم امرأة، فإنّ همزتها بدل من واو مفتوحة، لأنّ الأصل وسماء من الوسامة وهو الحسن وفي نحو:
أحد فإنّ همزته أيضا بدل من واو مفتوحة لأنّ الأصل وحّد من الوحدة، وأما ما بالدار من أحد فهمزته أصلية لأنه ليس بمعنى الوحدة (7) وفي الحديث أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى سعد بن أبي وقاص (8) يدعو ويشير بأصبعيه في الدّعاء فقال له صلى الله عليه وسلم: أحّد
(1) الكتاب، 4/ 331.
(2)
قال في المنصف، 1/ 228 - 229 واعلم أن الواو إذا كانت أولا وكانت مكسورة فمن العرب من يبدل مكانها الهمزة، ويكون ذلك مطردا فيها فيقولون في وسادة إسادة
…
وفي شرح المفصل، 10/ 14 واعلم أن أكثر أصحابنا يقفون في همز الواو المكسورة على السماع دون القياس. وانظر شرح الأشموني، 4/ 296.
(3)
انظرها في المحتسب، 1/ 348 وفي البحر، 5/ 332 وذلك مطرد في لغة هذيل.
(4)
هو أبيّ بن كعب بن قيس صحابيّ جليل من أصحاب العقبة الثانية شهد بدرا والمشاهد كلّها وهو أول من كتب للنبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ عليه القرآن، وقرأ عليه من الصحابة ابن عباس وأبو هريرة مات سنة 21 هـ وقيل 23 هـ انظر ترجمته في الإصابة، 1/ 19 وغاية النهاية، 1/ 31 وشرح صحيح الترمذي لابن العربي المالكي، 13/ 215 - 263. وطبقات الفقهاء، للشيرازي 44 - 45 وطبقات الحفاظ، للسيوطي، 5.
(5)
هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدي كان فقيها ورعا من سادات التابعين قرأ القرآن على ابن عباس وقرأ عليه أبو عمرو وقصته مع الحجاج مشهورة معروفة مات سنة 92 وقيل 95 هـ. انظر ترجمته في وفيات الأعيان، 2/ 371 وغاية النهاية، 1/ 305 وتذكرة الحفاظ، للذهبي، 1/ 73 وطبقات المفسرين، 1/ 181 وطبقات الحفاظ، 31 وطبقات الفقهاء، 82 والأعلام، 3/ 145.
(6)
من الآية 76 من سورة يوسف.
(7)
الكتاب، 4/ 331 وشرح الأشموني، 4/ 297.
(8)
هو سعد بن مالك بن أهيب بن أبي وقاص أحد العشرة وآخرهم موتا، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا، وروى عنه سعيد بن المسيب، وكان أحد الفرسان وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله وقد ولى الكوفة لعمر وهو الذي بناها ثم عزل ووليها لعثمان مات سنة 51 هـ وقيل: 54 وقيل: 56 وقيل: 57 هـ انظر ترجمته -